باب تحليل الغنايم لهذه الامة خاصة
باب تحليل الغنايم لهذه الامة خاصة
3287- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «غَزَا نَبِيّ مِنْ الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِمْ السَّلَام فَقَالَ لِقَوْمِهِ: لَا يَتْبَعنِي رَجُل قَدْ مَلَكَ بُضْع اِمْرَأَة وَهُوَ يُرِيد أَنْ يَبْنِيَ بِهَا، وَلَمَّا يَبْنِ، وَلَا آخَر قَدْ بَنَى بُنْيَانًا وَلَمَّا يَرْفَع سَقْفهَا، وَلَا آخَر قَدْ اِشْتَرَى غَنَمًا أَوْ خَلِفَات وَهُوَ مُنْتَظِر وِلَادهَا»، أَمَّا (الْبُضْع) فَهُوَ بِضَمِّ الْبَاء، وَهُوَ فَرْج الْمَرْأَة.
وَأَمَّا (الْخَلِفَات) فَبِفَتْحِ الْخَاء الْمُعْجَمَة وَكَسْر اللَّام وَهِيَ الْحَوَامِل.
وَفِي هَذَا الْحَدِيث أَنَّ الْأُمُور الْمُهِمَّة يَنْبَغِي أَنْ لَا تُفَوَّض إِلَّا إِلَى أُولِي الْحَزْم وَفَرَاغ الْبَال لَهَا، وَلَا تُفَوَّض إِلَى مُتَعَلِّق الْقَلْب بِغَيْرِهَا، لِأَنَّ ذَلِكَ يُضْعِف عَزْمه، وَيُفَوِّت كَمَال بَذْل وُسْعه فيه.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَغَزَا فَأَدْنَى لِلْقَرْيَةِ حِين صَلَاة الْعَصْر» هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيع النُّسَخ (فَأَدْنَى) بِهَمْزَةِ قَطْع، قَالَ الْقَاضِي: كَذَا هُوَ فِي جَمِيع النُّسَخ (فَأَدْنَى) رُبَاعِيّ إِمَّا أَنْ يَكُون تَعْدِيَة لِدَنَى.
أَيْ قَرُبَ فَمَعْنَاهُ: أَدْنَى جُيُوشه وَجُمُوعه لِلْقَرْيَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُون (أَدْنَى) بِمَعْنَى حَانَ أَيْ قَرُبَ فَتْحهَا، مِنْ قَوْلهمْ: أَدْنَتْ النَّاقَة إِذَا حَانَ نِتَاجهَا، وَلَمْ يَقُولُوهُ فِي غَيْر النَّاقَة.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَقَالَ لِلشَّمْسِ: أَنْتِ مَأْمُورَة وَأَنَا مَأْمُور، وَاَللَّهُمَّ اِحْبِسْهَا عَلَيَّ شَيْئًا فَحُبِسَتْ عَلَيْهِ حَتَّى فَتَحَ اللَّه الْقَرْيَة» قَالَ الْقَاضِي: اُخْتُلِفَ فِي حَبْس الشَّمْس الْمَذْكُور هُنَا، فَقِيلَ: رُدَّتْ عَلَى أَدْرَاجهَا، وَقِيلَ: وُقِفَتْ وَلَمْ تُرَدّ، وَقِيلَ: أُبْطِئَ بِحَرَكَتِهَا، وَكُلّ ذَلِكَ مِنْ مُعْجِزَات النُّبُوَّة.
قَالَ: وَيُقَال: إِنَّ الَّذِي حُبِسَتْ عَلَيْهِ الشَّمْس يُوشَع بْن نُون قَالَ الْقَاضِي رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ نَبِيّنَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُبِسَتْ لَهُ الشَّمْس مَرَّتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا يَوْم الْخَنْدَق حِين شُغِلُوا عَنْ صَلَاة الْعَصْر حَتَّى غَرَبَتْ فَرَدَّهَا اللَّه عَلَيْهِ حَتَّى صَلَّى الْعَصْر، ذَكَرَ ذَلِكَ الطَّحَاوِيُّ، وَقَالَ: رُوَاته ثِقَات.
وَالثَّانِيَة: صَبِيحَة الْإِسْرَاء حِين اِنْتَظَرَ الْعِير الَّتِي أَخْبَرَ بِوُصُولِهَا مَعَ شُرُوق الشَّمْس، ذَكَرَهُ يُونُس بْن بُكَيْرٍ فِي زِيَادَته عَلَى سِيرَة اِبْن إِسْحَاق.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَجَمَعُوا مَا غَنِمُوا فَأَقْبَلَتْ النَّار لِتَأْكُلَهُ فَأَبَتْ أَنْ تَطْعَمَهُ فَقَالَ: فِيكُمْ غُلُول» هَذِهِ كَانَتْ عَادَة الْأَنْبِيَاء- صَلَوَات اللَّه وَسَلَامه عَلَيْهِمْ- فِي الْغَنَائِم أَنْ يَجْمَعُوهَا فَتَجِيء نَار مِنْ السَّمَاء فَتَأْكُلهَا، فَيَكُون ذَلِكَ عَلَامَة لِقَبُولِهَا، وَعَدَم الْغُلُول، فَلَمَّا جَاءَتْ فِي هَذِهِ الْمَرَّة فَأَبَتْ أَنْ تَأْكُلَهَا عَلِمَ أَنَّ فيهمْ غُلُولًا، فَلَمَّا رَدُّوهُ جَاءَتْ فَأَكَلَتْهَا، وَكَذَلِكَ كَانَ أَمْر قُرْبَانهمْ إِذَا تُقُبِّلَ جَاءَتْ نَار مِنْ السَّمَاء فَأَكَلَتْهُ.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَوَضَعُوهُ فِي الْمَال وَهُوَ بِالصَّعِيدِ» يَعْنِي: وَجْه الْأَرْض.
وَفِي هَذَا الْحَدِيث: إِبَاحَة الْغَنَائِم لِهَذِهِ الْأُمَّة زَادَهَا اللَّه شَرَفًا، وَأَنَّهَا مُخْتَصَّة بِذَلِكَ.
وَاَللَّه أَعْلَم.
باب تحليل الغنايم لهذه الامة خاصة
۞۞۞۞۞۞۞۞
كتاب الجهاد والسير ﴿ 11 ﴾
۞۞
۞۞۞۞۞۞