📁 آخر الأخبار

باب قضاء الصيام عن الميت


باب قضاء الصيام عن الميت

باب قضاء الصيام عن الميت

قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ»، وَفِي رِوَايَة اِبْن عَبَّاس: «أَنَّ اِمْرَأَةً أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْم شَهْرٍ فَقَالَ: أَرَأَيْت لَوْ كَانَ عَلَيْهَا دَيْنٌ أَكُنْتِ تَقْضِينَهُ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: فَدَيْن اللَّه أَحَقّ بِالْقَضَاءِ»، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ اِبْن عَبَّاس: (جَاءَ رَجُل وَذَكَرَ نَحْوه).
وَفِي رِوَايَة أَنَّهَا قَالَتْ: «إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْم نَذْر أَفَأَصُومُ عَنْهَا؟ قَالَ: أَرَأَيْت لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّك دَيْنٌ فَقَضَيْته أَكَانَ يُؤَدِّي ذَلِكَ عَنْهَا؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: فَصَوْمِي عَنْ أُمِّك» وَفِي حَدِيث بُرَيْدَةَ: «قَالَ: بَيْنَا أَنَا جَالِسٌ عِنْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ أَتَتْهُ اِمْرَأَةٌ فَقَالَتْ: إِنِّي تَصَدَّقْت عَلَى أُمِّي بِجَارِيَةٍ وَإِنَّهَا مَاتَتْ، فَقَالَ: وَجَبَ أَجْرُك وَرَدُّهَا عَلَيْك الْمِيرَاثَ، قَالَتْ: يَا رَسُول اللَّه إِنَّهُ كَانَ عَلَيْهَا صَوْم شَهْر أَفَأَصُوم عَنْهَا؟ قَالَ: صَوْمِي عَنْهَا.
 قَالَتْ: إِنَّهَا لَمْ تَحُجّ قَطُّ أَفَأَحُجُّ عَنْهَا.
 قَالَ: حُجِّي عَنْهَا».
 وَفِي رِوَايَة: «صَوْم شَهْرَيْنِ».
اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِيمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْم وَاجِب مِنْ رَمَضَان، أَوْ قَضَاء أَوْ نَذْر أَوْ غَيْره، هَلْ يُقْضَى عَنْهُ؟ وَلِلشَّافِعِيِّ فِي الْمَسْأَلَة قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ: أَشْهَرُهُمَا: لَا يُصَام عَنْهُ، وَلَا يَصِحّ عَنْ مَيِّت صَوْم أَصْلًا.
وَالثَّانِي: يُسْتَحَبّ لِوَلِيِّهِ أَنْ يَصُوم عَنْهُ، وَيَصِحّ صَوْمه عَنْهُ وَيَبْرَأُ بِهِ الْمَيِّتُ، وَلَا يَحْتَاج إِلَى إِطْعَامٍ عَنْهُ، وَهَذَا الْقَوْل هُوَ الصَّحِيح الْمُخْتَار الَّذِي نَعْتَقِدُهُ، وَهُوَ الَّذِي صَحَّحَهُ مُحَقِّقُو أَصْحَابنَا الْجَامِعُونَ بَيْن الْفِقْه وَالْحَدِيث لِهَذِهِ الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة الصَّرِيحَة، وَأَمَّا الْحَدِيث الْوَارِد: «مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَام أُطْعِمَ عَنْهُ» فَلَيْسَ بِثَابِتٍ، وَلَوْ ثَبَتَ أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ هَذِهِ الْأَحَادِيث بِأَنْ يُحْمَلَ عَلَى جَوَاز الْأَمْرَيْنِ، فَإِنَّ مَنْ يَقُول بِالصِّيَامِ يَجُوز عِنْده الْإِطْعَام، فَثَبَتَ أَنَّ الصَّوَابَ الْمُتَعَيِّنَ تَجْوِيزُ الصِّيَامِ، وَتَجْوِيز الْإِطْعَام، وَالْوَلِيّ مُخَيَّرٌ بَيْنهمَا، وَالْمُرَاد بِالْوَلِيِّ الْقَرِيب، سَوَاء كَانَ عَصَبَةً أَوْ وَارِثًا أَوْ غَيْرَهُمَا، وَقِيلَ: الْمُرَاد الْوَارِث، وَقِيلَ: الْعَصَبَة، وَالصَّحِيح الْأَوَّل، وَلَوْ صَامَ عَنْهُ أَجْنَبِيٌّ إِنْ كَانَ بِإِذْنِ الْوَلِيّ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا فِي الْأَصَحّ، وَلَا يَجِب عَلَى الْوَلِيّ الصَّوْم عَنْهُ، لَكِنْ يُسْتَحَبّ.
هَذَا تَلْخِيص مَذْهَبِنَا فِي الْمَسْأَلَة، وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ مِنْ السَّلَف: طَاوُسٌ وَالْحَسَن الْبَصْرِيّ وَالزُّهْرِيّ وَقَتَادَة وَأَبُو ثَوْر، وَبِهِ قَالَ اللَّيْث وَأَحْمَد وَإِسْحَاق وَأَبُو عُبَيْد فِي صَوْم النَّذْر دُون رَمَضَان وَغَيْره، وَذَهَبَ الْجُمْهُور إِلَى أَنَّهُ لَا يُصَام عَنْ مَيِّت لَا نَذْر وَلَا غَيْره، حَكَاهُ اِبْن الْمُنْذِر عَنْ اِبْن عُمَر وَابْن عَبَّاس وَعَائِشَة، وَرِوَايَة عَنْ الْحَسَن وَالزُّهْرِيّ، وَبِهِ قَالَ مَالِك وَأَبُو حَنِيفَة، قَالَ الْقَاضِي عِيَاض وَغَيْره: هُوَ قَوْل جُمْهُور الْعُلَمَاء، وَتَأَوَّلُوا الْحَدِيث عَلَى أَنَّهُ يُطْعِمُ عَنْهُ وَلِيُّهُ، وَهَذَا تَأْوِيلٌ ضَعِيفٌ، بَلْ بَاطِلٌ، وَأَيُّ ضَرُورَةٍ إِلَيْهِ وَأَيُّ مَانِع يَمْنَع مِنْ الْعَمَل بِظَاهِرِهِ مَعَ تَظَاهُرِ الْأَحَادِيثِ، مَعَ عَدَم الْمُعَارِض لَهَا، قَالَ الْقَاضِي وَأَصْحَابنَا: وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُصَلَّى عَنْهُ صَلَاةٌ فَائِتَة، وَعَلَى أَنَّهُ لَا يُصَام عَنْ أَحَد فِي حَيَاته، وَإِنَّمَا الْخِلَاف فِي الْمَيِّت.
 وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا قَوْل اِبْن عَبَّاس: (إِنَّ السَّائِل رَجُل)، وَفِي رِوَايَة: (اِمْرَأَة)، وَفِي رِوَايَة: (صَوْم شَهْر)، وَفِي رِوَايَة (صَوْم شَهْرَيْنِ) فَلَا تَعَارُض بَيْنهمَا، فَسَأَلَ تَارَة رَجُل، وَتَارَة اِمْرَأَة، وَتَارَة عَنْ شَهْر، وَتَارَة عَنْ شَهْرَيْنِ.
وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيث جَوَاز صَوْم الْوَلِيِّ عَنْ الْمَيِّت كَمَا ذَكَرْنَا، وَجَوَاز سَمَاع كَلَام الْمَرْأَة الْأَجْنَبِيَّة فِي الِاسْتِفْتَاء وَنَحْوه مِنْ مَوَاضِعِ الْحَاجَةِ، وَصِحَّةُ الْقِيَاسِ؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ بِالْقَضَاءِ» وَفيها: قَضَاءُ الدَّيْن عَنْ الْمَيِّت، وَقَدْ أَجْمَعَتْ الْأُمَّة عَلَيْهِ، وَلَا فَرْق بَيْن أَنْ يَقْضِيَهُ عَنْهُ وَارِثٌ أَوْ غَيْره فَيَبْرَأُ بِهِ بِلَا خِلَاف.
 وَفيه دَلِيل لِمَنْ يَقُول: إِذَا مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْن لِلَّهِ تَعَالَى وَدَيْن لِآدَمِيٍّ وَضَاقَ مَالُهُ، قُدِّمَ دَيْن اللَّه تَعَالَى؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَدَيْن اللَّه أَحَقّ بِالْقَضَاءِ».
وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة ثَلَاثَة أَقْوَال لِلشَّافِعِيِّ: أَصَحّهَا: تَقْدِيم دَيْن اللَّه تَعَالَى لِمَا ذَكَرْنَاهُ.
وَالثَّانِي: تَقْدِيم دَيْن الْآدَمِيّ؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الشُّحِّ وَالْمُضَايَقَةِ.
وَالثَّالِث: هُمَا سَوَاء، فَيُقْسَمُ بَيْنَهُمَا.
وَفيه: أَنَّهُ يُسْتَحَبّ لِلْمُفْتِي أَنْ يُنَبِّهَ عَلَى وَجْه الدَّلِيل إِذَا كَانَ مُخْتَصَرًا وَاضِحًا، وَبِالسَّائِلِ إِلَيْهِ حَاجَة، أَوْ يَتَرَتَّب عَلَيْهِ مَصْلَحَةٌ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاسَ عَلَى دَيْن الْآدَمِيّ، تَنْبِيهًا عَلَى وَجْه الدَّلِيل.
 وَفيه: أَنَّ مَنْ تَصَدَّقَ بِشَيْءٍ ثُمَّ وَرِثَهُ لَمْ يُكْرَه لَهُ أَخْذُهُ وَالتَّصَرُّف فيه، بِخِلَافِ مَا إِذَا أَرَادَ شِرَاءَهُ فَإِنَّهُ يُكْرَه لِحَدِيثِ فَرَسِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ.
فيه دَلَالَة ظَاهِرَة لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيّ وَالْجُمْهُور، أَنَّ النِّيَابَةَ فِي الْحَجّ جَائِزَة عَنْ الْمَيِّت وَالْعَاجِز الْمَأْيُوس مِنْ بُرْئِهِ، وَاعْتَذَرَ الْقَاضِي عِيَاض عَنْ مُخَالَفَة مَذْهَبهمْ لِهَذِهِ الْأَحَادِيث فِي الصَّوْم عَنْ الْمَيِّت وَالْحَجّ عَنْهُ، بِأَنَّهُ مُضْطَرِبٌ، وَهَذَا عُذْر بَاطِل، وَلَيْسَ فِي الْحَدِيث اِضْطِرَاب، وَإِنَّمَا فيه اِخْتِلَاف جَمَعْنَا بَيْنَهُ كَمَا سَبَقَ، وَيَكْفِي فِي صِحَّته اِحْتِجَاجُ مُسْلِمٍ بِهِ فِي صَحِيحِهِ.
 وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْله: (عَنْ مُسْلِم الْبَطِين) هُوَ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَكَسْرِ الطَّاءِ.باب قضاء الصيام عن الميت
باب قضاء الصيام عن الميت
باب قضاء الصيام عن الميت

تعليقات