باب تحريم الكذب وبيان ما يباح منه
باب تحريم الكذب وبيان ما يباح منه
4717- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ الْكَذَّاب الَّذِي يُصْلِح بَيْن النَّاس، وَيَقُول خَيْرًا، أَوْ يُنْمِي خَيْرًا» هَذَا الْحَدِيث مُبَيِّن لِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْبَاب قَبْله، وَمَعْنَاهُ لَيْسَ الْكَذَّاب الْمَذْمُوم الَّذِي يُصْلِح بَيْن النَّاس، بَلْ هَذَا مُحْسِن.
قَوْله: (قَالَ اِبْن شِهَاب: وَلَمْ أَسْمَع يُرَخِّص فِي شَيْء مِمَّا يَقُول النَّاس كَذِب إِلَّا فِي ثَلَاث: الْحَرْب، وَالْإِصْلَاح بَيْن النَّاس، وَحَدِيث الرَّجُل اِمْرَأَته، وَحَدِيث الْمَرْأَة زَوْجهَا) قَالَ الْقَاضِي: لَا خِلَاف فِي جَوَاز الْكَذِب فِي هَذِهِ الصُّوَر، وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُرَاد بِالْكَذِبِ الْمُبَاح فيها مَا هُوَ؟ فَقَالَتْ طَائِفَة: هُوَ عَلَى إِطْلَاقه، وَأَجَازُوا قَوْل مَا لَمْ يَكُنْ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِع لِلْمَصْلَحَةِ، وَقَالُوا: الْكَذِب الْمَذْمُوم مَا فيه مَضَرَّة، وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ إِبْرَاهِيم صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرهمْ} وَ{إِنِّي سَقِيم} وَقَوْله: إِنَّهَا أُخْتِي وَقَوْل مُنَادِي يُوسُف صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {أَيَّتهَا الْعِير إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ} قَالُوا: وَلَا خِلَاف أَنَّهُ لَوْ قَصَدَ ظَالِم قَتْل رَجُل هُوَ عِنْده مُخْتَفٍ وَجَبَ عَلَيْهِ الْكَذِب فِي أَنَّهُ لَا يَعْلَم أَيْنَ هُوَ، وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ الطَّبَرِيُّ: لَا يَجُوز الْكَذِب فِي شَيْء أَصْلًا.
قَالُوا: وَمَا جَاءَ مِنْ الْإِبَاحَة فِي هَذَا الْمُرَاد بِهِ التَّوْرِيَة، وَاسْتِعْمَال الْمَعَارِيض، لَا صَرِيح الْكَذِب، مِثْل أَنْ يَعِد زَوْجَته أَنْ يُحْسِن إِلَيْهَا وَيَكْسُوهَا كَذَا، وَيَنْوِي إِنْ قَدَّرَ اللَّه ذَلِكَ.
وَحَاصِله أَنْ يَأْتِي بِكَلِمَاتٍ مُحْتَمَلَة، يَفْهَم الْمُخَاطَب مِنْهَا مَا يُطَيِّب قَلْبه.
وَإِذَا سَعَى فِي الْإِصْلَاح نَقَلَ عَنْ هَؤُلَاءِ إِلَى هَؤُلَاءِ كَلَامًا جَمِيلًا، وَمِنْ هَؤُلَاءِ إِلَى هَؤُلَاءِ كَذَلِكَ وَوَرَّى وَكَذَا فِي الْحَرْب بِأَنْ يَقُول لِعَدُوِّهِ: مَاتَ إِمَامكُمْ الْأَعْظَم، وَيَنْوِي إِمَامهمْ فِي الْأَزْمَان الْمَاضِيَة: أَوْ غَدًا يَأْتِينَا مَدَد أَيْ طَعَام وَنَحْوه.
هَذَا مِنْ الْمَعَارِيض الْمُبَاحَة، فَكُلّ هَذَا جَائِز.
وَتَأَوَّلُوا قِصَّة إِبْرَاهِيم وَيُوسُف وَمَا جَاءَ مِنْ هَذَا عَلَى الْمَعَارِيض.
وَاَللَّه أَعْلَم.
وَأَمَّا كَذِبه لِزَوْجَتِهِ وَكَذِبهَا لَهُ فَالْمُرَاد بِهِ فِي إِظْهَار الْوُدّ وَالْوَعْد بِمَا لَا يَلْزَم وَنَحْو ذَلِكَ، فَأَمَّا الْمُخَادَعَة فِي مَنْع مَا عَلَيْهِ أَوْ عَلَيْهَا، أَوْ أَخْذ مَا لَيْسَ لَهُ أَوْ لَهَا فَهُوَ حَرَام بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ.
وَاَللَّه أَعْلَم.
باب تحريم الكذب وبيان ما يباح منه
۞۞۞۞۞۞۞۞
كتاب البر والصلة والآداب ﴿ 27 ﴾
۞۞
۞۞۞۞۞۞