باب فيمن يثنى عليه خير او شر من الموتى
باب فيمن يثنى عليه خير او شر من الموتى
1578- قَوْله: «مُرَّ بِجِنَازَةٍ فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا خَيْرًا فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ، وَمُرَّ بِجِنَازَةٍ فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا شَرًّا فَقَالَ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ، فَقَالَ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: فِدًى لَك أَبِي وَأُمِّي مُرَّ بِجِنَازَةٍ فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا خَيْرًا فَقُلْت: وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ، وَمُرَّ بِجِنَازَةٍ فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا شَرًّا فَقُلْت: وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ؟ فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْرًا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّة، وَمَنْ أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرًّا وَجَبَتْ لَهُ النَّار، أَنْتُمْ شُهَدَاء اللَّه فِي الْأَرْض، أَنْتُمْ شُهَدَاء اللَّه فِي الْأَرْض، أَنْتُمْ شُهَدَاء اللَّه فِي الْأَرْض» هَكَذَا وَقَعَ هَذَا الْحَدِيث فِي الْأُصُول: وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ ثَلَاث مَرَّات فِي الْمَوَاضِع الْأَرْبَعَة، وَأَنْتُمْ شُهَدَاء اللَّه فِي الْأَرْض ثَلَاث مَرَّات.
وَقَوْله فِي أَوَّله: «فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا خَيْرًا فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا شَرًّا» هَكَذَا هُوَ فِي بَعْض الْأُصُول (خَيْرًا وَشَرًّا) بِالنَّصْبِ وَهُوَ مَنْصُوب بِإِسْقَاطِ الْجَار أَيْ فَأُثْنِيَ بِخَيْرٍ وَبِشَرٍّ، وَفِي بَعْضهَا مَرْفُوع.
وَفِي هَذَا الْحَدِيث اِسْتِحْبَاب تَوْكِيد الْكَلَام الْمُهْتَمّ بِتَكْرَارِهِ لِيُحْفَظ، وَلِيَكُونَ أَبْلَغَ.
وَأَمَّا مَعْنَاهُ فَفيه قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ: أَحَدهمَا: أَنَّ هَذَا الثَّنَاء بِالْخَيْرِ لِمَنْ أَثْنَى عَلَيْهِ أَهْل الْفَضْل فَكَانَ ثَنَاؤُهُمْ مُطَابِقًا لِأَفْعَالِهِ فَيَكُون مِنْ أَهْل الْجَنَّة، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَلَيْسَ هُوَ مُرَادًا بِالْحَدِيثِ.
وَالثَّانِي: وَهُوَ الصَّحِيح الْمُخْتَار أَنَّهُ عَلَى عُمُومه وَإِطْلَاقه وَأَنَّ كُلّ مُسْلِم مَاتَ فَأَلْهَمَ اللَّه تَعَالَى النَّاس أَوْ مُعْظَمهمْ الثَّنَاء عَلَيْهِ كَانَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ مِنْ أَهْل الْجَنَّة، سَوَاء كَانَتْ أَفْعَاله تَقْتَضِي ذَلِكَ أَمْ لَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَفْعَاله تَقْتَضِيه فَلَا تُحَتَّمُ عَلَيْهِ الْعُقُوبَة، بَلْ هُوَ فِي خَطَر الْمَشِيئَة، فَإِذَا أَلْهَمَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ النَّاس الثَّنَاء عَلَيْهِ اِسْتَدْلَلْنَا بِذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى قَدْ شَاءَ الْمَغْفِرَة لَهُ، وَبِهَذَا تَظْهَر فَائِدَة الثَّنَاء.
وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَجَبَتْ وَأَنْتُمْ شُهَدَاء اللَّه» وَلَوْ كَانَ لَا يَنْفَعهُ ذَلِكَ إِلَّا أَنْ تَكُون أَعْمَاله تَقْتَضِيه لَمْ يَكُنْ لِلثَّنَاءِ فَائِدَة، وَقَدْ أَثْبَتَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ فَائِدَة.
فَإِنْ قِيلَ: كَيْف مُكِّنُوا بِالثَّنَاءِ بِالشَّرِّ مَعَ الْحَدِيث الصَّحِيح فِي الْبُخَارِيّ وَغَيْره فِي النَّهْي عَنْ سَبِّ الْأَمْوَات؟ فَالْجَوَاب: أَنَّ النَّهْي عَنْ سَبِّ الْأَمْوَات هُوَ فِي غَيْر الْمُنَافِق وَسَائِر الْكُفَّار، وَفِي غَيْر الْمُتَظَاهِر بِفِسْقٍ أَوْ بِدْعَة، فَأَمَّا هَؤُلَاءِ فَلَا يَحْرُم ذِكْرهمْ بِشَرٍّ لِلتَّحْذِيرِ مِنْ طَرِيقَتهمْ، وَمِنْ الِاقْتِدَاء بِآثَارِهِمْ وَالتَّخَلُّق بِأَخْلَاقِهِمْ، وَهَذَا الْحَدِيث مَحْمُول عَلَى أَنَّ الَّذِي أَثْنَوْا عَلَيْهِ شَرًّا كَانَ مَشْهُورًا بِنِفَاقٍ أَوْ نَحْوه مِمَّا ذَكَرْنَاهُ.
هَذَا هُوَ الصَّوَاب فِي الْجَوَاب عَنْهُ، وَفِي الْجَمْع بَيْنه وَبَيْن النَّهْي عَنْ السَّبّ، وَقَدْ بَسَطْت مَعْنَاهُ بِدَلَائِلِهِ فِي كِتَاب الْأَذْكَار.
قَوْله: «فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا شَرًّا» قَالَ أَهْل اللُّغَة (الثَّنَاء) بِتَقْدِيمِ الثَّاء وَبِالْمَدِّ يُسْتَعْمَل فِي الْخَيْر وَلَا يُسْتَعْمَل فِي الشَّرّ، هَذَا هُوَ الْمَشْهُور، وَفيه لُغَة شَاذَّة أَنَّهُ يُسْتَعْمَل فِي الشَّرّ أَيْضًا، وَأَمَّا النَّثَا بِتَقْدِيمِ النُّون وَبِالْقَصْرِ فَيُسْتَعْمَل فِي الشَّرّ خَاصَّة، وَإِنَّمَا اُسْتُعْمِلَ الثَّنَاء الْمَمْدُود هُنَا فِي الشَّرّ مَجَازًا لِتَجَانُسِ الْكَلَام كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ} وَ{مَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ}.
قَوْله: «فِدًى لَك» مَقْصُور بِفَتْحِ الْفَاء وَكَسْرهَا.
باب فيمن يثنى عليه خير او شر من الموتى
باب فيمن يثنى عليه خير او شر من الموتى