باب وجوب الدم على المتمتع وانه اذا عدمه لزمه صوم ثلاثة ايام في الحج وسبعة اذا رجع الى اهله
باب وجوب الدم على المتمتع وانه اذا عدمه لزمه صوم ثلاثة ايام في الحج
2159- قَوْله: «عَنْ اِبْن عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ: تَمَتَّعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّة الْوَدَاع بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجّ، وَأَهْدَى وَسَاقَ مَعَهُ الْهَدْي مِنْ ذِي الْحُلَيْفَة، وَبَدَأَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ، ثُمَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ، وَتَمَتَّعَ النَّاس مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجّ» قَالَ الْقَاضِي: قَوْله: «تَمَتَّعَ» هُوَ مَحْمُول عَلَى التَّمَتُّع اللُّغَوِيّ وَهُوَ الْقِرَان آخِرًا، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْرَمَ أَوَّلًا بِالْحَجِّ مُفْرِدًا، ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ فَصَارَ قَارِنًا فِي آخِر أَمْره، وَالْقَارِن هُوَ مُتَمَتِّع مِنْ حَيْثُ اللُّغَة، وَمِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى لِأَنَّهُ تَرَفُّه بِاتِّحَادِ الْمِيقَات وَالْإِحْرَام وَالْفِعْل، وَيَتَعَيَّن هَذَا التَّأْوِيل هُنَا لِمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْأَبْوَاب السَّابِقَة مِنْ الْجَمْع بَيْن الْأَحَادِيث فِي ذَلِكَ.
وَمِمَّنْ رَوَى إِفْرَاد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِبْن عُمَر الرَّاوِي هُنَا وَقَدْ ذَكَرَهُ مُسْلِم بَعْد هَذَا.
وَأَمَّا قَوْله: بَدَأَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَأَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ فَهُوَ مَحْمُول عَلَى التَّلْبِيَة فِي أَثْنَاء الْإِحْرَام، وَلَيْسَ الْمُرَاد أَنَّهُ أَحْرَمَ فِي أَوَّل أَمْره بِعُمْرَةٍ، ثُمَّ أَحْرَمَ بِحَجٍّ، لِأَنَّهُ يُفْضِي إِلَى مُخَالَفَة الْأَحَادِيث السَّابِقَة، وَقَدْ سَبَقَ بَيَان الْجَمْع بَيْن الرِّوَايَات فَوَجَبَ تَأْوِيل هَذَا عَلَى مُوَافَقَتهَا، وَيُؤَيِّد هَذَا التَّأْوِيل قَوْله: «تَمَتَّعَ النَّاس مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجّ» وَمَعْلُوم أَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ أَوْ أَكْثَرهمْ أَحْرَمُوا بِالْحَجِّ أَوَّلًا مُفْرَدًا، وَإِنَّمَا فَسَخُوهُ إِلَى الْعُمْرَة آخِرًا فَصَارُوا مُتَمَتِّعِينَ.
فَقَوْله: «وَتَمَتَّعَ النَّاس» يَعْنِي فِي آخِر الْأَمْر.
وَاَللَّه أَعْلَم.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَهْدَى فَلْيَطُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَة وَلْيُقَصِّرْ وَلْيَحْلِلْ، ثُمَّ لِيُهِلّ بِالْحَجِّ وَلْيُهْدِ، فَمَنْ لَمْ يَجِد هَدْيًا فَلْيَصُمْ ثَلَاثَة أَيَّام فِي الْحَجّ وَسَبْعَة إِذَا رَجَعَ إِلَى أَهْله» أَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَلْيَطُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَة وَلْيُقَصِّرْ وَلْيَحْلِلْ» فَمَعْنَاهُ يَفْعَل الطَّوَاف وَالسَّعْي وَالتَّقْصِير، وَقَدْ صَارَ حَلَالًا، وَهَذَا دَلِيل عَلَى أَنَّ التَّقْصِير أَوْ الْحَلْق نُسُك مِنْ مَنَاسِك الْحَجّ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح فِي مَذْهَبنَا، وَبِهِ قَالَ جَمَاهِير الْعُلَمَاء، وَقِيلَ: إِنَّهُ اِسْتِبَاحَة مَحْظُور وَلَيْسَ بِنُسُكٍ، وَهَذَا ضَعِيف، وَسَيَأْتِي إِيضَاحه فِي مَوْضِعه إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى، وَإِنَّمَا أَمَرَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالتَّقْصِيرِ وَلَمْ يَأْمُر بِالْحَلْقِ مَعَ أَنَّ الْحَلْق أَفْضَل لِيَبْقَى لَهُ شَعْر يَحْلِقهُ فِي الْحَجّ، فَإِنَّ الْحَلْق فِي تَحَلُّل الْحَجّ أَفْضَل مِنْهُ فِي تَحَلُّل الْعُمْرَة.
وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَلْيَحْلِلْ» فَمَعْنَاهُ وَقَدْ صَارَ حَلَالًا فَلَهُ فِعْل مَا كَانَ مَحْظُورًا عَلَيْهِ فِي الْإِحْرَام مِنْ الطِّيب وَاللِّبَاس وَالنِّسَاء وَالصَّيْد وَغَيْر ذَلِكَ، وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ثُمَّ لِيُهِلّ بِالْحَجِّ» فَمَعْنَاهُ: يُحْرِم بِهِ فِي وَقْت الْخُرُوج إِلَى عَرَفَات لَا أَنَّهُ يُهِلّ بِهِ عَقِب تَحَلُّل الْعُمْرَة، وَلِهَذَا قَالَ: «ثُمَّ لِيُهِلّ» فَأَتَى بِثُمَّ الَّتِي هِيَ لِلتَّرَاخِي وَالْمُهْلَة.
وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَلْيُهْدِ» فَالْمُرَاد بِهِ هَدْي التَّمَتُّع فَهُوَ وَاجِب بِشُرُوطٍ اِتَّفَقَ أَصْحَابنَا عَلَى أَرْبَعَة مِنْهَا، وَاخْتَلَفُوا فِي ثَلَاثَة.
أَحَد الْأَرْبَعَة أَنْ يُحْرِم بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُر الْحَجّ، الثَّانِي أَنْ يَحُجّ مِنْ عَامه، الثَّالِث أَنْ يَكُون أَفَقِيًّا لَا مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِد، وَحَاضِرُوهُ أَهْل الْحَرَم وَمَنْ كَانَ مِنْهُ عَلَى مَسَافَة لَا تُقْصَر فيها الصَّلَاة.
الرَّابِع أَلَّا يَعُود إِلَى الْمِيقَات لِإِحْرَامِ الْحَجّ.
وَأَمَّا الثَّلَاثَة فَأَحَدهَا نِيَّة التَّمَتُّع، وَالثَّانِي كَوْن الْحَجّ وَالْعُمْرَة فِي سَنَة فِي شَهْر وَاحِد، الثَّالِث كَوْنهمَا عَنْ شَخْص وَاحِد.
وَالْأَصَحّ أَنَّ هَذِهِ الثَّلَاثَة لَا تُشْتَرَط.
وَاَللَّه أَعْلَم.
وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَمَنْ لَمْ يَجِد هَدْيًا» فَالْمُرَاد لَمْ يَجِدهُ هُنَاكَ إِمَّا لِعَدَمِ الْهَدْي، وَإِمَّا لِعَدَمِ ثَمَنه، وَإِمَّا لِكَوْنِهِ يُبَاع بِأَكْثَر مِنْ ثَمَن الْمِثْل، وَإِمَّا لِكَوْنِهِ مَوْجُودًا لَكِنَّهُ لَا يَبِيعهُ صَاحِبه، فَفِي كُلّ هَذِهِ الصُّوَر يَكُون عَادِمًا لِلْهَدْيِ فَيَنْتَقِل إِلَى الصَّوْم سَوَاء كَانَ وَاجِدًا لِثَمَنِهِ فِي بَلَده أَمْ لَا.
وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَمَنْ لَمْ يَجِد هَدْيًا فَلْيَصُمْ ثَلَاثَة أَيَّام فِي الْحَجّ وَسَبْعَة إِذَا رَجَعَ» فَهُوَ مُوَافِق لِنَصِّ كِتَاب اللَّه تَعَالَى، وَيَجِب صَوْم هَذِهِ الثَّلَاثَة قَبْل يَوْم النَّحْر، وَيَجُوز صَوْم يَوْم عَرَفَة مِنْهَا، لَكِنْ الْأَوْلَى أَنْ يَصُوم الثَّلَاثَة قَبْله، وَالْأَفْضَل أَلَّا يَصُومهَا حَتَّى يُحْرِم بِالْحَجِّ بَعْد فَرَاغه مِنْ الْعُمْرَة، فَإِنْ صَامَهَا بَعْد فَرَاغه مِنْ الْعُمْرَة وَقَبْل الْإِحْرَام بِالْحَجِّ أَجْزَأَهُ عَلَى الْمَذْهَب الصَّحِيح عِنْدنَا، وَإِنْ صَامَهَا بَعْد الْإِحْرَام بِالْعُمْرَةِ وَقَبْل فَرَاغهَا لَمْ يُجْزِهِ عَلَى الصَّحِيح، فَإِنْ لَمْ يَصُمْهَا قَبْل يَوْم النَّحْر وَأَرَادَ صَوْمهَا فِي أَيَّام التَّشْرِيق فَفِي صِحَّته قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ لِلشَّافِعِيِّ أَشْهَرهمَا فِي الْمَذْهَب أَنَّهُ لَا يَجُوز، وَأَصَحّهمَا مِنْ حَيْثُ الدَّلِيل جَوَازه.
هَذَا تَفْصِيل مَذْهَبنَا.
وَوَافَقَنَا أَصْحَاب مَالِك فِي أَنَّهُ لَا يَجُوز صَوْم الثَّلَاثَة قَبْل الْفَرَاغ مِنْ الْعُمْرَة.
وَجَوَّزَهُ الثَّوْرِيّ وَأَبُو حَنِيفَة، وَلَوْ تَرَكَ صِيَامهَا حَتَّى مَضَى الْعِيد وَالتَّشْرِيق لَزِمَهُ قَضَاؤُهَا عِنْدنَا.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة: يَفُوت صَوْمهَا وَيَلْزَمهُ الْهَدْي إِذَا اِسْتَطَاعَهُ.
وَاَللَّه أَعْلَم.
وَأَمَّا صَوْم السَّبْعَة فَيَجِب إِذَا رَجَعَ.
وَفِي الْمُرَاد بِالرُّجُوعِ خِلَاف.
الصَّحِيح فِي مَذْهَبنَا أَنَّهُ إِذَا رَجَعَ إِلَى أَهْله، وَهَذَا هُوَ الصَّوَاب، لِهَذَا الْحَدِيث الصَّحِيح الصَّرِيح.
وَالثَّانِي إِذَا فَرَغَ مِنْ الْحَجّ وَرَجَعَ إِلَى مَكَّة مِنْ مِنًى، وَهَذَا الْقَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ وَمَالِك.
وَبِالثَّانِي قَالَ أَبُو حَنِيفَة.
وَلَوْ لَمْ يَصُمْ الثَّلَاثَة وَلَا السَّبْعَة حَتَّى عَادَ إِلَى وَطَنه لَزِمَهُ صَوْم عَشَرَة أَيَّام.
وَفِي اِشْتِرَاط التَّفْرِيق بَيْن الثَّلَاثَة وَالسَّبْعَة إِذَا أَرَادَ صَوْمهَا خِلَاف قِيلَ: لَا يَجِب.
وَالصَّحِيح أَنَّهُ يَجِب التَّفْرِيق الْوَاقِع فِي الْأَدَاء، وَهُوَ بِأَرْبَعَةِ أَيَّام وَمَسَافَة الطَّرِيق بَيْن مَكَّة وَوَطَنه.
وَاَللَّه أَعْلَم.
قَوْله: «وَطَافَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين قَدِمَ مَكَّة وَاسْتَلَمَ الرُّكْن أَوَّل شَيْء ثُمَّ خَبَّ ثَلَاثَة أَطَوَاف» مِنْ السَّبْع وَمَشَى أَرْبَعَة أَطَوَاف إِلَى آخِر الْحَدِيث.
فيه إِثْبَات طَوَاف الْقُدُوم، وَاسْتِحْبَاب الرَّمَل فيه، وَأَنَّ الرَّمَل هُوَ الْخَبَب، وَأَنَّهُ يُصَلِّي رَكْعَتَيْ الطَّوَاف، وَأَنَّهُمَا يُسْتَحَبَّانِ خَلْف الْمَقَام، وَقَدْ سَبَقَ بَيَان هَذَا كُلّه وَسَنَذْكُرُهُ أَيْضًا حَيْثُ ذَكَرَهُ مُسْلِم بَعْد هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
باب وجوب الدم على المتمتع وانه اذا عدمه لزمه صوم ثلاثة ايام في الحج