باب اباحة النبيذ الذي لم يشتد ولم يصر مسكرا
باب اباحة النبيذ الذي لم يشتد ولم يصر مسكرا
3739- فيه اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ قَالَ: «كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْتَبِذ لَهُ أَوَّل اللَّيْل فَيَشْرَبهُ إِذَا أَصْبَحَ يَوْمه ذَلِكَ، وَاللَّيْلَة الَّتِي تَجِيء وَالْغَد وَاللَّيْلَة الْأُخْرَى وَالْغَد إِلَى الْعَصْر، فَإِنْ بَقِيَ شَيْء سَقَاهُ الْخَادِم، أَوْ أَمَرَ بِهِ فَصُبَّ» وَالْأَحَادِيث الْبَاقِيَة بِمَعْنَاهُ.
فِي هَذِهِ الْأَحَادِيث دَلَالَة عَلَى جَوَاز الِانْتِبَاذ، وَجَوَاز شُرْب النَّبِيذ مَا دَامَ حُلْوًا لَمْ يَتَغَيَّر وَلَمْ يَغْلِ، وَهَذَا جَائِز بِإِجْمَاعِ الْأُمَّة، وَأَمَّا سَقْيه الْخَادِم بَعْد الثَّلَاث وَصَبّه، فَلِأَنَّهُ لَا يُؤْمَن بَعْد الثَّلَاث تَغَيُّره، وَكَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَنَزَّه عَنْهُ بَعْد الثَّلَاث.
وَقَوْله: «سَقَاهُ الْخَادِم أَوْ صَبَّهُ» مَعْنَاهُ تَارَة: يَسْقِيه الْخَادِم، وَتَارَة يَصُبّهُ، وَذَلِكَ الِاخْتِلَاف لِاخْتِلَافِ حَال النَّبِيذ، فَإِنْ كَانَ لَمْ يَظْهَر فيه تَغَيُّر وَنَحْوه مِنْ مَبَادِئ الْإِسْكَار سَقَاهُ الْخَادِم وَلَا يُرِيقهُ؛ لِأَنَّهُ مَال تَحْرُم إِضَاعَته، وَيَتْرُك شُرْبه تَنَزُّهًا، وَإِنْ كَانَ قَدْ ظَهَرَ فيه شَيْء مِنْ مَبَادِئ الْإِسْكَار وَالتَّغَيُّر أَرَاقَهُ؛ لِأَنَّهُ إِذَا أَسْكَرَ صَارَ حَرَامًا وَنَجِسًا فَيُرَاق وَلَا يَسْقِيه الْخَادِم؛ لِأَنَّ الْمُسْكِر لَا يَجُوز سَقْيه الْخَادِم كَمَا لَا يَجُوز شُرْبه، وَأَمَّا شُرْبه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْل الثَّلَاث فَكَانَ حَيْثُ لَا تَغَيُّر، وَلَا مَبَادِئ تَغَيُّر وَلَا شَكّ أَصْلًا.
وَاللَّهُ أَعْلَم.
✯✯✯✯✯✯
قَوْله: «إِلَى مُسَاء الثَّالِثَة» يُقَال بِضَمِّ الْمِيم وَكَسْرهَا لُغَتَانِ، الضَّمّ أَرْجَح.
✯✯✯✯✯✯
3743- قَوْله: (عَنْ زَيْد عَنْ يَحْيَى النَّخَعِيِّ) زَيْد هُوَ اِبْن أَبِي أُنَيْسَة، وَيَحْيَى النَّخَعِيُّ هُوَ يَحْيَى الْبَهْرَانِيّ الْمَذْكُور فِي الرِّوَايَة السَّابِقَة، يُقَال لَهُ الْبَهْرَانِيّ النَّخَعِيُّ الْكُوفِيّ.
✯✯✯✯✯✯
3744- قَوْله: (حَدَّثَنَا الْقَاسِم يَعْنِي اِبْن الْفَضْل الْحُدَّانِيّ) هُوَ بِضَمِّ الْحَاء وَتَشْدِيد الدَّال الْمُهْمَلَتَيْنِ، وَهُوَ مَنْسُوب إِلَى بَنِي حُدَّان، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ أَنْفُسهمْ، بَلْ كَانَ نَازِلًا فيهمْ، وَهُوَ مِنْ بَنِي الْحَارِث بْن مَالِك.
قَوْلهَا: «وَأُوكِيه» أَيْ أَشُدّهُ بِالْوِكَاءِ وَهُوَ الْخَيْط الَّذِي يُشَدّ بِهِ رَأْس الْقِرْبَة.
✯✯✯✯✯✯
3745- قَوْله: (عَنْ الْحَسَن عَنْ أُمّه) هُوَ الْحَسَن الْبَصْرِيّ، وَأُمّه اِسْمهَا خَيْرَة، وَكَانَتْ مَوْلَاة لِأُمّ سَلَمَة زَوْج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رَوَى عَنْهَا اِبْنَاهَا الْحَسَن وَسَعِيد.
وَأَمَّا قَوْله فِي حَدِيث عَائِشَة: «يُنْبَذ غَدْوَة فَيَشْرَبهُ عِشَاء وَيُنْبَذ عِشَاء فَيَشْرَبهُ غَدْوَة» فَلَيْسَ مُخَالِفًا لِحَدِيثِ اِبْن عَبَّاس فِي الشُّرْب إِلَى ثَلَاث؛ لِأَنَّ الشُّرْب فِي يَوْم لَا يَمْنَع الزِّيَادَة؛ وَقَالَ بَعْضهمْ: لَعَلَّ حَدِيث عَائِشَة كَانَ زَمَن الْحَرّ وَحَيْثُ يُخْشَى فَسَاده فِي الزِّيَادَة عَلَى يَوْم، وَحَدِيث اِبْن عَبَّاس فِي زَمَن يُؤْمَن فيه التَّغَيُّر قَبْل الثَّلَاث، وَقِيلَ: حَدِيث عَائِشَة مَحْمُول عَلَى نَبِيذ قَلِيل يَفْرُغ فِي يَوْمه، وَحَدِيث اِبْن عَبَّاس فِي كَثِير لَا يَفْرُغ فيه.
وَاللَّهُ أَعْلَم.
قَوْلهَا: «فِي سِقَاء يُوكَأ» هَذَا مِمَّا رَأَيْته يُكْتَب وَيُضْبَط فَاسِدًا، وَصَوَابه (يُوكِي) بِالْيَاءِ غَيْر مَهْمُوز، وَلَا حَاجَة إِلَى ذِكْر وُجُوه الْفَسَاد الَّتِي قَدْ يُوجَد عَلَيْهَا.
قَوْلهَا: (وَلَهُ عَزْلَاء) هِيَ بِفَتْحِ الْعَيْن الْمُهْمَلَة وَإِسْكَان الزَّاي وَبِالْمَدِّ، وَهُوَ الثَّقْب الَّذِي يَكُون فِي أَسْفَل الْمَزَادَة وَالْقِرْبَة.
قَوْلهَا: (فَيَشْرَبهُ عِشَاء) هُوَ بِكَسْرِ الْعَيْن وَفَتْح الشِّين وَبِالْمَدِّ، وَضَبَطَهُ بَعْضهمْ (عَشِيًّا) بِفَتْحِ الْعَيْن وَكَسْر الشِّين وَزِيَادَة يَاء مُشَدَّدَة.
✯✯✯✯✯✯
3746- قَوْله: «أَنْقَعَتْ لَهُ تَمَرَات مِنْ تَوْرٍ» هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُول (أَنْقَعَتْ) وَهُوَ صَحِيح، يُقَال: أَنْقَعَتْ وَنَقَعَتْ.
وَأَمَّا (التَّوْر) فَهُوَ بِفَتْحِ التَّاء الْمُثَنَّاة فَوْق، وَهُوَ إِنَاء مِنْ صَفَر أَوْ حِجَارَة وَنَحْوهمَا كَالْإِجَّانَةِ، وَقَدْ يُتَوَضَّأ مِنْهُ.
قَوْله: عَنْ سَهْل بْن سَعْد رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ: «دَعَا أَبُو أُسَيْدٍ السَّاعِدِيّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عُرْسه، فَكَانَتْ اِمْرَأَته يَوْمئِذٍ خَادِمهمْ وَهِيَ الْعَرُوس، قَالَ سَهْل: تَدْرُونَ مَا سَقَتْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ أَنْقَعَتْ لَهُ تَمَرَات مِنْ اللَّيْل فِي تَوْر فَلَمَّا أَكَلَ سَقَتْهُ إِيَّاهُ» هَذَا مَحْمُول عَلَى أَنَّهُ كَانَ قَبْل الْحِجَاب، وَيَبْعُد حَمْله عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ مَسْتُورَة الْبَشَرَة، وَأَبُو أُسَيْد بِضَمِّ الْهَمْزَة، وَاسْمه مَالِك تَقَدَّمَ ذِكْره.
قَوْله: «أَمَاثَتْهُ فَسَقَتْهُ تَخُصّهُ بِذَلِكَ» هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ، وَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُول بِبِلَادِنَا (أَمَاثَتْهُ) بِمُثَلَّثَةٍ ثُمَّ مُثَنَّاة فَوْق يُقَال: مَاثّه وَأَمَاثَهُ لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ، وَقَدْ غَلِطَ مَنْ أَنْكَرَ (أَمَاثَهُ) وَمَعْنَاهُ عَرَكَتْهُ وَاسْتَخْرَجَتْ قُوَّته وَأَذَابَتْهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُول: أَيْ لَيَّنَتْهُ، وَهُوَ مَحْمُول عَلَى مَعْنَى الْأَوَّل، وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاض أَنَّ بَعْضهمْ رَوَاهُ (أَمَاتَتْهُ) بِتَكْرِيرِ الْمُثَنَّاة، وَهُوَ بِمَعْنَى الْأَوَّل.
وَقَوْله: (تَخُصّهُ) كَذَا هُوَ فِي صَحِيح مُسْلِم (تَخُصّهُ) مِنْ التَّخْصِيص، وَكَذَا رُوِيَ فِي صَحِيح الْبُخَارِيّ، وَرَوَاهُ بَعْض رُوَاة الْبُخَارِيّ (تُتْحِفهُ) مِنْ الْإِتْحَاف، وَهُوَ بِمَعْنَاهُ، يُقَال: أَتْحَفَتْهُ بِهِ إِذَا خَصَّصَتْهُ وَأَطْرَفَتْهُ.
وَفِي هَذَا جَوَاز تَخْصِيص صَاحِب الطَّعَام بَعْض الْحَاضِرِينَ بِفَاخِرٍ مِنْ الطَّعَام وَالشَّرَاب إِذَا لَمْ يَتَأَذَّ الْبَاقُونَ لِإِيثَارِهِمْ الْمُخَصَّص لِعِلْمِهِ أَوْ صَلَاحه أَوْ شَرَفه أَوْ غَيْر ذَلِكَ، كَمَا كَانَ الْحَاضِرُونَ هُنَاكَ يُؤْثِرُونَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيُسَرُّونَ بِإِكْرَامِهِ، وَيَفْرَحُونَ بِمَا جَرَى، وَإِنَّمَا شَرِبَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعِلَّتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا: إِكْرَام صَاحِب الشَّرَاب وَإِجَابَته الَّتِي لَا مَفْسَدَة فيها، وَفِي تَرْكهَا كَسْر قَلْبه، وَالثَّانِيَة: بَيَان الْجَوَاز.
وَاللَّهُ أَعْلَم.
✯✯✯✯✯✯
3747- قَوْله: (فِي أُجُم بَنِي سَاعِدَة) هُوَ بِضَمِّ الْهَمْزَة وَالْجِيم، وَهُوَ الْحِصْن، وَجَمْعه آجَام بِالْمَدِّ كَعُنُقٍ وَأَعْنَاق، قَالَ أَهْل اللُّغَة: الْآجَام: الْحُصُون.
مُنَكَّس إِذَا طَأْطَأَهُ.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَعَذْتُك مِنِّي» مَعْنَاهُ: تَرَكْتُك، وَتَرَكَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَهَا؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُعْجِبهُ إِمَّا لِصُورَتِهَا وَإِمَّا لِخُلُقِهَا وَإِمَّا لِغَيْرِ ذَلِكَ.
وَفيه: دَلِيل عَلَى جَوَاز نَظَر الْخَاطِب إِلَى مَنْ يُرِيد نِكَاحهَا.
وَفِي الْحَدِيث الْمَشْهُور أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ اِسْتَعَاذَكُمْ بِاللَّهِ فَأَعِيذُوهُ» فَلَمَّا اِسْتَعَاذَتْ بِاللَّهِ تَعَالَى لَمْ يَجِد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُدًّا مِنْ إِعَاذَتهَا وَتَرْكهَا، ثُمَّ إِذَا تَرَكَ شَيْئًا لِلَّهِ تَعَالَى لَا يَعُود فيه.
وَاللَّهُ أَعْلَم.
قَوْله: «فَأَخْرَجَ لَنَا سَهْل ذَلِكَ الْقَدَح فَشَرِبْنَا مِنْهُ، قَالَ: ثُمَّ اِسْتَوْهَبَهُ بَعْد ذَلِكَ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز فَوَهَبَهُ لَهُ» يَعْنِي: الْقَدَح الَّذِي شَرِبَ مِنْهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
هَذَا فيه التَّبَرُّك بِآثَارِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا مَسَّهُ أَوْ لَبِسَهُ، أَوْ كَانَ مِنْهُ فيه سَبَب، وَهَذَا نَحْو مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ وَأَطْبَقَ السَّلَف وَالْخَلَف عَلَيْهِ مِنْ التَّبَرُّك بِالصَّلَاةِ فِي مُصَلَّى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرَّوْضَة الْكَرِيمَة، وَدُخُول الْغَار الَّذِي دَخَلَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْر ذَلِكَ، وَمِنْ هَذَا إِعْطَاؤُهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا طَلْحَة شَعْره لِيَقْسِمهُ بَيْن النَّاس، وَإِعْطَاؤُهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِقْوَة لِتُكَفَّن فيه بِنْته رَضِيَ اللَّه عَنْهَا، وَجَعَلَهُ الْجَرِيدَتَيْنِ عَلَى الْقَبْرَيْنِ، وَجَمَعَتْ بِنْت مِلْحَانِ عَرَقَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَمَسَّحُوا بِوُضُوئِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَلَّكُوا وُجُوههمْ بِنُخَامَتِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَشْبَاه هَذِهِ كَثِيرَة مَشْهُورَة فِي الصَّحِيح، وَكُلّ ذَلِكَ وَاضِح لَا شَكّ فيه.
✯✯✯✯✯✯
3748- قَوْله: «سَقَيْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَدَحِي هَذَا الشَّرَاب كُلّه: الْعَسَل وَالنَّبِيذ وَالْمَاء وَاللَّبَن» الْمُرَاد بِالنَّبِيذِ هُنَا مَا سَبَقَ تَفْسِيره فِي أَحَادِيث الْبَاب، وَهُوَ مَا لَمْ يَنْتَهِ إِلَى حَدّ الْإِسْكَار، وَهَذَا مُتَعَيَّن لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْأَحَادِيث السَّابِقَة: «كُلّ مُسْكِر حَرَام».
وَاللَّهُ أَعْلَم.
✯✯✯✯✯✯
3749- فيه أَبُو بَكْر الصِّدِّيق رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: «قَالَ: لَمَّا خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة مَرَرْنَا بِرَاعٍ، وَقَدْ عَطِشَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَلَبْت لَهُ كُثْبَة مِنْ لَبَن فَأَتَيْته بِهَا فَشَرِبَ حَتَّى رَضِيت» وَفيه: الرِّوَايَة الْأُخْرَى، وَحَدِيث أَبِي هُرَيْرَة: «الْكُثْبَة» بِضَمِّ الْكَاف وَإِسْكَان الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَبَعْدهَا مُوَحَّدَة وَهُوَ الشَّيْء الْقَلِيل.
وَقَوْله: «فَشَرِبَ حَتَّى رَضِيَتْ» مَعْنَاهُ: شَرِبَ حَتَّى عَلِمْت أَنَّهُ شَرِبَ حَاجَته وَكِفَايَته.
وَقَوْله: «مَرَرْنَا بِرَاعِي» هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُول (بِرَاعِي) بِالْيَاءِ، وَهِيَ قَلِيلَة، وَالْأَشْهَر (بِرَاعٍ) وَأَمَّا شُرْبه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ هَذَا اللَّبَن وَلَيْسَ صَاحِبه حَاضِرًا؛ لِأَنَّهُ كَانَ رَاعِيًا لِرَجُلٍ مِنْ أَهْل الْمَدِينَة كَمَا جَاءَ فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى.
وَقَدْ ذَكَرَهَا مُسْلِم فِي آخِر الْكِتَاب، وَالْمُرَاد بِالْمَدِينَةِ هُنَا مَكَّة، وَفِي رِوَايَة: «لِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْش» فَالْجَوَاب عَنْهُ مِنْ أَوْجُه: أَحَدهَا: أَنَّ هَذَا كَانَ رَجُلًا حَرْبِيًّا لَا أَمَان لَهُ، فَيَجُوز الِاسْتِيلَاء عَلَى مَاله، وَالثَّانِي: يَحْتَمِل أَنَّهُ كَانَ رَجُلًا يَدُلّ عَلَيْهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يَكْرَه شُرْبه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ لَبَنه.
وَالثَّالِث لَعَلَّهُ كَانَ فِي عُرْفهمْ مِمَّا يَتَسَامَحُونَ بِهِ لِكُلِّ أَحَد، وَيَأْذَنُونَ لِرُعَاتِهِمْ لِيَسْقُوا مَنْ يَمُرّ بِهِمْ.
وَالرَّابِع: أَنَّهُ كَانَ مُضْطَرًّا.
✯✯✯✯✯✯
3750- قَوْله: (سُرَاقَة بْن مَالِك بْن جُعْشُم) هُوَ بِضَمِّ الْجِيم وَالشِّين الْمُعْجَمَة وَإِسْكَان الْعَيْن بَيْنهمَا، وَيُقَال: بِفَتْحِ الشِّين، حَكَاهُ الْجَوْهَرِيّ فِي الصِّحَاح عَنْ الْفَرَّاء وَالصَّحِيح الْمَشْهُور ضَمّهَا.
قَوْله: «فَسَاخَتْ فَرَسه» هُوَ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَة وَبِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة، وَمَعْنَاهُ: نَزَلَتْ فِي الْأَرْض، وَقَبَضَتْهَا الْأَرْض، وَكَانَ فِي جِلْد مِنْ الْأَرْض كَمَا جَاءَ فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى.
وَقَوْله: «فَقَالَ: اُدْعُوا اللَّه لِي وَلَا أَضُرّك فَدَعَا لَهُ» هَكَذَا وَقَعَ فِي بَعْض الْأُصُول: «اُدْعُوَا اللَّه» بِلَفْظِ التَّثْنِيَة لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ، وَفِي بَعْضهَا: «اُدْعُ» بِلَفْظِ الْوَاحِد، وَكِلَاهُمَا ظَاهِر، وَقَوْله: «فَدَعَا لَهُ ثُمَامَة فَانْطَلَقَ» كَمَا جَاءَ فِي غَيْر هَذِهِ الرِّوَايَة.
وَفيه: مُعْجِزَة ظَاهِرَة لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
✯✯✯✯✯✯
3751- قَوْله: «إِنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ لَيْلَة أُسْرِيَ بِهِ بِإِيلِيَاء بِقَدَحَيْنِ مِنْ خَمْر وَلَبَن، فَنَظَرَ إِلَيْهِمَا فَأَخَذَ اللَّبَن فَقَالَ لَهُ جِبْرِيل: الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي هَدَاك لِلْفِطْرَةِ، لَوْ أَخَذْت الْخَمْر غَوَتْ أُمَّتك» قَوْله: (بِإِيلِيَاء) وَبَيْت الْمَقْدِس، وَهُوَ بِالْمَدِّ، وَيُقَال بِالْقَصْرِ، وَيُقَال (الْيَاء) بِحَذْفِ الْيَاء الْأُولَى، وَقَدْ سَبَقَ بَيَانه.
وَفِي هَذِهِ الرِّوَايَة مَحْذُوف تَقْدِيره: أُتِيَ بِقَدَحَيْنِ فَقِيلَ لَهُ: اِخْتَرْ أَيّهمَا شِئْت، كَمَا جَاءَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي الْبُخَارِيّ، وَقَدْ ذَكَرَهُ مُسْلِم فِي كِتَاب الْإِيمَان فِي أَوَّل الْكِتَاب: فَأَلْهَمَهُ اللَّه تَعَالَى اِخْتِيَار اللَّبَن لِمَا أَرَادَهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى مِنْ تَوْفِيق هَذِهِ الْأُمَّة، وَاللُّطْف بِهَا، فَلِلَّهِ الْحَمْد وَالْمِنَّة.
وَقَوْل جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام: «أَصَبْت الْفِطْرَة» قِيلَ فِي مَعْنَاهُ أَقْوَال، الْمُخْتَار مِنْهَا: أَنَّ اللَّه تَعَالَى أَعْلَمَ جِبْرِيل أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ اِخْتَارَ اللَّبَن كَانَ كَذَا، وَإِنْ اِخْتَارَ الْخَمْر كَانَ كَذَا.
وَأَمَّا الْفِطْرَة فَالْمُرَاد بِهَا هُنَا الْإِسْلَام وَالِاسْتِقَامَة، وَقَدْ قَدَّمْنَا شَرْح هَذَا كُلّه، وَبَيَان الْفِطْرَة، وَسَبَب اِخْتِيَار اللَّبَن فِي أَوَّل الْكِتَاب فِي بَاب الْإِسْرَاء مِنْ كِتَاب الْإِيمَان.
وَقَوْله: «الْحَمْد لِلَّهِ»، فيه اِسْتِحْبَاب حَمْد اللَّه عِنْد تَجَدُّد النِّعَم، وَحُصُول مَا كَانَ الْإِنْسَان يَتَوَقَّع حُصُوله وَانْدِفَاع مَا كَانَ يَخَاف وُقُوعه.
قَوْله: «غَوَتْ أُمَّتك» مَعْنَاهُ: ضَلَّتْ وَانْهَمَكَتْ فِي الشَّرّ.
وَاللَّهُ أَعْلَم.
باب اباحة النبيذ الذي لم يشتد ولم يصر مسكرا
۞۞۞۞۞۞۞۞
كتاب الأشربة ﴿ 8 ﴾
۞۞۞۞۞۞۞۞