باب الحث على الصدقة ولو بشق تمرة او كلمة طيبة وانها حجاب من النار
باب الحث على الصدقة ولو بشق تمرة او كلمة طيبة وانها حجاب من النار
1687- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ اِسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَتِرَ مِنْ النَّار وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَة فَلْيَفْعَلْ» شِقّ التَّمْرَة- بِكَسْرِ الشِّين- نِصْفهَا وَجَانِبهَا، وَفيه: الْحَثّ عَلَى الصَّدَقَة، وَأَنَّهُ لَا يَمْتَنِع مِنْهَا لِقِلَّتِهَا، وَأَنَّ قَلِيلَهَا سَبَبٌ لِلنَّجَاةِ مِنْ النَّارِ.
✯✯✯✯✯✯
قَوْله: «وَلَوْ بِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ» فيه: أَنَّ الْكَلِمَة الطَّيِّبَة سَبَب لِلنَّجَاةِ مِنْ النَّار، وَهِيَ الْكَلِمَة الَّتِي فيها تَطْيِيبُ قَلْبِ إِنْسَانٍ إِذَا كَانَتْ مُبَاحَةً أَوْ طَاعَةً.
✯✯✯✯✯✯
1689- قَوْله: (حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر بْن أَبِي شَيْبَة وَأَبُو كُرَيْب قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَة عَنْ الْأَعْمَش عَنْ عَمْرو بْن مُرَّة عَنْ خَيْثَمَةَ عَنْ عَدِيّ بْن حَاتِم) هَذَا الْإِسْنَاد كُلّه كُوفِيُّونَ، وَفيه ثَلَاثَة تَابِعِيُّونَ بَعْضهمْ عَنْ بَعْض الْأَعْمَش وَعَمْرو وَخَيْثَمَة.
قَوْله: «فَأَعْرَضَ وَأَشَاحَ» هُوَ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَة وَالْحَاء الْمُهْمَلَة، وَمَعْنَاهُ: قَالَ الْخَلِيل وَغَيْره: مَعْنَاهُ نَحَّاهُ وَعَدَلَ بِهِ، وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ: الْمُشِيح: الْحَذِر وَالْجَادّ فِي الْأَمْر، وَقِيلَ: الْمُقْبِل، وَقِيلَ: الْهَارِب، وَقِيلَ: الْمُقْبِل إِلَيْك الْمَانِع لِمَا وَرَاء ظَهْرِهِ.
فَأَشَاحَ هُنَا يَحْتَمِل هَذَا الْمَعْنَى أَيْ حَذِر النَّار كَأَنَّهُ يَنْظُر إِلَيْهَا، أَوْ جَدَّ فِي الْإِيضَاح بِإِيقَانِهَا، أَوْ أَقْبَلَ إِلَيْك خِطَابًا أَوْ أَعْرَضَ كَالْهَارِبِ.
✯✯✯✯✯✯
1691- قَوْله: (مُجْتَابِي النِّمَار أَوْ الْعَبَاء) النِّمَار بِكَسْرِ النُّون جَمْع نَمِرَة بِفَتْحِهَا، وَهِيَ ثِيَاب صُوف فيها تَنْمِير، و(الْعَبَاء) بِالْمَدِّ وَبِفَتْحِ الْعَيْن جَمْع عَبَاءَة وَعَبَايَة لُغَتَانِ.
وَقَوْله: مُجْتَابِي النِّمَار أَيْ خَرَقُوهَا وَقَوَّرُوا وَسَطَهَا.
قَوْله: «فَتَمَعَّرَ وَجْه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» هُوَ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَة أَيْ تَغَيَّرَ.
قَوْله: «فَصَلَّى ثُمَّ خَطَبَ» فيه: اِسْتِحْبَاب جَمْع النَّاس لِلْأُمُورِ الْمُهِمَّة وَوَعَظَهُمْ وَحَثُّهُمْ عَلَى مَصَالِحِهِمْ وَتَحْذِيرهمْ مِنْ الْقَبَائِح.
قَوْله: «فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اِتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ» سَبَب قِرَاءَة هَذِهِ الْآيَة أَنَّهَا أَبْلَغُ فِي الْحَثّ عَلَى الصَّدَقَة عَلَيْهِمْ، وَلِمَا فيها مِنْ تَأَكُّد الْحَقّ لِكَوْنِهِمْ إِخْوَةً.
قَوْله: «رَأَيْت كَوْمَيْنِ مِنْ طَعَامٍ وَثِيَابٍ» هُوَ بِفَتْحِ الْكَاف وَضَمِّهَا، قَالَ الْقَاضِي: ضَبَطَهُ بَعْضُهُمْ بِالْفَتْحِ وَبَعْضُهُمْ بِالضَّمِّ.
قَالَ اِبْن سِرَاج: هُوَ بِالضَّمِّ اِسْم لِمَا كَوَّمَهُ، وَبِالْفَتْحِ الْمَرَّة الْوَاحِدَة.
قَالَ: وَالْكَوْمَة- بِالضَّمِّ- الصُّبْرَة، وَالْكَوْم الْعَظِيم مِنْ كُلّ شَيْء، وَالْكَوْم الْمَكَان الْمُرْتَفِع كَالرَّابِيَةِ.
قَالَ الْقَاضِي فَالْفَتْح هُنَا أَوْلَى، لِأَنَّ مَقْصُودَهُ الْكَثْرَةُ وَالتَّشْبِيهُ بِالرَّابِيَةِ.
قَوْله: «حَتَّى رَأَيْت وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَهَلَّل كَأَنَّهُ مُذْهَبَة»، فَقَوْله: «يَتَهَلَّل» أَيْ يَسْتَنِير فَرَحًا وَسُرُورًا.
وَقَوْله: «مَذْهَبَة» ضَبَطُوهُ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدهمَا-، وَهُوَ الْمَشْهُور وَبِهِ جَزَمَ الْقَاضِي وَالْجُمْهُور-: «مُذْهَبَة» بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ وَفَتْح الْهَاء وَبَعْدهَا بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ، وَالثَّانِي- وَلَمْ يَذْكُرْ الْحُمَيْدِيّ فِي الْجَمْع بَيْن الصَّحِيحَيْنِ غَيْره-: «مُدْهُنَة» بِدَالٍ مُهْمَلَةٍ وَضَمّ الْهَاء وَبَعْدهَا نُون، وَشَرَحَهُ الْحُمَيْدِيّ فِي كِتَابه غَرِيب الْجَمْع بَيْن الصَّحِيحَيْنِ فَقَالَ: هُوَ وَغَيْره مِمَّنْ فَسَّرَ هَذِهِ الرِّوَايَة إِنْ صَحَّتْ: الْمُدْهُن: الْإِنَاء الَّذِي يُدْهَن فيه، وَهُوَ أَيْضًا اِسْم لِلنُّقْرَةِ فِي الْجَبَل الَّتِي يُسْتَجْمَع فيها مَاء الْمَطَر؛ فَشَبَّهَ صَفَاء وَجْهه الْكَرِيم بِصَفَاءِ هَذَا الْمَاء، وَبِصَفَاءِ الدُّهْن وَالْمُدْهُن.
وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاض فِي الْمَشَارِق وَغَيْره مِنْ الْأَئِمَّة: هَذَا تَصْحِيف، وَهُوَ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة وَالْبَاء الْمُوَحَّدَة، وَهُوَ الْمَعْرُوف فِي الرِّوَايَات، وَعَلَى هَذَا ذَكَرَ الْقَاضِي وَجْهَيْنِ فِي تَفْسِيره أَحَدهمَا: مَعْنَاهُ: فِضَّة مُذْهَبَة، فَهُوَ أَبْلَغ فِي حُسْن الْوَجْه وَإِشْرَاقه، وَالثَّانِي: شَبَّهَهُ فِي حُسْنِهِ وَنُورِهِ بِالْمُذْهَبَةِ مِنْ الْجُلُود، وَجَمْعهَا مَذَاهِب، وَهِيَ شَيْء كَانَتْ الْعَرَب تَصْنَعهُ مِنْ جُلُود، وَتَجْعَل فيها خُطُوطًا مُذْهَبَة يَرَى بَعْضهَا أَثَر الْبَعْض، وَأَمَّا سَبَب سُرُوره صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفَرَحًا بِمُبَادَرَةِ الْمُسْلِمِينَ إِلَى طَاعَة اللَّه تَعَالَى، وَبَذْل أَمْوَالهمْ لِلَّهِ وَامْتِثَال أَمْر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلِدَفْعِ حَاجَة هَؤُلَاءِ الْمُحْتَاجِينَ وَشَفَقَةِ الْمُسْلِمِينَ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، وَتَعَاوُنِهِمْ عَلَى الْبِرّ وَالتَّقْوَى، وَيَنْبَغِي لِلْإِنْسَانِ إِذَا رَأَى شَيْئًا مِنْ هَذَا الْقَبِيل أَنْ يَفْرَح وَيُظْهِرَ سُرُورَهُ، وَيَكُون فَرَحُهُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَام سُنَّة حَسَنَة فَلَهُ أَجْرهَا» إِلَى آخِره، فيه: الْحَثّ عَلَى الِابْتِدَاء بِالْخَيْرَاتِ وَسَنّ السُّنَن الْحَسَنَات، وَالتَّحْذِير مِنْ اِخْتِرَاع الْأَبَاطِيل وَالْمُسْتَقْبَحَات، وَسَبَب هَذَا الْكَلَام فِي هَذَا الْحَدِيث أَنَّهُ قَالَ فِي أَوَّله: «فَجَاءَ رَجُل بِصُرَّةٍ كَادَتْ كَفُّهُ تَعْجِزُ عَنْهَا، فَتَتَابَعَ النَّاس» وَكَانَ الْفَضْل الْعَظِيم لِلْبَادِي بِهَذَا الْخَيْر، وَالْفَاتِح لِبَابِ هَذَا الْإِحْسَان.
وَفِي هَذَا الْحَدِيث تَخْصِيص قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلّ مُحْدَثَة بِدْعَة وَكُلّ بِدْعَة ضَلَالَة»، وَأَنَّ الْمُرَاد بِهِ الْمُحْدَثَات الْبَاطِلَة وَالْبِدَع الْمَذْمُومَة، وَقَدْ سَبَقَ بَيَان هَذَا فِي كِتَاب صَلَاة الْجُمُعَة، وَذَكَرْنَا هُنَاكَ أَنَّ الْبِدَع خَمْسَة أَقْسَام: وَاجِبَة وَمَنْدُوبَة وَمُحَرَّمَة وَمَكْرُوهَة وَمُبَاحَة.
قَوْله: (عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن هِلَال الْعَبْسِيّ) هُوَ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَة.
باب الحث على الصدقة ولو بشق تمرة او كلمة طيبة وانها حجاب من النار
باب الحث على الصدقة ولو بشق تمرة او كلمة طيبة وانها حجاب من النار