باب جواز الغيلة وهي وطء المرضع وكراهة العزل
باب جواز الغيلة وهي وطء المرضع وكراهة العزل
2612- قَوْله: (عَنْ جُدَامَة بِنْت وَهْب) ذَكَرَ مُسْلِم اِخْتِلَاف الرُّوَاة فيها هَلْ هِيَ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَة أَمْ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة قَالَ: وَالصَّحِيح أَنَّهَا بِالدَّالِ.
يَعْنِي الْمُهْمَلَة، وَكَذَا قَالَ جُمْهُور الْعُلَمَاء أَنَّ الصَّحِيح أَنَّهَا بِالْمُهْمَلَةِ وَالْجِيم مَضْمُومَة بِلَا خِلَاف.
وَقَوْله (جُدَامَة بِنْت وَهْب) وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى (جُدَامَة بِنْت وَهْب أُخْت عُكَاشَة) قَالَ الْقَاضِي عِيَاض: قَالَ بَعْضهمْ: إِنَّهَا أُخْت عُكَاشَة عَلَى قَوْل مَنْ قَالَ إِنَّهَا جُدَامَة بِنْت وَهْب بْن مُحَصِّن.
وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ أُخْت رَجُل آخَر يُقَال لَهُ عُكَاشَة بْن وَهْب لَيْسَ بِعُكَاشَة بْن مُحَصِّن الْمَشْهُور.
وَقَالَ الطَّبَرِيُّ: هِيَ جُدَامَة بِنْت جَنْدَلَ هَاجَرَتْ.
قَالَ: وَالْمُحَدِّثُونَ قَالُوا فيها: جُدَامَة بِنْت وَهْب هَذَا مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَالْمُخْتَار أَنَّهَا جُدَامَة بِنْت وَهْب الْأَسَدِيَّة أُخْت عُكَاشَة بْن مُحَصِّن الْمَشْهُور الْأَسَدِيِّ، وَتَكُون أُخْته مِنْ أُمّه وَفِي (عُكَاشَة) لُغَتَانِ سَبَقَتَا فِي كِتَاب الْأَيْمَان تَشْدِيد الْكَاف وَتَخْفِيفهَا وَالتَّشْدِيد أَفْصَح وَأَشْهَر.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَقَدْ هَمَمْت أَنْ أَنْهَى عَنْ الْغِيلَة حَتَّى ذَكَرْت أَنَّ الرُّوم وَفَارِس يَصْنَعُونَ ذَلِكَ فَلَا يَضُرّ أَوْلَادهمْ».
قَالَ أَهْل اللُّغَة: (الْغِيلَة) هُنَا بِكَسْرِ الْغَيْن وَيُقَال لَهَا: الْغَيْل بِفَتْحِ الْغَيْن مَعَ حَذْف الْهَاء (وَالْغِيَال) بِكَسْرِ الْغَيْن كَمَا ذَكَرَهُ مُسْلِم فِي الرِّوَايَة الْأَخِيرَة.
وَقَالَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل اللُّغَة: (الْغَيْلَة) بِفَتْحٍ الْمَرَّة الْوَاحِدَة وَأَمَّا بِالْكَسْرِ فَهِيَ الِاسْم مِنْ الْغِيل.
وَقِيلَ: إِنْ أُرِيدَ بِهَا وَطْء الْمُرْضِع جَازَ الْغِيلَة وَالْغَيْلَة بِالْكَسْرِ وَالْفَتْح وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي الْمُرَاد بِالْغِيلَةِ فِي هَذَا الْحَدِيث وَهِيَ الْغَيْل، فَقَالَ مَالِك فِي الْمُوَطَّأ وَالْأَصْمَعِيّ وَغَيْره مِنْ أَهْل اللُّغَة أَنْ يُجَامِع اِمْرَأَته وَهِيَ مُرْضِع يُقَال مِنْهُ: أَغَالَ الرَّجُل وَأَغْيَلَ، إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ وَقَالَ اِبْن السِّكِّيت: هُوَ أَنْ تُرْضِع الْمَرْأَة وَهِيَ حَامِل يُقَال مِنْهُ: غَالَتْ وَأَغْيَلَت.
قَالَ الْعُلَمَاء: سَبَب هَمّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّهْيِ عَنْهَا أَنَّهُ يَخَاف مِنْهُ ضَرَر الْوَلَد الرَّضِيع.
قَالُوا: وَالْأَطِبَّاء يَقُولُونَ: إِنَّ ذَلِكَ اللَّبَن دَاء وَالْعَرَب تَكْرَههُ وَتَتَّقِيه.
وَفِي الْحَدِيث جَوَاز الْغِيلَة فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَنْهَ عَنْهَا، وَبَيَّنَ سَبَب تَرْك النَّهْي.
وَفيه جَوَاز الِاجْتِهَاد لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَلَهُ قَالَ جُمْهُور أَهْل الْأُصُول.
وَقِيلَ: لَا يَجُوز لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْوَحْي وَالصَّوَاب الْأَوَّل.
✯✯✯✯✯✯
2613- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِذَا هُمْ يُغِيلُونَ» هُوَ بِضَمِّ الْيَاء لِأَنَّهُ مِنْ أَغَالَ يُغِيل كَمَا سَبَقَ.
قَوْله: ثُمَّ سَأَلُوهُ عَنْ الْعَزْل فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ذَاكَ الْوَأْد الْخَفِيّ».
وَهِيَ: {وَإِذَا الْمَوْءُودَة سُئِلَتْ} الْوَأْد وَالْمَوْءُودَة بِالْهَمْزِ.
وَالْوَأْد دَفْن الْبِنْت وَهِيَ حَيَّة وَكَانَتْ الْعَرَب تَفْعَلهُ خَشْيَة الْإِمْلَاق وَرُبَّمَا فَعَلُوهُ خَوْف الْعَار وَالْمَوْءُودَة الْبِنْت الْمَدْفُونَة، حَيَّة.
وَيُقَال: وَأَدَتْ الْمَرْأَة وَلَدهَا وَأْدًا قِيلَ سُمِّيَتْ مَوْءُودَة لِأَنَّهَا تُثَقَّل بِالتُّرَابِ.
وَقَدْ سَبَقَ فِي بَاب الْعَزْل وَجْه تَسْمِيَة هَذَا وَأْدًا، وَهُوَ مُشَابَهَته الْوَأْد فِي تَفْوِيت الْحَيَاة.
وَقَوْله فِي هَذَا الْحَدِيث: {وَإِذَا الْمَوْءُودَة سُئِلَتْ} مَعْنَاهُ أَنَّ الْعَزْل يُشْبِه الْوَأْد الْمَذْكُور فِي هَذِهِ الْآيَة.
✯✯✯✯✯✯
2614- قَوْله: (حَدَّثَنِي عَيَّاش بْن عَبَّاس) الْأَوَّل بِالشِّينِ الْمُعْجَمَة وَأَبُوهُ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَة وَهُوَ عَيَّاش بْن عَبَّاس الْقِتْبَانِيّ بِكَسْرِ الْقَاف مَنْسُوب إِلَى قِتْبَانِ بَطْن مِنْ رُعَيْن.
قَوْله: «أُشْفِقَ عَلَى وَلَدهَا».
هُوَ بِضَمِّ الْهَمْزَة وَكَسْر الْفَاء أَيْ أَخَاف.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا ضَارَ ذَلِكَ فَارِس وَلَا الرُّوم».
هُوَ بِتَخْفِيفِ الرَّاء أَيْ مَا ضَرّهمْ يُقَال: أَضَارَهُ يُضِيرهُ ضَيْرًا وَضَرَّهُ يَضُرّهُ ضُرًّا وَضَرَّا وَاَللَّه أَعْلَم.
باب جواز الغيلة وهي وطء المرضع وكراهة العزل