باب وضع الجوايح
باب وضع الجوايح
2905- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ بِعْت مِنْ أَخِيك ثَمَرًا فَأَصَابَتْهُ جَائِحَة فَلَا يَحِلّ لَك أَنْ تَأْخُذ مِنْهُ شَيْئًا، بِمَ تَأْخُذ مَال أَخِيك بِغَيْرِ حَقّ؟» وَفِي رِوَايَة عَنْ أَنَس: «أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْع النَّخْل حَتَّى تَزْهُو، فَقُلْنَا لِأَنَسٍ: مَا زَهْوهَا؟ قَالَ: تَحْمَرّ وَتَصْفَرّ، أَرَأَيْتُك إِنْ مَنْع اللَّه الثَّمَرَة بِمَ تَسْتَحِلّ مَال أَخِيك؟» وَفِي رِوَايَة عَنْ أَنَس: «أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنْ لَمْ يُثْمِرهَا اللَّه فَبِمَ يَسْتَحِلّ أَحَدكُمْ مَال أَخِيهِ؟» وَعَنْ جَابِر: «أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِوَضْعِ الْجَوَائِح» وَعَنْ أَبِي سَعِيد قَالَ: «أُصِيب رَجُل فِي عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثِمَار اِبْتَاعَهَا فَكَثُرَ دَيْنه فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَصَدَّقُوا عَلَيْهِ فَتَصَدَّقَ النَّاس عَلَيْهِ، فَلَمْ يَبْلُغ ذَلِكَ وَفَاء دَيْنه، فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِغُرَمَائِهِ خُذُوا مَا وَجَدْتُمْ، وَلَيْسَ لَكُمْ إِلَّا ذَلِكَ» اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي الثَّمَرَة إِذَا بِيعَتْ بَعْد بُدُوّ الصَّلَاح، وَسَلَّمَهَا الْبَائِع إِلَى الْمُشْتَرِي بِالتَّخْلِيَةِ بَيْنه وَبَيْنهَا، ثُمَّ تَلِفَتْ قَبْل أَوَان الْجُذَاذ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّة، هَلْ تَكُون مِنْ ضَمَان الْبَائِع أَوْ الْمُشْتَرِي؟ فَقَالَ الشَّافِعِيّ فِي أَصَحّ قَوْلَيْهِ، وَأَبُو حَنِيفَة وَاللَّيْث بْن سَعْد وَآخَرُونَ: هِيَ فِي ضَمَان الْمُشْتَرِي، وَلَا يَجِب وَضْع الْجَائِحَة، لَكِنْ يُسْتَحَبّ.
وَقَالَ الشَّافِعِيّ فِي الْقَدِيم وَطَائِفَة: هِيَ فِي ضَمَان الْبَائِع، وَيَجِب وَضْع الْجَائِحَة.
وَقَالَ مَالِك: إِنْ كَانَتْ دُون الثُّلُث لَمْ يَجِب وَضْعهَا، وَإِنْ كَانَتْ الثُّلُث فَأَكْثَر وَجَبَ وَضْعهَا وَكَانَتْ مِنْ ضَمَان الْبَائِع.
وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِوَضْعِهَا بِقَوْلِهِ: «أَمَرَ بِوَضْعِ الْجَوَائِح»، وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَلَا يَحِلّ لَك أَنْ تَأْخُذ مِنْهُ شَيْئًا» وَلِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْبَاقِيَة فِي يَد الْبَائِع مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ يَلْزَمهُ سَقْيهَا، فَكَأَنَّهَا تَلِفَتْ قَبْل الْقَبْض فَكَانَتْ مِنْ ضَمَان الْبَائِع.
وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ لَا يَجِب وَضْعهَا بِقَوْلِهِ فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: «فِي ثِمَار اِبْتَاعَهَا فَكَثُرَ دَيْنه» فَأَمَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصَّدَقَةِ عَلَيْهِ، وَدَفَعَهُ إِلَى غُرَمَائِهِ؛ فَلَوْ كَانَتْ تُوضَع لَمْ يُفْتَقَر إِلَى ذَلِكَ.
وَحَمَلُوا الْأَمْر بِوَضْعِ الْجَوَائِح عَلَى الِاسْتِحْبَاب، أَوْ فِيمَا بِيعَ قَبْل بُدُوّ الصَّلَاح، وَقَدْ أَشَارَ فِي بَعْض هَذِهِ الرِّوَايَات الَّتِي ذَكَرْنَاهَا إِلَى شَيْء مِنْ هَذَا، وَأَجَابَ الْأَوَّلُونَ عَنْ قَوْله: «فَكَثُرَ دَيْنه» إِلَى آخِره بِأَنَّهُ يَحْتَمِل أَنَّهَا تَلْفِت بَعْد أَوَان الْجُذَاذ وَتَفْرِيط الْمُشْتَرِي فِي تَرْكهَا بَعْد ذَلِكَ عَلَى الشَّجَر فَإِنَّهَا حِينَئِذٍ تَكُون مِنْ ضَمَان الْمُشْتَرِي.
قَالُوا: وَلِهَذَا قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آخِر الْحَدِيث: «لَيْسَ لَكُمْ إِلَّا ذَلِكَ» وَلَوْ كَانَتْ الْجَوَائِح لَا تُوضَع لَكَانَ لَهُمْ طَلَب بَقِيَّة الدَّيْن.
وَأَجَابَ الْآخَرُونَ عَنْ هَذَا بِأَنَّ مَعْنَاهُ لَيْسَ لَكُمْ الْآن إِلَّا هَذَا، وَلَا تَحِلّ لَكُمْ مُطَالَبَته مَا دَامَ مُعْسِرًا، بَلْ يَنْظُر إِلَى مَيْسَرَة.
وَاَللَّه أَعْلَم.
وَفِي الرِّوَايَة الْأَخِيرَة التَّعَاوُن عَلَى الْبِرّ وَالتَّقْوَى، وَمُوَاسَاة الْمُحْتَاج وَمَنْ عَلَيْهِ دَيْن، وَالْحَثّ عَلَى الصَّدَقَة عَلَيْهِ، وَأَنَّ الْمُعْسِر لَا تَحِلّ مُطَالَبَته وَلَا مُلَازَمَته وَلَا سِجْنه، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيّ وَمَالِك وَجُمْهُورهمْ، وَحُكِيَ عَنْ اِبْن شُرَيْح حَبْسه حَتَّى يَقْضِي الدَّيْن، وَإِنْ كَانَ قَدْ ثَبَتَ إِعْسَاره، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَة مُلَازَمَته.
وَفيه أَنْ يُسَلِّم إِلَى الْغُرَمَاء جَمِيع مَال الْمُفْلِس مَا لَمْ يَقْضِ دَيْنهمْ، وَلَا يَتْرُك لِلْمُفْلِسِ سِوَى ثِيَابه وَنَحْوهَا.
وَهَذَا الْمُفْلِس الْمَذْكُور قِيلَ: هُوَ مُعَاذ بْن جَبَل رَضِيَ اللَّه عَنْهُ.
✯✯✯✯✯✯
2906- سبق شرحه بالباب.
✯✯✯✯✯✯
2907- سبق شرحه بالباب.
✯✯✯✯✯✯
2908- قَوْله حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبَّاد حَدَّثَنَا عَبْد الْعَزِيز بْن مُحَمَّد عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَس أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنْ لَمْ يُثْمِرهَا اللَّه فَبِمَ يَسْتَحِلّ أَحَدكُمْ مَال أَخِيهِ؟» قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: هَذَا وَهْم مِنْ مُحَمَّد بْن عَبَّاد، أَوْ مِنْ عَبْد الْعَزِيز فِي حَال إِسْمَاعه مُحَمَّدًا؛ لِأَنَّ إِبْرَاهِيم بْن حَمْزَة سَمِعَهُ مِنْ عَبْد الْعَزِيز مَفْصُولًا مُبَيَّنًا أَنَّهُ مِنْ كَلَام أَنَس، وَهُوَ الصَّوَاب، وَلَيْسَ مِنْ كَلَام النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَسْقَطَ مُحَمَّد بْن عَبَّاد كَلَام النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَتَى بِكَلَامِ أَنَس، وَجَعَلَهُ مَرْفُوعًا، وَهُوَ خَطَأ.
✯✯✯✯✯✯
2909- قَوْله: (قَالَ أَبُو إِسْحَاق: حَدَّثَنِي عَبْد الرَّحْمَن بْن بِشْر عَنْ سُفْيَان بِهَذَا) أَبُو إِسْحَاق هَذَا هُوَ إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن سُفْيَان، رُوِيَ هَذَا الْكِتَاب عَنْ مُسْلِم، وَمُرَاده أَنَّهُ عَلَا بِرَجُلٍ فَصَارَ فِي رِوَايَة هَذَا الْحَدِيث كَشَيْخِهِ مُسْلِم بَيْنه وَبَيْن سُفْيَان بْن عُيَيْنَةَ وَاحِد فَقَطْ.
وَاَللَّه أَعْلَم.
باب وضع الجوايح
۞۞۞۞۞۞۞۞
كتاب المساقاة ﴿ 3 ﴾
۞۞۞۞۞۞۞۞