باب السم
باب السم
4060- قَوْله: «إِنَّ يَهُودِيَّة أَتَتْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَاةٍ مَسْمُومَة، فَأَكَلَ مِنْهَا، فَجِيءَ بِهَا إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلَهَا عَنْ ذَاكَ قَالَتْ: أَرَدْت لِأَقْتُلك قَالَ: وَمَا كَانَ اللَّه لِيُسَلِّطك عَلَى ذَاكَ قَالَ: أَوْ قَالَ: عَلَيَّ قَالُوا: أَلَا نَقْتُلهَا؟.
قَالَ: لَا.
قَالَ: فَمَا زِلْت أَعْرِفهَا فِي لَهَوَات رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ».
وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: «جَعَلَتْ سُمًّا فِي لَحْم» أَمَّا (السُّمّ) فَبِفَتْحِ السِّين وَضَمّهَا وَكَسْرهَا، ثَلَاث لُغَات، الْفَتْح أَفْصَح، جَمْعه سِمَام وَسُمُوم.
وَأَمَّا (اللَّهَوَات) فَبِفَتْحِ اللَّام وَالْهَاء جَمْع لَهَاة بِفَتْحِ اللَّام، وَهِيَ اللَّحْمَة الْحَمْرَاء الْمُعَلَّقَة فِي أَصْل الْحَنَك.
قَالَهُ الْأَصْمَعِيّ، وَقِيلَ: اللَّحْمَات اللَّوَاتِي فِي سَقْف أَقْصَى الْفَم.
وَقَوْله: «مَا زِلْت أَعْرِفهَا» أَيْ الْعَلَامَة، كَأَنَّهُ بَقِيَ لِلسُّمِّ عَلَامَة وَأَثَر مِنْ سَوَاد أَوْ غَيْره.
وَقَوْلهمْ: «أَلَا نَقْتُلهَا» هِيَ بِالنُّونِ فِي أَكْثَر النُّسَخ، وَفِي بَعْضهَا بِتَاءِ الْخِطَاب.
وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا كَانَ اللَّه لِيُسَلِّطك عَلَى ذَاكَ أَوْ قَالَ: عَلَيَّ» فيه بَيَان عِصْمَته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ النَّاس كُلّهمْ كَمَا قَالَ اللَّه: {وَاللَّهُ يَعْصِمُك مِنْ النَّاسِ} وَهِيَ مُعْجِزَة لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَلَامَته مِنْ السُّمّ الْمُهْلِك لِغَيْرِهِ، وَفِي إِعْلَام اللَّه تَعَالَى لَهُ بِأَنَّهَا مَسْمُومَة، وَكَلَام عُضْو مِنْهُ لَهُ، فَقَدْ جَاءَ فِي غَيْر مُسْلِم أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ الذِّرَاع تُخْبِرنِي أَنَّهَا مَسْمُومَة» وَهَذِهِ الْمَرْأَة الْيَهُودِيَّة الْفَاعِلَة لِلسُّمِّ اِسْمهَا زَيْنَب بِنْت الْحَارِث أُخْت مَرْحَب الْيَهُودِيّ، رَوَيْنَا تَسْمِيَتهَا هَذِهِ فِي مَغَازِي مُوسَى بْن عُقْبَة، وَدَلَائِل النُّبُوَّة لِلْبَيْهَقِيّ.
قَالَ الْقَاضِي عِيَاض: وَاخْتَلَفَ الْآثَار وَالْعُلَمَاء هَلْ قَتَلَهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْ لَا؟ فَوَقَعَ فِي صَحِيح مُسْلِم: «أَنَّهُمْ قَالُوا: أَلَا نَقْتُلهَا؟ قَالَ: لَا» وَمِثْله عَنْ أَبِي هُرَيْرَة وَجَابِر، وَعَنْ جَابِر مِنْ رِوَايَة أَبِي سَلَمَة أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتَلَهَا.
وَفِي رِوَايَة اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَفَعَهَا إِلَى أَوْلِيَاء بِشْر بْن الْبَرَاء بْن مَعْرُور، وَكَانَ أَكَلَ مِنْهَا فَمَاتَ بِهَا، فَقَتَلُوهَا.
وَقَالَ اِبْن سَحْنُون: أَجْمَع أَهْل الْحَدِيث أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتَلَهَا.
قَالَ الْقَاضِي: وَجْه الْجَمْع بَيْن هَذِهِ الرِّوَايَات وَالْأَقَاوِيل أَنَّهُ لَمْ يَقْتُلهَا أَوَّلًا حِين اِطَّلَعَ عَلَى سُمّهَا.
وَقِيلَ لَهُ: اُقْتُلْهَا فَقَالَ: لَا، فَلَمَّا مَاتَ بِشْر بْن الْبَرَاء مِنْ ذَلِكَ سَلَّمَهَا لِأَوْلِيَائِهِ فَقَتَلُوهَا قِصَاصًا، فَيُصْبِح قَوْلهمْ: لَمْ يَقْتُلهَا أَيْ فِي الْحَال، وَيَصِحّ قَوْلهمْ: قَتَلَهَا أَيْ بَعْد ذَلِكَ.
وَاللَّهُ أَعْلَم.
باب السم باب السم
۞۞۞۞۞۞۞۞
كتاب السلام ﴿ 18 ﴾
۞۞
۞۞۞۞۞۞