📁 آخر الأخبار

باب جواز قتال من نقض العهد وجواز انزال اهل الحصن على حكم حاكم عدل اهل للحكم

 

 باب جواز قتال من نقض العهد وجواز انزال اهل الحصن على حكم حاكم عدل اهل للحكم

 باب جواز قتال من نقض العهد وجواز انزال اهل الحصن على حكم حاكم عدل اهل للحكم


3314- قَوْله: «نَزَلَ أَهْل قُرَيْظَة عَلَى حُكْم سَعْد بْن مُعَاذ» فيه: جَوَاز التَّحْكِيم فِي أُمُور الْمُسْلِمِينَ وَفِي مُهِمَّاتهمْ الْعِظَام، وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَيْهِ، وَلَمْ يُخَالِف فيه إِلَّا الْخَوَارِج، فَإِنَّهُمْ أَنْكَرُوا عَلَى عَلِيّ التَّحْكِيم، وَأَقَامَ الْحُجَّة عَلَيْهِمْ.

وَفيه: جَوَاز مُصَالَحَة أَهْل قَرْيَة أَوْ حِصْن عَلَى حُكْم حَاكِم مُسْلِم عَدْل صَالِح لِلْحُكْمِ أَمِين عَلَى هَذَا الْأَمْر، وَعَلَيْهِ الْحُكْم بِمَا فيه مَصْلَحَة لِلْمُسْلِمِينَ، إِذَا حَكَمَ بِشَيْءٍ لَزِمَ حُكْمه، وَلَا يَجُوز لِلْإِمَامِ وَلَا لَهُمْ الرُّجُوع عَنْهُ، وَلَهُمْ الرُّجُوع قَبْل الْحُكْم.

 وَاَللَّه أَعْلَم.

قَوْله: «فَأَرْسَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى سَعْد فَأَتَاهُ عَلَى حِمَار، فَلَمَّا دَنَا قَرِيبًا مِنْ الْمَسْجِد» قَالَ الْقَاضِي عِيَاض: قَالَ بَعْضهمْ قَوْله: «دَنَا مِنْ الْمَسْجِد» كَذَا هُوَ فِي الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم مِنْ رِوَايَة شُعْبَة، وَأَرَاهُ وَهْمًا إِنْ كَانَ أَرَادَ مَسْجِد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لِأَنَّ سَعْد بْن مُعَاذ جَاءَ مِنْهُ، فَإِنَّهُ كَانَ فيه كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة، وَإِنَّمَا كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين أَرْسَلَ إِلَى سَعْد نَازِلًا عَلَى بَنِي قُرَيْظَة، وَمِنْ هُنَاكَ أَرْسَلَ إِلَى سَعْد لِيَأْتِيَهُ.

 فَإِنْ كَانَ الرَّاوِي أَرَادَ مَسْجِدًا اِخْتَطَّهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُنَاكَ كَانَ يُصَلِّي فيه مُدَّة مُقَامه، لَمْ يَكُنْ وَهْم، قَالَ: وَالصَّحِيح مَا جَاءَ فِي غَيْر صَحِيح مُسْلِم، قَالَ: فَلَمَّا دَنَا مِنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ فَلَمَّا طَلَعَ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَذَا وَقَعَ فِي كِتَاب اِبْن أَبِي شَيْبَة وَسُنَن أَبِي دَاوُدَ، فَيَحْتَمِل أَنَّ الْمَسْجِد تَصْحِيف مِنْ لَفْظ الرَّاوِي.

 وَاَللَّه أَعْلَم.

قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قُومُوا إِلَى سَيِّدكُمْ أَوْ خَيْركُمْ» فيه: إِكْرَام أَهْل الْفَضْل وَتَلَقِّيهمْ بِالْقِيَامِ لَهُمْ إِذَا أَقْبَلُوا، هَكَذَا اِحْتَجَّ بِهِ جَمَاهِير الْعُلَمَاء لِاسْتِحْبَابِ الْقِيَام، قَالَ الْقَاضِي: وَلَيْسَ هَذَا مِنْ الْقِيَام الْمَنْهِيّ عَنْهُ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِيمَنْ يَقُومُونَ عَلَيْهِ وَهُوَ جَالِس، وَيَمْثُلُونَ قِيَامًا طُول جُلُوسه، قُلْت: الْقِيَام لِلْقَادِمِ مِنْ أَهْل الْفَضْل مُسْتَحَبّ، وَقَدْ جَاءَ فيه أَحَادِيث، وَلَمْ يَصِحّ فِي النَّهْي عَنْهُ شَيْء صَرِيح، وَقَدْ جَمَعْت كُلّ ذَلِكَ مَعَ كَلَام الْعُلَمَاء عَلَيْهِ فِي جُزْء وَأَجَبْت فيه عَمَّا تَوَهَّمَ النَّهْي عَنْهُ.

 وَاَللَّه أَعْلَم.

قَالَ الْقَاضِي: وَاخْتَلَفُوا فِي الَّذِينَ عَنَاهُمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: «قُومُوا إِلَى سَيِّدكُمْ» هَلْ هُمْ الْأَنْصَار خَاصَّة، أَمْ جَمِيع مَنْ حَضَرَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ مَعَهُمْ؟.

قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسَعْدِ بْن مُعَاذ: «إِنَّ هَؤُلَاءِ نَزَلُوا عَلَى حُكْمك»، وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: «قَالَ: فَنَزَلُوا عَلَى حُكْم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَدَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحُكْم فيهمْ إِلَى سَعْد» قَالَ الْقَاضِي: يُجْمَع بَيْن الرِّوَايَتَيْنِ بِأَنَّهُمْ نَزَلُوا عَلَى حُكْم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَضُوا بِرَدِّ الْحُكْم إِلَى سَعْد، فَنُسِبَ إِلَيْهِ، قَالَ: وَالْأَشْهَر أَنَّ الْأَوْس طَلَبُوا مِنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَفْو عَنْهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا حُلَفَاءَهُمْ، فَقَالَ لَهُمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَحْكُم فيهمْ رَجُل مِنْكُمْ يَعْنِي مِنْ الْأَوْس- يُرْضِيهِمْ بِذَلِكَ- فَرَضُوا بِهِ فَرَدَّهُ إِلَى سَعْد بْن مُعَاذ الْأَوْسِيّ.

قَوْله: «وَسَبْي ذُرِّيَّتهمْ» سَبَقَ أَنَّ الذُّرِّيَّة تُطْلَق عَلَى النِّسَاء وَالصِّبْيَان مَعًا.

قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَقَدْ حَكَمْت بِحُكْمِ الْمَلِك» الرِّوَايَة: الْمَشْهُورَة: «الْمَلِك» بِكَسْرِ اللَّام، وَهُوَ اللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى، وَتُؤَيِّدهَا الرِّوَايَات الَّتِي قَالَ فيها: «لَقَدْ حَكَمْت فيهمْ بِحُكْمِ اللَّه» قَالَ الْقَاضِي: رَوَيْنَاهُ فِي صَحِيح مُسْلِم بِكَسْرِ اللَّام بِغَيْرِ خِلَاف.

قَالَ: وَضَبَطَهُ بَعْضهمْ فِي صَحِيح الْبُخَارِيّ بِكَسْرِهَا وَفَتْحهَا، فَإِنْ صَحَّ الْفَتْح فَالْمُرَاد بِهِ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَتَقْدِيره بِالْحُكْمِ الَّذِي جَاءَ بِهِ الْمَلَك عَنْ اللَّه تَعَالَى.

✯✯✯✯✯✯

‏3315- قَوْله: «رَمَاهُ رَجُل مِنْ قُرَيْش يُقَال لَهُ اِبْن الْعَرِقَة» هُوَ بِعَيْنٍ مُهْمَلَة مَفْتُوحَة وَمَكْسُورَة ثُمَّ قَاف قَالَ الْقَاضِي: قَالَ أَبُو عُبَيْد: هِيَ أُمّه، قَالَ اِبْن الْكَلْبِيّ: اِسْم هَذَا الرَّجُل حِبَّان بِكَسْرِ الْحَاء بْن أَبِي قَيْس بْن عَلْقَمَة بْن عَبْد مَنَاف بْن الْحَارِث بْن مُنْقِذ بْن عَمْرو بْن مَعِيص بْن عَامِر بْن لُؤَيّ بْن غَالِب، قَالَ: وَاسْم الْعَرِقَة: قِلَابَة، بِقَافٍ مَكْسُورَة وَبَاء مُوَحَّدَة بِنْت سَعْد بْن سَهْل بْن عَبْد مَنَاف بْن الْحَارِث، وَسُمِّيَتْ بِالْعَرِقَةِ لِطِيبِ رِيحهَا، وَكُنْيَتهَا أُمّ فَاطِمَة.

 وَاَللَّه أَعْلَم.

قَوْله: «رَمَاهُ فِي الْأَكْحَل» قَالَ الْعُلَمَاء: هُوَ عِرْق مَعْرُوف، قَالَ الْخَلِيل: إِذَا قُطِعَ فِي الْيَد لَمْ يُرْقَأ الدَّم، وَهُوَ عِرْق الْحَيَاة فِي كُلّ عُضْو مِنْهُ شُعْبَة لَهَا اِسْم.

قَوْله: «فَضَرَبَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْمَة فِي الْمَسْجِد» فيه: جَوَاز النَّوْم فِي الْمَسْجِد، وَجَوَاز مُكْث مَكَان الْمَرِيض فيه وَإِنْ كَانَ جَرِيحًا.

✯✯✯✯✯✯

‏3316- قَوْله: «إِنَّ سَعْدًا تَحَجَّرَ كَلْمه لِلْبُرْءِ» الْكَلْم: بِفَتْحِ الْكَاف: الْجُرْح، وَتَحَجَّرَ أَيْ يَبِسَ.

قَوْله: «فَإِنْ كُنْت وَضَعْت الْحَرْب بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ فَافْجُرْهَا وَاجْعَلْ مَوْتِي فيها» هَذَا لَيْسَ مِنْ تَمَنِّي الْمَوْت الْمَنْهِيّ عَنْهُ، لِأَنَّ ذَلِكَ فِيمَنْ تَمَنَّاهُ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ، وَهَذَا إِنَّمَا تَمَنَّى اِنْفِجَارهَا لِيَكُونَ شَهِيدًا.

قَوْله: «فَانْفَجَرَتْ مِنْ لَبَّته» هَكَذَا هُوَ فِي أَكْثَر الْأُصُول الْمُعْتَمَدَة (لَبَّته) بِفَتْحِ اللَّام وَبَعْدهَا بَاء مُوَحَّدَة مُشَدَّدَة مَفْتُوحَة، وَهِيَ النَّحْر، وَفِي بَعْض الْأُصُول (مِنْ لِيته) بِكَسْرِ اللَّام وَبَعْدهَا يَاء مُثَنَّاة مِنْ تَحْت سَاكِنَة، (اللِّيت) صَفْحَة الْعُنُق، وَفِي بَعْضهَا مِنْ (لَيْلَتِهِ) قَالَ الْقَاضِي: قَالُوا: وَهُوَ الصَّوَاب كَمَا اِتَّفَقُوا عَلَيْهِ فِي الرِّوَايَة الَّتِي بَعْد هَذِهِ.

قَوْله: «فَلَمْ يَرُعْهُمْ» أَيْ: لَمْ يَفْجَأهُمْ وَيَأْتِهِمْ بَغْتَة.

قَوْله: «فَإِذَا سَعْد جُرْحه يَغِذّ دَمًا» هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَم الْأُصُول الْمُعْتَمَدَة (يَغِذّ) بِكَسْرِ الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَتَشْدِيد الذَّال الْمُعْجَمَة أَيْضًا، وَنَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ جُمْهُور الرُّوَاة، وَفِي بَعْضهَا (يَغْذُ) بِإِسْكَانِ الْغَيْن وَضَمّ الذَّال الْمُعْجَمَة، وَكِلَاهُمَا صَحِيح، وَمَعْنَاهُ: يَسِيل يُقَال: غَذَّ الْجُرْح يَغِذّ إِذَا دَامَ سَيَلَانه، وَغَذَا يَغْذُو سَالَ، كَمَا قَالَ فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: «فَمَا زَالَ يَسِيل حَتَّى مَاتَ»، قَوْله فِي الشِّعْر:أَلَا يَا سَعْد سَعْد بَنِي مُعَاذ

***

 فَمَا فَعَلَتْ قُرَيْظَة وَالنَّضِيرهَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَم النُّسَخ، وَكَذَا حَكَاهُ الْقَاضِي عَنْ الْمُعْظَم، وَفِي بَعْضهَا: (لِمَا فَعَلَتْ) بِاللَّامِ بَدَل الْفَاء وَقَالَ: وَهُوَ الصَّوَاب وَالْمَعْرُوف فِي السِّيَر.

قَوْله:تَرَكْتُمْ قِدْركُمْ لَا شَيْء فيها

***

 وَقِدْر الْقَوْم حَامِيَة تَفُورهَذَا: مَثَل لِعَدَمِ النَّاصِر، وَأَرَادَ بِقَوْله: (تَرَكْتُمْ قِدْركُمْ) الْأَوْس لِقِلَّةِ حُلَفَائِهِمْ، فَإِنَّ حُلَفَاءَهُمْ قُرَيْظَة وَقَدْ قُتِلُوا، وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ: (وَقِدْر الْقَوْم حَامِيَة تَفُور) الْخُرُوج لِشَفَاعَتِهِمْ فِي حُلَفَائِهِمْ بَنِي قَيْنُقَاع حَتَّى مَنَّ عَلَيْهِمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَرَكَهُمْ بِعَبْدِ اللَّه بْن أُبَيِّ بْن سَلُول، وَهُوَ أَبُو حُبَابٍ الْمَذْكُور فِي الْبَيْت الْآخَر.

قَوْله: (كَمَا ثَقُلَتْ بِمَيْطَانَ الصُّخُور) هُوَ اِسْم جَبَل مِنْ أَرْض أَجَازَ فِي دِيَار بَنِي مُزَيْنَةَ، وَهُوَ بِفَتْحِ الْمِيم عَلَى الْمَشْهُور، وَقَالَ أَبُو عُبَيْد الْبَكْرِيّ وَجَمَاعَة هُوَ بِكَسْرِهَا وَبَعْدهَا يَاء مُثَنَّاة مِنْ تَحْت وَآخِره نُون، هَذَا هُوَ الصَّحِيح الْمَشْهُور، وَوَقَعَ فِي بَعْض نُسَخ مُسْلِم (بِمَيْطَارٍ) بِالرَّاءِ قَالَ الْقَاضِي: وَفِي رِوَايَة اِبْن مَاهَانَ (بِحَيْطَانَ) بِالْحَاءِ مَكَان الْمِيم، وَالصَّوَاب الْأَوَّل، قَالَ: وَإِنَّمَا قَصَدَ هَذَا الشَّاعِر تَحْرِيض سَعْد عَلَى اِسْتِبْقَاء بَنِي قُرَيْظَة حُلَفَاءَهُ، وَيَلُومهُ عَلَى حُكْمه فيهمْ، وَيُذَكِّرهُ بِفِعْلِ عَبْد اللَّه بْن أُبَيٍّ، وَيَمْدَحهُ بِشَفَاعَتِهِ فِي حُلَفَائِهِمْ بَنِي قَيْنُقَاعالمبادرة بالغزو وتقديم أهم الأمرين المتعارضين:3317- قَوْله: «نَادَى فِينَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم اِنْصَرَفَ عَنْ الْأَحْزَاب أَنْ لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَد الظُّهْر إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَة فَتَخَوَّفَ نَاس فَوْت الْوَقْت فَصَلَّوْا دُون بَنِي قُرَيْظَة، وَقَالَ آخَرُونَ: لَا نُصَلِّي إِلَّا حَيْثُ أَمَرَنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ فَاتَنَا الْوَقْت فَمَا عَنَّفَ وَاحِدًا مِنْ الْفَرِيقَيْنِ» هَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِم: «لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَد الظُّهْر»، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيّ فِي بَاب صَلَاة الْخَوْف مِنْ رِوَايَة اِبْن عُمَر أَيْضًا قَالَ: «قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَنَا لَمَّا رَجَعَ مِنْ الْأَحْزَاب: لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَد الْعَصْر إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَة، فَأَدْرَكَ بَعْضهمْ الْعَصْر فِي الطَّرِيق، وَقَالَ بَعْضهمْ: لَا نُصَلِّي حَتَّى نَأْتِيَهَا، وَقَالَ بَعْضهمْ: بَلْ نُصَلِّي وَلَمْ يُرِدْ ذَلِكَ مِنَّا، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ يُعَنِّف وَاحِدًا مِنْهُمْ» أَمَّا جَمْعهمْ بَيْن الرِّوَايَتَيْنِ فِي كَوْنهَا الظُّهْر وَالْعَصْر، فَمَحْمُول عَلَى أَنَّ هَذَا الْأَمْر كَانَ بَعْد دُخُول وَقْت الظُّهْر وَقَدْ صَلَّى الظُّهْر بِالْمَدِينَةِ بَعْضهمْ دُون بَعْض، فَقِيلَ لِلَّذِينَ لَمْ يُصَلُّوا الظُّهْر: لَا تُصَلُّوا الظُّهْر إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَة، وَلِلَّذِينَ صَلَّوْا بِالْمَدِينَةِ: لَا تُصَلُّوا الْعَصْر إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَة، وَيَحْتَمِل أَنَّهُ قِيلَ لِلْجَمِيعِ: وَلَا تُصَلُّوا الْعَصْر وَلَا الظُّهْر إِلَى فِي بَنِي قُرَيْظَة وَيَحْتَمِل أَنَّهُ قِيلَ لِلَّذِينَ ذَهَبُوا أَوَّلًا: لَا تُصَلُّوا الظُّهْر إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَة، وَلِلَّذِينَ ذَهَبُوا بَعْدهمْ: لَا تُصَلُّوا الْعَصْر إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَة.

 وَاَللَّه أَعْلَم.

وَأَمَّا اِخْتِلَاف الصَّحَابَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ فِي الْمُبَادَرَة بِالصَّلَاةِ عِنْد ضِيق وَقْتهَا، وَتَأْخِيرهَا، فَسَبَبه أَنَّ أَدِلَّة الشَّرْع تَعَارَضَتْ عِنْدهمْ بِأَنَّ الصَّلَاة مَأْمُور بِهَا فِي الْوَقْت، مَعَ أَنَّ الْمَفْهُوم مِنْ قَوْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَد الظُّهْر أَوْ الْعَصْر إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَة» الْمُبَادَرَة بِالذَّهَابِ إِلَيْهِمْ، وَأَلَّا يُشْتَغَل عَنْهُ بِشَيْءٍ لَا أَنَّ تَأْخِير الصَّلَاة مَقْصُود فِي نَفْسه مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ تَأْخِير، فَأَخَذَ بَعْض الصَّحَابَة بِهَذَا الْمَفْهُوم نَظَرًا إِلَى الْمَعْنَى لَا إِلَى اللَّفْظ، فَصَلَّوْا حِين خَافُوا فَوْت الْوَقْت، وَأَخَذَ آخَرُونَ بِظَاهِرِ اللَّفْظ وَحَقِيقَته فَأَخَّرُوهَا، وَلَمْ يُعَنِّف النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاحِدًا مِنْ الْفَرِيقَيْنِ، لِأَنَّهُمْ مُجْتَهِدُونَ، فَفيه: دَلَالَة لِمَنْ يَقُول بِالْمَفْهُومِ وَالْقِيَاس، وَمُرَاعَاة الْمَعْنَى، وَلِمَنْ يَقُول بِالظَّاهِرِ أَيْضًا.

وَفيه: أَنَّهُ لَا يُعَنَّف الْمُجْتَهِد فِيمَا فَعَلَهُ بِاجْتِهَادِهِ إِذَا بَذَلَ وُسْعه فِي الِاجْتِهَاد، وَقَدْ يُسْتَدَلّ بِهِ عَلَى أَنَّ كُلّ مُجْتَهِد مُصِيب، وَلِلْقَائِلِ الْآخَر أَنْ يَقُول لَمْ يُصَرِّح بِإِصَابَةِ الطَّائِفَتَيْنِ، بَلْ تَرَكَ تَعْنِيفهمْ، وَلَا خِلَاف فِي تَرْك تَعْنِيف الْمُجْتَهِد وَإِنْ أَخْطَأَ إِذَا بَذَلَ وُسْعه فِي الِاجْتِهَاد.

 وَاَللَّه أَعْلَمرَدّ الْمُهَاجِرينَ إِلَى الْأَنْصَار مَنَائِحَهُمْ الَّتِي كَانُوا مَنَحُوهُمْ مِنْ ثِمَارهمْ:3318- قَوْلُهُ: «لَمَّا قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ مِنْ مَكَّة الْمَدِينَة قَدَمُوا وَلَيْسَ بِأَيْدِيهِمْ شَيْء، وَكَانَ الْأَنْصَار أَهْل الْأَرْض وَالْعَقَار فَقَاسَمَهُمْ الْأَنْصَار عَلَى أَنْ أَعْطَوْهُمْ أَنْصَاف ثِمَار أَمْوَالهمْ كُلّ عَام، وَيَكْفُونَهُمْ الْعَمَل وَالْمَئُونَة» ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَمَّا فَرَغَ مِنْ قِتَال أَهْل خَيْبَر، وَانْصَرَفَ إِلَى الْمَدِينَة رَدّ الْمُهَاجِرُونَ إِلَى الْأَنْصَار مَنَائِحَهُمْ الَّتِي كَانُوا مَنَحُوهُمْ مِنْ ثِمَارهمْ، قَالَ الْعُلَمَاء: لَمَّا قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ آثَرَهُمْ الْأَنْصَار بِمَنَائِحَ مِنْ أَشْجَارهمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَبِلَهَا مَنِيحَة مَحْضَة، وَمِنْهُمْ مَنْ قَبِلَهَا بِشَرْطِ أَنْ يَعْمَل فِي الشَّجَر وَالْأَرْض وَلَهُ نِصْف الثِّمَار، وَلَمْ تَطِبْ نَفْسه أَنْ يَقْبَلَهَا مَنِيحَة مَحْضَة، هَذَا لِشَرَفِ نُفُوسهمْ وَكَرَاهَتهمْ أَنْ يَكُونُوا كَلًّا، وَكَانَ هَذَا مُسَاقَاة، وَفِي مَعْنَى الْمُسَاقَاة، فَلَمَّا فُتِحَتْ عَلَيْهِمْ خَيْبَر اِسْتَغْنَى الْمُهَاجِرُونَ بِأَنْصِبَائِهِمْ فيها عَنْ تِلْكَ الْمَنَائِح، فَرَدُّوهَا إِلَى الْأَنْصَار، فَفيه: فَضِيلَة ظَاهِرَة لِلْأَنْصَارِ فِي مُوَاسَاتهمْ وَإِيثَارهمْ، وَمَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ حُبّ الْإِسْلَام، وَإِكْرَام أَهْله، وَأَخْلَاقهمْ الْجَمِيلَة، وَنُفُوسهمْ الطَّاهِرَة، وَقَدْ شَهِدَ اللَّه تَعَالَى لَهُمْ بِذَلِكَ فَقَالَ تَعَالَى: {وَاَلَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّار وَالْإِيمَان مِنْ قَبْلهمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ} الْآيَة.

قَوْله: «وَكَانَ الْأَنْصَار أَهْل الْأَرْض وَالْعَقَار» أَرَادَ بِالْعَقَارِ هُنَا النَّخْل، قَالَ الزَّجَّاج: الْعَقَار كُلّ مَا لَهُ أَصْل، قَالَ: وَقِيلَ: إِنَّ النَّخْل خَاصَّة يُقَال لَهُ: الْعَقَار.

قَوْله: «وَكَانَتْ أَعْطَتْ أُمّ أَنَس رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِذَاقًا لَهَا» هُوَ بِكَسْرِ الْعَيْن جَمْع عَذْق بِفَتْحِهَا، وَهِيَ النَّخْلَة، كَكَلْبِ وَكِلَاب وَبِئْر وَبِئَار.

قَوْله: «فَأَعْطَاهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمّ أَيْمَن» هَذَا دَلِيل لِمَا قَدَّمْنَا عَنْ الْعُلَمَاء أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ كُلّ مَا أَعْطَتْ الْأَنْصَار عَلَى الْمُسَاقَاة، بَلْ كَانَ فيه مَا هُوَ مَنِيحَة وَمُوَاسَاة وَهَذَا مِنْهُ، وَهُوَ مَحْمُول عَلَى أَنَّهَا أَعْطَتْهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثِمَارهَا يَفْعَل فيها مَا شَاءَ مِنْ أَكْله بِنَفْسِهِ وَعِيَاله وَضَيْفه وَإِيثَاره بِذَلِكَ لِمَنْ شَاءَ، فَلِهَذَا آثَرَ بِهَا أُمّ أَيْمَن، وَلَوْ كَانَتْ إِبَاحَة لَهُ خَاصَّة لَمَا أَبَاحَهَا لِغَيْرِهِ، لِأَنَّ الْمُبَاح لَهُ بِنَفْسِهِ لَا يَجُوز لَهُ أَنْ يُبِيح ذَلِكَ الشَّيْء لِغَيْرِهِ، بِخِلَافِ الْمَوْهُوب لَهُ نَفْس رَقَبَة الشَّيْء فَإِنَّهُ يَتَصَرَّف فيه كَيْف شَاءَ.

قَوْله: «رَدّ الْمُهَاجِرُونَ إِلَى الْأَنْصَار مَنَائِحَهُمْ الَّتِي كَانُوا مَنَحُوهُمْ مِنْ ثِمَارهمْ» هَذَا دَلِيل عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ مَنَائِح ثِمَار، أَيْ: إِبَاحَة لَا تَمْلِيك لِأَرْقَابِ النَّخْل، فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ هِبَة لِرَقَبَةِ النَّخْل لَمْ يَرْجِعُوا فيها؛ فَإِنَّ الرُّجُوع فِي الْهِبَة بَعْد الْقَبْض لَا يَجُوز، وَإِنَّمَا كَانَتْ إِبَاحَة كَمَا ذَكَرْنَا، وَالْإِبَاحَة يَجُوز الرُّجُوع فيها مَتَى شَاءَ، وَمَعَ هَذَا لَمْ يَرْجِعُوا فيها حَتَّى اِتَّسَعَتْ الْحَال عَلَى الْمُهَاجِرِينَ بِفَتْحِ خَيْبَر، وَاسْتَغْنَوْا عَنْهَا، فَرَدُّوهَا عَلَى الْأَنْصَار فَقَبِلُوهَا، وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيث أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُمْ ذَلِكَ.

قَوْله: (قَالَ اِبْن شِهَاب: وَكَانَ مِنْ شَأْن أُمّ أَيْمَن أُمّ أُسَامَة بْن زَيْد أَنَّهَا كَانَتْ وَصِيفَة لِعَبْدِ اللَّه بْن عَبْد الْمُطَّلِب وَكَانَتْ مِنْ الْحَبَشَة) هَذَا تَصْرِيح مِنْ اِبْن شِهَاب أَنَّ أُمّ أَيْمَن أُمّ أُسَامَة بْن زَيْد حَبَشِيَّة وَكَذَا قَالَهُ الْوَاقِدِيُّ وَغَيْره، وَيُؤَيِّدهُ مَا ذَكَرَهُ بَعْض الْمُؤَرِّخِينَ أَنَّهَا كَانَتْ مِنْ سَبْي الْحَبَشَة أَصْحَاب الْفِيل، وَقِيلَ: إِنَّهَا لَمْ تَكُنْ حَبَشِيَّة، وَإِنَّمَا الْحَبَشِيَّة اِمْرَأَة أُخْرَى، وَاسْم أُمّ أَيْمَن الَّتِي هِيَ أُمّ أُسَامَة بَرَكَة، كُنِّيَتْ بِابْنِهَا أَيْمَن بْن عُبَيْد الْحَبَشِيّ صَحَابِيّ اُسْتُشْهِدَ يَوْم خَيْبَر، قَالَهُ الشَّافِعِيّ وَغَيْره، وَقَدْ سَبَقَ ذِكْر قِطْعَة مِنْ أَحْوَال أُمّ أَيْمَن فِي بَاب الْقَافَة.

✯✯✯✯✯✯

‏3319- قَوْله فِي قِصَّة أُمّ أَيْمَن (إِنَّهَا اِمْتَنَعَتْ مِنْ رَدّ تِلْكَ الْمَنَائِح حَتَّى عَوَّضَهَا عَشَرَة أَمْثَاله) إِنَّمَا فَعَلَتْ هَذَا لِأَنَّهَا ظَنَّتْ أَنَّهَا كَانَتْ هِبَة مُؤَبَّدَة وَتَمْلِيكًا لِأَصْلِ الرَّقَبَة، وَأَرَادَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِسْتِطَابَة قَلْبهَا فِي اِسْتِرْدَاد ذَلِكَ، فَمَا زَالَ يَزِيدهَا فِي الْعِوَض حَتَّى رَضِيَتْ، وَكُلّ هَذَا تَبَرُّع مِنْهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِكْرَام لَهَا، لِمَا لَهَا مِنْ حَقّ الْحَضَانَة وَالتَّرْبِيَة.

قَوْله: «وَاَللَّه لَا نُعْطِيكَاهُنَّ» هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَم النُّسَخ: «نُعْطِيكَاهُنَّ» بِالْأَلِفِ بَعْد الْكَاف، وَهُوَ صَحِيح، فَكَأَنَّهُ أَشْبَعَ فَتْحَة الْكَاف فَتَوَلَّدَتْ مِنْهَا أَلِف، وَفِي بَعْض النُّسَخ: «وَاَللَّه مَا نُعْطَاكَهُنَّ» وَفِي بَعْضهَا: «لَا نُعْطِيكَهُنَّ»، وَاَللَّه أَعْلَم.


 باب جواز قتال من نقض العهد وجواز انزال اهل الحصن على حكم حاكم عدل اهل للحكم


۞۞۞۞۞۞۞۞

كتاب الجهاد والسير ﴿ 21 ﴾ 

۞۞۞۞۞۞۞۞



تعليقات