باب رجم اليهود اهل الذمة في الزنا
باب رجم اليهود اهل الذمة في الزنا
3211- قَوْله: «أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِيَهُودِيٍّ وَيَهُودِيَّة قَدْ زَنَيَا إِلَى قَوْله: فَرُجِمَا» فِي هَذَا دَلِيل لِوُجُوبِ حَدّ الزِّنَا عَلَى الْكَافِر، وَأَنَّهُ يَصِحّ نِكَاحه لِأَنَّهُ لَا يَجِب الرَّجْم إِلَّا عَلَى مُحْصَن، فَلَوْ لَمْ يَصِحّ نِكَاحه لَمْ يَثْبُت إِحْصَانه، وَلَمْ يُرْجَم، وَفيه أَنَّ الْكُفَّار مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرْع وَهُوَ الصَّحِيح، وَقِيلَ: لَا يُخَاطَبُونَ بِهَا، وَقِيلَ: إِنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِالنَّهْيِ دُون الْأَمْر.
قَالَ: وَإِنَّمَا رَجَمَهُمَا لِأَنَّهُمَا لَمْ يَكُونَا أَهْل ذِمَّة، وَهَذَا تَأْوِيل بَاطِل، لِأَنَّهُمَا كَانَا مِنْ أَهْل الْعَهْد، وَلِأَنَّهُ رَجَمَ الْمَرْأَة، وَالنِّسَاء لَا يَجُوز قَتْلهنَّ مُطْلَقًا.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَقَالَ مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاة؟» قَالَ الْعُلَمَاء: هَذَا السُّؤَال لَيْسَ لِتَقْلِيدِهِمْ وَلَا لِمَعْرِفَةِ الْحُكْم مِنْهُمْ، فَإِنَّمَا هُوَ لِإِلْزَامِهِمْ بِمَا يَعْتَقِدُونَهُ فِي كِتَابهمْ، وَلَعَلَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أُوحِيَ إِلَيْهِ أَنَّ الرَّجْم فِي التَّوْرَاة الْمَوْجُودَة فِي أَيْدِيهمْ لَمْ يُغَيِّرُوهُ كَمَا غَيَّرُوا أَشْيَاء، أَوْ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ، وَلِهَذَا لَمْ يَخَفْ ذَلِكَ عَلَيْهِ حِين كَتَمُوهُ.
قَوْله: «نُسَوِّد وُجُوههمَا وَنَحْمِلهُمَا» هَكَذَا هُوَ فِي أَكْثَر النُّسَخ: «نَحْمِلهُمَا» بِالْحَاءِ وَاللَّام، وَفِي بَعْضهَا: «نُجَمِّلهَا» بِالْجِيمِ، وَفِي بَعْضهَا: «نُحَمِّمهُمَا» بِمِيمَيْنِ وَكُلّه مُتَقَارِب، فَمَعْنَى الْأَوَّل: نَحْمِلهُمَا عَلَى الْحَمْل، وَمَعْنَى الثَّانِي: نُجَمِّلهُمَا جَمِيعًا عَلَى الْجَمَل، وَمَعْنَى الثَّالِث: نُسَوِّد وُجُوههمَا بِالْحُمَمِ- بِضَمِّ الْحَاء وَفَتْح الْمِيم- وَهُوَ الْفَحْم، وَهَذَا الثَّالِث ضَعِيف؛ لِأَنَّهُ قَالَ قَبْله: نُسَوِّد وُجُوههمَا، فَإِنْ قِيلَ: كَيْف رُجِمَ الْيَهُودِيَّانِ بِالْبَيِّنَةِ أَمْ بِالْإِقْرَارِ؟ قُلْنَا: الظَّاهِر أَنَّهُ بِالْإِقْرَارِ، وَقَدْ جَاءَ فِي سُنَن أَبِي دَاوُدَ وَغَيْره أَنَّهُ شَهِدَ عَلَيْهِمَا أَرْبَعَة أَنَّهُمْ رَأَوْا ذَكَرَهُ فِي فَرْجهَا، فَإِنْ صَحَّ هَذَا فَإِنْ كَانَ الشُّهُود مُسْلِمِينَ فَظَاهِر، وَإِنْ كَانُوا كُفَّارًا فَلَا اِعْتِبَار بِشَهَادَتِهِمْ، وَيَتَعَيَّن أَنَّهُمَا أَقَرَّا بِالزِّنَا.
✯✯✯✯✯✯
3213- قَوْله: «رَجَمَ رَجُلًا مِنْ الْيَهُود وَامْرَأَته» أَيْ صَاحِبَته الَّتِي زَنَى بِهَا وَلَمْ يُرِدْ زَوْجَته، وَفِي رِوَايَة: «وَامْرَأَة».
✯✯✯✯✯✯
3215- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا زَنَتْ أَمَة أَحَدكُمْ فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا: فَلْيَجْلِدْهَا الْحَدّ وَلَا يُثَرِّب عَلَيْهَا» التَّثْرِيب: التَّوْبِيخ وَاللَّوْم عَلَى الذَّنْب، وَمَعْنَى تَبَيَّنَ زِنَاهَا: تَحَقَّقَهُ إِمَّا بِالْبَيِّنَةِ وَإِمَّا بِرُؤْيَةٍ أَوْ عِلْم عِنْد مَنْ يَجُوز الْقَضَاء بِالْعِلْمِ فِي الْحُدُود.
وَفِي هَذَا الْحَدِيث دَلِيل عَلَى وُجُوب حَدّ الزِّنَا عَلَى الْإِمَاء وَالْعَبِيد.
وَفيه: أَنَّ السَّيِّد يُقِيم الْحَدّ عَلَى عَبْده وَأَمَته، وَهَذَا مَذْهَبنَا وَمَذْهَب مَالِك وَأَحْمَد وَجَمَاهِير الْعُلَمَاء مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدهمْ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فِي طَائِفَة: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَهَذَا الْحَدِيث صَرِيح فِي الدَّلَالَة لِلْجُمْهُورِ، وَفيه دَلِيل عَلَى أَنَّ الْعَبْد وَالْأَمَة لَا يُرْجَمَانِ، سَوَاء كَانَا مُزَوَّجَيْنِ أَمْ لَا، لِقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَلْيَجْلِدْهَا الْحَدّ» وَلَمْ يُفَرِّق بَيْن مُزَوَّجَة وَغَيْرهَا، وَفيه أَنَّهُ لَا يُوَبَّخ الزَّانِي، بَلْ يُقَام عَلَيْهِ الْحَدّ فَقَطْ.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنْ زَنَتْ فَلْيَجْلِدْهَا الْحَدّ وَلَا يُثَرِّب عَلَيْهَا، ثُمَّ إِنْ زَنَتْ الثَّالِثَة فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا فَلْيَبِعْهَا وَلَوْ بِحَبْلٍ مِنْ شَعْر» فيه: أَنَّ الزَّانِي إِذَا حُدَّ ثُمَّ زَنَى ثَانِيًا يَلْزَمهُ حَدٌّ آخَر، فَإِنْ زَنَى ثَالِثَة لَزِمَهُ حَدّ آخَر، فَإِنْ حُدَّ ثُمَّ زَنَى لَزِمَهُ حَدّ آخَر، وَهَكَذَا أَبَدًا، فَأَمَّا إِذَا زَنَى مَرَّات وَلَمْ يُحَدّ لِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ فَيَكْفيه حَدّ وَاحِد لِلْجَمِيعِ.
وَفيه تَرْك مُخَالَطَة الْفُسَّاق وَأَهْل الْمَعَاصِي وَفِرَاقهمْ، وَهَذَا الْبَيْع الْمَأْمُور بِهِ مُسْتَحَبّ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عِنْدنَا وَعِنْد الْجُمْهُور، وَقَالَ دَاوُدُ وَأَهْل الظَّاهِر: هُوَ وَاجِب.
وَفيه جَوَاز بَيْع الشَّيْء النَّفِيس بِثَمَنٍ حَقِير، وَهَذَا مُجْمَع عَلَيْهِ إِذَا كَانَ الْبَائِع عَالِمًا بِهِ، فَإِنْ كَانَ جَاهِلًا فَكَذَلِكَ عِنْدنَا وَعِنْد الْجُمْهُور، وَلِأَصْحَابِ مَالِك فيه خِلَاف.
وَاللَّهُ أَعْلَم.
وَهَذَا الْمَأْمُور بِهِ يَلْزَم صَاحِبه أَنْ يُبَيِّن حَالهَا لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ عَيْب، وَالْإِخْبَار بِالْعَيْبِ وَاجِب، فَإِنْ قِيلَ: كَيْف يَكْرَه شَيْئًا وَيَرْتَضِيه لِأَخِيهِ الْمُسْلِم؟ فَالْجَوَاب: لَعَلَّهَا تَسْتَعِفّ عِنْد الْمُشْتَرِي بِأَنْ يُعِفّهَا بِنَفْسِهِ أَوْ يَصُونَهَا بِهَيْبَتِهِ أَوْ بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهَا وَالتَّوْسِعَة عَلَيْهَا أَوْ يُزَوِّجهَا أَوْ غَيْر ذَلِكَ.
وَاللَّهُ أَعْلَم.
✯✯✯✯✯✯
3216- قَوْله: قَرَأْت عَلَى مَالِك عَنْ اِبْن شِهَاب عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه عَنْ أَبِي هُرَيْرَة: «أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ الْأَمَة إِذَا زَنَتْ وَلَمْ تُحْصَن قَالَ: إِنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا» وَفِي الْحَدِيث الْآخَر (أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّه عَنْهُ خَطَبَ فَقَالَ: يَا أَيّهَا النَّاس أَقِيمُوا عَلَى أَرِقَّائِكُمْ الْحَدّ مَنْ أُحْصِنَ مِنْهُمْ، وَمَنْ لَمْ يُحْصَن).
قَالَ الطَّحَاوِيُّ: وَفِي الرِّوَايَة الْأُولَى لَمْ يَذْكُر أَحَد مِنْ الرُّوَاة قَوْله: «وَلَمْ يُحْصَن» غَيْر مَالِك، وَأَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى تَضْعِيفهَا، وَأَنْكَرَ الْحُفَّاظ هَذَا عَلَى الطَّحَاوِيِّ، قَالُوا: بَلْ رَوَى هَذِهِ اللَّفْظَة أَيْضًا اِبْن عُيَيْنَةَ وَيَحْيَى بْن سَعِيد عَنْ اِبْن شِهَاب كَمَا قَالَ مَالِك، فَحَصَلَ أَنَّ هَذِهِ اللَّفْظَة صَحِيحَة، وَلَيْسَ فيها حُكْم مُخَالِف؛ لِأَنَّ الْأَمَة تُجْلَد نِصْف جَلْد الْحُرَّة سَوَاء كَانَتْ الْأَمَة مُحْصَنَة بِالتَّزْوِيجِ أَمْ لَا.
وَفِي هَذَا الْحَدِيث بَيَان مَنْ لَمْ يُحْصَن، وَقَوْله تَعَالَى: {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَات مِنْ الْعَذَاب} فيه بَيَان مَنْ أُحْصِنَتْ فَحَصَلَ مِنْ الْآيَة الْكَرِيمَة وَالْحَدِيث بَيَان أَنَّ الْأَمَة الْمُحْصَنَة بِالتَّزْوِيجِ وَغَيْر الْمُحْصَنَة تُجْلَد، وَهُوَ مَعْنَى مَا قَالَهُ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ وَخَطَبَ النَّاس بِهِ، فَإِنْ قِيلَ: فَمَا الْحِكْمَة فِي التَّقْيِيد فِي قَوْله تَعَالَى: {فَإِذَا أُحْصِنَّ} مَعَ أَنَّ عَلَيْهَا نِصْف جَلْد الْحُرَّة، سَوَاء كَانَتْ الْأَمَة مُحْصَنَة أَمْ لَا؟ فَالْجَوَاب أَنَّ الْآيَة نَبَّهَتْ عَلَى أَنَّ الْأَمَة وَإِنْ كَانَتْ مُزَوَّجَة لَا يَجِب عَلَيْهَا إِلَّا نِصْف جَلْد الْحُرَّة، لِأَنَّهُ الَّذِي يَنْتَصِف، وَأَمَّا الرَّجْم فَلَا يَنْتَصِف، فَلَيْسَ مُرَادًا فِي الْآيَة بِلَا شَكٍّ فَلَيْسَ لِلْأَمَةِ الْمُزَوَّجَة الْمَوْطُوءَة فِي النِّكَاح حُكْم الْحُرَّة الْمَوْطُوءَة فِي النِّكَاح، فَبَيَّنَتْ الْآيَة هَذَا لِئَلَّا يُتَوَهَّم أَنَّ الْأَمَة الْمُزَوَّجَة تُرْجَم، وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهَا لَا تُرْجَم، وَأَمَّا غَيْر الْمُزَوَّجَة فَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ عَلَيْهَا نِصْف جَلْد الْمُزَوَّجَة بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَة مِنْهَا حَدِيث مَالِك هَذَا، وَبَاقِي الرِّوَايَات الْمُطْلَقَة إِذَا زَنَتْ أَمَة أَحَدكُمْ فَلْيَجْلِدْهَا، وَهَذَا يَتَنَاوَل الْمُزَوَّجَة وَغَيْرهَا.
وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ وُجُوب نِصْف الْجَلْد عَلَى الْأَمَة سَوَاء كَانَتْ مُزَوَّجَة أَمْ لَا، هُوَ مَذْهَب الشَّافِعِيّ وَمَالِك وَأَبِي حَنِيفَة وَأَحْمَد وَجَمَاهِير عُلَمَاء الْأَمَة، وَقَالَ جَمَاعَة مِنْ السَّلَف: لَا حَدَّ عَلَى مَنْ لَمْ تَكُنْ مُزَوَّجَة مِنْ الْإِمَاء وَالْعَبِيد؛ مِمَّنْ قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَطَاوُسٌ وَعَطَاء وَابْن جُرَيْجٍ وَأَبُو عُبَيْدَة.
باب رجم اليهود اهل الذمة في الزنا
۞۞۞۞۞۞۞۞
كتاب الحدود ﴿ 6 ﴾
۞۞۞۞۞۞۞۞