باب ثبوت الجنة للشهيد
باب ثبوت الجنة للشهيد
3518- «قَالَ رَجُل: أَيْنَ أَنَا يَا رَسُول اللَّه إِنْ قُتِلْت؟ قَالَ: فِي الْجَنَّة فَأَلْقَى تَمَرَات كُنَّ فِي يَده ثُمَّ قَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ» فيه: ثُبُوت الْجَنَّة لِلشَّهِيدِ.
وَفيه: الْمُبَادَرَة بِالْخَيْرِ، وَأَنَّهُ لَا يُشْتَغَل عَنْهُ بِحُظُوظِ النُّفُوس.
✯✯✯✯✯✯
3519- قَوْله: (وَحَدَّثَنَا أَحْمَد بْن جَنَاب المِصِّيصِيّ) بِالْجِيمِ وَالنُّون، وَأَمَّا (المِصِّيصِيّ) فَبِكَسْرِ الْمِيم وَالصَّاد الْمُشَدَّدَة، وَيُقَال: بِفَتْحِ الْمِيم وَتَخْفِيف الصَّاد، وَجْهَانِ مَعْرُوفَانِ الْأَوَّل أَشْهَر، مَنْسُوب إِلَى الْمِصِّيصَة الْمَدِينَة الْمَعْرُوفَة.
قَوْله: (جَاءَ رَجُل مِنْ بَنِي النَّبِيت) هُوَ بِنُونٍ مَفْتُوحَة ثُمَّ بَاء مَكْسُورَة ثُمَّ مُثَنَّاة تَحْت سَاكِنَة ثُمَّ مُثَنَّاة فَوْق، وَهُمْ قَبِيلَة مِنْ الْأَنْصَار كَمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَاب.
✯✯✯✯✯✯
3520- قَوْله: «بَعَثَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُسَيْسَة عَيْنًا» هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيع النُّسَخ (بُسَيْسَة) بِبَاءٍ مُوَحَّدَة مَضْمُومَة، وَبِسِينَيْنِ مُهْمَلَتَيْنِ مَفْتُوحَتَيْنِ بَيْنهمَا يَاء مُثَنَّاة تَحْت سَاكِنَة، قَالَ الْقَاضِي: هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيع النُّسَخ، قَالَ: وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَأَصْحَاب الْحَدِيث، قَالَ: وَالْمَعْرُوف فِي كُتُب السِّيرَة (بَسْبَسَ) بِبَاءَيْنِ مُوَحَّدَتَيْنِ مَفْتُوحَتَيْنِ بَيْنهمَا سِين سَاكِنَة، وَهُوَ بَسْبَس بْن عَمْرو، وَيُقَال: اِبْن بِشْر مِنْ الْأَنْصَار مِنْ الْخَزْرَج، وَيُقَال: حَلِيف لَهُمْ، قُلْت: يَجُوز أَنْ يَكُون أَحَد اللَّفْظَيْنِ اِسْمًا لَهُ وَالْآخَر لَقَبًا.
وَقَوْله: (عَيْنًا) أَيْ مُتَجَسِّسًا وَرَقِيبًا.
قَوْله: (مَا صَنَعَتْ عِير أَبِي سُفْيَان) هِيَ: الدَّوَابّ الَّتِي تَحْمِل الطَّعَام وَغَيْره مِنْ الْأَمْتِعَة، قَالَ فِي الْمَشَارِق: الْعِير هِيَ الْإِبِل وَالدَّوَابّ تَحْمِل الطَّعَام وَغَيْره مِنْ التِّجَارَات، قَالَ: وَلَا تُسَمَّى عِيرًا إِلَّا إِذَا كَانَتْ كَذَلِكَ، وَقَالَ الْجَوْهَرِيّ فِي الصِّحَاح: الْعِير: الْإِبِل تَحْمِل الْمِيرَة، وَجَمْعهَا: عِيَرَات، بِكَسْرِ الْعَيْن وَفَتْح الْيَاء.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ لَنَا طَلِبَة فَمَنْ كَانَ ظَهْره حَاضِرًا فَلْيَرْكَبْ» هِيَ بِفَتْحِ الطَّاء وَكَسْر اللَّام، أَيْ: شَيْئًا نَطْلُبهُ.
و(الظَّهْر) الدَّوَابّ الَّتِي تُرْكَب.
قَوْله: «فَجَعَلَ رِجَال يَسْتَأْذِنُونَهُ فِي ظُهْرَانهمْ» هُوَ بِضَمِّ الظَّاء وَإِسْكَان الْهَاء، أَيْ: مَرْكُوبَاتهمْ.
فِي هَذَا: اِسْتِحْبَاب التَّوْرِيَة فِي الْحَرْب وَأَلَّا يُبَيِّن الْإِمَام جِهَة إِغَارَته وَإِغَارَة سَرَايَاهُ؛ لِئَلَّا يَشِيع ذَلِكَ فَيَحْذَرهُمْ الْعَدُوّ.
قَوْله: (فِي عُلُوّ الْمَدِينَة) بِضَمِّ الْعَيْن وَكَسْرهَا.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَتَقَدَّمَنَّ أَحَد مِنْكُمْ إِلَى شَيْء حَتَّى أَكُون أَنَا دُونه» أَيْ: قُدَّامه مُتَقَدِّمًا فِي ذَلِكَ الشَّيْء لِئَلَّا يَفُوت شَيْء مِنْ الْمَصَالِح الَّتِي لَا تَعْلَمُونَهَا.
قَوْله: (عُمَيْر بْن الْحُمَام) بِضَمِّ الْحَاء الْمُهْمَلَة وَتَخْفِيف الْمِيم.
قَوْله: (بَخٍ بَخٍ) فيه لُغَتَانِ: إِسْكَان الْخَاء وَكَسْرهَا مُنَوَّنًا، وَهِيَ: كَلِمَة تُطْلَق لِتَفْخِيمِ الْأَمْر وَتَعْظِيمه فِي الْخَيْر.
قَوْله: «لَا وَاللَّهُ يَا رَسُول اللَّه إِلَّا رَجَاءَة أَنْ أَكُون مِنْ أَهْلهَا» هَكَذَا هُوَ فِي أَكْثَر النُّسَخ الْمُعْتَمَدَة (رَجَاءَة) بِالْمَدِّ وَنَصْب التَّاء، وَفِي بَعْضهَا (رَجَاء) بِلَا تَنْوِينٍ، وَفِي بَعْضهَا بِالتَّنْوِينِ مَمْدُودَانِ بِحَذْفِ التَّاء، وَكُلّه صَحِيح مَعْرُوف فِي اللُّغَة، وَمَعْنَاهُ وَاللَّهُ مَا فَعَلْته لِشَيْءٍ إِلَّا لِرَجَاءِ أَنْ أَكُون مِنْ أَهْلهَا.
قَوْله: (فَأَخْرَجَ تَمَرَات مِنْ قَرَنه) هُوَ بِقَافٍ وَرَاء مَفْتُوحَتَيْنِ ثُمَّ نُون، أَيْ: جُعْبَة النُّشَّاب، وَوَقَعَ فِي بَعْض نُسَخ الْمَغَارِبَة فيه تَصْحِيف.
قَوْله: «لَئِنْ أَنَا حَيِيت حَتَّى آكُل تَمَرَاتِي هَذِهِ إِنَّهَا لَحَيَاة طَوِيلَة فَرَمَى بِمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ التَّمْر ثُمَّ قَاتَلَهُمْ حَتَّى قُتِلَ» فيه: جَوَاز الِانْغِمَار فِي الْكُفَّار، وَالتَّعَرُّض لِلشَّهَادَةِ، وَهُوَ جَائِز بِلَا كَرَاهَة عِنْد جَمَاهِير الْعُلَمَاء.
✯✯✯✯✯✯
3521- قَوْله: «وَهُوَ بِحَضْرَةِ الْعَدُوّ» هُوَ بِفَتْحِ الْحَاء وَضَمّهَا وَكَسْرهَا ثَلَاثَة لُغَات، وَيُقَال: أَيْضًا (بِحَضَرِ) بِفَتْحِ الْحَاء وَالضَّاد بِحَذْفِ الْهَاء.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَبْوَاب الْجَنَّة تَحْت ظِلَال السُّيُوف» قَالَ الْعُلَمَاء: مَعْنَاهُ: إِنَّ الْجِهَاد وَحُضُور مَعْرَكَة الْقِتَال طَرِيق إِلَى الْجَنَّة وَسَبَب لِدُخُولِهَا.
قَوْله: «كَسَرَ جَفْن سَيْفه» هُوَ بِفَتْحِ الْجِيم وَإِسْكَان الْفَاء وَبِالنُّونِ، وَهُوَ: غِمْده.
✯✯✯✯✯✯
3522- قَوْله: «وَكَانُوا بِالنَّهَارِ يَجِيئُونَ بِالْمَاءِ فَيَضَعُونَهُ فِي الْمَسْجِد» مَعْنَاهُ: يَضَعُونَهُ فِي الْمَسْجِد مُسَبَّلًا لِمَنْ أَرَادَ اِسْتِعْمَاله لِطَهَارَةٍ أَوْ شُرْب أَوْ غَيْرهمَا.
وَفيه: جَوَاز وَضْعه فِي الْمَسْجِد، وَقَدْ كَانُوا يَضَعُونَ أَيْضًا أَعْذَاق التَّمْر لِمَنْ أَرَادَهَا فِي الْمَسْجِد فِي زَمَن النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا خِلَاف فِي جَوَاز هَذَا وَفَضْله.
قَوْله: «وَيَحْتَطِبُونَ فَيَبِيعُونَهُ وَيَشْتَرُونَ بِهِ الطَّعَام لِأَهْلِ الصُّفَّة» أَصْحَاب الصُّفَّةِ هُمْ الْفُقَرَاء الْغُرَبَاء الَّذِينَ كَانُوا يَأْوُونَ إِلَى مَسْجِد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَتْ لَهُمْ فِي آخِره صُفَّة، وَهُوَ مَكَان مُنْقَطِع مِنْ الْمَسْجِد مُظَلَّل عَلَيْهِ يَبِيتُونَ فيه، قَالَهُ إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ وَالْقَاضِي، وَأَصْله مِنْ صُفَّة الْبَيْت، وَهِيَ شَيْء كَالظُّلَّةِ قُدَّامه.
فيه: فَضِيلَة الصَّدَقَة، وَفَضِيلَة الِاكْتِسَاب مِنْ الْحَلَال لَهَا.
وَفيه: جَوَاز الصُّفَّة فِي الْمَسْجِد، وَجَوَاز الْمَبِيت فيه بِلَا كَرَاهَة، وَهُوَ مَذْهَبنَا وَمَذْهَب الْجُمْهُور.
قَوْله: «اللَّهُمَّ بَلِّغْ عَنَّا نَبِيّنَا أَنَّا قَدْ لَقِينَاك فَرَضِينَا عَنْك وَرَضِيت عَنَّا» فيه: فَضِيلَة ظَاهِرَة لِلشُّهَدَاءِ، وَثُبُوت الرِّضَا مِنْهُمْ وَلَهُمْ، وَهُوَ مُوَافِق لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} قَالَ الْعُلَمَاء: رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ بِطَاعَتِهِمْ، وَرَضُوا عَنْهُ بِمَا أَكْرَمهمْ بِهِ وَأَعْطَاهُمْ إِيَّاهُ مِنْ الْخَيْرَات.
وَالرِّضَى مِنْ اللَّه تَعَالَى إِفَاضَة الْخَيْر وَالْإِحْسَان وَالرَّحْمَة، فَيَكُون مِنْ صِفَات الْأَفْعَال، وَهُوَ أَيْضًا بِمَعْنَى إِرَادَته، فَيَكُون مِنْ صِفَات الذَّات.
✯✯✯✯✯✯
3523- قَوْله: «لِيَرَانِي اللَّه مَا أَصْنَع» هَكَذَا هُوَ فِي أَكْثَر النُّسَخ (لِيَرَانِي) بِالْأَلِفِ، وَهُوَ صَحِيح، وَيَكُون (مَا أَصْنَع) بَدَلًا مِنْ الضَّمِير فِي (أَرَانِي) أَيْ لِيَرَى اللَّه مَا أَصْنَع، وَوَقَعَ فِي بَعْض النُّسَخ (لَيَرَيَنَّ اللَّه) بِيَاءٍ بَعْد الرَّاء ثُمَّ نُون مُشَدَّدَة، وَهَكَذَا وَقَعَ فِي صَحِيح الْبُخَارِيّ، وَعَلَى هَذَا ضَبَطُوهُ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدهمَا (لَيَرَيَنَّ) بِفَتْحِ الْيَاء وَالرَّاء، أَيْ: يَرَاهُ اللَّه وَاقِعًا بَارِزًا.
وَالثَّانِي (لَيُرِيَنَّ) بِضَمِّ الْيَاء وَكَسْر الرَّاء، وَمَعْنَاهُ: لَيُرِيَنَّ اللَّه النَّاس مَا صَنَعَهُ وَيُبْرِزهُ اللَّه تَعَالَى لَهُمْ.
قَوْله: «فَهَابَ أَنْ يَقُول غَيْرهَا» مَعْنَاهُ: أَنَّهُ اِقْتَصَرَ عَلَى هَذِهِ اللَّفْظَة الْمُبْهَمَة، أَيْ: قَوْله: «لَيَرَيَنَّ اللَّه مَا أَصْنَع» مَخَافَة أَنْ يُعَاهِد اللَّه عَلَى غَيْرهَا فَيَعْجَز عَنْهُ، أَوْ تَضْعُف بِنْيَته عَنْهُ، أَوْ نَحْو ذَلِكَ، وَلِيَكُونَ إِبْرَاء لَهُ مِنْ الْحَوْل وَالْقُوَّة.
قَوْله: «وَاهًا لِرِيحِ الْجَنَّة أَجِدهُ دُون أُحُد» قَالَ الْعُلَمَاء: (وَاهًا) كَلِمَة تَحَنُّن وَتَلَهُّف.
قَوْله: «أَجِدهُ دُون أُحُد» مَحْمُول عَلَى ظَاهِره، وَأَنَّ اللَّه تَعَالَى أَوْجَدَهُ رِيحهَا مِنْ مَوْضِع الْمَعْرَكَة، وَقَدْ ثَبَتَتْ الْأَحَادِيث أَنَّ رِيحهَا تُوجَد مِنْ مَسِيرَة خَمْسمِائَةِ عَام.
باب ثبوت الجنة للشهيد
۞۞۞۞۞۞۞۞
كتاب الإمارة ﴿ 38 ﴾
۞۞۞۞۞۞۞۞