باب بيان ان اسم الصدقة يقع على كل نوع من المعروف
باب بيان ان اسم الصدقة يقع على كل نوع من المعروف
1673- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلّ مَعْرُوف صَدَقَة» أَيْ لَهُ حُكْمهَا فِي الثَّوَاب.
وَفيه بَيَان مَا ذَكَرْنَاهُ فِي التَّرْجَمَة، وَفيه: أَنَّهُ لَا يَحْتَقِر شَيْئًا مِنْ الْمَعْرُوف، وَأَنَّهُ يَنْبَغِي أَلَّا يَبْخَل بِهِ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُحْضِرهُ.
✯✯✯✯✯✯
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَوَلَيْسَ قَدْ جَعَلَ اللَّه لَكُمْ مَا تَصَدَّقُونَ إِنَّ بِكُلِّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةً، وَكُلّ تَكْبِيرَة صَدَقَة، وَكُلّ تَحْمِيدَة صَدَقَة، وَكُلّ تَهْلِيلَة صَدَقَة، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ وَنَهْيٌ عَنْ مُنْكَرٍ صَدَقَةٌ» وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا تَصَدَّقُونَ» فَالرِّوَايَة فيه بِتَشْدِيدِ الصَّاد وَالدَّال جَمِيعًا، وَيَجُوز فِي اللُّغَة تَخْفِيف الصَّاد.
وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَكُلّ تَكْبِيرَة صَدَقَة، وَكُلّ تَحْمِيدَة صَدَقَة وَكُلّ تَهْلِيلَة صَدَقَة» فَرَوَيْنَاهُ بِوَجْهَيْنِ: رَفْع: «صَدَقَة» وَنَصْبُهُ، فَالرَّفْع عَلَى الِاسْتِئْنَاف، وَالنَّصْب عَطْف عَلَى أَنَّ بِكُلِّ تَسْبِيحَة صَدَقَة، قَالَ الْقَاضِي: يَحْتَمِل تَسْمِيَتهَا صَدَقَة أَنَّ لَهَا أَجْرًا كَمَا لِلصَّدَقَةِ أَجْر، وَأَنَّ هَذِهِ الطَّاعَات تُمَاثِل الصَّدَقَاتِ فِي الْأُجُور، وَسَمَّاهَا صَدَقَة عَلَى طَرِيق الْمُقَابَلَة وَتَجْنِيس الْكَلَام، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: أَنَّهَا صَدَقَة عَلَى نَفْسه.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَأَمْر بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَة وَنَهْي عَنْ مُنْكَر صَدَقَة» فيه: إِشَارَة إِلَى ثُبُوت حُكْم الصَّدَقَة فِي كُلّ فَرْد مِنْ أَفْرَاد الْأَمْر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنْ الْمُنْكَر، وَلِهَذَا نَكَّرَهُ، وَالثَّوَاب فِي الْأَمْر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنْ الْمُنْكَر أَكْثَر مِنْهُ فِي التَّسْبِيح وَالتَّحْمِيد وَالتَّهْلِيل؛ لِأَنَّ الْأَمْر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنْ الْمُنْكَر فَرْض كِفَايَة، وَقَدْ يَتَعَيَّن وَلَا يُتَصَوَّر وُقُوعه نَفْلًا، وَالتَّسْبِيح وَالتَّحْمِيد وَالتَّهْلِيل نَوَافِل، وَمَعْلُومٌ أَنَّ أَجْر الْفَرْض أَكْثَر مِنْ أَجْر النَّفْل لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: «وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ أَدَاء مَا اِفْتَرَضْت عَلَيْهِ».
رَوَاهُ الْبُخَارِيّ مِنْ رِوَايَة أَبِي هُرَيْرَة.
وَقَدْ قَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ مِنْ أَصْحَابنَا عَنْ بَعْض الْعُلَمَاء: إِنَّ ثَوَاب الْفَرْض يَزِيد عَلَى ثَوَاب النَّافِلَة بِسَبْعِينَ دَرَجَة.
وَاسْتَأْنَسُوا فيه بِحَدِيثٍ.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَفِي بُضْع أَحَدكُمْ صَدَقَة» هُوَ بِضَمِّ الْبَاء، وَيُطْلَق عَلَى الْجِمَاع، وَيُطْلَق عَلَى الْفَرْج نَفْسه، وَكِلَاهُمَا تَصِحّ إِرَادَته هُنَا، وَفِي هَذَا دَلِيل عَلَى أَنَّ الْمُبَاحَات تَصِير طَاعَات بِالنِّيَّاتِ الصَّادِقَات، فَالْجِمَاع يَكُون عِبَادَة إِذَا نَوَى بِهِ قَضَاء حَقّ الزَّوْجَة وَمُعَاشَرَتَهَا بِالْمَعْرُوفِ الَّذِي أَمَرَ اللَّه تَعَالَى بِهِ، أَوْ طَلَبَ وَلَدٍ صَالِحٍ، أَوْ إِعْفَافَ نَفْسِهِ أَوْ إِعْفَاف الزَّوْجَة وَمَنْعَهُمَا جَمِيعًا مِنْ النَّظَر إِلَى حَرَام، أَوْ الْفِكْر فيه، أَوْ الْهَمّ بِهِ، أَوْ غَيْر ذَلِكَ مِنْ الْمَقَاصِد الصَّالِحَة.
قَوْله: «قَالُوا: يَا رَسُول اللَّه أَيَأْتِي أَحَدنَا شَهْوَته وَيَكُون لَهُ فيها أَجْر؟ قَالَ: أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَام أَكَانَ عَلَيْهِ فيها وِزْر، فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلَال كَانَ لَهُ أَجْر» فيه: جَوَاز الْقِيَاس وَهُوَ مَذْهَب الْعُلَمَاء كَافَّة، وَلَمْ يُخَالِف فيه إِلَّا أَهْل الظَّاهِر وَلَا يُعْتَدُّ بِهِمْ.
وَأَمَّا الْمَنْقُول عَنْ التَّابِعِينَ وَنَحْوِهِمْ مِنْ ذَمّ الْقِيَاس، فَلَيْسَ الْمُرَاد بِهِ الْقِيَاس الَّذِي يَعْتَمِدُهُ الْفُقَهَاءُ الْمُجْتَهِدُونَ، وَهَذَا الْقِيَاس الْمَذْكُور فِي الْحَدِيث هُوَ مِنْ قِيَاس الْعَكْس، وَاخْتَلَفَ الْأُصُولِيُّونَ فِي الْعَمَل بِهِ.
وَهَذَا الْحَدِيث دَلِيل لِمَنْ عَمِلَ بِهِ، وَهُوَ الْأَصَحّ.
وَاَللَّه أَعْلَم.
وَفِي هَذَا الْحَدِيث فَضِيلَة التَّسْبِيح، وَسَائِر الْأَذْكَار، وَالْأَمْر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنْ الْمُنْكَر، وَإِحْضَار النِّيَّة فِي الْمُبَاحَات، وَذَكَرَ الْعَالِم دَلِيلًا لِبَعْضِ الْمَسَائِل الَّتِي تَخْفَى وَتَنْبِيه الْمُفْتَى عَلَى مُخْتَصَر الْأَدِلَّة، وَجَوَاز سُؤَال الْمُسْتَفْتِي عَنْ بَعْض مَا يَخْفَى مِنْ الدَّلِيل إِذَا عَلِمَ مِنْ حَال الْمَسْئُول أَنَّهُ لَا يَكْرَهُ ذَلِكَ، وَلَمْ يَكُنْ فيه سُوء أَدَب.
وَاَللَّه أَعْلَم.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلَال كَانَ لَهُ أَجْر» ضَبَطْنَا (أَجْرًا) بِالنَّصْبِ وَالرَّفْع وَهُمَا ظَاهِرَانِ.
✯✯✯✯✯✯
1675- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خُلِقَ كُلّ إِنْسَان مِنْ بَنِي آدَم عَلَى سِتِّينَ وَثَلَاثمِائَةِ مَفْصِل» هُوَ بِفَتْحِ الْمِيم وَكَسْر الصَّاد.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَدَد تِلْكَ السِّتِّينَ وَالثَّلَاثمِائَةِ السُّلَامَى» قَدْ يُقَال: وَقَعَ هُنَا إِضَافَة ثَلَاث إِلَى مِائَة مَعَ تَعْرِيف الْأَوَّل وَتَنْكِير الثَّانِي، وَالْمَعْرُوف لِأَهْلِ الْعَرَبِيَّة عَكْسه، وَهُوَ تَنْكِير الْأَوَّل وَتَعْرِيف الثَّانِي، وَقَدْ سَبَقَ بَيَان هَذَا وَالْجَوَاب عَنْهُ وَكَيْفِيَّة قِرَاءَته فِي كِتَاب الْإِيمَان فِي حَدِيث حُذَيْفَة فِي حَدِيث: «اِحْصُوا لِي كَمْ يَلْفِظ بِالْإِسْلَامِ قُلْنَا: أَتَخَافُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ بَيْن السِّتّمِائَةِ» وَأَمَّا السُّلَامَى- فَبِضَمِّ السِّين الْمُهْمَلَة وَتَخْفِيف اللَّام- وَهُوَ الْمَفْصِل، وَجَمْعُهُ سَلَامَيَات، بِفَتْحِ الْمِيم وَتَخْفِيف الْيَاء.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «زَحْزَحَ نَفْسه عَنْ النَّار» أَيْ بَاعَدَهَا.
قَوْله: «فَإِنَّهُ يَمْشِي يَوْمَئِذٍ وَقَدْ زَحْزَحَ نَفْسه عَنْ النَّار» قَالَ أَبُو تَوْبَة: وَرُبَّمَا قَالَ: «يُمْسِي»، وَوَقَعَ لِأَكْثَر رُوَاة كِتَاب مُسْلِم الْأَوَّل: «يَمْشِي» بِفَتْحِ الْيَاء وَبِالشِّينِ الْمُعْجَمَة وَالثَّانِي بِضَمِّهَا وَبِالسِّينِ الْمُهْمَلَة، وَلِبَعْضِهِمْ عَكْسه، وَكِلَاهُمَا صَحِيح.
وَأَمَّا قَوْله بَعْده فِي رِوَايَة الدَّارِمِيِّ: «وَقَالَ: إِنَّهُ يُمْسِي» فَبِالْمُهْمَلَةِ لَا غَيْر.
وَأَمَّا قَوْله بَعْده فِي حَدِيث أَبِي بَكْر بْن نَافِع: «وَقَالَ: فَإِنَّهُ يَمْشِي يَوْمئِذٍ» فَبِالْمُعْجَمَةِ بِاتِّفَاقِهِمْ.
✯✯✯✯✯✯
1676- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تُعِينُ ذَا الْحَاجَةِ الْمَلْهُوفَ» الْمَلْهُوف عِنْد أَهْل اللُّغَة يُطْلَق عَلَى الْمُتَحَسِّر، وَعَلَى الْمُضْطَرّ، وَعَلَى الْمَظْلُوم.
وَقَوْلهمْ: يَا لَهْف نَفْسِي عَلَى كَذَا.
كَلِمَة يُتَحَسَّر بِهَا عَلَى مَا فَاتَ، وَيُقَال: (لَهِفَ) بِكَسْرِ الْهَاء يَلْهَف بِفَتْحِهَا لَهْفًا بِإِسْكَانِهَا أَيْ حَزِنَ وَتَحَسَّرَ، كَذَلِكَ التَّلَهُّف.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَمَسَّكْ عَنْ الشَّرّ فَإِنَّهَا صَدَقَة» مَعْنَاهُ: صَدَقَة عَلَى نَفْسه كَمَا فِي غَيْر هَذِهِ الرِّوَايَة، وَالْمُرَاد أَنَّهُ إِذَا أَمْسَكَ عَنْ الشَّرّ لِلَّهِ تَعَالَى كَانَ لَهُ أَجْر عَلَى ذَلِكَ، كَمَا أَنَّ لِلْمُتَصَدِّقِ بِالْمَالِ أَجْرًا.
✯✯✯✯✯✯
1677- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلّ سُلَامَى مِنْ النَّاس عَلَيْهِ صَدَقَة كُلّ يَوْم تَطْلُع فيه الشَّمْس» قَالَ الْعُلَمَاء: الْمُرَاد صَدَقَة نَدْبٍ وَتَرْغِيبٍ لَا إِيجَابٍ وَإِلْزَامٍ.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَعْدِل بَيْن الِاثْنَيْنِ صَدَقَة» أَيْ يُصْلِح بَيْنهمَا بِالْعَدْلِ.
باب بيان ان اسم الصدقة يقع على كل نوع من المعروف
باب بيان ان اسم الصدقة يقع على كل نوع من المعروف