📁 آخر الأخبار

باب من فضائل عمر رضي الله تعالى عنه

 

 باب من فضائل عمر رضي الله تعالى عنه

 باب من فضائل عمر رضي الله تعالى عنه


4403- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رُؤْيَا الْمَنَام: «وَمَرَّ عُمَر وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ يَجُرُّهُ قَالُوا: مَا أَوَّلْت ذَلِكَ يَا رَسُول اللَّه؟ قَالَ: الدِّين» قَالَ أَهْل الْعِبَارَة: الْقَمِيصُ فِي النَّوْم الدِّين، وَجَرُّهُ يَدُلُّ عَلَى بَقَاء آثَاره الْجَمِيلَة وَسُنَنه الْحَسَنَة فِي الْمُسْلِمِينَ بَعْد وَفَاته لِيُقْتَدَى بِهِ.

✯✯✯✯✯✯

‏4404- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رَأَيْت قَدَحًا أُتِيت بِهِ فيه لَبَن، فَشَرِبْت مِنْهُ حَتَّى إِنِّي لَأَرَى الرِّيّ يَخْرُج مِنْ أَظْفَارِي، ثُمَّ أَعْطَيْت فَضْلِي عُمَر بْن الْخَطَّاب قَالُوا: فَمَا أَوَّلْت ذَلِكَ يَا رَسُول اللَّه؟ قَالَ: الْعِلْم» وَأَمَّا تَفْسِير اللَّبَن بِالْعِلْمِ فَلِاشْتِرَاكِهِمَا فِي كَثْرَة النَّفْع، وَفِي أَنَّهُمَا سَبَب الصَّلَاح، فَاللَّبَن غِذَاء الْأَطْفَال، وَسَبَب صَلَاحهمْ، وَقُوت لَلْأَبَدَانِ بَعْد ذَلِكَ، وَالْعِلْم سَبَبٌ لِصَلَاحِ الْآخِرَة وَالدُّنْيَا.

✯✯✯✯✯✯

‏4405- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رَأَيْتنِي عَلَى قَلِيبٍ عَلَيْهَا دَلْو، فَنَزَعْت مِنْهَا مَا شَاءَ اللَّه، ثُمَّ أَخَذَهَا اِبْن أَبِي قُحَافَة، فَنَزَعَ بِهَا ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ، وَفِي نَزْعه وَاَللَّه يَغْفِرُ لَهُ ضَعْف، ثُمَّ اِسْتَحَالَتْ غَرْبًا فَأَخَذَهَا اِبْن الْخَطَّاب، فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا مِنْ النَّاس يَنْزِعُ نَزْع عُمَر بْن الْخَطَّاب حَتَّى ضَرَبَ النَّاس بِعَطَنٍ» أَمَّا الْقَلِيبُ فَهِيَ الْبِئْر غَيْر الْمَطْوِيَّة.

وَالدَّلْو يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ.

وَالذَّنُوب بِفَتْحِ الذَّال الدَّلْو الْمَمْلُوءَة، وَالْغَرْب بِفَتْحِ الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَإِسْكَان الرَّاء، وَالدَّلْو الْعَظِيمَة.

وَالنَّزْع الِاسْتِقَاء.

وَالضُّعْف بِضَمِّ الضَّاد وَفَتْحِهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ، الضَّمُّ أَفْصَح.

وَمَعْنَى (اِسْتَحَالَتْ) صَارَتْ وَتَحَوَّلَتْ مِنْ الصِّغَر إِلَى الْكِبَر.

وَأَمَّا (الْعَبْقَرِيّ) فَهُوَ السَّيِّد، وَقِيلَ: الَّذِي لَيْسَ فَوْقه شَيْء.

وَمَعْنَى: «ضَرَبَ النَّاس بِعَطَنٍ» أَيْ أَرْوَوْا إِبِلهمْ ثُمَّ آوَوْهَا إِلَى عَطَنِهَا، وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي تُسَاقُ إِلَيْهِ بَعْد السَّقْيِ لِتَسْتَرِيحَ.

قَالَ الْعُلَمَاء: هَذَا الْمَنَام مِثَال وَاضِح لِمَا جَرَى لِأَبِي بَكْر وَعُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا فِي خِلَافَتهمَا، وَحُسْن سِيرَتِهِمَا، وَظُهُور آثَارهمَا، وَانْتِفَاع النَّاس بِهِمَا، وَكُلّ ذَلِكَ مَأْخُوذ مِنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمِنْ بَرَكَتِهِ، وَآثَار صُحْبَتِهِ.

 فَكَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ صَاحِب الْأَمْر، فَقَامَ بِهِ أَكْمَلَ قِيَام، وَقَرَّرَ قَوَاعِد الْإِسْلَام، وَمَهَّدَ أُمُوره، وَأَوْضَحَ أُصُوله وَفُرُوعه، وَدَخَلَ النَّاس فِي دِين اللَّه أَفْوَاجًا، وَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْت لَكُمْ دِينَكُمْ} ثُمَّ تُوُفِّيَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَخَلَفَهُ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ سَنَتَيْنِ وَأَشْهُرًا، وَهُوَ الْمُرَاد بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ»، وَهَذَا شَكٌّ مِنْ الرَّاوِي، وَالْمُرَاد ذَنُوبَانِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى.

 وَحَصَلَ فِي خِلَافَته قِتَال أَهْل الرِّدَّة وَقَطْعِ دَابِرهمْ، وَاتِّسَاع الْإِسْلَام.

 ثُمَّ تُوُفِّيَ فَخَلَفَهُ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ، فَاتَّسَعَ الْإِسْلَام فِي زَمَنه، وَتَقَرَّرَ لَهُمْ مِنْ أَحْكَامه مَا لَمْ يَقَعْ مِثْله.

 فَعَبَّرَ بِالْقَلِيبِ عَنْ أَمْر الْمُسْلِمِينَ لِمَا فيها مِنْ الْمَاء الَّذِي بِهِ حَيَاتُهُمْ وَصَلَاحُهُمْ، وَشَبَّهَ أَمِيرهمْ بِالْمُسْتَقِي لَهُمْ، وَسَقْيُهُ هُوَ قِيَامُهُ بِمَصَالِحِهِمْ وَتَدْبِير أُمُورهمْ.

قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ بِعَطَنٍ» سَبَقَ تَفْسِيره.

قَالَ الْقَاضِي: ظَاهِره أَنَّهُ عَائِد إِلَى خِلَافَة عُمَر خَاصَّة.

✯✯✯✯✯✯

‏4406- وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَبِي بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَفِي نَزْعه ضُعْف فَلَيْسَ فيه حَطّ مِنْ فَضِيلَة أَبِي بَكْر، وَلَا إِثْبَات فَضِيلَة لِعُمَر عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا هُوَ إِخْبَار عَنْ مُدَّةِ وِلَايَتِهِمَا، وَكَثْرَة اِنْتِفَاع النَّاس فِي وِلَايَة عُمَر لِطُولِهَا، وَلِاتِّسَاعِ الْإِسْلَام، وَبِلَاده، وَالْأَمْوَال وَغَيْرهَا مِنْ الْغَنَائِم وَالْفُتُوحَات، وَمَصَّرَ الْأَمْصَار، وَدَوَّنَ الدَّوَاوِين.

وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَاَللَّه يَغْفِر لَهُ» فَلَيْسَ فيه تَنْقِيص لَهُ، وَلَا إِشَارَة إِلَى ذَنْب، وَإِنَّمَا هِيَ كَلِمَة كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَدْعَمُونَ بِهَا كَلَامهمْ، وَنِعْمَتْ الدِّعَامَة، وَقَدْ سَبَقَ فِي الْحَدِيث فِي صَحِيح مُسْلِم أَنَّهَا كَلِمَة كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَقُولُونَهَا: اِفْعَلْ كَذَا، وَاَللَّه يَغْفِر لَك.

قَالَ الْعُلَمَاء: وَفِي كُلّ هَذَا إِعْلَام بِخِلَافَةِ أَبِي بَكْر وَعُمَر، وَصِحَّة وِلَايَتهمَا، وَبَيَان صِفَتهَا، وَانْتِفَاع الْمُسْلِمِينَ بِهَا.

قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَجَاءَنِي أَبُو بَكْر فَأَخَذَ الدَّلْو مِنْ يَدِي لِيُرَوِّحَنِي» قَالَ الْعُلَمَاء: فيه إِشَارَة إِلَى نِيَابَة أَبِي بَكْر عَنْهُ، وَخِلَافَته بَعْده، وَرَاحَته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَفَاتِهِ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا وَمَشَاقِّهَا، كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مُسْتَرِيحٌ وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ» الْحَدِيث، و:َ: «الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ»، وَ«لَا كَرْبَ عَلَى أَبِيك بَعْدَ الْيَوْم».

✯✯✯✯✯✯

‏4407- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا مِنْ النَّاس يَفْرِي فَرْيه» أَمَّا (يَفْرِي) فَبِفَتْحِ الْيَاء وَإِسْكَان الْفَاء وَكَسْر الرَّاء، وَأَمَّا (فَرْيه) فَرُوِيَ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدهمَا فَرْيه بِإِسْكَانِ الرَّاء وَتَخْفِيف الْيَاء، وَالثَّانِيَة كَسْر الرَّاء وَتَشْدِيد الْيَاء، وَهُمَا لُغَتَانِ صَحِيحَتَانِ، وَأَنْكَرَ الْخَلِيل التَّشْدِيد وَقَالَ: هُوَ غَلَط.

 وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ لَمْ أَرَ سَيِّدًا يَعْمَل عَمَله، وَيَقْطَع قَطْعه، وَأَصْل الْفَرْي بِالْإِسْكَانِ الْقَطْع.

 يُقَال: فَرَيْت الشَّيْء أَفْرِيه فَرْيًا قَطَعْته لِلْإِصْلَاحِ، فَهُوَ مَفْرِيّ، فَرِيَ وَأْفَرَيْته إِذَا شَقَقْته عَلَى جِهَة الْإِفْسَاد، وَتَقُول الْعَرَب: تَرَكْته يَفْرِي الْفَرْي إِذَا عَمَلَ الْعَمَل بِإِجَادَةٍ، وَمِنْهُ حَدِيث حَسَّان: لَأَفْرِيَنَّهُمْ فَرْيَ الْأَدِيمِ أَيْ أَقْطَعُهُمْ بِالْهِجَاءِ كَمَا يَقْطَعُ الْأَدِيمَ.

وَقِيلَ: يَعُودُ إِلَى خِلَافَة أَبِي بَكْر وَعُمَر جَمِيعًا، لِأَنَّ بِنَظَرِهِمَا وَتَدْبِيرِهِمَا وَقِيَامِهِمَا بِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ تَمَّ هَذَا الْأَمْر، وَضَرَبَ النَّاس بِعَطَنٍ؛ لِأَنَّ أَبَا بَكْر قَمَعَ أَهْل الرِّدَّة، وَجَمَعَ شَمْل الْمُسْلِمِينَ، وَأَلَّفَهُمْ، وَابْتَدَأَ الْفُتُوح، وَمَهَّدَ الْأُمُور، وَتَمَّتْ ثَمَرَات ذَلِكَ وَتَكَامَلَتْ فِي زَمَن عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا.

قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَأَنِّي أَنْزِعُ بِدَلْوِ بَكْرَة» هِيَ بِإِسْكَانِ الْكَاف وَفَتْحهَا.

قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «حَتَّى رُوِيَ النَّاس» هُوَ بِكَسْرِ الْوَاو وَالْمُخَفَّفَة، أَيْ أَخَذُوا كِفَايَتهمْ.

✯✯✯✯✯✯

‏4410- قَوْله: (عَنْ صَالِح عَنْ اِبْن شِهَاب قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْد الْحَمِيد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد أَنَّ مُحَمَّد بْن سَعْد بْن أَبِي وَقَّاص أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَاهُ سَعْدًا قَالَ: اِسْتَأْذَنَ عُمَر) هَذَا الْحَدِيث اِجْتَمَعَ فيه أَرْبَعَة تَابِعِيُّونَ يَرْوِي بَعْضهمْ عَنْ بَعْض، وَهُمْ صَالِح، وَابْن شِهَاب، وَعَبْد الْحَمِيد، وَمُحَمَّد.

وَقَدْ رَأَى عَبْد الْحَمِيد اِبْن عَبَّاس.

قَوْله: «وَعِنْده نِسَاء مِنْ قُرَيْش يُكَلِّمْنَهُ وَيَسْتَكْثِرْنَهُ عَالِيَةً أَصْوَاتُهُنَّ» قَالَ الْعُلَمَاء: مَعْنَى: «يَسْتَكْثِرْنَهُ» يَطْلُبْنَ كَثِيرًا مِنْ كَلَامه وَجَوَابه بِحَوَائِجِهِنَّ وَفَتَاوِيهنَّ.

 وَقَوْله: «عَالِيَةً أَصْوَاتُهُنَّ» قَالَ الْقَاضِي: يَحْتَمِلُ أَنَّ هَذَا قَبْل النَّهْي عَنْ رَفْع الصَّوْت فَوْق صَوْته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّ عُلُوّ أَصْوَاتهنَّ إِنَّمَا كَانَ بِاجْتِمَاعِهَا لَا أَنَّ كَلَام كُلّ وَاحِدَة بِانْفِرَادِهَا أَعْلَى مِنْ صَوْته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

قَوْله: «قُلْنَ: أَغْلَظَ وَأَفَظّ مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» الْفَظّ الْغَلِيظ بِمَعْنًى، وَهُوَ عِبَارَة عَنْ شِدَّة الْخُلُق وَخُشُونَة الْجَانِب.

قَالَ الْعُلَمَاء: وَلَيْسَتْ لَفْظَة أَفْعَل هُنَا لِلْمُفَاضَلَةِ، بَلْ هِيَ بِمَعْنَى فَظّ غَلِيظ.

قَالَ الْقَاضِي: وَقَدْ يَصِحُّ حَمْلهَا عَلَى الْمُفَاضَلَة، وَأَنَّ الْقَدْر الَّذِي مِنْهَا فِي النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ مَا كَانَ مِنْ إِغْلَاظه عَلَى الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {جَاهِدْ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} وَكَانَ يَغْضَب وَيُغْلِظ عِنْد اِنْتَهَاك حُرُمَات اللَّه تَعَالَى.

 وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَفِي هَذَا الْحَدِيث فَضْل لِين الْجَانِب وَالْحِلْم وَالرِّفْق مَا لَمْ يُفَوِّتْ مَقْصُودًا شَرْعِيًّا.

قَالَ اللَّه تَعَالَى: {وَاخْفِضْ جَنَاحَك لِلْمُؤْمِنِينَ} وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَوْ كُنْت فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِك} وَقَالَ تَعَالَى: {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}.

قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا لَقِيَك الشَّيْطَان قَطُّ سَالِكًا فَجًّا إِلَّا سَلَكَ فَجًّا غَيْر فَجّك» الْفَجّ الطَّرِيق الْوَاسِع، وَيُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى الْمَكَان الْمُنْخَرِق بَيْن الْجَبَلَيْنِ، وَهَذَا الْحَدِيث مَحْمُول عَلَى ظَاهِره أَنَّ الشَّيْطَان مَتَى رَأَى عُمَر سَالِكًا فَجًّا هَرَبَ هَيْبَة مِنْ عُمَر، وَفَارَقَ ذَلِكَ الْفَجّ، وَذَهَبَ فِي فَجّ آخَر لِشِدَّةِ خَوْفه مِنْ بَأْس عُمَر أَنْ يَفْعَلَ فيه شَيْئًا.

قَالَ الْقَاضِي: وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ ضَرَبَ مَثَلًا لِبُعْدِ الشَّيْطَان وَإِغْوَائِهِ مِنْهُ، وَأَنَّ عُمَرَ فِي جَمِيع أُمُوره سَالِك طَرِيق السَّدَاد خِلَاف مَا يَأْمُرُ بِهِ الشَّيْطَان، وَالصَّحِيح الْأَوَّل.

✯✯✯✯✯✯

‏4411- قَوْله عَنْ اِبْن وَهْب عَنْ إِبْرَاهِيم بْن سَعْد عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَلَمَة عَنْ عَائِشَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُول: «قَدْ كَانَ يَكُون فِي الْأُمَم مُحَدَّثُونَ، فَإِنْ يَكُنْ فِي أُمَّتِي مِنْهُمْ أَحَد فَإِنَّ عُمَر بْن الْخَطَّاب مِنْهُمْ قَالَ اِبْن وَهْب: تَفْسِير مُحَدَّثُونَ مُلْهَمُونَ» هَذَا الْإِسْنَاد مِمَّا اِسْتَدْرَكَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَلَى مُسْلِم، وَقَالَ: الْمَشْهُور فيه عَنْ إِبْرَاهِيم بْن سَعْد عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَلَمَة قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ مِنْ هَذَا الطَّرِيق عَنْ أَبِي سَلَمَة عَنْ أَبِي هُرَيْرَة.

 وَاخْتَلَفَ تَفْسِير الْعُلَمَاء لِلْمُرَادِ بِمُحَدَّثُونَ، فَقَالَ اِبْن وَهْب: مُلْهَمُونَ، وَقِيلَ: مُصِيبُونَ، وَإِذَا ظَنُّوا فَكَأَنَّهُمْ حَدَّثُوا بِشَيْءٍ فَظَنُّوا، وَقِيلَ: تُكَلِّمُهُمْ الْمَلَائِكَة، وَجَاءَ فِي رِوَايَةٍ: «مُتَكَلِّمُونَ» وَقَالَ الْبُخَارِيّ: يَجْرِي الصَّوَابُ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ، وَفيه إِثْبَات كَرَامَات الْأَوْلِيَاء.

✯✯✯✯✯✯

‏4412- قَوْله: «قَالَ عُمَر: وَافَقْت رَبِّي فِي ثَلَاث: فِي مَقَام إِبْرَاهِيم، وَفِي الْحِجَاب، وَفِي أُسَارَى بَدْر» هَذَا مِنْ أَجَلِّ مَنَاقِب عُمَر وَفَضَائِله رَضِيَ اللَّه عَنْهُ، وَهُوَ مُطَابِق لِلْحَدِيثِ قَبْله، وَلِهَذَا عَقَّبَهُ مُسْلِم بِهِ، وَجَاءَ فِي هَذِهِ الرِوَايَة: «وَافَقْت رَبِّي فِي ثَلَاثٍ»، وَفَسَّرَهَا بِهَذِهِ الثَّلَاث.

 وَجَاءَ فِي رِوَايَة أُخْرَى فِي الصَّحِيح: «اِجْتَمَعَ نِسَاء رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ فِي الْغَيْرَة، فَقُلْت: عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ فَنَزَلَتْ الْآيَة بِذَلِكَ».

 وَجَاءَ فِي الْحَدِيث الَّذِي ذَكَرَهُ مُسْلِم بَعْد هَذَا مُوَافَقَته فِي مَنْعِ الصَّلَاة عَلَى الْمُنَافِقِينَ، وَنُزُول الْآيَة بِذَلِكَ، وَجَاءَتْ مُوَافَقَته فِي تَحْرِيم الْخَمْر.

 فَهَذِهِ سِتٌّ، وَلَيْسَ فِي لَفْظه مَا يَنْفِي زِيَادَة الْمُوَافَقَة.

 وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

✯✯✯✯✯✯

‏4413- قَوْله: «لَمَّا تُوُفِّيَ عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ بْن سَلُول» هَكَذَا صَوَابه أَنْ يُكْتَبَ (اِبْن سَلُول) بِالْأَلْفِ، وَيُعْرَب بِإِعْرَابِ عَبْد اللَّه؛ فَإِنَّهُ وَصْف ثَانٍ لَهُ؛ لِأَنَّهُ عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ، وَهُوَ عَبْد اللَّه بْن سَلُول أَيْضًا، فَأُبِيّ أَبُوهُ، وَسَلُول أُمّه، فَنُسِبَ إِلَى أَبَوَيْهِ جَمِيعًا، وَوُصِفَ بِهِمَا، وَقَدْ سَبَقَ بَيَان هَذَا وَنَظَائِره فِي كِتَاب الْإِيمَان فِي حَدِيث الْمِقْدَاد حِين قَتَلَ مَنْ أَظْهَرَ الشَّهَادَة، وَأَوْضَحْنَا هُنَاكَ وُجُوههَا.

قَوْله: «إِنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَاهُ قَمِيصه لِيُكَفِّنَ فيه أَبَاهُ الْمُنَافِق» قِيلَ: إِنَّمَا أَعْطَاهُ قَمِيصه وَكَفَّنَهُ فيه تَطْيِيبًا لِقَلْبِ اِبْنه؛ فَإِنَّهُ كَانَ صَحَابِيًّا صَالِحًا، وَقَدْ سَأَلَ ذَلِكَ، فَأَجَابَهُ إِلَيْهِ.

وَقِيلَ: مُكَافَأَة لِعَبْدِ اللَّه الْمُنَافِق الْمَيِّت؛ لِأَنَّهُ كَانَ أَلْبَسَ الْعَبَّاسَ حِينَ أُسِرَ يَوْم بَدْر قَمِيصًا.

 وَفِي هَذَا الْحَدِيث بَيَان عَظِيم مَكَارِم أَخْلَاق النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَقَدْ عَلِمَ مَا كَانَ مِنْ هَذَا الْمُنَافِق مِنْ الْإِيذَاء، وَقَابَلَهُ بِالْحُسْنَى، فَأَلْبَسَهُ قَمِيصًا كَفَنًا، وَصَلَّى عَلَيْهِ، وَاسْتَغْفَرَ لَهُ.

قَالَ اللَّه تَعَالَى: {إِنَّك لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} وَفيه تَحْرِيم الصَّلَاة، وَالدُّعَاء لَهُ بِالْمَغْفِرَةِ، وَالْقِيَام عَلَى قَبْره لِلدُّعَاءِ.


 باب من فضائل عمر رضي الله تعالى عنه


۞۞۞۞۞۞۞۞

كتاب فضائل الصحابة ﴿ 3 ﴾ 

۞۞۞۞۞۞۞۞



تعليقات