باب الاستخلاف وتركه
باب الاستخلاف وتركه
3399- قَوْله: (رَاغِب وَرَاهِب) أَيْ: رَاجِح وَخَائِف، وَمَعْنَاهُ النَّاس صِنْفَانِ: أَحَدهمَا: يَرْجُو، وَالثَّانِي: يَخَاف.
أَيْ: رَاغِب فِي حُصُول شَيْء مِمَّا عِنْدِي، أَوْ رَاهِب مِنِّي، وَقِيلَ: أَرَادَ أَنِّي رَاغِب فِيمَا عِنْد اللَّه تَعَالَى، وَرَاهِب مِنْ عَذَابه، فَلَا أُعَوِّل عَلَى مَا أَتَيْتُمْ بِهِ عَلَيَّ، وَقِيلَ: الْمُرَاد الْخِلَافَة، أَيْ النَّاس فيها ضَرْبَانِ: رَاغِب فيها فَلَا أُحِبّ تَقْدِيمه لِرَغْبَتِهِ، وَكَارِه لَهَا فَأَخْشَى عَجْزه عَنْهَا.
قَوْله: (إِنْ أَسْتَخْلِفْ فَقَدْ اِسْتَخْلَفَ مَنْ هُوَ خَيْر مِنِّي إِلَى آخِره) حَاصِله: أَنَّ الْمُسْلِمِينَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْخَلِيفَة إِذَا حَضَرَتْهُ مُقَدِّمَات الْمَوْت، وَقَبْل ذَلِكَ يَجُوز لَهُ الِاسْتِخْلَاف، وَيَجُوز لَهُ تَرْكه، فَإِنْ تَرَكَهُ فَقَدْ اِقْتَدَى بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا، وَإِلَّا فَقَدْ اِقْتَدَى بِأَبِي بَكْر، وَأَجْمَعُوا عَلَى اِنْعِقَاد الْخِلَافَة بِالِاسْتِخْلَافِ، وَعَلَى اِنْعِقَادهَا بِعَقْدِ أَهْل الْحَلّ وَالْعَقْد لِإِنْسَانٍ إِذَا لَمْ يَسْتَخْلِف الْخَلِيفَة، وَأَجْمَعُوا عَلَى جَوَاز جَعْل الْخَلِيفَة الْأَمْر شُورَى بَيْن جَمَاعَة، كَمَا فَعَلَ عُمَر بِالسِّتَّةِ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ يَجِب عَلَى الْمُسْلِمِينَ نَصْب خَلِيفَة وَوُجُوبه بِالشَّرْعِ لَا بِالْعَقْلِ، وَأَمَّا مَا حُكِيَ عَنْ الْأَصَمّ أَنَّهُ قَالَ: لَا يَجِب، وَعَنْ غَيْره أَنَّهُ يَجِب بِالْعَقْلِ لَا بِالشَّرْعِ فَبَاطِلَانِ، أَمَّا الْأَصَمّ فَمَحْجُوج بِإِجْمَاعِ مَنْ قَبْله، وَلَا حُجَّة لَهُ فِي بَقَاء الصَّحَابَة بِلَا خَلِيفَة فِي مُدَّة التَّشَاوُر يَوْم السَّقِيفَة، وَأَيَّام الشُّورَى بَعْد وَفَاة عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ، لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا تَارِكِينَ لِنَصْبِ الْخَلِيفَة، بَلْ كَانُوا سَاعِينَ فِي النَّظَر فِي أَمْر مَنْ يُعْقَد لَهُ، وَأَمَّا الْقَائِل الْآخَر فَفَسَاد قَوْله ظَاهِر؛ لِأَنَّ الْعَقْل لَا يُوجِب شَيْئًا وَلَا يُحَسِّنهُ وَلَا يُقَبِّحهُ، وَإِنَّمَا يَقَع ذَلِكَ بِحَسَبِ الْعَادَة لَا بِذَاتِهِ.
وَفِي هَذَا الْحَدِيث: دَلِيل أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَنُصّ عَلَى خَلِيفَة، وَهُوَ إِجْمَاع أَهْل السُّنَّة وَغَيْرهَا، قَالَ الْقَاضِي: وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ بَكْر اِبْن أُخْت عَبْد الْوَاحِد فَزَعَمَ أَنَّهُ نَصَّ عَلَى أَبِي بَكْر، وَقَالَ اِبْن رَاوَنْدِيّ: نَصَّ عَلَى الْعَبَّاس، وَقَالَتْ الشِّيعَة وَالرَّافِضَة: عَلَى عَلِيّ، وَهَذِهِ دَعَاوَى بَاطِلَة، وَجَسَارَة عَلَى الِافْتِرَاء وَوَقَاحَة فِي مُكَابَرَة الْحِسّ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الصَّحَابَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى اِخْتِيَار أَبِي بَكْر وَعَلَى تَنْفِيذ عَهْده إِلَى عُمَر، وَعَلَى تَنْفِيذ عَهْد عُمَر بِالشُّورَى، وَلَمْ يُخَالِف فِي شَيْء مِنْ هَذَا أَحَد، وَلَمْ يَدَّعِ عَلِيّ وَلَا الْعَبَّاس وَلَا أَبُو بَكْر وَصِيَّة فِي وَقْت مِنْ الْأَوْقَات، وَقَدْ اِتَّفَقَ عَلِيّ وَالْعَبَّاس عَلَى جَمِيع هَذَا مِنْ غَيْر ضَرُورَة مَانِعَة مِنْ ذِكْر وَصِيَّة لَوْ كَانَتْ، فَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ كَانَ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ وَصِيَّة فَقَدْ نَسَبَ الْأُمَّة إِلَى اِجْتِمَاعهَا عَلَى الْخَطَأ، وَاسْتِمْرَارهَا عَلَيْهِ، وَكَيْف يَحِلّ لِأَحَدٍ مِنْ أَهْل الْقِبْلَة أَنْ يَنْسِب الصَّحَابَة إِلَى الْمُوَاطَأَة عَلَى الْبَاطِل فِي كُلّ هَذِهِ الْأَحْوَال؟!!، وَلَوْ كَانَ شَيْء لَنُقِلَ؛ فَإِنَّهُ مِنْ الْأُمُور الْمُهِمَّة.
✯✯✯✯✯✯
3400- قَوْله: (آلَيْت أَنْ أَقُولهَا) أَيْ حَلَفْت.
باب الاستخلاف وتركه
۞۞۞۞۞۞۞۞
كتاب الإمارة ﴿ 2 ﴾
۞۞۞۞۞۞
۞۞