📁 آخر الأخبار

باب مثل المنفق والبخيل

 

 باب مثل المنفق والبخيل

 باب مثل المنفق والبخيل


1695- قَوْله: (قَالَ عَمْرو: حَدَّثَنَا سُفْيَان بْن عُيَيْنَةَ قَالَ وَقَالَ اِبْن جُرَيْجٍ) هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخ، وَقَالَ اِبْن جُرَيْجٍ بِالْوَاوِ وَهِيَ صَحِيحَة مَلِيحَة، وَإِنَّمَا أَتَى بِالْوَاوِ لِأَنَّ اِبْن عُيَيْنَةَ قَالَ لِعَمْرٍو: قَالَ اِبْن جُرَيْجٍ كَذَا فَإِذَا رَوَى عَمْرو الثَّانِي مِنْ تِلْكَ الْأَحَادِيث أَتَى بِالْوَاوِ؛ لِأَنَّ اِبْن عُيَيْنَةَ قَالَ فِي الثَّانِي: وَقَالَ اِبْن جُرَيْجٍ كَذَا، وَقَدْ سَبَقَ التَّنْبِيه عَلَى مِثْل هَذَا مَرَّات فِي أَوَّل الْكِتَاب.

قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيث عَمْرو النَّاقِد: «مَثَل الْمُنْفِق وَالْمُتَصَدِّق كَمَثَلِ رَجُل عَلَيْهِ جُبَّتَانِ أَوْ جُنَّتَانِ مِنْ لَدُنْ ثَدْيِهِمَا إِلَى تَرَاقِيهمَا» ثُمَّ قَالَ: «فَإِذَا أَرَادَ الْمُنْفِق أَنْ يَتَصَدَّقَ سَبَغَتْ وَإِذَا أَرَادَ الْبَخِيل أَنْ يُنْفِقَ قَلَصَتْ» هَكَذَا وَقَعَ هَذَا الْحَدِيث فِي جَمِيع النُّسَخ مِنْ رِوَايَة عَمْرو: «مَثَل الْمُنْفِق وَالْمُتَصَدِّق» قَالَ الْقَاضِي وَغَيْره: هَذَا وَهْمٌ، وَصَوَابه مِثْل مَا وَقَعَ فِي بَاقِي الرِّوَايَات مَثَل الْبَخِيل وَالْمُتَصَدِّق، وَتَفْسِيرهمَا آخِرَ الْحَدِيث يُبَيِّن هَذَا، وَقَدْ يَحْتَمِل أَنَّ صِحَّةَ رِوَايَة عَمْرو هَكَذَا أَنْ تَكُون عَلَى وَجْههَا، وَفيها مَحْذُوف تَقْدِيره: مَثَل الْمُنْفِق وَالْمُتَصَدِّق وَقَسِيمهمَا وَهُوَ الْبَخِيل، وَحَذَفَ الْبَخِيل لِدَلَالَةِ الْمُنْفِق وَالْمُتَصَدِّق عَلَيْهِ كَقَوْلِ اللَّه تَعَالَى: {سَرَابِيلَ تَقِيكُمْ الْحَرَّ} أَيْ وَالْبَرْد، وَحَذَفَ ذِكْر الْبَرْد لِدَلَالَةِ الْكَلَام عَلَيْهِ.

وَأَمَّا قَوْله: «وَالْمُتَصَدِّق» فَوَقَعَ فِي بَعْض الْأُصُول: «الْمُتَصَدِّق» بِالتَّاءِ، وَفِي بَعْضهَا: «الْمُصَدِّق» بِحَذْفِهَا وَتَشْدِيد الصَّاد، وَهُمَا صَحِيحَانِ.

وَأَمَّا قَوْله: «كَمَثَلِ رَجُل» فَهَكَذَا وَقَعَ فِي الْأُصُول كُلّهَا: «كَمَثَلِ رَجُل» بِالْإِفْرَادِ، وَالظَّاهِر أَنَّهُ تَغْيِير مِنْ بَعْض الرُّوَاة، وَصَوَابه: «كَمَثَلِ رَجُلَيْنِ».

وَأَمَّا قَوْله: (جُبَّتَانِ أَوْ جُنَّتَان)، فَالْأَوَّل بِالْبَاءِ وَالثَّانِي بِالنُّونِ، وَوَقَعَ فِي بَعْض الْأُصُول عَكْسه.

وَأَمَّا قَوْله: «مِنْ لَدُنْ ثَدْيهمَا» فَكَذَا هُوَ فِي كَثِير مِنْ النُّسَخ الْمُعْتَمَدَة أَوْ أَكْثَرهَا: «ثَدْيهمَا» بِضَمِّ الثَّاء وَبِيَاءٍ وَاحِدَةٍ مُشَدَّدَة عَلَى الْجَمْع، وَفِي بَعْضهمَا: «ثَدْيَيْهِمَا» بِالتَّثْنِيَةِ، قَالَ الْقَاضِي عِيَاض: وَقَعَ فِي هَذَا الْحَدِيث أَوْهَام كَثِيرَة مِنْ الرُّوَاة وَتَصْحِيف وَتَحْرِيف وَتَقْدِيم وَتَأْخِير، وَيُعْرَفُ صَوَابُهُ مِنْ الْأَحَادِيث الَّتِي بَعْده، فَمِنْهُ: مَثَل الْمُنْفِق وَالْمُتَصَدِّق، وَصَوَابه: الْمُتَصَدِّق وَالْبَخِيل، وَمِنْهُ: كَمَثَلِ رَجُل، وَصَوَابه: رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا جُنَّتَان، وَمِنْهُ قَوْله: جُنَّتَان أَوْ جُبَّتَانِ بِالشَّكِّ، وَصَوَابه: «جُنَّتَان» بِالنُّونِ بِلَا شَكّ، كَمَا فِي الْحَدِيث الْآخَر بِالنُّونِ بِلَا شَكّ.

 وَالْجُنَّة: الدِّرْع، وَيَدُلّ عَلَيْهِ فِي الْحَدِيث نَفْسه قَوْله: «فَأَخَذَتْ كُلُّ حَلْقَةٍ مَوْضِعَهَا» وَفِي الْحَدِيث الْآخَر: «جُنَّتَان مِنْ حَدِيد»، وَمِنْهُ قَوْله سَبَغَتْ عَلَيْهِ أَو: (مَرَّتْ) كَذَا هُوَ فِي النُّسَخ (مَرَّتْ) بِالرَّاءِ، قِيلَ: إِنَّ صَوَابه (مُدَّتْ) بِالدَّالِ بِمَعْنَى سَبَغَتْ، وَكَمَا قَالَ فِي الْحَدِيث الْآخَر: «اِنْبَسَطَتْ»، لَكِنَّهُ قَدْ يَصِحّ مَرَّتْ عَلَى نَحْو هَذَا الْمَعْنَى.

 وَالسَّابِغ: الْكَامِل، وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيّ: «مَادَتْ» بِدَالٍ مُخَفَّفَةٍ مِنْ (مَادَ) إِذَا مَالَ، وَرَوَاهُ بَعْضهمْ: «مَارَتْ» وَمَعْنَاهُ: سَالَتْ عَلَيْهِ وَامْتَدَّتْ، وَقَالَ الْأَزْهَرِيّ: مَعْنَاهُ: تَرَدَّدَتْ وَذَهَبَتْ وَجَاءَتْ يَعْنِي لِكَمَالِهَا، وَمِنْهُ قَوْله: «وَإِذَا أَرَادَ الْبَخِيل أَنْ يُنْفِق قَلَصَتْ عَلَيْهِ وَأَخَذَتْ كُلّ حَلْقَة مَوْضِعهَا حَتَّى تُجِنَّ بَنَانَهُ، وَيَعْفُوَ أَثَرُهُ، قَالَ: فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة: يُوَسِّعهَا فَلَا تَتَّسِع».

وَفِي هَذَا الْكَلَام اِخْتِلَال كَثِير، لِأَنَّ قَوْله: «تُجِنّ بَنَانه وَيَعْفُو أَثَره» إِنَّمَا جَاءَ فِي الْمُتَصَدِّق لَا فِي الْبَخِيل، وَهُوَ عَلَى ضِدّ مَا هُوَ وَصْف الْبَخِيل فِي قَوْله: «قَلَصَتْ كُلّ حَلْقَة مَوْضِعهَا» وَقَوْله: «يُوَسِّعهَا فَلَا تَتَّسِع» وَهَذَا مِنْ وَصْف الْبَخِيل، فَأَدْخَلَهُ فِي وَصْف الْمُتَصَدِّق فَاخْتَلَّ الْكَلَام وَتَنَاقَضَ، وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْأَحَادِيث عَلَى الصَّوَاب، وَمِنْهُ رِوَايَة بَعْضهمْ: «تَحُزُّ ثِيَابَهُ» بِالْحَاءِ وَالزَّاي وَهُوَ وَهْمٌ، وَالصَّوَاب رِوَايَة الْجُمْهُور: «تُجِنّ» بِالْجِيمِ وَالنُّون أَيْ تَسْتُر، وَمِنْهُ رِوَايَة بَعْضهمْ: «ثِيَابه» بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَة وَهُوَ وَهْمٌ، وَالصَّوَاب: «بَنَانَهُ» بِالنُّونِ، وَهُوَ رِوَايَة الْجُمْهُور كَمَا قَالَ فِي الْحَدِيث الْآخَر: «أَنَامِله» وَمَعْنَى تَقَلَّصَتْ: اِنْقَبَضَتْ، وَمَعْنَى: «يَعْفُو أَثَره» أَيْ يَمَّحِي أَثَرُ مَشْيِهِ بِسُبُوغِهَا وَكَمَالهَا، وَهُوَ تَمْثِيل لِنَمَاءِ الْمَال بِالصَّدَقَةِ وَالْإِنْفَاق، وَالْبُخْل بِضِدِّ ذَلِكَ، وَقِيلَ: هُوَ تَمْثِيل لِكَثْرَةِ الْجُود وَالْبُخْل، وَأَنَّ الْمُعْطِي إِذَا أَعْطَى اِنْبَسَطَتْ يَدَاهُ بِالْعَطَاءِ وَتَعَوَّدَ ذَلِكَ، إِذَا أَمْسَكَ صَارَ ذَلِكَ عَادَة لَهُ، وَقِيلَ: مَعْنَى يَمْحُو أَثَره أَيْ يَذْهَب بِخَطَايَاهُ وَيَمْحُوهَا، وَقِيلَ: فِي الْبَخِيل: «قَلَصَتْ وَلَزِمَتْ كُلّ حَلْقَة مَكَانهَا» أَيْ يُحْمَى عَلَيْهِ يَوْم الْقِيَامَة فَيُكْوَى بِهَا، وَالصَّوَاب الْأَوَّل، وَالْحَدِيث جَاءَ عَلَى التَّمْثِيل لَا عَلَى الْخَبَر عَنْ كَائِن، وَقِيلَ: ضُرِبَ الْمَثَلُ بِهِمَا؛ لِأَنَّ الْمُنْفِق يَسْتُرهُ اللَّه تَعَالَى بِنَفَقَتِهِ، وَيَسْتُر عَوْرَاتِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة كَسَتْرِ هَذِهِ الْجُنَّة لَابِسَهَا، وَالْبَخِيل كَمَنْ لَبِسَ جُبَّة إِلَى ثَدْيَيْهِ فَيَبْقَى مَكْشُوفًا بَادِيَ الْعَوْرَةِ مُفْتَضِحًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة.

 هَذَا آخِر كَلَام الْقَاضِي عِيَاض رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى.

✯✯✯✯✯✯

‏1696- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرِّوَايَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ: «كَمَثَلِ رَجُلَيْنِ وَمَثَل رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا جُنَّتَانِ» هُمَا بِالنُّونِ فِي هَذَيْنِ الْمَوْضِعَيْنِ بِلَا شَكّ وَلَا خَوْف.

قَوْله: «فَأَنَا رَأَيْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول بِإِصْبَعِهِ فِي جَيْبه، فَلَوْ رَأَيْته يُوَسِّعهَا فَلَا تَوَسَّعُ» فَقَوْله: «رَأَيْته» بِفَتْحِ التَّاء قَوْله: «تَوَسَّعُ» بِفَتْحِ التَّاء وَأَصْله تَتَوَسَّع، وَفِي هَذَا دَلِيل عَلَى لِبَاس الْقَمِيص، وَكَذَا تَرْجَمَ عَلَيْهِ الْبُخَارِيّ: بَاب جَيْب الْقَمِيص مِنْ عِنْد الصَّدْر.

 لِأَنَّهُ الْمَفْهُوم مِنْ لِبَاس النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الْقِصَّة مَعَ أَحَادِيثَ صَحِيحَةٍ جَاءَتْ بِهِ.

 وَاَللَّه أَعْلَم.

 باب مثل المنفق والبخيل

 باب مثل المنفق والبخيل


كاتب
كاتب
مصطفى خميس خريج كلية اللغة العربية جامعة الإسكندرية، لعيب كرة قدم سابق لدي نادي أهلي دمنهور، مدون ومحرر اخبار ومالك عدة مواقع إلكترونية.
تعليقات