باب من فضائل عثمان بن عفان رضي الله عنه
باب من فضائل عثمان بن عفان رضي الله عنه
4414- قَوْلهَا: «كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُضْطَجَعَا فِي بَيْته، كَاشِفًا عَنْ فَخِذَيْهِ أَوْ سَاقَيْهِ، فَاسْتَأْذَنَ أَبُو بَكْر، فَأَذِنَ لَهُ، وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الْحَال إِلَى آخِره» هَذَا الْحَدِيث مِمَّا يَحْتَجُّ بِهِ الْمَالِكِيَّة وَغَيْرهمْ مِمَّنْ يَقُول: لَيْسَتْ الْفَخِذُ عَوْرَةً.
وَفِي هَذَا الْحَدِيث جَوَازُ تَدَلُّل الْعَالِم وَالْفَاضِل بِحَضْرَةِ مَنْ يَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ فُضَلَاء أَصْحَابه، وَاسْتِحْبَاب تَرْك ذَلِكَ إِذَا حَضَرَ غَرِيب أَوْ صَاحِب يَسْتَحْيِ مِنْهُ.
قَوْله: «دَخَلَ أَبُو بَكْر فَلَمْ تَهْتَشَّ لَهُ وَلَمْ تُبَالِهِ» هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيع نُسَخ بِلَادنَا: «تَهْتَشُّ» بِالتَّاءِ بَعْد الْهَاء، وَفِي بَعْض النُّسَخ الطَّارِئَة بِحَذْفِهَا، وَكَذَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَعَلَى هَذَا فَالْهَاء مَفْتُوحَة، يُقَال: هَشَّ يَهَشّ، كَشَمَّ يَشَمُّ.
وَأَمَّا الْهَشّ الَّذِي هُوَ خَبْطُ الْوَرَق مِنْ الشَّجَر، فَيُقَال مِنْهُ: هَشَّ يَهُشُّ بِضَمِّهَا.
قَالَ اللَّه تَعَالَى: {وَأَهُشُّ بِهَا} قَالَ أَهْل اللُّغَة: الْهَشَاشَة وَالْبَشَاشَة بِمَعْنَى طَلَاقَة الْوَجْه وَحُسْن اللِّقَاء.
وَمَعْنَى: «لَمْ تُبَالِهِ» لَمْ تَكْتَرِثْ بِهِ، وَتَحْتَفِلْ لِدُخُولِهِ قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا أَسْتَحْي مِنْ رَجُل تَسْتَحْيِي مِنْهُ الْمَلَائِكَة» هَكَذَا هُوَ فِي الرِّوَايَة: «أَسْتَحْي» بِيَاءٍ وَاحِدَةٍ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا.
قَالَ أَهْل اللُّغَة: يُقَال اِسْتَحْيِي يَسْتَحْيِي بِيَاءَيْنِ، وَاسْتَحَى يَسْتَحْيِ بِيَاءٍ وَاحِدَةٍ، لُغَتَانِ، الْأُولَى أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ، وَبِهَا جَاءَ الْقُرْآن.
وَفيه فَضِيلَةٌ ظَاهِرَةٌ لِعُثْمَان وَجَلَالَته عِنْد الْمَلَائِكَة، وَأَنَّ الْحَيَاءَ صِفَةٌ جَمِيلَةٌ مِنْ صِفَات الْمَلَائِكَة.
✯✯✯✯✯✯
4415- قَوْله: «لَابِس مِرْط عَائِشَة» هُوَ بِكَسْرِ الْمِيم، وَهُوَ كِسَاء مِنْ صُوف.
وَقَالَ الْخَلِيل: كِسَاء مِنْ صُوف أَوْ كَتَّان أَوْ غَيْره.
وَقَالَ اِبْن الْأَعْرَابِيّ وَأَبُو زَيْد: هُوَ الْإِزَار.
قَوْلهَا: «مَا لِي لَمْ أَرَك فَزِعْت لِأَبِي بَكْر وَعُمَر كَمَا فَزِعْت لِعُثْمَان» أَيْ اِهْتَمَمْت لَهُمَا، وَاحْتَفَلْت بِدُخُولِهِمَا.
هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيع نُسَخ بِلَادنَا: «فَزِعْت» بِالزَّايِ وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ، وَكَذَا حَكَاهُ الْقَاضِي عَنْ رِوَايَة الْأَكْثَرِينَ.
قَالَ: وَضَبَطَهُ بَعْضهمْ: فَرَغْت بِالرَّاءِ وَالْغَيْن الْمُعْجَمَة، وَهُوَ قَرِيب مِنْ مَعْنَى الْأَوَّل.
✯✯✯✯✯✯
4416- قَوْله: (عَنْ عُثْمَان بْن غِيَاث) هُوَ بَالِغَيْنِ الْمُعْجَمَة وَالثَّاء الْمُثَلَّثَة.
قَوْله: «فِي حَائِطٍ» هُوَ الْبُسْتَان.
قَوْله: «يَرْكُزُ بِعُودٍ» هُوَ بِضَمِّ الْكَاف أَيْ يَضْرِبُ بِأَسْفَلِهِ لِيُثَبِّتَهُ فِي الْأَرْض.
قَوْله: «اِسْتَفْتَحَ رَجُل فَقَالَ اِفْتَحْ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ» وَفِي رِوَايَة: «أَمَرَنِي أَنْ أَحْفَظَ الْبَاب»، وَفِي رِوَايَة: «لَأَكُوَنَنَّ بَوَّاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» يَحْتَمِلُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ أَنْ يَكُون بَوَّابًا فِي جَمِيع ذَلِكَ الْمَجْلِس لِيُبَشِّرَ هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورِينَ بِالْجَنَّةِ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِحِفْظِ الْبَاب أَوَّلًا إِلَى أَنْ يَقْضِيَ حَاجَتَهُ وَيَتَوَضَّأ؛ لِأَنَّهَا حَالَة يَسْتَتِر فيها، ثُمَّ حَفِظَ الْبَاب أَبُو مُوسَى مِنْ تِلْقَاء نَفْسه.
وَفيه فَضِيلَة هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة، وَأَنَّهُمْ مِنْ أَهْل الْجَنَّة، وَفَضِيلَة لِأَبِي مُوسَى، وَفيه جَوَاز الثَّنَاء عَلَى الْإِنْسَان فِي وَجْهه إِذَا أَمِنْت عَلَيْهِ فِتْنَة الْإِعْجَاب وَنَحْوه، وَفيه مُعْجِزَةٌ ظَاهِرَةٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِإِخْبَارِهِ بِقِصَّةِ عُثْمَان وَبِالْبَلْوَى، وَأَنَّ الثَّلَاثَة يَسْتَمِرُّونَ عَلَى الْإِيمَان وَالْهُدَى.
قَوْله: «وَاَللَّه الْمُسْتَعَان» فيه اِسْتِحْبَابه عِنْد مِثْل هَذَا الْحَال.
✯✯✯✯✯✯
4417- قَوْله: «فَخَرَجَ وَجَّهَ هَا هُنَا» الْمَشْهُور فِي الرِّوَايَة: «وَجَّهَ» بِتَشْدِيدِ الْجِيم، وَضَبَطَهُ بَعْضُهُمْ بِإِسْكَانِهَا، وَحَكَى الْقَاضِي الْوَجْهَيْنِ وَنَقَلَ الْأَوَّل عَنْ الْجُمْهُور، وَرَجَّحَ الثَّانِي لِوُجُودِ: «خَرَجَ» أَيْ قَصَدَ هَذِهِ الْجِهَة قَوْله: «جَلَسَ عَلَى بِئْر أَرِيسٍ وَتَوَسَّطَ قُفَّهَا» أَمَّا (أَرِيس) فَبِفَتْحِ الْهَمْزَة مَصْرُوف، وَأَمَّا (الْقُفُّ) فَبِضَمِّ الْقَاف، وَهُوَ حَافَّة الْبِئْر، وَأَصْله الْغَلِيظ الْمُرْتَفِع مِنْ الْأَرْض.
قَوْله: «عَلَى رِسْلك» بِكَسْرِ الرَّاء وَفَتْحهَا، لُغَتَانِ، الْكَسْر أَشْهَرُ، وَمَعْنَاهُ تَمَهَّلْ، وَتَأَنَّ، قَوْله فِي أَبِي بَكْر وَعُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا أَنَّهُمَا دَلَّيَا أَرْجُلهمَا فِي الْبِئْر كَمَا دَلَّاهُمَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيها هَذَا فَعَلَاهُ لِلْمُوَافَقَةِ، وَلِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي بَقَاء النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حَالَتِهِ وَرَاحَتِهِ، بِخِلَافِ مَا إِذَا لَمْ يَفْعَلَاهُ، فَرُبَّمَا اِسْتَحْيَا مِنْهُمَا، فَرَفَعَهُمَا.
وَفِي هَذَا دَلِيل لِلُّغَةِ الصَّحِيحَة أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ: دَلَّيْت الدَّلْو فِي الْبِئْر، وَدَلَّيْت رِجْلِي وَغَيْرهَا فيه كَمَا يُقَالُ: أَدْلَيْت.
قَالَ اللَّه تَعَالَى: {فَأَدْلَى دَلْوَهُ} وَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَ الْأَوَّلَ، وَهَذَا الْحَدِيث يَرُدُّ عَلَيْهِ.
قَوْله: «فَجَلَسَ وِجَاهَتَهُمْ» بِكَسْرِ الْوَاوِ وَضَمّهَا أَيْ قِبَالَتهمْ.
قَوْله: (قَالَ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب: فَأَوَّلْتهَا قُبُورهمْ) يَعْنِي أَنَّ الثَّلَاثَة دُفِنُوا فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ، وَعُثْمَان فِي مَكَانٍ بَائِنٍ عَنْهُمْ، وَهَذَا مِنْ بَاب الْفِرَاسَةِ الصَّادِقَة.
باب من فضائل عثمان بن عفان رضي الله عنه
۞۞۞۞۞۞۞۞
كتاب فضائل الصحابة ﴿ 4 ﴾
۞۞۞۞۞۞۞۞