باب جواز تقصير المعتمر من شعره وانه لا يجب حلقه وانه يستحب كون حلقه او تقصيره عند المروة
باب جواز تقصير المعتمر من شعره وانه لا يجب حلقه وانه يستحب كون حلقه او تقصيره عند المروة
2188- قَوْله: قَالَ اِبْن عَبَّاس: «قَالَ لِي مُعَاوِيَة: أَعَلِمْت أَنِّي قَصَّرْت عَنْ رَأْس رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْد الْمَرْوَة بِمِشْقَصٍ؟ فَقُلْت: لَا أَعْلَم هَذِهِ إِلَّا حُجَّة عَلَيْك» وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: «قَصَّرْت عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِشْقَصٍ، وَهُوَ عَلَى الْمَرْوَة، أَوْ رَأَيْته يُقَصَّر عَنْهُ بِمِشْقَصٍ، وَهُوَ عَلَى الْمَرْوَة».
فِي هَذَا الْحَدِيث جَوَاز الِاقْتِصَار عَلَى التَّقْصِير وَإِنْ كَانَ الْحَلْق أَفْضَل، وَسَوَاء فِي ذَلِكَ الْحَاجّ وَالْمُعْتَمِر، إِلَّا أَنَّهُ يُسْتَحَبّ لِلْمُتَمَتِّعِ أَنْ يُقَصِّر فِي الْعُمْرَة وَيَحْلِق فِي الْحَجّ لِيَقَع الْحَلْق فِي أَكْمَل الْعِبَادَتَيْنِ، وَقَدْ سَبَقَتْ الْأَحَادِيث فِي هَذَا.
وَفيه أَنَّهُ يُسْتَحَبّ أَنْ يَكُون تَقْصِير الْمُعْتَمِر أَوْ حَلْقه عِنْد الْمَرْوَة لِأَنَّهَا مَوْضِع تَحَلُّله، كَمَا يُسْتَحَبّ لِلْحَاجِّ أَنْ يَكُون حَلْقه أَوْ تَقْصِيره فِي مِنًى لِأَنَّهَا مَوْضِع تَحَلُّله، وَحَيْثُ حَلَقَا أَوْ قَصَّرَا مِنْ الْحَرَم كُلّه جَازَ.
وَهَذَا الْحَدِيث مَحْمُول عَلَى أَنَّهُ قَصَّرَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عُمْرَة الْجِعِرَّانَة لِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّة الْوَدَاع كَانَ قَارِنًا كَمَا سَبَقَ إِيضَاحه، وَثَبَتَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَلَقَ بِمِنًى وَفَرَّقَ أَبُو طَلْحَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ شَعْره بَيْن النَّاس، فَلَا يَجُوز حَمْل تَقْصِير مُعَاوِيَة عَلَى حَجَّة الْوَدَاع، وَلَا يَصِحّ حَمْله أَيْضًا عَلَى عُمْرَة الْقَضَاء الْوَاقِعَة سَنَة سَبْع مِنْ الْهِجْرَة، لِأَنَّ مُعَاوِيَة لَمْ يَكُنْ يَوْمَئِذٍ مُسْلِمًا إِنَّمَا أَسْلَمَ يَوْم الْفَتْح سَنَة ثَمَانٍ.
هَذَا هُوَ الصَّحِيح الْمَشْهُور، وَلَا يَصِحّ قَوْل مَنْ حَمَلَهُ عَلَى حَجَّة الْوَدَاع وَزَعَمَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مُتَمَتِّعًا لِأَنَّ هَذَا غَلَط فَاحِش، فَقَدْ تَظَاهَرَتْ الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة السَّابِقَة فِي مُسْلِم وَغَيْره أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِيلَ لَهُ: مَا شَأْن النَّاس حَلُّوا وَلَمْ تَحِلّ أَنْتَ؟ فَقَالَ: «إِنِّي لَبَّدْت رَأْسِي، وَقَلَّدْت هَدْيِي فَلَا أَحِلّ حَتَّى أَنْحَر الْهَدْي».
وَفِي رِوَايَة: «حَتَّى أَحِلّ مِنْ الْحَجّ» وَاَللَّه أَعْلَم.
قَوْله: (بِمِشْقَصٍ) هُوَ بِكَسْرِ الْمِيم وَإِسْكَان الشِّين الْمُعْجَمَة وَفَتْح الْقَاف.
قَالَ أَبُو عُبَيْد وَغَيْره: هُوَ نَصْل السَّهْم إِذَا كَانَ طَوِيلًا لَيْسَ بِعَرِيضٍ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة الدِّينَوَرِيّ: هُوَ كُلّ نَصْل فيه عِتْرَة، وَهُوَ النَّاتِئ وَسَط الْحَرْبَة.
وَقَالَ الْخَلِيل: هُوَ سَهْم فيه نَصْل عَرِيض يُرْمَى بِهِ الْوَحْش.
وَاَللَّه أَعْلَم.
✯✯✯✯✯✯
2189- سبق شرحه بالباب.
✯✯✯✯✯✯
2190- قَوْله: «خَرَجْنَا مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَصْرُخ بِالْحَجِّ صُرَاخًا فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّة أَمَرَنَا أَنْ نَجْعَلهَا عُمْرَة إِلَّا مَنْ سَاقَ الْهَدْي، فَلَمَّا كَانَ يَوْم التَّرْوِيَة وَرُحْنَا إِلَى مِنًى أَهْلَلْنَا بِالْحَجِّ» فيه اِسْتِحْبَاب رَفْع الصَّوْت بِالتَّلْبِيَةِ، وَهُوَ مُتَّفَق عَلَيْهِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُون رَفْعًا مُقْتَصَدًا بِحَيْثُ لَا يُؤْذِي نَفْسه.
وَالْمَرْأَة لَا تَرْفَع بَلْ تُسْمِع نَفْسهَا لِأَنَّ صَوْتهَا مَحَلّ فِتْنَة.
وَرَفْع الرَّجُل مَنْدُوب عِنْد الْعُلَمَاء كَافَّة.
وَقَالَ أَهْل الظَّاهِر: هُوَ وَاجِب وَيَرْفَع الرَّجُل صَوْته بِهَا فِي غَيْر الْمَسَاجِد وَفِي مَسْجِد مَكَّة وَمِنًى وَعَرَفَات، وَأَمَّا سَائِر الْمَسَاجِد فَفِي رَفْعه فيها خِلَاف لِلْعُلَمَاءِ، وَهُمَا قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ وَمَالِك أَصَحّهمَا اِسْتِحْبَاب الرَّفْع كَالْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَة.
وَالثَّانِي لَا يَرْفَع لِئَلَّا يُهَوِّش عَلَى النَّاس بِخِلَافِ الْمَسَاجِد الثَّلَاثَة لِأَنَّهَا مَحَلّ الْمَنَاسِك.
وَفِي هَذَا الْحَدِيث جَوَاز الْعُمْرَة فِي أَشْهُر الْحَجّ، وَهُوَ مُجْمَع عَلَيْهِ، وَفيه حُجَّة لِلشَّافِعِيِّ وَمُوَافِقِيهِ أَنَّ الْمُسْتَحَبّ لِلْمُتَمَتِّعِ أَنْ يَكُون إِحْرَامه بِالْحَجِّ يَوْم التَّرْوِيَة، وَهُوَ الثَّامِن مِنْ ذِي الْحِجَّة عِنْد إِرَادَته التَّوَجُّه إِلَى مِنًى، وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَة مَرَّات.
قَوْله: «وَرُحْنَا إِلَى مِنًى» مَعْنَاهُ أَرَدْنَا الرَّوَاح، وَقَدْ سَبَقَ بَيَان الْخِلَاف فِي أَنَّهُ يُسْتَحَبّ الرَّوَاح إِلَى مِنًى يَوْم التَّرْوِيَة مِنْ أَوَّل النَّهَار أَوْ بَعْد الزَّوَال.
وَاَللَّه أَعْلَم.
باب جواز تقصير المعتمر من شعره وانه لا يجب حلقه وانه يستحب كون حلقه او تقصيره عند المروة