باب بيان اجر الحاكم اذا اجتهد فاصاب او اخطا
باب بيان اجر الحاكم اذا اجتهد فاصاب او اخطا
3240- قَوْله: (عَنْ يَزِيد بْن عَبْد اللَّه بْن أُسَامَة بْن الْهَادِ عَنْ مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم عَنْ بُسْر بْن سَعِيد عَنْ أَبِي قَيْس مَوْلَى عَمْرو بْن الْعَاصِ عَنْ عَمْرو بْن الْعَاصِ) هَذَا الْإِسْنَاد فيه أَرْبَعَة تَابِعِيُّونَ بَعْضهمْ عَنْ بَعْض، وَهُمْ يَزِيد فَمَنْ بَعْده.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا حَكَمَ الْحَاكِم فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْر» قَالَ الْعُلَمَاء: أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيث فِي حَاكِم عَالِم أَهْل لِلْحُكْمِ، فَإِنْ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ: أَجْرٌ بِاجْتِهَادِهِ، وَأَجْرٌ بِإِصَابَتِهِ، وَإِنْ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ بِاجْتِهَادِهِ.
وَفِي الْحَدِيث مَحْذُوف تَقْدِيره: إِذَا أَرَادَ الْحَاكِم فَاجْتَهَدَ، قَالُوا: فَأَمَّا مَنْ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْحُكْمِ فَلَا يَحِلّ لَهُ الْحُكْم، فَإِنْ حَكَمَ فَلَا أَجْر لَهُ بَلْ هُوَ آثِمٌ، وَلَا يَنْفُذ حُكْمه، سَوَاء وَافَقَ الْحَقّ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ إِصَابَته اِتِّفَاقِيَّة لَيْسَتْ صَادِرَة عَنْ أَصْل شَرْعِيّ فَهُوَ عَاصٍ فِي جَمِيع أَحْكَامه، سَوَاء وَافَقَ الصَّوَاب أَمْ لَا، وَهِيَ مَرْدُودَة كُلّهَا، وَلَا يُعْذَر فِي شَيْء مِنْ ذَلِكَ، وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيث فِي السُّنَن: «الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ: قَاضٍ فِي الْجَنَّة، وَاثْنَانِ فِي النَّار، قَاضٍ عَرَفَ الْحَقّ فَقَضَى بِهِ فَهُوَ فِي الْجَنَّة، وَقَاضٍ عَرَفَ الْحَقّ فَقَضَى بِخِلَافِهِ فَهُوَ فِي النَّار، وَقَاضٍ قَضَى عَلَى جَهْل فَهُوَ فِي النَّار»، وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي أَنَّ كُلّ مُجْتَهِد مُصِيب أَمْ الْمُصِيب وَاحِد، وَهُوَ مَنْ وَافَقَ الْحُكْم الَّذِي عِنْد اللَّه تَعَالَى وَالْآخَر مُخْطِئ لَا إِثْم عَلَيْهِ لِعُذْرِهِ؟ وَالْأَصَحّ عِنْد الشَّافِعِيّ وَأَصْحَابه أَنَّ الْمُصِيب وَاحِد، وَقَدْ اِحْتَجَّتْ الطَّائِفَتَانِ بِهَذَا الْحَدِيث، وَأَمَّا الْأَوَّلُونَ الْقَائِلُونَ: «كُلّ مُجْتَهِد مُصِيب» فَقَالُوا: قَدْ جُعِلَ لِلْمُجْتَهِدِ أَجْر فَلَوْلَا إِصَابَته لَمْ يَكُنْ لَهُ أَجْر، وَأَمَّا الْآخَرُونَ فَقَالُوا: سَمَّاهُ مُخْطِئًا، لَوْ كَانَ مُصِيبًا لَمْ يُسَمِّهِ مُخْطِئًا، وَأَمَّا الْأَجْر فَإِنَّهُ حَصَلَ لَهُ عَلَى تَعَبه فِي الِاجْتِهَاد، قَالَ الْأَوَّلُونَ: إِنَّمَا سَمَّاهُ مُخْطِئًا لِأَنَّهُ مَحْمُول عَلَى مَنْ أَخْطَأَ النَّصّ أَوْ اِجْتَهَدَ فِيمَا لَا يَسُوغ فيه الِاجْتِهَاد كَالْمُجْمَعِ عَلَيْهِ وَغَيْره، وَهَذَا الِاخْتِلَاف إِنَّمَا هُوَ فِي الِاجْتِهَاد فِي الْفُرُوع، فَأَمَّا أُصُول التَّوْحِيد فَالْمُصِيب فيها وَاحِد بِإِجْمَاعِ مَنْ يُعْتَدّ بِهِ، وَلَمْ يُخَالِف إِلَّا عَبْد اللَّه بْن الْحَسَن الْعَبْتَرِيّ وَدَاوُد الظَّاهِرِيّ فَصَوَّبَا الْمُجْتَهِدِينَ فِي ذَلِكَ أَيْضًا، قَالَ الْعُلَمَاء: الظَّاهِر أَنَّهُمَا أَرَادَ الْمُجْتَهِدِينَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ دُون الْكُفَّار.
وَاللَّهُ أَعْلَم.
باب بيان اجر الحاكم اذا اجتهد فاصاب او اخطا
۞۞۞۞۞۞۞۞
كتاب الأقضية ﴿ 7 ﴾
۞۞
۞۞۞۞۞۞