باب صلاة العيدين وما يتعلق بها من احكام
باب صلاة العيدين وما يتعلق بها من احكام
هِيَ عِنْد الشَّافِعِيّ وَجُمْهُور أَصْحَابه وَجَمَاهِير الْعُلَمَاء سُنَّة مُؤَكَّدَة وَقَالَ أَبُو سَعِيد الْإِصْطَخْرِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّة: هِيَ فَرْض كِفَايَة، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة: هِيَ وَاجِبَة فَإِذَا قُلْنَا: فَرْض كِفَايَة فَامْتَنَعَ أَهْل مَوْضِع مِنْ إِقَامَتهَا قُوتِلُوا عَلَيْهَا كَسَائِرِ فُرُوض الْكِفَايَة، وَإِذَا قُلْنَا: إِنَّهَا سُنَّة لَمْ يُقَاتِلُوا بِتَرْكِهَا كَسُنَّةِ الظُّهْر وَغَيْرهَا، وَقِيلَ: يُقَاتَلُونَ لِأَنَّهَا شِعَار ظَاهِر قَالُوا: وَسُمِّيَ عِيدًا لِعَوْدِهِ وَتَكَرُّره، وَقِيلَ: لِعَوْدِ السُّرُور فيه، وَقِيلَ: تَفَاؤُلًا بِعَوْدِهِ عَلَى مَنْ أَدْرَكَهُ كَمَا سُمِّيَتْ الْقَافِلَة حِين خُرُوجهَا تَفَاؤُلًا لِقُفُولِهَا سَالِمَة، وَهُوَ رُجُوعهَا وَحَقِيقَتهَا الرَّاجِعَة.
✯✯✯✯✯✯
1464- قَوْله: (شَهِدْت صَلَاة الْفِطْر مَعَ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْر وَعُمَر وَعُثْمَان وَعَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ فَكُلّهمْ يُصَلِّيهَا قَبْل الْخُطْبَة ثُمَّ يَخْطُب) فيه دَلِيل لِمَذْهَبِ الْعُلَمَاء كَافَّة أَنَّ خُطْبَة الْعِيد بَعْد الصَّلَاة.
قَالَ الْقَاضِي: هَذَا هُوَ الْمُتَّفَق عَلَيْهِ مِنْ مَذَاهِب عُلَمَاء الْأَمْصَار وَأَئِمَّة الْفَتْوَى، وَلَا خِلَاف بَيْن أَئِمَّتهمْ فيه، وَهُوَ فِعْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْخُلَفَاء الرَّاشِدِينَ بَعْده إِلَّا مَا رُوِيَ أَنَّ عُثْمَان فِي شَطْر خِلَافَته الْأَخِير قَدَّمَ الْخُطْبَة لِأَنَّهُ رَأَى مِنْ النَّاس مَنْ تَفُوتهُ الصَّلَاة.
وَرُوِيَ مِثْله عَنْ عُمَر، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ- وَقِيلَ: إِنَّ أَوَّل مَنْ قَدَّمَهَا مُعَاوِيَة، وَقِيلَ: مَرْوَان بِالْمَدِينَةِ فِي خِلَافَة مُعَاوِيَة، وَقِيلَ: زِيَاد بِالْبَصْرَةِ فِي خِلَافَة مُعَاوِيَة، وَقِيلَ: فَعَلَهُ اِبْن الزُّهْرِيّ فِي آخِر أَيَّامه.
قَوْله: (يُجَلِّس الرِّجَال بِيَدِهِ)، هُوَ بِكَسْرِ اللَّام الْمُشَدَّدَة أَيْ يَأْمُرهُمْ بِالْجُلُوسِ.
قَوْله: «فَقَالَتْ اِمْرَأَة وَاحِدَة لَمْ يُجِبْهُ غَيْرهَا مِنْهُنَّ يَا نَبِيّ اللَّه لَا يَدْرِي حِينَئِذٍ مَنْ هِيَ» هَكَذَا وَقَعَ فِي جَمِيع نُسَخ مُسْلِم (حِينَئِذٍ) وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ جَمِيع النُّسَخ.
قَالَ هُوَ وَغَيْره: وَهُوَ تَصْحِيف وَصَوَابه لَا يَدْرِي (حَسَن) مَنْ هِيَ، وَهُوَ حَسَن بْن مُسْلِم رِوَايَة عَنْ طَاوُسٍ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَوَقَعَ فِي الْبُخَارِيّ عَلَى الصَّوَاب مِنْ رِوَايَة إِسْحَاق بْن نَصْر عَنْ عَبْد الرَّزَّاق (لَا يَدْرِي حَسَن) قُلْت: وَيَحْتَمِل تَصْحِيح (حِينَئِذٍ) وَيَكُون مَعْنَاهُ لِكَثْرَةِ النِّسَاء وَاشْتِمَالهنَّ ثِيَابهنَّ لَا يَدْرِي مَنْ هِيَ.
قَوْله: «فَنَزَلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى جَاءَ النِّسَاء وَمَعَهُ بِلَال» قَالَ الْقَاضِي: هَذَا النُّزُول كَانَ فِي أَثْنَاء الْخُطْبَة، وَلَيْسَ كَمَا قَالَ إِنَّمَا إِلَيْهِنَّ بَعْد فَرَاغ خُطْبَة الْعِيد وَبَعْد اِنْقِضَاء وَعْظ الرِّجَال، وَقَدْ ذَكَرَهُ مُسْلِم صَرِيحًا فِي حَدِيث جَابِر.
قَالَ: فَصَلَّى ثُمَّ خَطَبَ النَّاس فَلَمَّا فَرَغَ نَزَلَ فَأَتَى النِّسَاء فَذَكَّرَهُنَّ فَهَذَا صَرِيح فِي أَنَّهُ أَتَاهُنَّ بَعْد فَرَاغ خُطْبَة الرِّجَال.
وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيث اِسْتِحْبَاب وَعْظ النِّسَاء وَتَذْكِيرهنَّ الْآخِرَة وَأَحْكَام الْإِسْلَام وَحَثّهنَّ عَلَى الصَّدَقَة، وَهَذَا إِذَا لَمْ يَتَرَتَّب عَلَى ذَلِكَ مَفْسَدَة وَخَوْف عَلَى الْوَاعِظ أَوْ الْمَوْعُوظ أَوْ غَيْرهمَا.
وَفيه أَنَّ النِّسَاء إِذَا حَضَرْنَ صَلَاة الرِّجَال وَمَجَامِعهمْ يَكُنَّ بِمَعْزِلٍ عَنْهُمْ خَوْفًا مِنْ فِتْنَة أَوْ نَظْرَة أَوْ فِكْر وَنَحْوه.
وَفيه أَنَّ صَدَقَة التَّطَوُّع لَا تَفْتَقِر إِلَى إِيجَاب وَقَبُول بَلْ تَكْفِي فيها الْمُعَاطَاة لِأَنَّهُنَّ أَلْقَيْنَ الصَّدَقَة فِي ثَوْب بِلَال مِنْ غَيْر كَلَام مِنْهُنَّ وَلَا مِنْ بِلَال وَلَا مِنْ غَيْره، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح فِي مَذْهَبنَا وَقَالَ أَكْثَر أَصْحَابنَا الْعِرَاقِيِّينَ: تَفْتَقِر إِلَى إِيجَاب وَقَبُول بِاللَّفْظِ كَالْهِبَةِ وَالصَّحِيح الْأَوَّل وَبِهِ جَزَمَ الْمُحَقِّقُونَ.
قَوْله: «فِدًى لَكُنَّ أَبِي وَأُمِّي» هُوَ مَقْصُور بِكَسْرِ الْفَاء وَفَتْحهَا وَالظَّاهِر أَنَّهُ مِنْ كَلَام بِلَال.
قَوْله: «فَجَعَلْنَ يُلْقِينَ الْفَتَخ وَالْخَوَاتِيم فِي ثَوْب بِلَال» هُوَ بِفَتْحِ الْفَاء وَالتَّاء الْمُثَنَّاة فَوْق وَبِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَاحِدهَا فَتَخَة كَقَصَبَةٍ وَقَصَب.
وَاخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرهَا فَفِي صَحِيح الْبُخَارِيّ عَنْ عَبْد الرَّزَّاق قَالَ: هِيَ الْخَوَاتِيم الْعِظَام، وَقَالَ الْأَصْمَعِيّ: هِيَ خَوَاتِيم لَا فُصُوص لَهَا، وَقَالَ اِبْن السِّكِّيت: خَوَاتِيم تُلْبَس فِي أَصَابِع الْيَد، وَقَالَ ثَعْلَب: وَقَدْ يَكُون فِي أَصَابِع الْوَاحِد مِنْ الرِّجَال، وَقَالَ اِبْن دُرَيْدٍ: وَقَدْ يَكُون لَهَا فُصُوص وَتُجْمَع أَيْضًا فَتَخَات وَأَفْتَاخ، وَالْخَوَاتِيم جَمْع خَاتَم وَفيه أَرْبَع لُغَات: فَتْح التَّاء وَكَسْرهَا وَخَاتَام وَخَيْتَام.
وَفِي هَذَا الْحَدِيث جَوَاز صَدَقَة الْمَرْأَة مِنْ مَالهَا بِغَيْرِ إِذْن زَوْجهَا وَلَا يَتَوَقَّف ذَلِكَ عَلَى ثُلُث مَالهَا، هَذَا مَذْهَبنَا وَمَذْهَب الْجُمْهُور، وَقَالَ مَالِك: لَا يَجُوز الزِّيَادَة عَلَى ثُلُث مَالهَا إِلَّا بِرِضَاءِ زَوْجهَا.
وَدَلِيلنَا مِنْ الْحَدِيث أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسْأَلهُنَّ أَسْتَأْذَنَّ أَزْوَاجهنَّ فِي ذَلِكَ أَمْ لَا؟ وَهَلْ هُوَ خَارِج مِنْ الثُّلُث أَمْ لَا؟ وَلَوْ اِخْتَلَفَ الْحُكْم بِذَلِكَ لَسَأَلَ.
وَأَشَارَ الْقَاضِي إِلَى الْجَوَاب عَنْ مَذْهَبهمْ بِأَنَّ الْغَالِب حُضُور أَزْوَاجهنَّ فَتَرْكُهُمْ الْإِنْكَار يَكُون رِضَاء بِفِعْلِهِنَّ.
وَهَذَا الْجَوَاب ضَعِيف أَوْ بَاطِل لِأَنَّهُنَّ كُنَّ مُعْتَزِلَات لَا يَعْلَم الرِّجَال مَنْ الْمُتَصَدِّقَة مِنْهُنَّ مِنْ غَيْرهَا وَلَا قَدْر مَا يَتَصَدَّق بِهِ، وَلَوْ عَلِمُوا فَسُكُوتهمْ لَيْسَ إِذْنًا.
✯✯✯✯✯✯
1465- قَوْله: «وَبِلَال قَائِل بِثَوْبِهِ» هُوَ بِهَمْزَةٍ قَبْل اللَّام وَيُكْتَب بِالْيَاءِ أَيْ فَاتِحًا ثَوْبه لِلْأَخْذِ فيه.
وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: «وَبِلَال بَاسِط ثَوْبه»، مَعْنَاهُ أَنَّهُ بَسَطَهُ لِيَجْمَع الصَّدَقَة فيه ثُمَّ يُفَرِّقهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمُحْتَاجِينَ كَمَا كَانَتْ عَادَته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّدَقَات الْمُتَطَوَّع بِهَا وَالزَّكَوَات.
وَفيه دَلِيل عَلَى أَنَّ الصَّدَقَات الْعَامَّة إِنَّمَا يَصْرِفهَا فِي مَصَارِفهَا الْإِمَام.
✯✯✯✯✯✯
1466- قَوْله: «يُلْقِينَ النِّسَاء صَدَقَة» هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخ: «يُلْقِينَ» وَهُوَ جَائِز عَلَى تِلْكَ اللُّغَة الْقَلِيلَة الِاسْتِعْمَال مِنْهَا: «يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَة» وَقَوْله: أَكَلُونِي الْبَرَاغِيث.
قَوْله: «تُلْقِي الْمَرْأَة فَتَخَهَا وَيُلْقِينَ وَيَلْقِينَ» هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخ مُكَرَّر وَهُوَ صَحِيح وَمَعْنَاهُ وَيُلْقِينَ كَذَا وَيَلْقِينَ كَذَا كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي بَاقِي الرِّوَايَات.
قَوْله لِعَطَاءٍ (أَحَقًّا عَلَى الْإِمَام الْآن أَنْ يَأْتِي النِّسَاء حِين يَفْرُغ فَيُذَكِّرهُنَّ قَالَ: أَيْ لَعَمْرِي إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ وَمَا لَهُمْ لَا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ) قَالَ الْقَاضِي: هَذَا الَّذِي قَالَهُ عَطَاء غَيْر مُوَافَق عَلَيْهِ، وَلَيْسَ كَمَا قَالَ الْقَاضِي، بَلْ يُسْتَحَبّ إِذَا لَمْ يَسْمَعهُنَّ أَنْ يَأْتِيهِنَّ بَعْد فَرَاغه وَيَعِظهُنَّ وَيُذَكِّرهُنَّ إِذَا لَمْ يَتَرَتَّب مَفْسَدَة الْآن وَفِي كُلّ الْأَزْمَان بِالشُّرُوطِ الْمَذْكُورَة، وَأَيُّ دَافِع يَدْفَعنَا عَنْ هَذِهِ السُّنَّة الصَّحِيحَة.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
✯✯✯✯✯✯
1467- قَوْله: (فَبَدَأَ بِالصَّلَاةِ قَبْل الْخُطْبَة بِغَيْرِ أَذَان وَلَا إِقَامَة) هَذَا دَلِيل عَلَى أَنَّهُ لَا أَذَان وَلَا إِقَامَة لِلْعِيدِ، وَهُوَ إِجْمَاع الْعُلَمَاء الْيَوْم، وَهُوَ الْمَعْرُوف مِنْ فِعْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْخُلَفَاء الرَّاشِدِينَ.
وَنُقِلَ عَنْ بَعْض السَّلَف فيه شَيْء خِلَاف إِجْمَاع مَنْ قَبْله وَبَعْده، وَيُسْتَحَبّ أَنْ يُقَال فيها: الصَّلَاة جَامِعَة بِنَصْبِهَا الْأَوَّل عَلَى الْإِغْرَاء وَالثَّانِي عَلَى الْحَال.
قَوْله: «فَقَالَتْ اِمْرَأَة مِنْ سِطَة النِّسَاء» هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخ سِطَة بِكَسْرِ السِّين وَفَتْح الطَّاء الْمُخَفَّفَة، وَفِي بَعْض النُّسَخ: «وَاسِطَة النِّسَاء» قَالَ الْقَاضِي: مَعْنَاهُ مِنْ خِيَارهنَّ، وَالْوَسَط الْعَدْل وَالْخِيَار قَالَ: وَزَعَمَ حُذَّاق شُيُوخنَا أَنَّ هَذَا الْحَرْف مُغَيَّر فِي كِتَاب مُسْلِم، وَأَنَّ صَوَابه: «مِنْ سَفَلَة النِّسَاء» وَكَذَا رَوَاهُ اِبْن أَبِي شَيْبَة فِي مُسْنَده، وَالنَّسَائِيُّ فِي سُنَنه، وَفِي رِوَايَة لِابْنِ أَبِي شَيْبَة اِمْرَأَة لَيْسَتْ مِنْ عِلْيَة النِّسَاء، وَهَذَا ضِدُّ التَّفْسِير الْأَوَّل، وَيُعَضِّدهُ قَوْله: بَعْده سَفْعَاء الْخَدَّيْنِ، هَذَا كَلَام الْقَاضِي، وَهَذَا الَّذِي اِدَّعَوْهُ مِنْ تَغْيِير الْكَلِمَة غَيْر مَقْبُول بَلْ هِيَ صَحِيحَة، وَلَيْسَ الْمُرَاد بِهَا مِنْ خِيَار النِّسَاء كَمَا فَسَّرَهُ هُوَ، بَلْ الْمُرَاد اِمْرَأَة مِنْ وَسَط النِّسَاء جَالِسَة فِي وَسَطهنَّ.
قَالَ الْجَوْهَرِيّ وَغَيْره مِنْ أَهْل اللُّغَة: يُقَال وَسَطْت الْقَوْم أَسِطهُمْ وَسْطًا وَسِطَة أَيْ تَوَسَّطْتهمْ.
قَوْله: «سَفْعَاء الْخَدَّيْنِ» بِفَتْحِ السِّين الْمُهْمَلَة أَيْ فيها تَغَيُّر وَسَوَاد.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تُكْثِرْنَ الشَّكَاة» هُوَ بِفَتْحِ الشِّين أَيْ الشَّكْوَى.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَتَكْفُرْنَ الْعَشِير» قَالَ أَهْل اللُّغَة: يُقَال: هُوَ الْعَشِير الْمُعَاشِر وَالْمُخَالِط، وَحَمَلَهُ الْأَكْثَرُونَ هُنَا عَلَى الزَّوْج.
وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ كُلّ مُخَالِط.
قَالَ الْخَلِيل: يُقَال: هُوَ الْعَشِير وَالشَّعِير عَلَى الْقَلْب وَمَعْنَى الْحَدِيث أَنَّهُنَّ يَجْحَدْنَ الْإِحْسَان لِضَعْفِ عَقْلهنَّ وَقِلَّة مَعْرِفَتهنَّ فَيُسْتَدَلّ بِهِ عَلَى ذَمّ مَنْ يَجْحَد إِحْسَان ذِي إِحْسَان.
قَوْله: «مِنْ أَقْرِطَتِهِنَّ» هُوَ جَمْع قُرْط.
قَالَ اِبْن دُرَيْدٍ: كُلّ مَا عُلِّقَ مِنْ شَحْمَة الْأُذُن فَهُوَ قُرْط سَوَاء كَانَ مِنْ ذَهَب أَوْ خَرَز وَأَمَّا الْخُرْص فَهُوَ الْحَلْقَة الصَّغِيرَة مِنْ الْحُلِيّ.
قَالَ الْقَاضِي: قِيلَ: الصَّوَاب قُرْطَتهِنَّ بِحَذْفِ الْأَلِف وَهُوَ الْمَعْرُوف فِي جَمْع قُرْط كَخُرْجٍ وَخُرْجَة، وَيُقَال فِي جَمْعه قِرَاط كَرُمْحٍ وَرِمَاح.
قَالَ الْقَاضِي: لَا يَبْعُد صِحَّة أَقْرِطَة، وَيَكُون جَمْع جَمْع أَيْ جَمْع قِرَاط لاسيما وَقَدْ صَحَّ فِي الْحَدِيث.
✯✯✯✯✯✯
1468- قَوْله: (عَنْ جَابِر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ لَا أَذَان يَوْم الْفِطْر وَلَا إِقَامَة وَلَا نِدَاء أَوْ لَا شَيْء) هَذَا ظَاهِره مُخَالِف لِمَا يَقُولهُ أَصْحَابنَا وَغَيْرهمْ أَنَّهُ يُسْتَحَبّ أَنْ يُقَال: الصَّلَاة جَامِعَة، كَمَا قَدَّمْنَا فَيُتَأَوَّل عَلَى أَنَّ الْمُرَاد لَا أَذَان وَلَا إِقَامَة وَلَا نِدَاء فِي مَعْنَاهُمَا وَلَا شَيْء مِنْ ذَلِكَ.
✯✯✯✯✯✯
1472- قَوْله: «أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَخْرُج يَوْم الْأَضْحَى وَيَوْم الْفِطْر فَيَبْدَأ بِالصَّلَاةِ» هَذَا دَلِيل لِمَنْ قَالَ بِاسْتِحْبَابِ الْخُرُوج لِصَلَاةِ الْعِيد إِلَى الْمُصَلَّى، وَأَنَّهُ أَفْضَل مَنْ فَعَلَهَا فِي الْمَسْجِد، وَعَلَى هَذَا عَمَل النَّاس فِي مُعْظَم الْأَمْصَار، وَأَمَّا أَهْل مَكَّة فَلَا يُصَلُّونَهَا إِلَّا فِي الْمَسْجِد مِنْ الزَّمَن الْأَوَّل، وَلِأَصْحَابِنَا وَجْهَانِ أَحَدهمَا الصَّحْرَاء أَفْضَل لِهَذَا الْحَدِيث، وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَصَحّ عِنْد أَكْثَرهمْ الْمَسْجِد أَفْضَل إِلَّا أَنْ يَضِيق.
قَالُوا: وَإِنَّمَا صَلَّى أَهْل مَكَّة فِي الْمَسْجِد لِسَعَتِهِ، وَإِنَّمَا خَرَجَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمُصَلَّى لِضِيقِ الْمَسْجِد، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَسْجِد أَفْضَل إِذَا اِتَّسَعَ.
قَوْله: (فَخَرَجْت مُخَاصِرًا مَرْوَان) أَيْ مُمَاشِيًا لَهُ يَده فِي يَدَيَّ هَكَذَا فَسَّرُوهُ.
قَوْله: (فَإِذَا مَرْوَان يُنَازِعنِي يَده كَأَنَّهُ يَجُرّنِي نَحْو الْمِنْبَر وَأَنَا أَجُرّهُ نَحْو الصَّلَاة) فيه أَنَّ الْخُطْبَة لِلْعِيدِ بَعْد الصَّلَاة وَفيه الْأَمْر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنْ الْمُنْكَر وَإِنْ كَانَ الْمُنْكَر عَلَيْهِ وَالِيًا وَفيه أَنَّ الْإِنْكَار عَلَيْهِ يَكُون بِالْيَدِ لِمَنْ أَمْكَنَهُ، وَلَا يُجْزِي عَنْ الْيَد اللِّسَان مَعَ إِمْكَان الْيَد.
قَوْله: (أَيْنَ الِابْتِدَاء الصَّلَاة) هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ عَلَى الْأَكْثَر وَفِي بَعْض الْأُصُول (أَلَا اِبْتِدَاء) بِأَلَا الَّتِي هِيَ لِلِاسْتِفْتَاحِ وَبَعْدهَا نُون ثُمَّ بَاءَ مُوَحَّدَة وَكِلَاهُمَا صَحِيح، وَالْأَوَّل أَجْوَد فِي هَذَا الْمَوْطِن لِأَنَّهُ سَاقَهُ لِلْإِنْكَارِ عَلَيْهِ.
قَوْله: (لَا تَأْتُونَ بِخَيْرٍ مِمَّا أَعْلَم) هُوَ كَمَا قَالَ لِأَنَّ الَّذِي يَعْلَم هُوَ طَرِيق النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَيْف يَكُون غَيْره خَيْرًا مِنْهُ.
قَوْله: (ثُمَّ اِنْصَرَفَ) قَالَ الْقَاضِي عَنْ جِهَة الْمِنْبَر إِلَى جِهَة الصَّلَاة وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ اِنْصَرَفَ مِنْ الْمُصَلَّى وَتَرَكَ الصَّلَاة مَعَهُ، بَلْ فِي رِوَايَة الْبُخَارِيّ أَنَّهُ صَلَّى مَعَهُ، وَكَلَّمَهُ فِي ذَلِكَ بَعْد الصَّلَاة، وَهَذَا يَدُلّ عَلَى صِحَّة الصَّلَاة بَعْد الْخُطْبَة، وَلَوْلَا صِحَّتهَا كَذَلِكَ لَمَا صَلَّاهَا مَعَهُ، وَاتَّفَقَ أَصْحَابنَا عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَدَّمَهَا عَلَى الصَّلَاة صَحَّتْ، وَلَكِنَّهُ يَكُون تَارِكًا لِلسُّنَّةِ مُفَوِّتًا لِلْفَضِيلَةِ بِخِلَافِ خُطْبَة الْجُمُعَة فَإِنَّهُ يُشْتَرَط لِصِحَّةِ صَلَاة الْجُمُعَة تَقَدُّم خُطْبَتهَا عَلَيْهَا، لِأَنَّ خُطْبَة الْجُمُعَة وَاجِبَة وَخُطْبَة الْعِيد مَنْدُوبَة.
باب صلاة العيدين وما يتعلق بها من احكام