باب استحباب مبايعة الامام الجيش عند ارادة القتال وبيان بيعة الرضوان تحت الشجرة
باب استحباب مبايعة الامام الجيش عند ارادة القتال وبيان بيعة الرضوان تحت الشجرة
3449- قَوْله: (كُنَّا يَوْم الْحُدَيْبِيَة أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ) وَفِي رِوَايَة: (أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ)، وَفِي رِوَايَة: (أَلْفًا وَثَلَاثَمِائَةٍ)، وَقَدْ ذَكَرَ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم هَذِهِ الرِّوَايَات الثَّلَاث فِي صَحِيحَيْهِمَا، وَأَكْثَر رِوَايَتهمَا أَلْف وَأَرْبَعُمِائَةٍ، وَكَذَا ذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ أَكْثَر رِوَايَات هَذَا الْحَدِيث أَلْفًا وَأَرْبَعمِائَةِ.
وَيُمْكِن أَنْ يُجْمَع بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُمْ كَانُوا أَرْبَعمِائَةِ وَكَسْرًا، فَمَنْ قَالَ: أَرْبَعمِائَةِ لَمْ يَعْتَبِر الْكَسْر، وَمَنْ قَالَ: خَمْسمِائَةِ اِعْتَبَرَهُ، وَمَنْ قَالَ: أَلْف وَثَلَاثمِائَةِ تَرَكَ بَعْضهمْ لِكَوْنِهِ لَمْ يُتْقِن الْعَدّ، أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ.
وَفِي رِوَايَة مُجَاشِع بْن مَسْعُود (الْبَيْعَة عَلَى الْهِجْرَة، وَالْبَيْعَة عَلَى الْإِسْلَام وَالْجِهَاد) وَفِي حَدِيث اِبْن عُمَر وَعُبَادَةَ (بَايَعْنَا عَلَى السَّمْع وَالطَّاعَة، وَأَلَّا نُنَازِع الْأَمْر أَهْله) وَفِي رِوَايَة عَنْ اِبْن عُمَر فِي غَيْر صَحِيح مُسْلِم الْبَيْعَة عَلَى الصَّبْر.
قَالَ الْعُلَمَاء: هَذِهِ الرِّوَايَة تَجْمَع الْمَعَانِي كُلّهَا، وَتُبَيِّنُ مَقْصُود كُلّ الرِّوَايَات، فَالْبَيْعَة عَلَى أَلَّا نَفِرّ مَعْنَاهُ: الصَّبْر حَتَّى نَظْفَر بِعَدُوِّنَا أَوْ نُقْتَل، وَهُوَ مَعْنَى الْبَيْعَة عَلَى الْمَوْت، أَيْ: نَصْبِر وَإِنْ آلَ بِنَا ذَلِكَ إِلَى الْمَوْت، لَا أَنَّ الْمَوْت مَقْصُود فِي نَفْسه، وَكَذَا الْبَيْعَة عَلَى الْجِهَاد أَيْ وَالصَّبْر فيه.
وَاَللَّه أَعْلَم.
وَكَانَ فِي أَوَّل الْإِسْلَام يَجِب عَلَى الْعَشَرَة مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَصْبِرُوا لِمِائَةٍ مِنْ الْكُفَّار وَلَا يَفِرُّوا مِنْهُمْ، وَعَلَى الْمِائَة الصَّبْر لِأَلْفِ كَافِر، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ، وَصَارَ الْوَاجِب مُصَابَرَة الْمِثْلَيْنِ فَقَطْ.
هَذَا مَذْهَبنَا وَمَذْهَب اِبْن عَبَّاس وَمَالِك وَالْجُمْهُور أَنَّ الْآيَة مَنْسُوخَة، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة وَطَائِفَة لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ، وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الْمُعْتَبَر مُجَرَّد الْعَدَد مِنْ غَيْر مُرَاعَاة الْقُوَّة وَالضَّعْف، أَمْ يُرَاعَى؟ وَالْجُمْهُور عَلَى أَنَّهُ لَا يُرَاعَى لِظَاهِرِ الْقُرْآن، وَأَمَّا حَدِيث عُبَادَةَ (بَايَعْنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَلَّا تُشْرِكُوا بِاَللَّهِ شَيْئًا، وَلَا تَسْرِقُوا إِلَى آخِره) فَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ فِي أَوَّل الْأَمْر فِي لَيْلَة الْعَقَبَة قَبْل الْهِجْرَة مِنْ مَكَّة وَقَبْل فَرْض الْجِهَاد.
✯✯✯✯✯✯
3454- قَوْله: (سَأَلْت جَابِرًا عَنْ أَصْحَاب الشَّجَرَة فَقَالَ: لَوْ كُنَّا مِائَة أَلْف لَكَفَانَا، كُنَّا أَلْفًا وَخَمْسمِائَةِ) هَذَا مُخْتَصَر مِنْ الْحَدِيث الصَّحِيح فِي بِئْر الْحُدَيْبِيَة، وَمَعْنَاهُ أَنَّ الصَّحَابَة لَمَّا وَصَلُوا الْحُدَيْبِيَة وَجَدُوا بِئْرهَا إِنَّمَا تَنِزّ مِثْل الشِّرَاك، فَسَبَقَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيها، وَدَعَا فيها بِالْبَرَكَةِ، فَجَاشَتْ، فَهِيَ إِحْدَى الْمُعْجِزَات لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَأَنَّ السَّائِل فِي هَذَا الْحَدِيث عَلِمَ أَصْل الْحَدِيث، وَالْمُعْجِزَة فِي تَكْثِير الْمَاء وَغَيْر ذَلِكَ مِمَّا جَرَى فيها، وَلَمْ يَعْلَم عَدَدهمْ، فَقَالَ جَابِر: كُنَّا أَلْفًا وَخَمْسمِائَةِ، وَلَوْ كُنَّا مِائَة أَلْف أَوْ أَكْثَر لَكَفَانَا، وَقَوْله فِي الرِّوَايَة الَّتِي قَبْل هَذِهِ (دَعَا عَلَى بِئْر الْحُدَيْبِيَة) أَيْ: دَعَا فيها بِالْبَرَكَةِ.
✯✯✯✯✯✯
3459- قَوْله فِي الشَّجَرَة: (إِنَّهَا خَفِيَ عَلَيْهِمْ مَكَانهَا فِي الْعَام الْمُقْبِل) قَالَ الْعُلَمَاء: سَبَب خَفَائِهَا أَلَّا يُفْتَتَن النَّاس بِهَا لِمَا جَرَى تَحْتهَا مِنْ الْخَيْر وَنُزُول الرِّضْوَان وَالسَّكِينَة، وَغَيْر ذَلِكَ، فَلَوْ بَقِيَتْ ظَاهِرَة مَعْلُومَة لَخِيفَ تَعْظِيم الْأَعْرَاب وَالْجُهَّال إِيَّاهَا وَعِبَادَتهمْ لَهَا، فَكَانَ خَفَاؤُهَا رَحْمَة مِنْ اللَّه تَعَالَى.
باب استحباب مبايعة الامام الجيش عند ارادة القتال وبيان بيعة الرضوان تحت الشجرة
۞۞۞۞۞۞۞۞
كتاب الإمارة ﴿ 17 ﴾
۞۞۞۞۞۞۞۞