مقدمة كتاب اللقطة
مقدمة كتاب اللقطة
هِيَ بِفَتْحِ الْقَاف عَلَى اللُّغَة الْمَشْهُورَة الَّتِي قَالَهَا الْجُمْهُور، وَاللُّغَة الثَّانِيَة لُقْطَة بِإِسْكَانِهَا، وَالثَّالِثَة لُقَاطَة بِضَمِّ اللَّام، وَالرَّابِعَة: لَقَطَة بِفَتْحِ اللَّام وَالْقَافقَوْله: «اِعْرِفْ عِفَاصهَا وَوِكَاءَهَا ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَة»:3247- قَوْله: «جَاءَ رَجُل إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ عَنْ اللُّقَطَة فَقَالَ: اِعْرِفْ عِفَاصهَا وَوِكَاءَهَا ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَة، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبهَا، وَإِلَّا فَشَأْنُك بِهَا.
قَالَ: فَضَالَّة الْغَنَم؟ قَالَ: لَك أَوْ لِأَخِيك أَوْ لِلذِّئْبِ، قَالَ فَضَالَّة الْإِبِل؟ قَالَ: مَا لَك وَلَهَا؟ مَعَهَا سِقَاؤُهَا وَحِذَاؤُهَا تَرِد الْمَاء وَتَأْكُل الشَّجَر حَتَّى يَلْقَاهَا رَبّهَا» وَفِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة: «عَرِّفْهَا سَنَة ثُمَّ اِعْرِفْ وِكَاءَهَا وَعِفَاصهَا ثُمَّ اِسْتَنْفِقْ بِهَا فَإِنْ جَاءَ رَبّهَا فَأَدِّهَا إِلَيْهِ» قَالَ الْأَزْهَرِيّ وَغَيْره: لَا يَقَع اِسْم الضَّالَّة إِلَّا عَلَى الْحَيَوَان، يُقَال: ضَلَّ الْإِنْسَان وَالْبَعِير وَغَيْرهمَا مِنْ الْحَيَوَان، وَهِيَ الضَّوَالّ، وَأَمَّا الْأَمْتِعَة وَمَا سِوَى الْحَيَوَان فَيُقَال لَهَا: لُقَطَة، وَلَا يُقَال ضَالَّة، قَالَ الْأَزْهَرِيّ وَغَيْره: يُقَال لِلضَّوَالِّ الْهَوَامِي وَالْهَوَافِي، وَاحِدَتهَا: هَامِيَة وَهَافِيَة، وَهَمَتْ وَهَفَتْ وَهَمَلَتْ إِذَا ذَهَبَتْ عَلَى وَجْههَا بِلَا رَاعٍ.
وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اِعْرِفْ عِفَاصهَا» مَعْنَاهُ: تَعْرِف لِتَعْلَمَ صِدْق وَاصِفهَا مِنْ كَذِبه، وَلِئَلَّا يَخْتَلِط بِمَالِهِ وَيَشْتَبِه، وَأَمَّا (الْعِفَاص) فَبِكَسْرِ الْعَيْن وَبِالْفَاءِ وَالصَّاد الْمُهْمَلَة، وَهُوَ: الْوِعَاء الَّتِي تَكُون فيه النَّفَقَة جِلْدًا كَانَ أَوْ غَيْره، وَيُطْلِقَا الْعِفَاص أَيْضًا عَلَى الْجِلْد الَّذِي يَكُون عَلَى رَأْس الْقَارُورَة؛ لِأَنَّهُ كَالْوِعَاءِ لَهُ، فَأَمَّا الَّذِي يَدْخُل فِي فَم الْقَارُورَة مِنْ خَشَب أَوْ جِلْد أَوْ خِرْقَة مَجْمُوعَة وَنَحْو ذَلِكَ فَهُوَ الصِّمَام بِكَسْرِ الصَّاد، يُقَال: عَفْصَتهَا عَفْصًا إِذَا شَدَدْت الْعِفَاص عَلَيْهَا، وَأَعْصَفْتُهَا إِعْفَاصًا إِذَا جَعَلْت لَهَا عِفَاصًا، وَأَمَّا (الْوِكَاء) فَهُوَ الْخَيْط الَّذِي يُشَدّ بِهِ الْوِعَاء، يُقَال: أَوَكَيَّته إِيكَاء فَهُوَ مُوكًى بِلَا هَمْز.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَشَأْنك بِهَا» هُوَ بِنَصْبِ النُّون.
وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَعَهَا سِقَاؤُهَا» فَمَعْنَاهُ: أَنَّهَا تَقْوَى عَلَى وُرُود الْمِيَاه، وَتَشْرَب فِي الْيَوْم الْوَاحِد وَتَمْلَأ كِرْشهَا، بِحَيْثُ يَكْفيها الْأَيَّام.
وَأَمَّا: «حِذَاؤُهَا» فَبِالْمَدِّ، وَهُوَ: أَخْفَافهَا؛ لِأَنَّهَا تَقْوَى بِهَا عَلَى السَّيْر وَقَطْع الْمَفَاوِز.
وَفِي هَذَا الْحَدِيث: جَوَاز قَوْل: رَبّ الْمَال، وَرَبّ الْمَتَاع، وَرَبّ الْمَاشِيَة، بِمَعْنَى صَاحِبهَا الْآدَمِيّ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح الَّذِي عَلَيْهِ جَمَاهِير الْعُلَمَاء، وَمِنْهُمْ مَنْ كَرِهَ إِضَافَته إِلَى مَا لَهُ رُوح دُون الْمَال وَالدَّار وَنَحْوه، وَهَذَا غَلَط لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِنْ جَاءَ رَبّهَا فَأَدِّهَا إِلَيْهِ، وَحَتَّى يَلْقَاهَا رَبّهَا».
وَفِي حَدِيث عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: «وَإِدْخَال رَبّ الصُّرَيْمَة وَالْغُنَيْمَة» وَنَظَائِر ذَلِكَ كَثِيرَة.
وَاللَّهُ أَعْلَم.
وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَة» فَمَعْنَاهُ إِذَا أَخَذْتهَا فَعَرِّفْهَا سَنَة، فَأَمَّا الْأَخْذ فَهَلْ هُوَ وَاجِب أَمْ مُسْتَحَبّ؟ فيه مَذَاهِب، وَمُخْتَصَر مَا ذَكَرَهُ أَصْحَابنَا ثَلَاثَة أَقْوَال: أَصَحّهَا عِنْدهمْ: يُسْتَحَبّ وَلَا يَجِب، وَالثَّانِي: يَجِب، وَالثَّالِث إِنْ كَانَتْ اللُّقَطَة فِي مَوْضِع يَأْمَن عَلَيْهَا إِذَا تَرَكَهَا اُسْتُحِبَّ الْأَخْذ، وَإِلَّا وَجَبَ.
وَأَمَّا (تَعْرِيف سَنَة) فَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى وُجُوبه إِذَا كَانَتْ اللُّقَطَة لَيْسَتْ تَافِهَة، وَلَا فِي مَعْنَى التَّافِهَة، وَلَمْ يُرِدْ حِفْظهَا عَلَى صَاحِبهَا؛ بَلْ أَرَادَ تَمَلُّكهَا.
ولابد مِنْ تَعْرِيفهَا سَنَة بِالْإِجْمَاعِ، فَأَمَّا إِذَا لَمْ يُرِدْ تَمَلُّكهَا، بَلْ أَرَادَ حِفْظهَا عَلَى صَاحِبهَا فَهَلْ يَلْزَمهُ التَّعْرِيف؟ فيه وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا:أَحَدهمَا: لَا يَلْزَمهُ؛ بَلْ إِنْ جَاءَ صَاحِبهَا وَأَثْبَتَهَا دَفَعَهَا إِلَيْهِ، وَإِلَّا دَامَ حِفْظهَا.
وَالثَّانِي: وَهُوَ الْأَصَحّ، أَنَّهُ يَلْزَمهُ التَّعْرِيف لِئَلَّا تَضِيع عَلَى صَاحِبهَا؛ فَإِنَّهُ لَا يَعْلَم أَيْنَ هِيَ حَتَّى يَطْلُبهَا، فَوَجَبَ تَعْرِيفهَا.
وَأَمَّا الشَّيْء الْحَقِير فَيَجِب تَعْرِيفه زَمَنًا يَظُنّ أَنَّ فَاقِده لَا يَطْلُبهُ فِي الْعَادَة أَكْثَر مِنْ ذَلِكَ الزَّمَان، قَالَ أَصْحَابنَا: وَالتَّعْرِيف أَنْ يَنْشُدهَا فِي الْمَوْضِع الَّذِي وَجَدَهَا فيه، وَفِي الْأَسْوَاق، وَأَبْوَاب الْمَسَاجِد، وَمَوَاضِع اِجْتِمَاع النَّاس، فَيَقُول: مَنْ ضَاعَ مِنْهُ شَيْء؟ مَنْ ضَاعَ مِنْهُ حَيَوَان؟ مَنْ ضَاعَ مِنْهُ دَرَاهِم؟ وَنَحْو ذَلِكَ، وَيُكَرِّر ذَلِكَ بِحَسَبِ الْعَادَة، قَالَ أَصْحَابنَا: فَيُعَرِّفهَا أَوَّلًا فِي كُلّ يَوْم، ثُمَّ فِي الْأُسْبُوع، ثُمَّ فِي أَكْثَر مِنْهُ.
وَاللَّهُ أَعْلَم.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِنْ جَاءَ صَاحِبهَا وَإِلَّا فَشَأْنك بِهَا» مَعْنَاهُ: إِنْ جَاءَهَا صَاحِبهَا فَادْفَعْهَا إِلَيْهِ، وَإِلَّا فَيَجُوز لَك أَنْ تَتَمَلَّكهَا، قَالَ أَصْحَابنَا: إِذَا عَرَّفَهَا فَجَاءَ صَاحِبهَا فِي أَثْنَاء مُدَّة التَّعْرِيف أَوْ بَعْد اِنْقِضَائِهَا وَقَبْل أَنْ يَتَمَلَّكهَا الْمُلْتَقِط، فَأَثْبَتَ أَنَّهُ صَاحِبهَا أَخَذَهَا بِزِيَادَتِهَا الْمُتَّصِلَة وَالْمُنْفَصِلَة، فَالْمُتَّصِلَة كَالسِّمَنِ فِي الْحَيَوَان، وَتَعْلِيم صَنْعَة، وَنَحْو ذَلِكَ، وَالْمُنْفَصِلَة كَالْوَلَدِ وَاللَّبَن وَالصُّوف وَاكْتِسَاب الْعَبْد، وَنَحْو ذَلِكَ.
وَأَمَّا إِنْ جَاءَ مَنْ يَدَّعِيهَا وَلَمْ يَثْبُت ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يُصَدِّقهُ الْمُلْتَقِط لَمْ يَجُزْ لَهُ دَفْعهَا إِلَيْهِ، وَإِنْ صَدَّقَهُ جَازَ لَهُ الدَّفْع إِلَيْهِ، وَلَا يَلْزَمهُ حَتَّى يُقِيم الْبَيِّنَة، هَذَا كُلّه إِذَا جَاءَ قَبْل أَنْ يَتَمَلَّكهَا الْمُلْتَقِط، فَأَمَّا إِذَا عَرَّفَهَا سَنَة وَلَمْ يَجِد صَاحِبهَا، فَلَهُ أَنْ يُدِيم حِفْظهَا صَاحِبِهَا، وَلَهُ أَنْ يَتَمَلَّكهَا، سَوَاء كَانَ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا، فَإِنْ أَرَادَ تَمَلُّكهَا فَمَتَى يَمْلِكهَا؟ فيه أَوْجُه لِأَصْحَابِنَا: أَصَحّهَا: لَا يَمْلِكهَا حَتَّى يَتَلَفَّظ بِالتَّمَلُّكِ بِأَنْ يَقُول: تَمَلَّكْتهَا، أَوْ اِخْتَرْت تَمَلُّكهَا.
وَالثَّانِي: لَا يَمْلِكهَا إِلَّا بِالتَّصَرُّفِ فيها بِالْبَيْعِ وَنَحْوه.
وَالثَّالِث يَكْفيه نِيَّة التَّمَلُّك وَلَا يَحْتَاج إِلَى لَفْظ.
وَالرَّابِع يَمْلِك بِمُجَرَّدِ مُضِيّ السَّنَة.
فَإِذَا تَمَلَّكَهَا، وَلَمْ يَظْهَر لَهَا صَاحِب فَلَا شَيْء عَلَيْهِ، بَلْ هُوَ كَسْب مِنْ أَكْسَابه لَا مُطَالَبَة عَلَيْهِ بِهِ فِي الْآخِرَة، وَإِنْ جَاءَ صَاحِبهَا بَعْد تَمَلُّكهَا أَخَذَهَا بِزِيَادَتِهَا الْمُتَّصِلَة دُون الْمُنْفَصِلَة، فَإِنْ كَانَتْ قَدْ تَلِفَتْ بَعْد التَّمَلُّك لَزِمَ الْمُلْتَقِطَ بَدَلُهَا عِنْدنَا وَعِنْد الْجُمْهُور، وَقَالَ دَاوُدُ: لَا يَلْزَمهُ.
وَاللَّهُ أَعْلَم.
قَوْله: «فَضَالَّة الْغَنَم، قَالَ: لَك أَوْ لِأَخِيك أَوْ لِلذِّئْبِ» مَعْنَاهُ الْإِذْن فِي أَخْذهَا، بِخِلَافِ الْإِبِل.
وَفَرَّقَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنهمَا، وَبَيَّنَ الْفَرْق بِأَنَّ الْإِبِل مُسْتَغْنِيَة عَنْ مَنْ يَحْفَظهَا لِاسْتِقْلَالِهَا بِحِذَائِهَا وَسِقَائِهَا وَوُرُودهَا الْمَاء وَالشَّجَر، وَامْتِنَاعهَا مِنْ الذِّئَاب وَغَيْرهَا مِنْ صِغَار السِّبَاع، وَالْغَنَم بِخِلَافِ ذَلِكَ، فَلَك أَنْ تَأْخُذهَا أَنْتَ أَوْ صَاحِبهَا، أَوْ أَخُوك الْمُسْلِم الَّذِي يَمُرّ بِهَا أَوْ الذِّئْب فَلِهَذَا جَازَ أَخْذهَا دُون الْإِبِل.
ثُمَّ إِذَا أَخَذَهَا وَعَرَّفَهَا سَنَة، وَأَكَلَهَا ثُمَّ جَاءَ صَاحِبهَا لَزِمَتْهُ غَرَامَتهَا عِنْدنَا وَعِنْد أَبِي حَنِيفَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ.
وَقَالَ مَالِك: لَا تَلْزَمهُ غَرَامَتهَا؛ لِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَذْكُر لَهُ غَرَامَة.
وَاحْتَجَّ أَصْحَابنَا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: «فَإِنْ جَاءَ صَاحِبهَا فَأَعْطِهَا إِيَّاهُ» وَأَجَابُوا عَنْ دَلِيل مَالِك بِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُر فِي هَذِهِ الرِّوَايَة الْغَرَامَة وَلَا نَفَاهَا، وَقَدْ عَرَّفَ وُجُوبهَا بِدَلِيلٍ آخَر.
✯✯✯✯✯✯
3248- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَرِّفْهَا سَنَة ثُمَّ اِعْرِفْ وِكَاءَهَا وَعِفَاصهَا ثُمَّ اِسْتَنْفِقْ بِهَا» هَذَا رُبَّمَا أَوْهَمَ أَنَّ مَعْرِفَة الْوِكَاء وَالْعِفَاص تَتَأَخَّر عَلَى تَعْرِيفهَا سَنَة، وَبَاقِي الرِّوَايَات صَرِيحَة فِي تَقْدِيم الْمَعْرِفَة عَلَى التَّعْرِيف فَيُجَاب عَنْ هَذِهِ الرِّوَايَة أَنَّ هَذِهِ مَعْرِفَة أُخْرَى، وَيَكُون مَأْمُورًا بِمَعْرِفَتَيْنِ، فَيَتَعَرَّفهَا أَوَّل مَا يَلْتَقِطهَا حَتَّى يَعْلَم صِدْق وَاصِفهَا إِذَا وَصَفَهَا، وَلِئَلَّا تَخْتَلِط وَتَشْتَبِه، فَإِذَا عَرَّفَهَا سَنَة وَأَرَادَ تَمَلُّكهَا اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يَتَعَرَّفهَا أَيْضًا مَرَّة أُخْرَى تَعَرُّفًا وَافِيًا مُحَقَّقًا، لِيَعْلَم قَدْرهَا وَصِفَتهَا فَيَرُدّهَا إِلَى صَاحِبهَا إِذَا جَاءَ بَعْد تَمَلُّكهَا وَتَلَفهَا، وَمَعْنَى اِسْتَنْفِقْ بِهَا: تَمَلَّكْهَا ثُمَّ أَنْفِقْهَا عَلَى نَفْسك.
قَوْله: «فَغَضِبَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى اِحْمَرَّتْ وَجْنَتَاهُ أَوْ اِحْمَرَّ وَجْهه ثُمَّ قَالَ: مَا لَك وَلَهَا؟» (الْوَجْنَة) بِفَتْحِ الْوَاو وَضَمّهَا وَكَسْرهَا وَفيها لُغَة رَابِعَة (أُجْنَة) بِضَمِّ الْهَمْزَة، وَهِيَ: اللَّحْم الْمُرْتَفِع مِنْ الْخَدَّيْنِ، وَيُقَال: رَجُل مُوجِن وَوَاجِن، أَيْ: عَظِيم الْوَجْنَة، وَجَمْعهَا: وَجَنَات، وَيَجِيء فيها اللُّغَات الْمَعْرُوفَة فِي جَمْع قَصْعَة وَحُجْرَة وَكِسْرَة.
وَفيه: جَوَاز الْفَتْوَى وَالْحُكْم فِي حَال الْغَضَب، وَأَنَّهُ نَافِذ، لَكِنْ يُكْرَه ذَلِكَ فِي حَقّنَا، وَلَا يُكْرَه فِي حَقّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُخَاف عَلَيْهِ فِي الْغَضَب مَا يُخَاف عَلَيْنَا.
وَاللَّهُ أَعْلَم.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَة فَإِنْ لَمْ يَجِيء صَاحِبهَا كَانَتْ وَدِيعَة عِنْدك» وَفِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة: «ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَة فَإِنْ لَمْ تُعْرَف فَاسْتَنْفِقْهَا وَلْتَكُنْ وَدِيعَة عِنْدك، فَإِنْ جَاءَ طَالِبهَا يَوْمًا مِنْ الدَّهْر فَأَدِّهَا إِلَيْهِ» مَعْنَاهُ: تَكُون أَمَانَة عِنْدك بَعْد السَّنَة، مَا لَمْ تَتَمَلَّكهَا، فَإِنْ تَلِفَتْ بِغَيْرِ تَفْرِيط فَلَا ضَمَان عَلَيْك، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ مَنْعه مِنْ تَمَلُّكهَا، بَلْ لَهُ تَمَلُّكهَا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ لِلْأَحَادِيثِ الْبَاقِيَة الصَّرِيحَة، وَهِيَ قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ثُمَّ اِسْتَنْفِقْ بِهَا فَاسْتَنْفِقْهَا» وَقَدْ أَشَارَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى هَذَا فِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة بِقَوْلِهِ: «فَإِنْ لَمْ تَعْرِف فَاسْتَنْفِقْهَا وَلْتَكُنْ وَدِيعَة عِنْدك» أَيْ: لَا يَنْقَطِع حَقُّ صَاحِبهَا، بَلْ مَتَى جَاءَهَا فَأَدِّهَا إِلَيْهِ إِنْ كَانَتْ بَاقِيَة، وَإِلَّا فَبَدَلهَا، وَهَذَا مَعْنَى قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِنْ جَاءَ صَاحِبهَا يَوْمًا مِنْ الدَّهْر فَأَدِّهَا إِلَيْهِ» وَالْمُرَاد أَنَّهُ لَا يَنْقَطِع حَقُّ صَاحِبهَا بِالْكُلِّيَّةِ، وَقَدْ نَقَلَ الْقَاضِي وَغَيْره إِجْمَاع الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّهُ إِذَا جَاءَ صَاحِبهَا بَعْد التَّمْلِيك ضَمِنَهَا الْمُتَمَلِّك إِلَّا دَاوُدَ فَأَسْقَطَ الضَّمَان.
وَاللَّهُ أَعْلَم.
✯✯✯✯✯✯
3249- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِنْ جَاءَ صَاحِبهَا فَعَرَفَ عِفَاصهَا وَعَدَدهَا وَوِكَاءَهَا فَأَعْطِهَا إِيَّاهُ وَإِلَّا فَهِيَ لَك» فِي هَذَا دَلَالَة لِمَالِكٍ وَغَيْره مِمَّنْ يَقُول: إِذَا جَاءَ مَنْ وَصَفَ اللُّقَطَة بِصِفَاتِهَا وَجَبَ دَفْعُهَا إِلَيْهِ بِلَا بَيِّنَة، وَأَصْحَابنَا يَقُولُونَ: لَا يَجِب دَفْعهَا إِلَيْهِ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَة وَأَصْحَابه رَحِمَهُمْ اللَّه تَعَالَى وَيَتَأَوَّلُونَ هَذَا الْحَدِيث عَلَى أَنَّ الْمُرَاد أَنَّهُ إِذَا صَدَّقَهُ جَازَ لَهُ الدَّفْع إِلَيْهِ وَلَا يَجِب، فَالْأَمْر بِدَفْعِهَا بِمُجَرَّدِ تَصْدِيقه لَيْسَ لِلْوُجُوبِ.
وَاللَّهُ أَعْلَم.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رِوَايَات حَدِيث زَيْد بْن خَالِد: «عَرِّفْهَا سَنَة» وَفِي حَدِيث أُبَيّ بْن كَعْب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِتَعْرِيفِهَا: «ثَلَاث سِنِينَ».
وَفِي رِوَايَة: «سَنَة وَاحِدَة» وَفِي رِوَايَة: أَنَّ الرَّاوِي شَكَّ قَالَ: «لَا أَدْرِي قَالَ حَوْل أَوْ ثَلَاثَة أَحْوَال» وَفِي رِوَايَة: «عَامَيْنِ أَوْ ثَلَاثَة» قَالَ الْقَاضِي عِيَاض: قِيلَ فِي الْجَمْع بَيْن الرِّوَايَات قَوْلَانِ أَحَدهمَا: أَنْ يُطْرَح الشَّكّ، وَالزِّيَادَة، وَيَكُون الْمُرَاد سَنَة فِي رِوَايَة الشَّكّ، وَتُرَدّ الزِّيَادَة لِمُخَالَفَتِهَا بَاقِي الْأَحَادِيث، وَالثَّانِي: أَنَّهُمَا قَضِيَّتَانِ، فَرِوَايَة زَيْد فِي التَّعْرِيف سَنَة مَحْمُولَة عَلَى أَقَلّ مَا يَجْزِي، وَرِوَايَة أُبَيّ بْن كَعْب فِي التَّعْرِيف ثَلَاث سِنِينَ مَحْمُولَة عَلَى الْوَرَع وَزِيَادَة الْفَضِيلَة، قَالَ: وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى الِاكْتِفَاء بِتَعْرِيفِ سَنَة، وَلَمْ يَشْتَرِط أَحَد تَعْرِيف ثَلَاثَة أَعْوَام إِلَّا مَا رُوِيَ عَنْ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَلَعَلَّهُ لَمْ يَثْبُت عَنْهُ.
مقدمة كتاب اللقطة
۞۞۞۞۞۞۞۞
كتاب اللقطة ﴿ 1 ﴾
۞۞۞۞۞۞۞۞