باب في المتعة بالحج والعمرة
باب في المتعة بالحج والعمرة
2135- قَوْله: «كَانَ اِبْن عَبَّاس يَأْمُرنَا بِالْمُتْعَةِ، وَكَانَ اِبْن الزُّبَيْر يَنْهَى عَنْهَا قَالَ: فَذَكَرْت ذَلِكَ لِجَابِرِ بْن عَبْد اللَّه فَقَالَ: عَلَى يَدَيَّ دَارَ الْحَدِيث تَمَتَّعْنَا مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا قَامَ عُمَر قَالَ: إِنَّ اللَّه يُحِلّ لِرَسُولِهِ مَا شَاءَ بِمَا شَاءَ، وَإِنَّ الْقُرْآن قَدْ نَزَلَ مَنَازِله، فَأَتِمُّوا الْحَجّ وَالْعُمْرَة كَمَا أَمَرَكُمْ اللَّه، وَأَبِتُّوا نِكَاح هَذِهِ النِّسَاء فَلَنْ أُوُتَى بِرَجُلٍ نَكَحَ اِمْرَأَة إِلَى أَجَل إِلَّا رَجَمْته بِالْحِجَارَةِ» وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى عَنْ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: «فَافْصِلُوا حَجّكُمْ مِنْ عُمْرَتكُمْ فَإِنَّهُ أَتَمّ لِحَجِّكُمْ وَأَتَمّ لِعُمْرَتِكُمْ» وَذَكَرَ بَعْد هَذَا مِنْ رِوَايَة أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يُفْتِي بِالْمُتْعَةِ، وَيَحْتَجّ بِأَمْرِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ، وَقَوْل عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنْ نَأْخُذ بِكِتَابِ اللَّه، فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى أَمَرَ بِالْإِتْمَامِ، وَذَكَرَ عَنْ عُثْمَان أَنَّهُ كَانَ يَنْهَى عَنْ الْمُتْعَة أَوْ الْعُمْرَة، وَأَنَّ عَلِيًّا خَالَفَهُ فِي ذَلِكَ وَأَهَلَّ بِهِمَا جَمِيعًا، وَذَكَرَ قَوْل أَبِي ذَرّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: كَانَتْ الْمُتْعَة فِي الْحَجّ لِأَصْحَابِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّة، وَفِي رِوَايَة: «رُخْصَة»، وَذَكَرَ قَوْل عِمْرَان بْن حُصَيْنٍ: «أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْمَرَ طَائِفَة مِنْ أَهْله فِي الْعَشْر فَلَمْ تَنْزِل آيَة تَفْسَخ ذَلِكَ»، وَفِي رِوَايَة: جَمَعَ بَيْن حَجّ وَعُمْرَة ثُمَّ لَمْ يَنْزِل فيها كِتَاب، وَلَمْ يُنْهَ.
قَالَ الْمَازِرِيُّ: اُخْتُلِفَ فِي الْمُتْعَة الَّتِي نَهَى عَنْهَا عُمَر فِي الْحَجّ فَقِيلَ: هِيَ فَسْخ الْحَجّ إِلَى الْعُمْرَة، وَقِيلَ: هِيَ الْعُمْرَة فِي أَشْهُر الْحَجّ، ثُمَّ الْحَجّ مِنْ عَامه، وَعَلَى هَذَا إِنَّمَا نَهَى عَنْهَا تَرْغِيبًا فِي الْإِفْرَاد الَّذِي هُوَ أَفْضَل لَا أَنَّهُ يَعْتَقِد بُطْلَانهَا أَوْ تَحْرِيمهَا.
وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاض: ظَاهِر حَدِيث جَابِر وَعِمْرَان وَأَبِي مُوسَى أَنَّ الْمُتْعَة الَّتِي اِخْتَلَفُوا فيها إِنَّمَا هِيَ فَسْخ الْحَجّ إِلَى الْعُمْرَة.
قَالَ: وَلِهَذَا كَانَ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ يَضْرِب النَّاس عَلَيْهَا، وَلَا يَضْرِبهُمْ عَلَى مُجَرَّد التَّمَتُّع فِي أَشْهُر الْحَجّ، وَإِنَّمَا ضَرَبَهُمْ عَلَى مَا اِعْتَقَدَهُ هُوَ وَسَائِر الصَّحَابَة أَنَّ فَسْخ الْحَجّ إِلَى الْعُمْرَة كَانَ مَخْصُوصًا فِي تِلْكَ السَّنَة لِلْحِكْمَةِ الَّتِي قَدَّمْنَا ذِكْرهَا.
قَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ: لَا خِلَاف بَيْن الْعُلَمَاء أَنَّ التَّمَتُّع الْمُرَاد بِقَوْلِ اللَّه تَعَالَى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجّ فَمَا اِسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْي} هُوَ الِاعْتِمَار فِي أَشْهُر الْحَجّ.
قَالَ: وَمِنْ التَّمَتُّع أَيْضًا الْقِرَان لِأَنَّهُ تَمَتُّع بِسُقُوطِ سَفَره لِلنُّسُكِ الْآخَر مِنْ بَلَده.
قَالَ: وَمِنْ التَّمَتُّع أَيْضًا فَسْخ الْحَجّ إِلَى الْعُمْرَة.
هَذَا كَلَام الْقَاضِي قُلْت: وَالْمُخْتَار أَنَّ عُمَر وَعُثْمَان وَغَيْرهمَا إِنَّمَا نَهَوْا عَنْ الْمُتْعَة الَّتِي هِيَ الِاعْتِمَار فِي أَشْهُر الْحَجّ، ثُمَّ الْحَجّ مِنْ عَامه، وَمُرَادهمْ نَهْي أَوْلَوِيَّة لِلتَّرْغِيبِ فِي الْإِفْرَاد لِكَوْنِهِ أَفْضَل، وَقَدْ اِنْعَقَدَ الْإِجْمَاع بَعْد هَذَا عَلَى جَوَاز الْإِفْرَاد وَالتَّمَتُّع وَالْقِرَان مِنْ غَيْر كَرَاهَة.
وَإِنَّمَا اِخْتَلَفُوا فِي الْأَفْضَل مِنْهَا وَقَدْ سَبَقَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَة فِي أَوَائِل هَذَا الْبَاب مُسْتَوْفَاة وَاللَّه أَعْلَم.
وَأَمَّا قَوْله فِي مُتْعَة النِّكَاح وَهِيَ نِكَاح الْمَرْأَة إِلَى أَجَل فَكَانَ مُبَاحًا ثُمَّ نُسِخَ يَوْم خَيْبَر، ثُمَّ أُبِيحَ يَوْم الْفَتْح، ثُمَّ نُسِخَ فِي أَيَّام الْفَتْح، وَاسْتَمَرَّ تَحْرِيمه إِلَى الْآن وَإِلَى يَوْم الْقِيَامَة.
وَقَدْ كَانَ فيه خِلَاف فِي الْعَصْر الْأَوَّل، ثُمَّ اِرْتَفَعَ وَأَجْمَعُوا عَلَى تَحْرِيمه، وَسَيَأْتِي بَسْط أَحْكَامه فِي كِتَاب النِّكَاح إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
باب في المتعة بالحج والعمرة