باب الصداق وجواز كونه تعليم قران وخاتم حديد وغير ذلك من قليل وكثير واستحباب كونه خمسمائة درهم لمن لا يجحف به
باب الصداق وجواز كونه تعليم قران وخاتم حديد
2554- قَوْله: (حَدَّثَنَا يَعْقُوب) يَعْنِي اِبْن عَبْد الرَّحْمَن الْقَارِيّ، هُوَ الْقَارِيّ بِتَشْدِيدِ الْيَاء مَنْسُوب إِلَى الْقَارَة قَبِيلَة مَعْرُوفَة، وَسَبَقَ بَيَانه.
قَوْلهَا: «جِئْت أَهَبُ لَك نَفْسِي» مَعَ سُكُوته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فيه: دَلِيل لِجَوَازِ هِبَة الْمَرْأَة نِكَاحهَا لَهُ كَمَا قَالَ اللَّه: {وَامْرَأَة مُؤْمِنَة إِنْ وَهَبَتْ نَفْسهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيّ أَنْ يَسْتَنْكِحهَا خَالِصَة لَك مِنْ دُون الْمُؤْمِنِينَ} قَالَ أَصْحَابنَا: فَهَذِهِ الْآيَة وَهَذَا الْحَدِيث دَلِيلَانِ لِذَلِكَ، فَإِذَا وَهَبَتْ اِمْرَأَة نَفْسهَا لَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَزَوَّجَهَا بِلَا مَهْر حَلَّ لَهُ ذَلِكَ، وَلَا يَجِب عَلَيْهِ بَعْد ذَلِكَ مَهْرهَا بِالدُّخُولِ، وَلَا بِالْوَفَاةِ، وَلَا بِغَيْرِ ذَلِكَ، بِخِلَافِ غَيْره فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو نِكَاحه وُجُوب مَهْر إِمَّا مُسَمَّى، وَإِمَّا مَهْر الْمِثْل.
وَفِي اِنْعِقَاد نِكَاح النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَفْظِ الْهِبَة وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا أَحَدهمَا يَنْعَقِد لِظَاهِرِ الْآيَة، وَهَذَا الْحَدِيث.
وَالثَّانِي لَا يَنْعَقِد بِلَفْظِ الْهِبَة، بَلْ لَا يَنْعَقِد إِلَّا بِلَفْظِ التَّزْوِيج أَوْ الْإِنْكَاح كَغَيْرِهِ مِنْ الْأُمَّة، فَإِنَّهُ لَا يَنْعَقِد إِلَّا بِأَحَدِ هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ عِنْدنَا بِلَا خِلَاف، وَيَحْمِل هَذَا الْقَائِل الْآيَة وَالْحَدِيث عَلَى أَنَّ الْمُرَاد بِالْهِبَةِ أَنَّهُ لَا مَهْر لِأَجْلِ الْعَقْد بِلَفْظِ الْهِبَة، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة: يَنْعَقِد نِكَاح كُلّ أَحَد بِكُلِّ لَفْظ يَقْتَضِي التَّمْلِيك عَلَى التَّأْبِيد، وَبِمِثْلِ مَذْهَبنَا قَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو ثَوْر وَكَثِيرُونَ مِنْ أَصْحَاب مَالِك وَغَيْرهمْ وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مَالِك وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى عَنْهُ أَنَّهُ يَنْعَقِد بِلَفْظِ الْهِبَة وَالصَّدَقَة وَالْبَيْع إِذَا قُصِدَ بِهِ النِّكَاح سَوَاء ذَكَرَ الصَّدَاق أَمْ لَا، وَلَا يَصِحّ بِلَفْظِ الرَّهْن وَالْإِجَارَة وَالْوَصِيَّة.
وَمِنْ أَصْحَاب مَالِك مَنْ صَحَّحَهُ بِلَفْظِ الْإِحْلَال وَالْإِبَاحَة حَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاض.
قَوْله: «فَنَظَرَ إِلَيْهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَعَّدَ النَّظَر فيها وَصَوَّبَهُ ثُمَّ طَأْطَأَ» أَمَّا (صَعَّدَ) فَبِتَشْدِيدِ الْعَيْن أَيْ رَفَعَ، وَأَمَّا (صَوَّبَ) فَبِتَشْدِيدِ الْوَاو أَيْ خَفَضَ، وَفيه دَلِيل لِجَوَازِ النَّظَر لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّج اِمْرَأَة وَتَأَمُّلهُ إِيَّاهَا.
وَفيه اِسْتِحْبَاب عَرْض الْمَرْأَة نَفْسهَا عَلَى الرَّجُل الصَّالِح لِيَتَزَوَّجهَا.
وَفيه أَنَّهُ يُسْتَحَبّ لِمَنْ طُلِبَتْ مِنْهُ حَاجَة لَا يُمْكِنهُ قَضَاؤُهَا أَنْ يَسْكُت سُكُوتًا يَفْهَم السَّائِل مِنْهُ ذَلِكَ وَلَا يُخْجِلهُ بِالْمَنْعِ إِلَّا إِذَا لَمْ يَحْصُل الْفَهْم إِلَّا بِصَرِيحِ الْمَنْع فَيُصَرِّح.
قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَفيه جَوَاز نِكَاح الْمَرْأَة مِنْ غَيْر أَنْ تَسْأَل هَلْ هِيَ فِي عِدَّة أَمْ لَا؟ حَمْلًا عَلَى ظَاهِر الْحَال.
قَالَ: وَعَادَة الْحُكَّام يَبْحَثُونَ عَنْ ذَلِكَ اِحْتِيَاطًا.
قُلْت: قَالَ الشَّافِعِيّ: لَا يُزَوِّج الْقَاضِي مَنْ جَاءَتْهُ لِطَلَبِ الزَّوَاج حَتَّى يَشْهَد عَدْلَانِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا وَلِيّ خَاصّ، وَلَيْسَتْ فِي زَوْجِيَّة وَلَا عِدَّة.
فَمِنْ أَصْحَابنَا مَنْ قَالَ: هَذَا شَرْط وَاجِب، وَالْأَصَحّ عِنْدهمْ أَنَّهُ اِسْتِحْبَاب وَاحْتِيَاط وَلَيْسَ بِشَرْطٍ.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اُنْظُرْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيد» هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخ: «خَاتَم مِنْ حَدِيد» وَفِي بَعْض النُّسَخ: «خَاتَمًا» وَهَذَا وَاضِح، وَالْأَوَّل صَحِيح أَيْضًا أَيْ وَلَوْ حَضَرَ خَاتَم مِنْ حَدِيد، وَفيه دَلِيل عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبّ أَلَّا يَنْعَقِد النِّكَاح إِلَّا بِصَدَاقٍ لِأَنَّهُ أَقْطَع لِلنِّزَاعِ، وَأَنْفَع لِلْمَرْأَةِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ لَوْ حَصَلَ طَلَاق قَبْل الدُّخُول وَجَبَ نِصْف الْمُسَمَّى، فَلَوْ لَمْ تَكُنْ تَسْمِيَة لَمْ يَجِب صَدَاق، بَلْ تَجِب الْمُتْعَة، فَلَوْ عَقَدَ النِّكَاح بِلَا صَدَاق صَحَّ قَالَ اللَّه تَعَالَى: {لَا جُنَاح عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاء مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَة} فَهَذَا تَصْرِيح بِصِحَّةِ النِّكَاح وَالطَّلَاق مِنْ غَيْر مَهْر، ثُمَّ يَجِب لَهَا الْمَهْر.
وَهَلْ يَجِب بِالْعَقْدِ أَمْ بِالدُّخُولِ؟ فيه خِلَاف مَشْهُور، وَهُمَا قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ أَصَحّهمَا بِالدُّخُولِ، وَهُوَ ظَاهِر هَذِهِ الْآيَة.
وَفِي هَذَا الْحَدِيث أَنَّهُ يَجُوز أَنْ يَكُون الصَّدَاق قَلِيلًا وَكَثِيرًا مِمَّا يُتَمَوَّل إِذَا تَرَاضَى بِهِ الزَّوْجَانِ، لِأَنَّ خَاتَم الْحَدِيد فِي نِهَايَة مِنْ الْقِلَّة.
وَهَذَا مَذْهَب الشَّافِعِيّ، وَهُوَ مَذْهَب جَمَاهِير الْعُلَمَاء مِنْ السَّلَف وَالْخَلَف، وَبِهِ قَالَ رَبِيعَة وَأَبُو الزِّنَاد وَابْن أَبِي ذِئْب وَيَحْيَى بْن سَعِيد وَاللَّيْث بْن سَعْد وَالثَّوْرِيّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَمُسْلِم بْن خَالِد الزِّنْجِيّ وَابْن أَبِي لَيْلَى وَدَاوُد وَفُقَهَاء أَهْل الْحَدِيث وَابْن وَهْب مِنْ أَصْحَاب مَالِك.
قَالَ الْقَاضِي: هُوَ مَذْهَب الْعُلَمَاء كَافَّة مِنْ الْحِجَازِيِّينَ وَالْبَصَرِيَّيْنِ وَالْكُوفِيِّينَ وَالشَّامِيِّينَ وَغَيْرهمْ أَنَّهُ يَجُوز مَا تَرَاضَى بِهِ الزَّوْجَانِ مِنْ قَلِيل وَكَثِير كَالسَّوْطِ وَالنَّعْل وَخَاتَم الْحَدِيد وَنَحْوه.
وَقَالَ مَالِك: أَقَلّه رُبْع دِينَار كَنِصَابِ السَّرِقَة.
قَالَ الْقَاضِي: هَذَا مِمَّا اِنْفَرَدَ بِهِ مَالِك.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة وَأَصْحَابه: أَقَلّه عَشَرَة دَرَاهِم.
وَقَالَ اِبْن شُبْرُمَةَ أَقَلّه خَمْسَة دَرَاهِم اِعْتِبَارًا بِنِصَابِ الْقَطْع فِي السَّرِقَة عِنْدهمَا.
وَكَرِهَ النَّخَعِيُّ أَنْ يَتَزَوَّج بِأَقَلّ مِنْ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا.
وَقَالَ مَرَّة: عَشَرَة.
وَهَذِهِ الْمَذَاهِب سِوَى مَذْهَب الْجُمْهُور مُخَالِفَة لِلسُّنَّةِ، وَهُمْ مَحْجُوجُونَ بِهَذَا الْحَدِيث الصَّحِيح الصَّرِيح.
وَفِي هَذَا الْحَدِيث جَوَاز اِتِّخَاذ خَاتَم الْحَدِيد، وَفيه خِلَاف لِلسَّلَفِ حَكَاهُ الْقَاضِي.
وَلِأَصْحَابِنَا فِي كَرَاهَته وَجْهَانِ: أَصَحّهمَا لَا يُكْرَه لِأَنَّ الْحَدِيث فِي النَّهْي عَنْهُ ضَعِيف، وَقَدْ أَوْضَحْت الْمَسْأَلَة فِي شَرْح الْمُهَذِّب، وَفيه اِسْتِحْبَاب تَعْجِيل تَسْلِيم الْمَهْر إِلَيْهَا.
قَوْله: «لَا وَاَللَّه يَا رَسُول اللَّه وَلَا خَاتَم مِنْ حَدِيد» فيه جَوَاز الْحَلِف مِنْ غَيْر اِسْتِحْلَاف وَلَا ضَرُورَة، لَكِنْ قَالَ أَصْحَابنَا: يُكْرَه مِنْ غَيْر حَاجَة، وَهَذَا كَانَ مُحْتَاجًا لِيُؤَكِّد قَوْله.
وَفيه جَوَاز تَزْوِيج الْمُعْسِر وَتَزَوُّجه.
قَوْله: «وَلَكِنَّ هَذَا إِزَارِي فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا تَصْنَع بِإِزَارِك إِنْ لَبِسْتَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا مِنْهُ شَيْء، وَإِنْ لَبِسَتْهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْك مِنْهُ شَيْء» فيه دَلِيل عَلَى نَظَر كَبِير الْقَوْم فِي مَصَالِحهمْ، وَهِدَايَته إِيَّاهُمْ إِلَى مَا فيه الرِّفْق بِهِمْ، وَفيه جَوَاز لُبْس الرَّجُل ثَوْب اِمْرَأَته إِذَا رَضِيَتْ أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنّه رِضَاهَا، وَهُوَ الْمُرَاد فِي هَذَا الْحَدِيث.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اِذْهَبْ فَقَدْ مُلِّكْتهَا بِمَا مَعَك» هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَم النُّسَخ، وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ رِوَايَة الْأَكْثَرِينَ: «مُلِّكْتهَا» بِضَمِّ الْمِيم وَكَسْر اللَّام الْمُشَدَّدَة عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِله.
وَفِي بَعْض النُّسَخ: «مَلَّكْتُكهَا» بِكَافَيْنَ، وَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيّ.
وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: «زَوَّجْتُكهَا».
قَالَ الْقَاضِي: قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: رِوَايَة مَنْ رَوَى: «مُلِّكْتهَا» وَهْم.
قَالَ: وَالصَّوَاب رِوَايَة مَنْ رَوَى: «زَوَّجْتُكهَا».
قَالَ: وَهُمْ أَكْثَر وَأَحْفَظ.
قُلْت: وَيَحْتَمِل صِحَّة اللَّفْظَيْنِ، وَيَكُون جَرَى لَفْظ التَّزْوِيج أَوَّلًا (فَمُلِّكَهَا).
ثُمَّ قَالَ لَهُ: «اِذْهَبْ فَقَدْ مُلِّكْتهَا» بِالتَّزْوِيجِ السَّابِق.
وَاَللَّه أَعْلَم.
وَفِي هَذَا الْحَدِيث دَلِيل لِجَوَازِ كَوْن الصَّدَاق تَعْلِيم الْقُرْآن، وَجَوَاز الِاسْتِئْجَار لِتَعْلِيمِ الْقُرْآن، وَكِلَاهُمَا جَائِز عِنْد الشَّافِعِيّ، وَبِهِ قَالَ عَطَاء وَالْحَسَن بْن صَالِح وَمَالِك وَإِسْحَاق وَغَيْرهمْ، وَمَنَعَهُ جَمَاعَة مِنْهُمْ الزُّهْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَة، وَهَذَا الْحَدِيث مَعَ الْحَدِيث الصَّحِيح: «إِنَّ أَحَقّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَاب اللَّه» يَرُدَّانِ قَوْل مَنْ مَنْع ذَلِكَ.
وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاض جَوَاز الِاسْتِئْجَار لِتَعْلِيمِ الْقُرْآن عَنْ الْعُلَمَاء كَافَّة سِوَى أَبِي حَنِيفَة.
✯✯✯✯✯✯
2555- قَوْلهَا: «كَانَ صَدَاق رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَزْوَاجِهِ ثِنْتَيْ عَشْرَة أُوقِيَّة وَنَشًّا قَالَتْ: أَتَدْرِي مَا النَّشّ؟ قُلْت: لَا قَالَتْ: نِصْف أُوقِيَّة فَتِلْكَ خَمْسمِائَةِ دِرْهَم» أَمَّا (الْأُوقِيَّة) فَبِضَمِّ الْهَمْزَة وَبِتَشْدِيدِ الْيَاء، وَالْمُرَاد أُوقِيَّة الْحِجَاز وَهِيَ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا، وَأَمَّا (النَّشّ) فَبِنُونٍ مَفْتُوحَة ثُمَّ شِين مُعْجَمَة مُشَدَّدَة، وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابنَا بِهَذَا الْحَدِيث عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبّ كَوْن الصَّدَاق خَمْسمِائَةِ دِرْهَم، وَالْمُرَاد فِي حَقّ مَنْ يَحْتَمِل ذَلِكَ، فَإِنْ قِيلَ: فَصَدَاق أُمّ حَبِيبَة زَوْج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَرْبَعَة آلَاف دِرْهَم وَأَرْبَعمِائَةِ دِينَار فَالْجَوَاب أَنَّ هَذَا الْقَدْر تَبَرَّعَ بِهِ النَّجَاشِيّ مِنْ مَاله إِكْرَامًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَا أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَدَّاهُ أَوْ عَقَدَ بِهِ.
وَاَللَّه أَعْلَم.
✯✯✯✯✯✯
2556- قَوْله: «إِنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى عَلَى عَبْد الرَّحْمَن أَثَر صُفْرَة قَالَ: مَا هَذَا؟» فيه أَنَّهُ يُسْتَحَبّ لِلْإِمَامِ وَالْفَاضِل تَفَقُّد أَصْحَابه وَالسُّؤَال عَمَّا يَخْتَلِف مِنْ أَحْوَالهمْ.
وَقَوْله: «أَثَر صُفْرَة» وَفِي رِوَايَة فِي غَيْر كِتَاب مُسْلِم: «رَأَى عَلَيْهِ صُفْرَة» وَفِي رِوَايَة: «رَدْع مِنْ زَعْفَرَان» وَالرَّدْع بِرَاءٍ وَدَال وَعَيْن مُهْمَلَات هُوَ أَثَر الطِّيب.
وَالصَّحِيح فِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيث أَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ أَثَر مِنْ الزَّعْفَرَان وَغَيْره مِنْ طِيب الْعَرُوس، وَلَمْ يَقْصِدهُ وَلَا تَعَمَّدَ التَّزَعْفُر، فَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيح النَّهْي عَنْ التَّزَعْفُر لِلرِّجَالِ، وَكَذَا نَهْي الرِّجَال عَنْ الْخَلُوق لِأَنَّهُ شِعَار النِّسَاء، وَقَدْ نَهَى الرِّجَال عَنْ التَّشَبُّه بِالنِّسَاءِ، فَهَذَا هُوَ الصَّحِيح فِي مَعْنَى الْحَدِيث، وَهُوَ الَّذِي اِخْتَارَهُ الْقَاضِي وَالْمُحَقِّقُونَ.
وَقِيلَ: إِنَّهُ يُرَخَّص فِي ذَلِكَ لِلرَّجُلِ الْعَرُوس، وَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ فِي أَثَر ذَكَرَهُ أَبُو عُبَيْد أَنَّهُمْ كَانُوا يُرَخِّصُونَ فِي ذَلِكَ لِلشَّابِّ أَيَّام عُرْسه.
قَالَ: وَقِيلَ: لَعَلَّهُ كَانَ يَسِيرًا فَلَمْ يُنْكَر.
قَالَ: وَقِيلَ: كَانَ فِي أَوَّل الْإِسْلَام مَنْ تَزَوَّجَ لَبِسَ ثَوْبًا مَصْبُوغًا عَلَامَة لِسُرُورِهِ وَزَوَاجه.
قَالَ: وَهَذَا غَيْر مَعْرُوف.
وَقِيلَ: يَحْتَمِل أَنَّهُ كَانَ فِي ثِيَابه دُون بَدَنه.
وَمَذْهَب مَالِك وَأَصْحَابه جَوَاز لُبْس الثِّيَاب الْمُزَعْفَرَة، وَحَكَاهُ مَالِك عَنْ عُلَمَاء الْمَدِينَة، وَهَذَا مَذْهَب اِبْن عُمَر وَغَيْره.
وَقَالَ الشَّافِعِيّ وَأَبُو حَنِيفَة: لَا يَجُوز ذَلِكَ لِلرَّجُلِ.
قَوْله: «تَزَوَّجْت اِمْرَأَة عَلَى وَزْن نَوَاة مِنْ ذَهَب» قَالَ الْقَاضِي: قَالَ الْخَطَّابِيُّ: النَّوَاة اِسْم لِقَدْرٍ مَعْرُوف عِنْدهمْ فَسَّرُوهَا بِخَمْسَةِ دَرَاهِم مِنْ ذَهَب.
قَالَ الْقَاضِي: كَذَا فَسَّرَهَا أَكْثَر الْعُلَمَاء، وَقَالَ أَحْمَد بْن حَنْبَل: هِيَ ثَلَاثَة دَرَاهِم وَثُلُث، وَقِيلَ: الْمُرَاد نَوَاة التَّمْر أَيْ وَزْنهَا مِنْ ذَهَب، وَالصَّحِيح الْأَوَّل.
وَقَالَ بَعْض الْمَالِكِيَّة: النَّوَاة رُبْع دِينَار عِنْد أَهْل الْمَدِينَة.
وَظَاهِر كَلَام أَبِي عُبَيْد أَنَّهُ دَفَعَ خَمْسَة دَرَاهِم قَالَ: وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ ذَهَب إِنَّمَا هِيَ خَمْسَة دَرَاهِم تُسَمَّى نَوَاة كَمَا تُسَمَّى الْأَرْبَعُونَ أُوقِيَّة.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَبَارَكَ اللَّه لَك» فيه اِسْتِحْبَاب الدُّعَاء لِلْمُتَزَوِّجِ، وَأَنْ يُقَال بَارَكَ اللَّه لَك أَوْ نَحْوه، وَسَبَقَ فِي الْبَاب قَبْله إِيضَاحه.
✯✯✯✯✯✯
2557- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ» قَالَ الْعُلَمَاء مِنْ أَهْل اللُّغَة وَالْفُقَهَاء وَغَيْرهمْ: الْوَلِيمَة الطَّعَام الْمُتَّخَذ لِلْعُرْسِ مُشْتَقَّة مِنْ الْوَلْم وَهُوَ الْجَمْع لِأَنَّ الزَّوْجَيْنِ يَجْتَمِعَانِ.
قَالَهُ الْأَزْهَرِيّ وَغَيْره.
وَقَالَ الْأَنْبَارِيّ: أَصْلهَا تَمَام الشَّيْء وَاجْتِمَاعه، وَالْفِعْل مِنْهَا (أَوْلَمَ).
قَالَ أَصْحَابنَا وَغَيْرهمْ: الضِّيَافَات ثَمَانِيَة أَنْوَاع: الْوَلِيمَة لِلْعُرْسِ، وَالْخُرْس بِضَمِّ الْخَاء الْمُعْجَمَة، وَيُقَال الْخُرْص أَيْضًا بِالصَّادِ الْمُهْمَلَة لِلْوِلَادَةِ، وَالْإِعْذَار بِكَسْرِ الْهَمْزَة وَبِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَة وَالذَّال الْمُعْجَمَة لِلْخِتَانِ.
وَالْوَكِيرَة لِلْبِنَاءِ، وَالنَّقِيعَة لِقُدُومِ الْمُسَافِر مَأْخُوذَة مِنْ النَّقْع وَهُوَ الْغُبَار ثُمَّ قِيلَ: إِنَّ الْمُسَافِر يَصْنَع الطَّعَام، وَقِيلَ: يَصْنَعهُ غَيْره لَهُ، وَالْعَقِيقَة يَوْم سَابِع الْوِلَادَة، وَالْوَضِيمَة بِفَتْحِ الْوَاو وَكَسْر الضَّاد الْمُعْجَمَة الطَّعَام عِنْد الْمُصِيبَة، وَالْمَأْدُبَة بِضَمِّ الدَّال وَفَتْحهَا الطَّعَام الْمُتَّخَذ ضِيَافَة بِلَا سَبَب.
وَاَللَّه أَعْلَم.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي وَلِيمَة الْعُرْس هَلْ هِيَ وَاجِبَة أَمْ مُسْتَحَبَّة؟ وَالْأَصَحّ عِنْد أَصْحَابنَا أَنَّهَا سُنَّة مُسْتَحَبَّة، وَيَحْمِلُونَ هَذَا الْأَمْر فِي هَذَا الْحَدِيث عَلَى النَّدْب، وَبِهِ قَالَ مَالِك وَغَيْره، وَأَوْجَبَهَا دَاوُدَ وَغَيْره، وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي وَقْت فِعْلهَا، فَحَكَى الْقَاضِي أَنَّ الْأَصَحّ عِنْد مَالِك وَغَيْره أَنَّهُ يُسْتَحَبّ فِعْلهَا بَعْد الدُّخُول، وَعَنْ جَمَاعَة مِنْ الْمَالِكِيَّة اِسْتِحْبَابهَا عِنْد الْعَقْد، وَعَنْ اِبْن حَبِيب الْمَالِكِيّ اِسْتِحْبَابهَا عِنْد الْعَقْد وَعِنْد الدُّخُول.
وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ» دَلِيل عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبّ لِلْمُوسِرِ أَنْ لَا يُنْقِص عَنْ شَاة.
وَنَقَلَ الْقَاضِي الْإِجْمَاع عَلَى أَنَّهُ لَا حَدّ لِقَدْرِهَا الْمُجْزِئ بَلْ بِأَيِّ شَيْء أَوْلَمَ مِنْ الطَّعَام حَصَلَتْ الْوَلِيمَة.
وَقَدْ ذَكَرَ مُسْلِم بَعْد هَذَا فِي وَلِيمَة عُرْس صَفِيَّة أَنَّهَا كَانَتْ بِغَيْرِ لَحْم.
وَفِي وَلِيمَة زَيْنَب أَشْبَعَنَا خُبْزًا وَلَحْمًا وَكُلّ هَذَا جَائِز تَحْصُل بِهِ الْوَلِيمَة، وَلَكِنْ يُسْتَحَبّ أَنْ تَكُون عَلَى قَدْر حَال الزَّوْج.
قَالَ الْقَاضِي: وَاخْتَلَفَ السَّلَف فِي تَكْرَارهَا أَكْثَر مِنْ يَوْمَيْنِ فَكَرِهَتْهُ طَائِفَة، وَلَمْ تَكْرَههُ طَائِفَة.
قَالَ: وَاسْتَحَبَّ أَصْحَاب مَالِك لِلْمُوسِرِ كَوْنهَا أُسْبُوعًا.
باب الصداق وجواز كونه تعليم قران وخاتم حديد