📁 آخر الأخبار

باب فضل الصلاة بمسجدي مكة والمدينة

 

 باب فضل الصلاة بمسجدي مكة والمدينة

باب فضل الصلاة بمسجدي مكة والمدينة


2469- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَلَاة فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَل مِنْ أَلْف صَلَاة فِيمَا سِوَاهُ إِلَّا الْمَسْجِد الْحَرَام» اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي الْمُرَاد بِهَذَا الِاسْتِثْنَاء عَلَى حَسَب اِخْتِلَافهمْ فِي مَكَّة وَالْمَدِينَة أَيَّتهمَا أَفْضَل؟ وَمَذْهَب الشَّافِعِيّ وَجَمَاهِير الْعُلَمَاء: أَنَّ مَكَّة أَفْضَل مِنْ الْمَدِينَة، وَأَنَّ مَسْجِد مَكَّة أَفْضَل مِنْ مَسْجِد الْمَدِينَة، وَعَكَسَهُ مَالِك وَطَائِفَة، فَعِنْد الشَّافِعِيّ وَالْجُمْهُور مَعْنَاهُ: إِلَّا الْمَسْجِد الْحَرَام فَإِنَّ الصَّلَاة فيه أَفْضَل مِنْ الصَّلَاة فِي مَسْجِدِي.

وَعِنْد مَالِك وَمُوَافِقِيهِ: إِلَّا الْمَسْجِد الْحَرَام فَإِنَّ الصَّلَاة فِي مَسْجِدِي تَفْضُلهُ، بِدُونِ الْأَلْف، قَالَ الْقَاضِي عِيَاض: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَوْضِع قَبْره صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَل بِقَاعِ الْأَرْض، وَأَنَّ مَكَّة وَالْمَدِينَة أَفْضَل بِقَاعِ الْأَرْض.

 وَاخْتَلَفُوا فِي أَفْضَلهمَا مَا عَدَا مَوْضِع قَبْره صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ عُمَر وَبَعْض الصَّحَابَة وَمَالِك وَأَكْثَر الْمَدَنِيِّينَ: الْمَدِينَة أَفْضَل، وَقَالَ أَهْل مَكَّة وَالْكُوفَة وَالشَّافِعِيّ وَابْن وَهْب وَابْن حَبِيب الْمَالِكِيَّانِ: مَكَّة أَفْضَل، قُلْت: وَمِمَّا اِحْتَجَّ بِهِ أَصْحَابنَا لِتَفْضِيلِ مَكَّة حَدِيث عَبْد اللَّه بْن عَدِيّ بْن الْحَمْرَاء رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ وَاقِف عَلَى رَاحِلَته بِمَكَّة يَقُول: «وَاَللَّه إِنَّك لَخَيْر أَرْض اللَّه وَأَحَبّ أَرْض اللَّه إِلَى اللَّه، وَلَوْلَا أَنِّي أُخْرِجْت مِنْك مَا خَرَجْت» رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيُّ وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: هُوَ حَدِيث حَسَن صَحِيح، وَعَنْ عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ: «قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صَلَاة فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَل مِنْ أَلْف صَلَاة فِيمَا سِوَاهُ مِنْ الْمَسَاجِد إِلَّا الْمَسْجِد الْحَرَام وَصَلَاة فِي الْمَسْجِد الْحَرَام أَفْضَل مِنْ مِائَة صَلَاة فِي مَسْجِدِي» حَدِيث حَسَن رَوَاهُ أَحْمَد بْن حَنْبَل فِي مُسْنَده، وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرهمَا بِإِسْنَادٍ حَسَن.

 وَاَللَّه أَعْلَم.

وَاعْلَمْ أَنَّ مَذْهَبنَا أَنَّهُ لَا يَخْتَصّ هَذَا التَّفْضِيل بِالصَّلَاةِ فِي هَذَيْنِ الْمَسْجِدَيْنِ بِالْفَرِيضَةِ، بَلْ يَعُمّ الْفَرْض وَالنَّفْل جَمِيعًا وَبِهِ قَالَ مُطَرَّف مِنْ أَصْحَاب مَالِك، وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: يَخْتَصّ بِالْفَرْضِ، وَهَذَا مُخَالِف إِطْلَاق هَذِهِ الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة.

 وَاَللَّه أَعْلَم.

وَاعْلَمْ أَنَّ الصَّلَاة فِي مَسْجِد الْمَدِينَة تَزِيد عَلَى فَضِيلَة الْأَلْف فِيمَا سِوَاهُ إِلَّا الْمَسْجِد الْحَرَام؛ لِأَنَّهَا تُعَادِلُ الْأَلْف؛ بَلْ هِيَ زَائِدَة عَلَى الْأَلْف، كَمَا صُرِّحَتْ بِهِ هَذِهِ الْأَحَادِيث: «أَفْضَل مِنْ أَلْف صَلَاة» «وَخَيْر مِنْ أَلْف صَلَاة» وَنَحْوه، قَالَ الْعُلَمَاء: وَهَذَا فِيمَا يَرْجِع إِلَى الثَّوَاب، فَثَوَاب صَلَاة فيه يَزِيد عَلَى ثَوَاب أَلْف فِيمَا سِوَاهُ، وَلَا يَتَعَدَّى ذَلِكَ إِلَى الْإِجْزَاء عَنْ الْفَوَائِت، حَتَّى لَوْ كَانَ عَلَيْهِ صَلَاتَانِ فَصَلَّى فِي مَسْجِد الْمَدِينَة صَلَاة، لَمْ تُجْزِئهُ عَنْهُمَا، وَهَذَا لَا خِلَاف فيه.

 وَاَللَّه أَعْلَم.

وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْفَضِيلَة مُخْتَصَّة بِنَفْسِ مَسْجِده صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي كَانَ فِي زَمَانه دُون مَا زِيدَ فيه بَعْده، فَيَنْبَغِي أَنْ يَحْرِص الْمُصَلِّي عَلَى ذَلِكَ، وَيَتَفَطَّن لِمَا ذَكَرْتُهُ، وَقَدْ نَبَّهْتُ عَلَى هَذَا فِي كِتَاب الْمَنَاسِك، وَاَللَّه أَعْلَم.

✯✯✯✯✯✯

‏2474- قَوْله: وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَة بْن سَعِيد وَمُحَمَّد بْن رُمْح جَمِيعًا عَنْ اللَّيْث بْن سَعْد قَالَ قُتَيْبَة: حَدَّثَنَا لَيْث عَنْ نَافِع عَنْ إِبْرَاهِيم بْن عَبْد اللَّه بْن مَعْبَد عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ اِمْرَأَة اِشْتَكَتْ شَكْوَى فَقَالَتْ: إِنْ شَفَانِي اللَّه لَأَخْرُجَنَّ فَلَأُصَلِّيَنَّ فِي بَيْت الْمَقْدِس، وَذَكَرَ الْحَدِيث إِلَى أَنْ قَالَ: قَالَتْ مَيْمُونَة سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول: صَلَاة فيه أَفْضَل مِنْ أَلْف صَلَاة فِيمَا سِوَاهُ مِنْ الْمَسَاجِد إِلَّا مَسْجِد الْكَعْبَة» هَذَا الْحَدِيث مِمَّا أُنْكِر عَلَى مُسْلِم بِسَبَبِ إِسْنَاده، قَالَ الْحُفَّاظ ذِكْرُ اِبْن عَبَّاس فيه وَهْم، وَصَوَابه (عَنْ إِبْرَاهِيم بْن عَبْد اللَّه عَنْ مَيْمُونَة) هَكَذَا هُوَ الْمَحْفُوظ مِنْ رِوَايَة اللَّيْث وَابْن جُرَيْج عَنْ نَافِع عَنْ إِبْرَاهِيم بْن عَبْد اللَّه عَنْ مَيْمُونَة مِنْ غَيْر ذِكْر اِبْن عَبَّاس، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْبُخَارِيّ فِي صَحِيحه عَنْ اللَّيْث عَنْ نَافِع عَنْ إِبْرَاهِيم عَنْ مَيْمُونَة، وَلَمْ يَذْكُر اِبْن عَبَّاس، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي كِتَاب الْعِلَل: وَقَدْ رَوَاهُ بَعْضهمْ عَنْ اِبْن عَبَّاس عَنْ مَيْمُونَة، وَلَيْسَ يَثْبُت، وَقَالَ الْبُخَارِيّ فِي تَارِيخه الْكَبِير: إِبْرَاهِيم بْن عَبْد اللَّه بْن مَعْبَد بْن الْعَبَّاس بْن عَبْد الْمُطَّلِب عَنْ أَبِيهِ وَمَيْمُونَة، وَذَكَرَ حَدِيثه هَذَا مِنْ طَرِيق اللَّيْث وَابْن جُرَيْجٍ وَلَمْ يَذْكُر فيه اِبْن عَبَّاس، ثُمَّ قَالَ: وَقَالَ لَنَا الْمَكِّيّ عَنْ اِبْن جُرَيْجٍ: أَنَّهُ سَمِعَ نَافِعًا قَالَ: إِنَّ إِبْرَاهِيم بْن مَعْبَد حَدَّثَ أَنَّ اِبْن عَبَّاس حَدَّثَهُ عَنْ مَيْمُونَة، قَالَ الْبُخَارِيّ: وَلَا يَصِحّ فيه اِبْن عَبَّاس، قَالَ الْقَاضِي عِيَاض: قَالَ بَعْضهمْ صَوَابه إِبْرَاهِيم بْن عَبْد اللَّه بْن مَعْبَد بْن عَبَّاس أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ اِمْرَأَة اِشْتَكَتْ، قَالَ الْقَاضِي: وَقَدْ ذَكَرَ مُسْلِم قَبْل هَذَا فِي هَذَا الْبَاب حَدِيث عَبْد اللَّه عَنْ نَافِع عَنْ اِبْن عُمَر، وَحَدِيث مُوسَى الْجُهَنِيّ عَنْ نَافِع عَنْ اِبْن عُمَر، وَحَدِيث أَيُّوب عَنْ نَافِع عَنْ اِبْن عُمَر، وَهَذَا مِمَّا اِسْتَدْرَكَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَلَى مُسْلِم.

وَقَالَ: لَيْسَ بِمَحْفُوظٍ عَنْ أَيُّوب، وَعَلَّلَ الْحَدِيث عَنْ نَافِع بِذَلِكَ، وَقَالَ: قَدْ خَالَفَهُمْ اللَّيْث وَابْن جُرَيْجٍ فَرَوَيَاهُ عَنْ إِبْرَاهِيم بْن عَبْد اللَّه بْن مَعْبَد عَنْ مَيْمُونَة.

وَقَدْ ذَكَرَ مُسْلِم الرِّوَايَتَيْنِ وَلَمْ يَذْكُر الْبُخَارِيّ فِي صَحِيحه رِوَايَة نَافِع بِوَجْهٍ، وَقَدْ ذَكَرَ الْبُخَارِيّ فِي تَارِيخه رِوَايَة عَبْد اللَّه وَمُوسَى عَنْ نَافِع، قَالَ: وَالْأَوَّل أَصَحّ، يَعْنِي رِوَايَة إِبْرَاهِيم بْن عَبْد اللَّه عَنْ مَيْمُونَة كَمَا قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ.

 وَاَللَّه أَعْلَم.

قُلْت: وَيَحْتَمِل صِحَّة الرِّوَايَتَيْنِ جَمِيعًا كَمَا فَعَلَهُ مُسْلِم، وَلَيْسَ هَذَا الِاخْتِلَاف الْمَذْكُور مَانِعًا مِنْ ذَلِكَ، وَمَعَ هَذَا فَالْمَتْن صَحِيح بِلَا خِلَاف.

 وَاَللَّه أَعْلَم.

قَوْله: (عَنْ مَيْمُونَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا أَنَّهَا أَفْتَتْ اِمْرَأَة نَذَرَتْ الصَّلَاة فِي بَيْت الْمَقْدِس أَنْ تُصَلِّي فِي مَسْجِد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتَدَلَّتْ بِالْحَدِيثِ) هَذِهِ الدَّلَالَة ظَاهِرَة، وَهَذَا حُجَّة لِأَصَحّ الْأَقْوَال فِي مَذْهَبنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة، فَإِنَّهُ إِذَا نَذَرَ صَلَاة فِي مَسْجِد الْمَدِينَة أَوْ الْأَقْصَى هَلْ تَتَعَيَّن؟ فيه قَوْلَانِ، الْأَصَحّ: تَتَعَيَّن، فَلَا تُجْزِئهُ تِلْكَ الصَّلَاة فِي غَيْره، وَالثَّانِي: لَا تَتَعَيَّن بَلْ تُجْزِئهُ تِلْكَ الصَّلَاة حَيْثُ صَلَّى، فَإِذْ قُلْنَا تَتَعَيَّن فَنَذْرهَا فِي أَحَد هَذَيْنِ الْمَسْجِدَيْنِ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيهَا فِي الْآخَر، فَفيه ثَلَاثَة أَقْوَال: أَحَدهَا: يَجُوز، وَالثَّانِي لَا يَجُوز، وَالثَّالِث وَهُوَ الْأَصَحّ إِنْ نَذَرَهَا فِي الْأَقْصَى جَازَ الْعُدُول إِلَى مَسْجِد الْمَدِينَة دُون عَكْسه.

 وَاَللَّه أَعْلَم.


باب فضل الصلاة بمسجدي مكة والمدينة

تعليقات