باب في غسل الميت
باب في غسل الميت
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اِغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ أَكْثَر مِنْ ذَلِكَ إِنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ»، وَفِي رِوَايَة: «ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا أَوْ أَكْثَر مِنْ ذَلِكَ إِنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ»، وَفِي رِوَايَة: «اِغْسِلْنَهَا وِتْرًا ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا».
وَفِي رِوَايَة: «اِغْسِلْنَهَا وِتْرًا خَمْسًا أَوْ أَكْثَر».
هَذِهِ الرِّوَايَات مُتَّفِقَة فِي الْمَعْنَى، وَإِنْ اِخْتَلَفَتْ أَلْفَاظهَا، وَالْمُرَاد: اِغْسِلْنَهَا وِتْرًا، وَلْيَكُنْ ثَلَاثًا، فَإِنْ اِحْتَجْتُنَّ إِلَى زِيَادَة عَلَيْهَا لِلْإِنْقَاءِ فَلْيَكُنْ خَمْسًا، فَإِنْ اِحْتَجْتُنَّ إِلَى زِيَادَة الْإِنْقَاء فَلْيَكُنْ سَبْعًا، وَهَكَذَا أَبَدًا.
وَحَاصِله أَنَّ الْإِيتَار مَأْمُور بِهِ وَالثَّلَاث مَأْمُور بِهَا نَدْبًا، فَإِنْ حَصَلَ الْإِنْقَاء بِثَلَاثٍ لَمْ تُشْرَع الرَّابِعَة، وَإِلَّا زِيدَ حَتَّى يَحْصُل الْإِنْقَاء، وَيُنْدَب كَوْنهَا وِتْرًا.
وَأَصْل غُسْل الْمَيِّت فَرْض كِفَايَة، وَكَذَا حَمْله وَكَفَنه وَالصَّلَاة عَلَيْهِ وَدَفْنه كُلّهَا فُرُوض كِفَايَة، وَالْوَاجِب فِي الْغُسْل مَرَّة وَاحِدَة عَامَّة لِلْبَدَنِ، هَذَا مُخْتَصَر الْكَلَام فيه.
✯✯✯✯✯✯
1557- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكِ» بِكَسْرِ الْكَاف خِطَاب لِأُمِّ عَطِيَّة، وَمَعْنَاهُ: إِنْ اِحْتَجْتُنَّ، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ التَّخْيِير وَتَفْوِيض ذَلِكَ إِلَى شَهْوَتهنَّ، وَكَانَتْ أُمّ عَطِيَّة غَاسِلَة لِلْمَيِّتَاتِ، وَكَانَتْ مِنْ فَاضِلَات الصَّحَابِيَّات أَنْصَارِيَّة.
وَاسْمهَا نُسَيْبَةُ بِضَمِّ النُّون، وَقِيلَ: بِفَتْحِهَا، وَأَمَّا بِنْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الَّتِي غَسَّلَتْهَا فَهِيَ زَيْنَب رَضِيَ اللَّه عَنْهَا هَكَذَا قَالَهُ الْجُمْهُور، قَالَ الْقَاضِي عِيَاض: وَقَالَ بَعْض أَهْل السِّيَر: إِنَّهَا أُمّ كُلْثُوم، وَالصَّوَاب: زَيْنَب، كَمَا صَرَّحَ بِهِ مُسْلِم فِي رِوَايَته الَّتِي بَعْد هَذِهِ.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بِمَاءٍ وَسِدْر» فيه دَلِيل عَلَى اِسْتِحْبَاب السِّدْر فِي غُسْل الْمَيِّت، وَهُوَ مُتَّفَق عَلَى اِسْتِحْبَابه، وَيَكُون فِي الْمَرَّة الْوَاجِبَة.
وَقِيلَ: يَجُوز فيهمَا.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَاجْعَلْنَ فِي الْآخِرَة كَافُورًا أَوْ شَيْئًا مِنْ كَافُور» فيه: اِسْتِحْبَاب شَيْء مِنْ الْكَافُور فِي الْأَخِيرَة، وَهُوَ مُتَّفَق عَلَيْهِ عِنْدنَا، وَبِهِ قَالَ مَالِك وَأَحْمَد وَجُمْهُور الْعُلَمَاء، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة: لَا يُسْتَحَبّ، وَحُجَّة الْجُمْهُور هَذَا الْحَدِيث؛ وَلِأَنَّهُ يُطَيِّب الْمَيِّت، وَيُصَلِّب بَدَنه وَيُبَرِّدهُ، وَيَمْنَع إِسْرَاع فَسَاده، أَوْ يَتَضَمَّن إِكْرَامه.
قَوْلهَا: «فَأَلْقَى إِلَيْنَا حِقْوَهُ فَقَالَ: أَشْعِرْنَهَا إِيَّاهُ» هُوَ بِكَسْرِ الْحَاء وَفَتْحهَا لُغَتَانِ، يَعْنِي: إِزَاره.
وَأَصْل الْحِقْو مَعْقِد الْإِزَار وَجَمْعه، أَحْقٍ وَحِقِيٌّ، وَسُمِّيَ بِهِ الْإِزَار مَجَازًا؛ لِأَنَّهُ يُشَدّ فيه.
وَمَعْنَى: «أَشْعِرْنَهَا إِيَّاهُ» اِجْعَلْنَهُ شِعَارًا لَهَا، وَهُوَ الثَّوْب الَّذِي يَلِي الْجَسَد، سُمِّيَ شِعَارًا؛ لِأَنَّهُ يَلِي شَعْر الْجَسَد، وَالْحِكْمَة فِي إِشْعَارهَا بِهِ تَبْرِيكهَا بِهِ.
فَفيه التَّبَرُّك بِآثَارِ الصَّالِحِينَ وَلِبَاسهمْ.
وَفيه: جَوَاز تَكْفِين الْمَرْأَة فِي ثَوْب الرَّجُل.
✯✯✯✯✯✯
1558- قَوْلهَا: «فَمَشَطْنَاهَا ثَلَاثَة قُرُون» أَيْ: ثَلَاث ضَفَائِر، جَعَلْنَا قَرْنَيْهَا ضَفِيرَتَيْنِ وَنَاصِيَتهَا ضَفِيرَة كَمَا جَاءَ مُبَيَّنًا فِي غَيْر هَذِهِ الرِّوَايَة.
وَمَشَطْنَاهَا بِتَخْفِيفِ الشِّين.
فيه: اِسْتِحْبَاب مَشْط رَأْس الْمَيِّت وَضَفْره، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيّ وَأَحْمَد وَإِسْحَاق، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَالْكُوفِيُّونَ: لَا يُسْتَحَبّ الْمَشْط وَلَا الضَّفْر، بَلْ يُرْسَل الشَّعْر عَلَى جَانِبَيْهَا مُفَرَّقًا.
وَدَلِيلنَا عَلَيْهِ الْحَدِيث، وَالظَّاهِر إِطْلَاع النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ وَاسْتِئْذَانه فيه كَمَا فِي بَاقِي صِفَة غُسْلهَا.
✯✯✯✯✯✯
1559- سبق شرحه بالباب.
✯✯✯✯✯✯
1560- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اِبْدَأْنَ بِمَيَامِنِهَا وَمَوَاضِع الْوُضُوء مِنْهَا» فيه اِسْتِحْبَاب تَقْدِيم الْمَيَامِن فِي غَسْل الْمَيِّت وَسَائِر الطِّهَارَات، وَيَلْحَق بِهَا أَنْوَاع الْفَضَائِل.
وَالْأَحَادِيث فِي هَذَا الْمَعْنَى كَثِيرَة فِي الصَّحِيح مَشْهُورَة.
وَفيه: اِسْتِحْبَاب وُضُوء الْمَيِّت، وَهُوَ مَذْهَبنَا وَمَذْهَب مَالِك وَالْجُمْهُور، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة: لَا يُسْتَحَبّ، وَيَكُون الْوُضُوء عِنْدنَا فِي أَوَّل الْغُسْل، كَمَا فِي وُضُوء الْجُنُب.
وَفِي حَدِيث أُمّ عَطِيَّة هَذَا دَلِيل لِأَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ عِنْدنَا: أَنَّ النِّسَاء أَحَقُّ بِغُسْلِ الْمَيِّتَة مِنْ زَوْجهَا، وَقَدْ تَمْنَع دَلَالَته حَتَّى يَتَحَقَّق أَنَّ زَوْج زَيْنَب كَانَ حَاضِرًا فِي وَقْت وَفَاتهَا لَا مَانِع لَهُ مِنْ غُسْلهَا، وَأَنَّهُ لَمْ يُفَوِّض الْأَمْر إِلَى النِّسْوَة.
وَمَذْهَبنَا وَمَذْهَب الْجُمْهُور أَنَّ لَهُ غُسْل زَوْجَته، وَقَالَ الشَّعْبِيّ وَالثَّوْرِيّ وَأَبُو حَنِيفَة: لَا يَجُوز لَهُ غُسْلهَا، وَأَجْمَعُوا أَنَّ لَهَا غُسْل زَوْجهَا، وَاسْتَدَلَّ بَعْضهمْ بِهَذَا الْحَدِيث عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِب الْغُسْل عَلَى مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا، وَوَجْه الدَّلَالَة أَنَّهُ مَوْضِع تَعْليم، فَلَوْ وَجَبَ لَعَلِمَهُ.
وَمَذْهَبنَا وَمَذْهَب الْجُمْهُور: أَنَّهُ لَا يَجِب الْغُسْل مِنْ غُسْل الْمَيِّت لَكِنْ يُسْتَحَبّ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: لَا أَعْلَم أَحَدًا قَالَ بِوُجُوبِهِ، وَأَوْجَبَ أَحْمَد وَإِسْحَاق الْوُضُوء مِنْهُ، وَالْجُمْهُور عَلَى اِسْتِحْبَابه، وَلَنَا وَجْه شَاذّ أَنَّهُ وَاجِب، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَالْحَدِيث الْمَرْوِيّ فيه مِنْ رِوَايَة أَبِي هُرَيْرَة: «مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا فَلْيَغْتَسِلْ وَمَنْ مَسَّهُ فَلْيَتَوَضَّأْ» ضَعِيف بالِاتِّفَاقِ.
باب في غسل الميت باب في غسل الميت باب في غسل الميت باب في غسل الميت باب في غسل الميت باب في غسل الميت باب في غسل الميت باب في غسل الميت