📁 آخر الأخبار

الزجل الأندلسي نشأته وتأثيره

 الزجل الأندلسي نشأته وتأثيره  

الزجل الأندلسي نشأته وتأثيره

الزجل الأندلسي

 محمد سيف الإسلام بـوفـلاقــــة

كلية الآداب واللُّغات، جامعة عنابة، الجزائر

الزجل الأندلسي نشأته وتأثيره  

مساهمة نشرت في جريدة الخبر الجزائرية

         يعد الزجل فناً من فنون الشعر التي استحدثت في البلاد الأندلسية،حيث ظهر بعد الموشحات،إذ يُرجح العلاّمة عبد الرحمن بن خلدون أن دخوله كان مُتأخراً،ونفهم أن ظهوره جاء بعد الموشحات، من خلال قوله:«ولما شاع فن التوشيح في أهل الأندلس،وأخذ به الجمهور لسلاسته،وتنميق كلامه،وترصيع أجزائه،نسجت العامة من أهل الأمصار على منواله،ونظموا في طريقته بلغتهم الحضرية، من غير أن يلتزموا فيه إعراباً،واستحدثوا فناً سموه الزَّجل،والتزموا النظم فيه على مناحيهم إلى هذا العهد،فجاؤوا فيه بالغرائب،واتسع فيه للبلاغة مجال بحسب لغتهم الأعجمية» )1(

       إن جميع القرائن تؤكد على أن الزجل قد جاء مُتأخراً،بعض الوقت عن فن التوشيح،أو الموشحات،فهو يندرج تحت لواء المرحلة الثالثة لتحول الشعر في بلاد الأندلس،فالمرحلة الأولى-وفق منظور الباحث مصطفى الشكعة-هي مرحلة الفصيح الذي استمر،وسوف يستمر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها،والمرحلة الثانية هي مرحلة إدخال العامية إلى الشعر مع تحوير في بناء القصيدة،وتعدد الأوزان والقوافي،فقد أُدخلت العامية من خلال الخرجة في الموشحات،والمرحلة الثالثة هي مرحلة قول منظومات عامية تلتقي مع رغبات العامة،ومن لا يُجيدون العربية من أبناء البلاد،وملوك البربر،وقد عُرفت هذه المنظومات العامية باسم الزجل )2(

         والجدير بالذكر أن النقاد العرب القدماء، قسموا الشعر العربي إلى سبعة أنواع، هي : « الشّعرُ القريضُ، والمُوشَّحُ، والدوُّبيت، والزَّجل، والمواليَّا، والكانْ وكانْ، والقوما قوما ، ومنهم من جعل الحُمَّاق من السبعة، وفي ذلك اختلاف، وعند جميع المحققين أنَّ هذه الفنون السبعة، منها ثلاثة معربة أبدًا لا يُغْتَفَرُ اللّحن فيها، وهي الشعر القريض، والموشَّح، والدُّوبيت، ومنها ثلاثة ملحونة أبدًا، وهي : الزَّجل، والكان وكان، والقوما، ومنها واحدٌ، وهو البرزخ بينهما، يحتمل الإعراب واللّحن، وهو المواليا، وقيل : لا يكون البيت منه بعض ألفاظه معربة، وبعضها ملحونة، فإنَّ هذا من أقبح العيوب التي لا تجوز، وإنّما يكون المعرّبُ منه نوعًا بمفرده، ويكون الملحون فيه ملحونًا لا يدخله الإعراب» الزجل الأندلسي نشأته وتأثيره  

            فما نفهمه من هذا النص الذي أورده الأبشيهي أن الزجل، يعد نوعاً من أنواع الشعر العربي،وإن كان مكتوباً بلغة غير فصيحة،لغة الحديث اليومي بين عامة الناس، وقد وضح صفي الدين الحلي قاعدة هذه الفنون الشعرية في كتابه:«العاطل الحالي والمرخص الغالي» ، ورأى : أنَّ أهل العراق، وديار بكر، ومن يليهم يثبتون الخمسة منها، ويبدّلون الزجل والحمّاق بالحجازي، والقوما، وهما فنان، اخترعهما البغاددة للغناء بهما، في سحور شهر رمضان خاصة في عصر الخلفاء العباسيين،وعذرهم في إسقاط الزجل، هو أن أكثرهم لا يفرّقُ بين الموشح، والزجل، والمُزَنَّم ، فاخترعوا عوضه الحجازي ، كما اقتطع الواسطيّون المواليَّا، وهذا يشبه الزجل في كونه ملحونًا، وأنَّه يعد كل أربعة أقفال بيت، ويخالفه بكون القطعة منه لو بلغ عدد أبياتها ما بلغ لا تكون إلا على قافية واحدة،وعذرهم في إسقاط الحماّق، هو أنّهم لم يسمعوه أبدًا، فعوّضوا عنه بالقوما، وإذا أضفنا الفَنينِ اللذين أوردهما صفي الدين الحلي لأهل العراق، وهما الحجازي والقوما، ثم الثالث وهو المُزَنَّم، والبليق ، الذي عرفه المصريون، وبعض الشوام، كان عددها أحد عشر فنًا منظومًا، وقد اقتبس بعضها من الشعر الأندلسي المغربي، كالموشجات، والأزجال، واقتبس بعضها الآخر من بغداد، وفارس كالدوبيت ،والمواليّا )4(   

        ومن بين النصوص التي تشير إلى الجانب التاريخي في نشأة الزجل،نص أورده العلاّمة عبد الرحمن بن خلدون،جاء فيه:«أول من أبدع في هذه الطريقة الزجلية أبو بكر بن قزمان.وإن كانت قيلت قبله بالأندلس،ولكن لم تظهر حُلاها،وانسكبت معانيها،واشتهرت رشاقتها،إلا في زمانه،وكان لعهد الملثمين.وهو إمام الزجالين على الإطلاق.قال ابن سعيد: (ورأيت أزجاله مرويةً ببغداد،أكثر مما رأيتها بحواضر المغرب.قال:وسمعتُ أبا الحسن بن جُنحدر الإشبيلي،إمام الزجالين في عصرنا يقول:ما وقع لأحد من أئمة هذا الشأن مثل ما وقع لابن قزمان شيخ الصناعة)» )5(

          فما يُستنتج من مختلف الأخبار أن أبا بكر بن قزمان المتوفى سنة:554هـــــ،والذي عاش في ظل حكم المرابطين بالأندلس،هو أول من أبدع في فن الزجل،ولم تُعرف الأزجال التي قيلت قبله،وربما قد يكون أخذ منها،أو اقتبس،أو استفاد.

              حيث يذكر ابن قزمان لدى تقديمه ديوانه :«ولقد كنت أرى الناس يلهجون بالمتقدمين،ويُعظمون أولئك المقدمين،ويجعلونهم في السماك الأعزل،ويرون لهم المرتبة العليا،والمقدار الأجزل،وهم لا يغرفون الطريق،ويذرون القبلة،ويمشون في التغريب والتشريق،يأتون بمعانٍ باردة،وأغراض شاردة،وألفاظ شياطينها غير ماردة،وبالإعراب، وهو أقبح ما يكون في الزجل،وأثقلُ من إقبال الأجل...» )6(

         إن ما يتضح هو أن هناك من سبقوا ابن قزمان،وحاولوا الإبداع في فن الزجل،والأمر الذي يرجح، أنهم كانت لهم قصائد شعبية،بيد أنهم لم يبلغوا مبلغه،ولم يصلوا إلى مستواه الفني،ويُمكن القول إن الزجل الذي نشأ في الأندلس،قد انقسم إلى قسمين رئيسين:زجل العامة،وزجل الشعراء المعربين.

         بالنسبة إلى زجل العامة،أو شعر العامة،فهو يتجلى في الأغنية الشعبية العامية،والتي تنبع تلقائياً لدى العامة بباعث تجربة شخصية،أو من وحي واقعة معينة،أو حدث عام،أو موقف مُعين،ثم تنتشر تدريجياً على ألسنة الناس،فيتغنون بها فرادى وجماعات.


زجل الشعراء المعربين

          أما زجل الشعراء المعربين،فيبدو أنه قد جاء تابعاً في النشأة لزجل العامة،ويبدو أن الشعراء الذين حاولوا هذا النوع من الزجل قبل عصر ابن قزمان،كانوا مدفوعين إليه،رغبة منهم في أن تنتشر أزجالهم المصطنعة بين الطبقات المثقفة كنوع من الطرافة،أو رغبة في أن يُعرفوا لدى العامة معرفتهم لدى الخاصة،ولعل دوافعه لدى بعض الشعراء المعربين أنهم وجدوا أنفسهم لايقعون مع فحول الشعراء المعاصرين لهم في شيء،فسلكوا سبيل الزجل ليتميزوا بينهم،بيد أن أولئك الشعراء الذين اصطنعوا الزجل اصطناعاً،لم يستطيعوا في مراحله الأولى أن يتخلصوا فيه من الإعراب،وهذا ما عابه عليهم ابن قزمان،حين قال: إنهم يأتون بالإعراب،وهو أقبح ما يكون في الزجل،ولم يشهد ابن قزمان لأحد من الزجالين الذين كانوا قبله بأنه كان مُجيداً لفن الزجل،ومتفوقاً فيه،باستثناء الشيخ أخطل بن نُمارة،الذي تميز بسلاسة طبعه،وإشراق معانيه،وتصرفه بأقسام الزجل وقوافيه.

          ويظهر أن الرعيل الأول من الزجالين الذين جاؤوا قبل ابن قزمان،وسمّاهم في مقدمة ديوانه ب(المتقدمين)قد ظهروا خلال القرن الخامس،ويبدو أنهم لم يجدوا العناية الكافية،فملوك ذلك الزمان لم يكونوا مهتمين بالأدب العامي،أو الشعبي كونه يُمثل انحطاطاً في المستوى )7( 

          لقد طارت شهرة ابن قزمان في الزجل ،وأضحى يحتل في ميدانه مكانة مرموقة،حيث إنه لا يُمكن لأي دارس أن يتحدث عن الزجل،دون أن يُغفل الحديث عن أزجاله،وجهوده،حيث يقول الشيخ العلاّمة صفي الدين الحلي في كتابه:(العاطل الحالي والمرخص الغالي)«واختلفوا فيمن اخترع الزجل،فقيل:إن مخترعه ابن غرلة المقدَّم ذكره،استخرجه من الموشح.وقيل:يخلُف بن راشد،وكان هو إمام الزَّجل قبل أبي بكر ابن قُزمان،وكان ينظم الجزل القوي من الكلام،فلما ظهر ابن قُزمان،ونظم السهل الرقيق،مال الناس إليه،وصار هو الإمام بعده.ونظم ينكر عليه قوة النظم زجلاً مطلعه:

زَجَلك يابن راشد قوي متين وإن كان هُوّ للقُوَّة فالحملين

     يريد:إن كان النظم بالقوة، فالحمّالون أولى به من أهل الأدب.

         وقيل:بل مخترعه مدْغليس.وهذا اسم مركب من كلمتين،أصله:مضَغَ اللِّيس.واللِّيس:جمع ليسة،وهي ليقة الدواة.وذلك أنه كان صغيراً بالكتب،فمضغ ليقة،فسُمي بذلك.ولسان المغاربة والمصريين يبدلون الضاد دالاً.فأطلق عليه هذا الاسم،وعُرف به.وكنيته في ديوانه( أبو عبد الله بن الحاجّ)،عُرف بمدغليس. والصحيح أنه ليس مخترعه،لأني وجدت في ديوانه زجلاً مدِيحاً،يذكر في آخره أنه نظمه مُعارضاً لابن قُزمان.وهذا دليل على أنه معاصره،أو متأخر عنه» )8(

          إن مدغليس يعد واحداً من الزجالين الكبار،إذ يعده أهل الأندلس خليفة لابن قزمان،ويعتبرون مكانته في الزجل موازية لمكانة أبي تمام في الشعر الفصيح،ومن بين الزجالين الذين اشتهروا بالبلاد الأندلسية:ابن جحدر الإشبيلي،وابن غرلة،و(أبو زيد البكّازور البلنسي)،و(أبو بكر بن صارم الإشبيلي)،وغيرهم.

            ويؤكد( تقي الدين أبو بكر بن حجة الحموي) أن مخترع الزجل هو ابن قُزمان،حيث يقول في هذا الصدد:«...وناهيك بهذه الصلة التي هي على مثله عايدة،واغتفر له أهل عصره اللّحن،وعدُّوه له من مطرب التلحين،فإنه أتى في نظمه بنكت تحرك العيدان،وتغني عن القوانين،ولهذا عدل قِبلة المغرب،وهو الإمام أبو بكر بن قُزمان،تغمده الله تعالى برحمته ورضوانه،واخترع فناً سمَّاهُ الزجل، لم يُسبق إليه،وجعل إعرابه لحنه،فامتدت إليه الأيدي،وعقدت الخناصر عليه.


مقالات قد تهمك

وزاريات الاغراء والتحذير

الميزان الصرفي pdf تمارين

شرح الميزان الصرفي

شرح الفية ابن مالك

المجرد والمزيد من الاسماء والافعال

اعراب واعدنا موسى اربعين ليله 

صور الخبر

قواعد الجمع في اللغة الإنجليزية pdf

التصريع في الشعر

عمل لا الناهية

رقية التعطيل فهد القرني مكتوبة pdf

اصعب الكلمات في الميزان الصرفي

   ولما نظم بلفظ العوام تمكن منه أديب الطبع،وكان قد حبس عنانه عن العربيات،ورأى بيوته واسعة الفنا،فأسكن مخدرات نكته بتلك الأبيات..» )9(

        وفي دراسة للمستشرق إميليو غرسية غومث،بعنوان:«ابن قُزمان صوتٌ في الشارع»ألقى فيها الضوء على بعض الجوانب التي لم تحظ بالعناية في حياة أبي بكر بن قُزمان،حيث ذكر أن ابن قزمان هو ذلك الصوت الذي رن في الشارع،«فجأة رنَّ صوت في الشارع:صوت ابن قُزمان،أخيراً،بين شوارع قرطبة البيضاء، غنى صوت مرح وظريف،دافئ وساخر،بوسع الغربيين أن يفهموه تماماً وفي عمق،صوت رهين مخطوطة مشرقية وحيدة،ومع ذلك ما زال يستطيع،من خلال ألف مفاجأة ومفاجأة،أن يتحدث إلينا بعامية قرطبة... » )10(

      و لاشك في أن من يرغب في دراسة تاريخ نشأة الزجل،وسيرة ابن قُزمان،صاحب فن الزجل،يجب أن يعتمد على ديوانه،فعلى الرغم من الأخبار التي وصلتنا عن سيرته،فهي تظل شحيحة،ومما يُذكر في شأن أصله أنه لم يكن عربياً خالصاً،بل إنه ينتمي إلى طبقة المولدين،ولهُ عم عُرف باسمه،وكان مثله شاعراً،وقد خلط بعض الباحثين بينهما،حيث يذكر أحد الباحثين أنه ولد في أوائل القرن الخامس الهجري،فإذا صح ذلك كانت حياة ابن قُزمان قد طالت مائة وأربعين سنة،أما المعلومات الدقيقة،فهي أنه وُلد بعد معركة الزلاقة بقليل،أي نحو سنة:1086م بمدينة قرطبة.وقد طاف بأشهر مدن الأندلس،فزار إشبيلية،وغرناطة،واتصل بأمرائها،وقد كانت وفاته،سنة:1159م،و قد كانت له معرفة باللغتين العربية والرومانيّة.

         أما ديوانه،فقد وصلت منه نسخة واحدة كُتبت بمدينة صفد بفلسطين في القرن الثامن الهجري،وقد حُفظت هذه النسخة بمكتبة(ليننجراد)،وقد قام بنشرها سنة:1933م،مستشرق تشيكي ضليع باللغة الرومانية اسمه:«نيكل»،وقد نقل الأزجال كما وجدها في النسخة الخطية،وهي رديئة الخط،وكثيرة الأخطاء،وقد جاءت فيها الكثير من المقطوعات المبهمة،والتي لا تتضح معانيها،وقد قام بعد مدة المستشرق«كولان»،بتصويب أخطائها،وقوم ألفاظها،كما نشر الأستاذ غرسية غومث ديوان ابن قزمان من جديد،في طبعة جاءت في ثلاثة مجلدات،ونشرتها دار«جريدوس»المتخصصة في نشر الدراسات الجادة والعميقة،سنة:1972م. 

           مر الزجل بتطورات مختلفة،يقسمها عدد غير قليل من المؤرخين لهذا الفن،إلى خمسة أدوار رئيسة:ففي الدور الأول ارتبطت نشأة الزجل بالأغاني الشعبية العامية التي تروج في بيئة معينة،ولا تُنسب إلى مؤلف بعينه،وقد شاعت تلك الأغاني الشعبية على ألسنة الناس منذ أواخر القرن الثالث،وفي الدور الثاني،ظهرت جماعة من الشعراء اصطنعت الزجل،وقد سمّاهم ابن قزمان في مقدمة ديوانه(المتقدمين)،واتهمهم بالتقصير في نصه الذي أوردناه سلفاً،وفي الدور الثالث،ظهر عدد من زجالي القرن السادس الهجري،أبرزهم ابن قزمان الذي ذكره ابن خلدون في مقدمته،وهو يعد إمام الزجالين على الإطلاق.

      وفي الدور الرابع يُطل مدغليس،فنلفيه يجمع في أزجاله بين القصائد الزجلية،والأزجال الحرة المطلقة من إسار الشكل التقليدي،وقد ذكره المقري في كتابه:«نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب»،بقوله:«كان مدغليس هذا مشهوراً بالانطباع والصنعة في الأزجال،خليفة ابن قزمان في زمانه،وفيه يقول أهل الأندلس:ابن قزمان في الزجالين بمنزلة المتنبي في الشعراء،ومدغليس بمنزلة أبي تمام،بالنظر إلى الانطباع والصناعة،فابن قزمان ملتفت إلى المعنى،ومدغليس ملتفت إلى اللفظ،وكان أديباً معرباً لكلامه مثل ابن قزمان،ولكنه لما رأى نفسه في الزجل اقتصر عليه» )11(

        وفي هذا الدور الرابع،ظهر عدد من الزجالين مثل ابن الزيات،بيد أن الذين ظهروا لم يُرزقوا موهبة فنية كابن قزمان،أو مدغليس،ولعل ذلك يعود إلى الظروف الصعبة التي كانت تمر بها الأندلس،فهي التي كانت السبب،حيث كانت الحرب طاحنة،وهجومات النصارى مكثفة على المسلمين،فبوادر مأساة الأندلس الكُبرى كانت تلوح في الأفق،حيث بدأت تتساقط المدن الأندلسية في أيدي الإسبان،تساقط أوراق الأشجار في الخريف،فشُغل الناس بهذا الخطر الداهم عن كل شيء آخر.

        ومع نهاية هذا الدور في القرن السابع الهجري الذي اشتدت فيه مأساة الأندلس،ازدهرت الموشحة الصوفية على أيدي ابن عربي،الذي حمله معه إلى الشرق العربي،وابن سبعين،وتلميذه المعروف بأبي الحسن الششتري،ولاشك في أن ميلاد التصوف يكون من رحم المآسي والنكبات التي تُصيب الأمة،فقد أخذت جماعات الصوفية تمشي في الأسواق،وتتغنى بأزجال الششتري،وغيره من شعراء الصوفية.


تطور الزجل الأندلسي

           أما الدور الخامس والأخير في تطور الزجل الأندلسي،فقد كان في مرحلة المائة الثامنة،ولعل أبرز الزجالين الذين ذكرهم ابن خلدون في مقدمته:الوزير لسان الدين بن الخطيب،فقد شهد له بأنه إمام النظم والنثر،وقد أورد من أزجاله المتميزة،ثلاث مقطوعات قصيرة،وذكر كذلك معاصره محمد بن عبد العظيم،وهو من أهل وادي آش،وقد كان إماماً في هذه الطريقة الزجلية في ذلك العهد،كما ذكر كذلك من الذين أبدعوا في الزجل أحد الشيوخ عُرف بأبي عبد الله اللوشي،وأورد له قصيدة زجلية طويلة.


الزجل في البلاد الأندلسية

       فتطور الزجل في البلاد الأندلسية، بصورة عامة، مرّ بخمسة أدوار متميزة،هي:دور الأغنية الشعبية،ودور الزجّالين قبل ابن قُزمان،ودور زجالي القرن السادس،وفي مقدمتهم ابن قُزمان،ثم دور شعراء الزجل في القرن السابع،وفي طليعتهم مدغليس،ثم يجيء دور شعراء الزجل في القرن الثامن )12(،وفي مقدمتهم لسان الدين بن الخطيب،ولا ريب في أن الزجل وُلد في أحضان الأغنية الشعبية،وهو نتيجة لانحطاط المستوى،وليس نتيجة للازدهار،وعلو المستوى،والصلة بين مختلف مراحل تطور الزجل تتراوح بين مد وجزر.   

كاتب
كاتب
مصطفى خميس خريج كلية اللغة العربية جامعة الإسكندرية، لعيب كرة قدم سابق لدي نادي أهلي دمنهور، مدون ومحرر اخبار ومالك عدة مواقع إلكترونية.
تعليقات