باب ربط الاسير وحبسه وجواز المن عليه
باب ربط الاسير وحبسه وجواز المن عليه
3310- قَوْله: «فَجَاءَ رَجُل مِنْ بَنِي حَنِيفَة يُقَال لَهُ ثُمَامَة بْن أُثَال فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سِوَارِي الْمَسْجِد» أَمَّا (أُثَال) فَبِضَمِّ الْهَمْزَة وَبِثَاءٍ مُثَلَّثَة وَهُوَ مَصْرُوف، وَفِي هَذَا جَوَاز رَبْط الْأَسِير وَحَبْسه، وَجَوَاز إِدْخَال الْمَسْجِدِ الْكَافِرَ، وَمَذْهَب الشَّافِعِيّ جَوَازه بِإِذْنِ مُسْلِم، سَوَاء كَانَ كَافِرًا كِتَابِيًّا أَوْ غَيْره، وَقَالَ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز وَقَتَادَةُ وَمَالِك: لَا يَجُوز، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: يَجُوز لِكِتَابِيٍّ دُون غَيْره.
وَاَللَّه أَعْلَم.
قَوْله: «إِنْ تَقْتُل تَقْتُل ذَا دَم» اِخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهُ، فَقَالَ الْقَاضِي عِيَاض فِي الْمَشَارِق وَأَشَارَ إِلَيْهِ فِي شَرْح مُسْلِم مَعْنَاهُ: إِنْ تَقْتُل تَقْتُل صَاحِب دَم لِدَمِهِ مَوْقِع يَشْتَفِي بِقَتْلِهِ قَاتِله، وَيُدْرِك قَاتِله بِهِ ثَأْره.
أَيْ: لِرِيَاسَتِهِ وَفَضِيلَته، وَحُذِفَ هَذَا لِأَنَّهُمْ يَفْهَمُونَهُ فِي عُرْفهمْ.
وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَاهُ تَقْتُل مَنْ عَلَيْهِ دَم وَمَطْلُوب بِهِ، وَهُوَ مُسْتَحَقّ عَلَيْهِ فَلَا عَتَب عَلَيْك فِي قَتْله.
وَرَوَاهُ بَعْضهمْ فِي سُنَن أَبِي دَاوُدَ وَغَيْره (ذَا ذَمّ) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة وَتَشْدِيد الْمِيم، أَيْ: ذَا ذِمَام وَحُرْمَة فِي قَوْمه، وَمَنْ إِذَا عَقَدَ ذِمَّة وَفَّى بِهَا، قَالَ الْقَاضِي: هَذِهِ الرِّوَايَة ضَعِيفَة لِأَنَّهَا تَقْلِب الْمَعْنَى، فَإِنَّ مَنْ لَهُ حُرْمَة لَا يَسْتَوْجِب الْقَتْل، قُلْت: وَيُمْكِن تَصْحِيحهَا عَلَى مَعْنَى التَّفْسِير الْأَوَّل، أَيْ: تَقْتُل رَجُلًا جَلِيلًا يَحْتَفِل قَاتِله بِقَتْلِهِ بِخِلَافِ مَا إِذَا قَتَلَ ضَعِيفًا مَهِينًا فَإِنَّهُ لَا فَضِيلَة فِي قَتْله وَلَا يُدْرِك بِهِ قَاتِله ثَأْره.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَطْلِقُوا ثُمَامَة» فيه: جَوَاز الْمَنّ عَلَى الْأَسِير، وَهُوَ مَذْهَبنَا وَمَذْهَب الْجُمْهُور.
قَوْله: «فَانْطَلَقَ إِلَى نَخْل قَرِيب مِنْ الْمَسْجِد فَاغْتَسَلَ» قَالَ أَصْحَابنَا: إِذَا أَرَادَ الْكَافِر الْإِسْلَام بَادَرَ بِهِ وَلَا يُؤَخِّرهُ لِلِاغْتِسَالِ، وَلَا يَحِلّ لِأَحَدٍ أَنْ يَأْذَن لَهُ فِي تَأْخِيره، بَلْ يُبَادِر بِهِ ثُمَّ يَغْتَسِل، وَمَذْهَبنَا: أَنَّ اِغْتِسَاله وَاجِب إِنْ كَانَ عَلَيْهِ جَنَابَة فِي الشِّرْك، سَوَاء كَانَ اِغْتَسَلَ مِنْهَا أَمْ لَا، وَقَالَ بَعْض أَصْحَابنَا: إِنْ كَانَ اِغْتَسَلَ أَجْزَأَهُ وَإِلَّا وَجَبَ، وَقَالَ بَعْض أَصْحَابنَا وَبَعْض الْمَالِكِيَّة: لَا غُسْل عَلَيْهِ وَسَقَطَ حُكْم الْجَنَابَة بِالْإِسْلَامِ كَمَا تَسْقُط الذُّنُوب، وَضَعَّفُوا هَذَا بِالْوُضُوءِ فَإِنَّهُ يَلْزَمهُ بِالْإِجْمَاعِ وَلَا يُقَال يَسْقُط أَثَر الْحَدَث بِالْإِسْلَامِ، هَذَا كُلّه إِذَا كَانَ أَجْنَبَ فِي الْكُفْر، أَمَّا إِذَا لَمْ يُجْنِب أَصْلًا ثُمَّ أَسْلَمَ فَالْغُسْل مُسْتَحَبّ لَهُ، وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ، هَذَا مَذْهَبنَا وَمَذْهَب مَالِك وَآخَرِينَ، وَقَالَ أَحْمَد وَآخَرُونَ: يَلْزَمهُ الْغُسْل.
قَوْله: «فَانْطَلَقَ إِلَى نَخْل قَرِيب مِنْ الْمَسْجِد» هَكَذَا هُوَ فِي الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم وَغَيْرهمَا (نَخْل) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة، وَتَقْدِيره: اِنْطَلَقَ إِلَى نَخْل فيه مَاء فَاغْتَسَلَ مِنْهُ، قَالَ الْقَاضِي: قَالَ بَعْضهمْ: صَوَابه (نَجْل) بِالْجِيمِ، وَهُوَ: الْمَاء الْقَلِيل الْمُنْبَعِث، وَقِيلَ: الْجَارِي، قُلْت: بَلْ الصَّوَاب الْأَوَّل؛ لِأَنَّ الرِّوَايَات صَحَّتْ بِهِ، وَلَمْ يُرْوَ إِلَّا هَكَذَا وَهُوَ صَحِيح، وَلَا يَجُوز الْعُدُول عَنْهُ.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا عِنْدك يَا ثُمَامَة؟» وَكَرَّرَ ذَلِكَ ثَلَاثَة أَيَّام.
هَذَا مِنْ تَأْلِيف الْقُلُوب وَمُلَاطَفَة لِمَنْ يُرْجَى إِسْلَامه مِنْ الْأَشْرَاف الَّذِينَ يَتْبَعهُمْ عَلَى إِسْلَامهمْ خَلْق كَثِير.
قَوْله: «وَإِنْ خَيْلك أَخَذَتْنِي وَأَنَا أُرِيدَ الْعُمْرَة فَمَاذَا تَرَى؟ فَبَشَّرَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْتَمِر» يَعْنِي: بَشَّرَهُ بِمَا حَصَلَ لَهُ مِنْ الْخَيْر الْعَظِيم بِالْإِسْلَامِ، وَأَنَّ الْإِسْلَام يَهْدِم مَا كَانَ قَبْله، وَأَمَّا أَمْره بِالْعُمْرَةِ فَاسْتِحْبَاب؛ لِأَنَّ الْعُمْرَة مُسْتَحَبَّة فِي كُلّ وَقْت لاسيما مِنْ هَذَا الشَّرِيف الْمُطَاع إِذَا أَسْلَمَ، وَجَاءَ مُرَاغِمًا لِأَهْلِ مَكَّة فَطَافَ وَسَعَى وَأَظْهَرَ إِسْلَامه وَأَغَاظَهُمْ بِذَلِكَ، وَاَللَّه أَعْلَم.
قَوْله: «قَالَ لَهُ قَائِل أَصَبَوْت؟» هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُول (أَصَبَوْت) وَهِيَ لُغَة وَالْمَشْهُور (أَصَبَأْت) بِالْهَمْزِ، وَعَلَى الْأَوَّل جَاءَ قَوْلهمْ.
الصُّبَاة كَقَاضٍ وَقُضَاة.
قَوْله فِي حَدِيث اِبْن الْمُثَنَّى: «إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: إِنْ تَقْتُلنِي تَقْتُل ذَا دَم» هَكَذَا فِي النُّسَخ الْمُحَقَّقَة (إِنْ تَقْتُلنِي) بِالنُّونِ وَالْيَاء فِي آخِرهَا، وَفِي بَعْضهَا بِحَذْفِهَا، وَهُوَ فَاسِد لِأَنَّهُ يَكُون حِينَئِذٍ مِثْل الْأَوَّل فَلَا يَصِحّ اِسْتِثْنَاؤُهُ.
باب ربط الاسير وحبسه وجواز المن عليه
۞۞۞۞۞۞۞۞
كتاب الجهاد والسير ﴿ 19 ﴾
۞۞
۞۞۞۞۞۞