باب ذكر النداء بصلاة الكسوف «الصلاة جامعة»
باب ذكر النداء بصلاة الكسوف «الصلاة جامعة»
1515- قَوْله: فِي حَدِيث اِبْن عَمْرو: «فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ فِي سَجْدَة» أَيْ رُكُوعَيْنِ فِي رَكْعَة، وَالْمُرَاد بِالسَّجْدَةِ رَكْعَة، وَقَدْ سَبَقَ أَحَادِيث كَثِيرَة بِإِطْلَاقِ السَّجْدَة عَلَى رَكْعَة.
قَوْلهَا: «مَا رَكَعْت رُكُوعًا قَطُّ وَلَا سَجَدْت سُجُودًا قَطُّ كَانَ أَطْوَلَ مِنْهُ» وَفِي رِوَايَة أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ: «فَقَامَ يُصَلِّي بِأَطْوَل قِيَام وَرُكُوع وَسُجُود، وَمَا رَأَيْته يَفْعَلهُ فِي صَلَاة قَطُّ».
فيهمَا دَلِيل لِلْمُخْتَارِ وَهُوَ اِسْتِحْبَاب تَطْوِيل السُّجُود فِي صَلَاة الْكُسُوف، وَلَا يَضُرّ كَوْن أَكْثَر الرِّوَايَات لَيْسَ فيهمَا تَطْوِيل السُّجُود لِأَنَّ الزِّيَادَة مِنْ الثِّقَة مَقْبُولَة مَعَ أَنَّ تَطْوِيل السُّجُود ثَابِت مِنْ رِوَايَة جَمَاعَة كَثِيرَة مِنْ الصَّحَابَة، وَذَكَرَهُ مُسْلِم مِنْ رِوَايَتَيْ عَائِشَة وَأَبِي مُوسَى وَرَوَاهُ الْبُخَاري مِنْ رِوَايَة جَمَاعَة آخَرِينَ وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيق غَيْرهمْ تَكَاثَرَتْ طُرُقه وَتَعَاضَدَتْ فَتَعَيَّنَ الْعَمَل بِهِ.
✯✯✯✯✯✯
1518- قَوْله: «فَقَامَ فَزِعًا يَخْشَى أَنْ تَكُون السَّاعَة» هَذَا قَدْ يُسْتَشْكَل مِنْ حَيْثُ إِنَّ السَّاعَة لَهَا مُقَدِّمَات كَثِيرَة لابد مِنْ وُقُوعهَا وَلَمْ تَكُنْ وَقَعَتْ كَطُلُوعِ الشَّمْس مِنْ مَغْرِبهَا، وَخُرُوج الدَّابَّة وَالنَّار وَالدَّجَّال، وَقِتَال التُّرْك وَأَشْيَاء أُخَر لابد مِنْ وُقُوعهَا قَبْل السَّاعَة كَفُتُوحِ الشَّام وَالْعِرَاق وَمِصْر وَغَيْرهمَا وَإِنْفَاق كُنُوز كِسْرَى فِي سَبِيل اللَّه تَعَالَى، وَقِتَال الْخَوَارِج، وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الْأُمُور الْمَشْهُورَة فِي الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة وَيُجَاب عَنْهُ بِأَجْوِبَةٍ أَحَدهَا لَعَلَّ هَذَا الْكُسُوف كَانَ قَبْل إِعْلَام النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذِهِ الْأُمُور.
الثَّانِي لَعَلَّهُ خَشِيَ أَنْ تَكُون بَعْض مُقَدِّمَاتهَا.
الثَّالِث أَنَّ الرَّاوِي ظَنَّ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْشَى أَنْ تَكُون السَّاعَة وَلَيْسَ يَلْزَم مِنْ ظَنِّهِ أَنْ يَكُون النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَشِيَ ذَلِكَ حَقِيقَة بَلْ خَرَجَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْتَعْجِلًا مُهْتَمًّا بِالصَّلَاةِ وَغَيْرهَا مِنْ أَمْر الْكُسُوف، مُبَادِرًا إِلَى ذَلِكَ، وَرُبَّمَا خَافَ أَنْ يَكُون نَوْع عُقُوبَة كَمَا كَانَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْد هُبُوب الرِّيح تُعْرَف الْكَرَاهَة فِي وَجْهه، وَيَخَاف أَنْ يَكُون عَذَابًا كَمَا سَبَقَ فِي آخِر كِتَاب الِاسْتِسْقَاء، فَظَنَّ الرَّاوِي خِلَاف ذَلِكَ وَلَا اِعْتِبَار بِظَنِّهِ.
✯✯✯✯✯✯
1519- قَوْله: «فَانْتَهَيْت إِلَيْهِ وَهُوَ رَافِع يَدَيْهِ يَدْعُو وَيُكَبِّر وَيَحْمَد وَيُهَلِّل حَتَّى جَلَّى عَنْ الشَّمْس فَقَرَأَ سُورَتَيْنِ وَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ» وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: «فَأَتَيْته وَهُوَ قَائِم فِي الصَّلَاة رَافِع يَدَيْهِ فَجَعَلَ يُسَبِّح وَيُهَلِّل وَيُكَبِّر وَيَحْمَد وَيَدْعُو حَتَّى حَسِرَ.
قَالَ: فَلَمَّا حَسِرَ عَنْهَا قَرَأَ سُورَتَيْنِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ» هَذَا مِمَّا يُسْتَشْكَلُ وَيُظَنّ أَنَّ ظَاهِره: أَنَّهُ اِبْتَدَأَ صَلَاة الْكُسُوف بَعْد اِنْجِلَاء الشَّمْس، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَجُوز اِبْتِدَاء صَلَاتهَا بَعْد الِانْجِلَاء، وَهَذَا الْحَدِيث مَحْمُول عَلَى أَنَّهُ وَجَدَهُ فِي الصَّلَاة كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة، ثُمَّ جَمَعَ الرَّاوِي جَمِيع مَا جَرَى فِي الصَّلَاة مِنْ دُعَاء وَتَكْبِير وَتَهْلِيل وَتَسْبِيح وَتَحْمِيد وَقِرَاءَة سُورَتَيْنِ فِي الْقِيَامَيْنِ الْآخَرَيْنِ لِلرَّكْعَةِ الثَّانِيَة، وَكَانَتْ السُّورَتَانِ بَعْد الِانْجِلَاء تَتْمِيمًا لِلصَّلَاةِ فَتَمَّتْ جُمْلَة الصَّلَاة رَكْعَتَيْنِ، أَوَّلهَا فِي حَال الْكُسُوف وَآخِرهَا بَعْد الِانْجِلَاء، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْته مِنْ تَقْدِيره لابد مِنْهُ لِأَنَّهُ مُطَابِق لِلرِّوَايَةِ الثَّانِيَة وَلِقَوَاعِد الْفِقْه وَلِرِوَايَاتِ بَاقِي الصَّحَابَة، وَالرِّوَايَة الْأُولَى مَحْمُولَة عَلَيْهِ أَيْضًا لِيَتَّفِق الرِّوَايَتَانِ.
وَنَقَلَ الْقَاضِي عَنْ الْمَازِرِيّ أَنَّهُ تَأَوَّلَهُ عَلَى صَلَاة رَكْعَتَيْنِ تَطَوُّعًا مُسْتَقِلًّا بَعْد اِنْجِلَاء الْكُسُوف لِأَنَّهَا صَلَاة كُسُوف، وَهَذَا ضَعِيف مُخَالِف لِظَاهِرِ الرِّوَايَة الثَّانِيَة، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
✯✯✯✯✯✯
1520- قَوْله: «وَهُوَ قَائِم فِي الصَّلَاة رَافِع يَدَيْهِ فَجَعَلَ يُسَبِّح» إِلَى قَوْله: «وَيَدْعُو» فيه دَلِيل لِأَصْحَابِنَا فِي رَفْع الْيَدَيْنِ فِي الْقُنُوت، وَرَدٌّ عَلَى مَنْ يَقُول: لَا تُرْفَع الْأَيْدِي فِي دَعَوَات الصَّلَاة.
قَوْله: «حَسِرَ عَنْهَا» أَيْ كَشَفَ وَهُوَ بِمَعْنَى قَوْله فِي الرِّوَايَة الْأُولَى: «جُلِّيَ عَنْهَا».
قَوْله: «كُنْت أَرْتَمِي بَأَسْهُمٍ» أَيْ أَرْمِي كَمَا قَالَهُ فِي الرِّوَايَة الْأُولَى.
يُقَال: أَرْمِي وَارْتَمِي، وَتَرَامَى وَتَرَمَّى كَمَا قَالَهُ فِي الرِّوَايَة الْأَخِيرَة.
✯✯✯✯✯✯
1522- قَوْله: (زِيَاد بْن عِلَاقَة) بِكَسْرِ الْعَيْن.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَحَادِيث الْبَاب: «إِنَّ الشَّمْس وَالْقَمَر آيَتَانِ لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَد وَلَا لِحَيَاتِهِ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا فَصَلُّوا» فيه دَلِيل لِلشَّافِعِيِّ وَجَمِيع فُقَهَاء أَصْحَاب الْحَدِيث فِي اِسْتِحْبَاب الصَّلَاة لِكُسُوفِ الْقَمَر عَلَى هَيْئَة صَلَاة كُسُوف الشَّمْس، وَرُوِيَ عَنْ جَمَاعَة مِنْ الصَّحَابَة وَغَيْرهمْ، وَقَالَ مَالِك وَأَبُو حَنِيفَة: لَا تُسَنّ لِكُسُوفِ الْقَمَر هَكَذَا، وَإِنَّمَا تُسَنّ رَكْعَتَانِ كَسَائِرِ الصَّلَوَات فُرَادَى.
وَاللَّهُ أَعْلَم.
باب ذكر النداء بصلاة الكسوف «الصلاة جامعة»
باب ذكر النداء بصلاة الكسوف «الصلاة جامعة»
باب ذكر النداء بصلاة الكسوف «الصلاة جامعة»