باب التشديد في النياحة
باب التشديد في النياحة
1550- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَالِاسْتِسْقَاء بِالنُّجُومِ» قَدْ سَبَقَ بَيَانه فِي كِتَاب الْإِيمَان فِي حَدِيث مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «النَّائِحَة إِذَا لَمْ تَتُبْ قَبْل مَوْتهَا» إِلَى آخِره فيه دَلِيل عَلَى تَحْرِيم النِّيَاحَة وَهُوَ مُجْمَع عَلَيْهِ، وَفيه صِحَّة التَّوْبَة مَا لَمْ يَمُتْ الْمُكَلَّف وَلَمْ يَصِلْ إِلَى الْغَرْغَرَة.
✯✯✯✯✯✯
1551- قَوْلهَا: «أَنْظُرُ مِنْ صَائِر الْبَاب شِقّ الْبَاب» هَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَات الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم صَائِر الْبَاب شَقِّ الْبَاب، وَشَقُّ الْبَاب تَفْسِير لِلصَّائِرِ، وَهُوَ بِفَتْحِ الشِّين، وَقَالَ بَعْضهمْ: لَا يُقَال: (صَائِر) وَإِنَّمَا يُقَال: (صِير) بِكَسْرِ الصَّاد وَإِسْكَان الْيَاء.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اِذْهَبْ فَاحْثُ فِي أَفْوَاههنَّ مِنْ التُّرَاب» هُوَ بِضَمِّ الثَّاء وَكَسْرهَا يُقَال: حَثَا يَحْثُو وَحَثَى يَحْثِي، لُغَتَانِ.
وَأَمَرَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ مُبَالَغَة فِي إِنْكَار الْبُكَاء عَلَيْهِنَّ وَمَنْعهنَّ مِنْهُ، ثُمَّ تَأَوَّلَهُ بَعْضهمْ عَلَى أَنَّهُ كَانَ بُكَاء بِنَوْحٍ وَصِيَاح وَلِهَذَا تَأَكَّدَ النَّهْي، وَلَوْ كَانَ مُجَرَّد دَمْع الْعَيْن لَمْ يَنْهَ عَنْهُ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَهُ وَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ، وَأَنَّهُ رَحْمَة.
وَتَأَوَّلَهُ بَعْضهمْ عَلَى أَنَّهُ كَانَ بُكَاء مِنْ غَيْر نِيَاحَة وَلَا صَوْت.
قَالَ: وَيَبْعُد أَنَّ الصَّحَابِيَّات يَتَمَادَيْنَ بَعْد تَكْرَار نَهْيهنَّ عَلَى مُحَرَّم وَإِنَّمَا كَانَ بُكَاء مُجَرَّدًا، وَالنَّهْي عَنْهُ تَنْزِيه وَأَدَب لَا لِلتَّحْرِيمِ، فَلِهَذَا أَصْرَرْنَ عَلَيْهِ مُتَأَوِّلَات.
قَوْله (أَرْغَمَ اللَّه أَنْفك وَاَللَّه مَا تَفْعَل مَا أَمَرَك رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا تَرَكْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْعَنَاء) مَعْنَاهُ أَنَّك قَاصِر لَا تَقُوم بِمَا أُمِرْت بِهِ مِنْ الْإِنْكَار لِنَقْصِك وَتَقْصِيرك، وَلَا تُخْبِر النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقُصُورِك عَنْ ذَلِكَ حَتَّى يُرْسِل غَيْرك وَيَسْتَرِيح مِنْ الْعَنَاء.
وَالْعَنَاء بِالْمَدِّ الْمَشَقَّة وَالتَّعَب.
وَقَوْلهمْ: أَرْغَمَ اللَّه أَنْفه أَيْ أَلْصَقَهُ بِالرَّغَامِ وَهُوَ التُّرَاب، وَهُوَ إِشَارَة إِلَى إِذْلَاله وَإِهَانَته.
قَوْله: وَفِي حَدِيث عَبْد الْعَزِيز: «وَمَا تَرَكْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْعِيّ» هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَم نُسَخ بِلَادنَا هُنَا الْعِيّ بِكَسْرِ الْعَيْن الْمُهْمَلَة أَيْ التَّعَب، وَهُوَ بِمَعْنَى الْعَنَاء السَّابِق فِي الرِّوَايَة الْأُولَى.
قَالَ الْقَاضِي: وَوَقَعَ عِنْد بَعْضهمْ (الْغَيّ) بِالْمُعْجَمَةِ، وَهُوَ تَصْحِيف.
قَالَ: وَوَقَعَ عِنْد أَكْثَرهمْ (الْعَنَاء) بِالْمَدِّ وَهُوَ الَّذِي نَسَبَهُ إِلَى الْأَكْثَرِينَ خِلَاف سِيَاق مُسْلِم لِأَنَّ مُسْلِمًا رَوَى الْأَوَّل الْعَنَاء، ثُمَّ رَوَى الرِّوَايَة الثَّانِيَة، وَقَالَ: إِنَّهَا بِنَحْوِ الْأُولَى إِلَّا فِي هَذَا اللَّفْظ فَيَتَعَيَّن أَنْ يَكُون خِلَافه.
✯✯✯✯✯✯
1552- قَوْلهَا: «أَخَذَ عَلَيْنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ الْبَيْعَة أَنْ لَا نَنُوح» وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: «فِي الْبَيْعَة» فيه تَحْرِيم النَّوْح وَعَظِيم قُبْحه وَالِاهْتِمَام بِإِنْكَارِهِ وَالزَّجْر عَنْهُ لِأَنَّهُ مُهَيِّج لِلْحُزْنِ وَرَافِع لِلصَّبْرِ، وَفيه مُخَالَفَة التَّسْلِيم لِلْقَضَاءِ وَالْإِذْعَان لِأَمْرِ اللَّه تَعَالَى.
قَوْلهَا: «فَمَا وَفَتْ مِنَّا اِمْرَأَة إِلَّا خَمْس» قَالَ الْقَاضِي: مَعْنَاهُ لَمْ يَفِ مِمَّنْ بَايَعَ مَعَ أُمّ عَطِيَّة فِي الْوَقْت الَّذِي بَايَعَتْ فيه مِنْ النِّسْوَة إِلَّا خَمْس لَا أَنَّهُ لَمْ يَتْرُك النِّيَاحَة مِنْ الْمُسْلِمَات غَيْر خَمْس.
✯✯✯✯✯✯
1554- قَوْله: (عَنْ أُمّ عَطِيَّة) حِين نُهِينَ عَنْ النِّيَاحَة: «فَقُلْت يَا رَسُول اللَّه إِلَّا آلَ فُلَان» هَذَا مَحْمُول عَلَى التَّرْخِيص لِأُمِّ عَطِيَّة فِي آلِ فُلَان خَاصَّة كَمَا هُوَ ظَاهِر، وَلَا تَحِلّ النِّيَاحَة لِغَيْرِهَا، وَلَا لَهَا فِي غَيْر آلِ فُلَان، كَمَا هُوَ صَرِيح فِي الْحَدِيث.
وَلِلشَّارِعِ أَنْ يَخُصّ مِنْ الْعُمُوم مَا شَاءَ فَهَذَا صَوَاب الْحُكْم فِي هَذَا الْحَدِيث.
وَاسْتَشْكَلَ الْقَاضِي عِيَاض وَغَيْره هَذَا الْحَدِيث، وَقَالُوا فيه أَقْوَالًا عَجِيبَة.
وَمَقْصُودِي التَّحْذِير مِنْ الِاغْتِرَار بِهَا حَتَّى إِنَّ بَعْض الْمَالِكِيَّة قَالَ: النِّيَاحَة لَيْسَتْ بِحَرَامٍ بِهَذَا الْحَدِيِث وَقِصَّة نِسَاء جَعْفَر.
قَالَ: وَإِنَّمَا الْمُحَرَّم مَا كَانَ مَعَهُ شَيْء مِنْ أَفْعَال الْجَاهِلِيَّة كَشَقِّ الْجُيُوب وَخَمْش الْخُدُود وَدَعْوَى الْجَاهِلِيَّة.
وَالصَّوَاب مَا ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا وَأَنَّ النِّيَاحَة حَرَام مُطْلَقًا وَهُوَ مَذْهَب الْعُلَمَاء كَافَّة، وَلَيْسَ فِيمَا قَالَهُ هَذَا الْقَائِل دَلِيل صَحِيح لِمَا ذَكَرَهُ.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
باب التشديد في النياحة
باب التشديد في النياحة
باب التشديد في النياحة