باب فضيلة الخل والتادم به
باب فضيلة الخل والتادم به
3823- حَدِيث عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «نِعْمَ الْإِدَام أَوْ الْأُدُم الْخَلّ» وَفِي رِوَايَة: «نِعْمَ الْأُدُم» بِلَا شَكّ.
وَعَنْ جَابِر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَ أَهْله الْأُدُم فَقَالُوا: «مَا عِنْدنَا إِلَّا خَلّ فَدَعَا بِهِ، فَجَعَلَ يَأْكُل بِهِ وَيَقُول: نِعْمَ الْأُدُم الْخَلّ» وَذَكَرَهُ مِنْ طُرُق أُخْرَى بِزِيَادَةٍ.
فِي الْحَدِيث فَضِيلَة الْخَلّ، وَأَنَّهُ يُسَمَّى أُدُمًا، وَأَنَّهُ أُدُم فَاضِل جَيِّد.
قَالَ أَهْل اللُّغَة: الْإِدَام بِكَسْرِ الْهَمْزَة مَا يُؤْتَدَم بِهِ، يُقَال: أَدَمَ الْخُبْز يَأْدِمهُ بِكَسْرِ الدَّال، وَجَمْع الْإِدَام أُدُم بِضَمِّ الْهَمْزَة وَالدَّال، كَإِهَابٍ وَأُهُب، وَكِتَاب وَكُتُب.
وَالْأَدْم بِإِسْكَانِ الدَّال مُفْرَد كَالْإِدَامِ.
وَفيه اِسْتِحْبَاب الْحَدِيث عَلَى الْأَكْل تَأْنِيسًا لِلْآكِلِينَ.
وَأَمَّا مَعْنَى الْحَدِيث فَقَالَ الْخَطَّابِيُّ وَالْقَاضِي عِيَاض: مَعْنَاهُ مَدْح الِاقْتِصَار فِي الْمَأْكَل وَمَنْع النَّفْس مِنْ مَلَاذّ الْأَطْعِمَة.
تَقْدِيره اِئْتَدِمُوا بِالْخَلِّ وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِمَّا تَخِفّ مُؤْنَته، وَلَا يَعِزّ وُجُوده، وَلَا تَتَأَنَّقُوا فِي الشَّهَوَات، فَإِنَّهَا مَفْسَدَة لِلدِّينِ، مَسْقَمَة لِلْبَدَنِ.
هَذَا كَلَام الْخَطَّابِيّ وَمَنْ تَابَعَهُ.
وَالصَّوَاب الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُجْزَم بِهِ أَنَّهُ مَدْح لِلْخَلِّ نَفْسه، وَأَمَّا الِاقْتِصَار فِي الْمَطْعَم وَتَرْك الشَّهَوَات فَمَعْلُوم مِنْ قَوَاعِد أُخَر.
وَاللَّه أَعْلَم.
قَوْله فِي الْإِسْنَاد: (يَحْيَى بْن صَالِح الْوُحَاظِيّ) هُوَ بِضَمِّ الْوَاو وَتَخْفِيف الْحَاء الْمُهْمَلَة، وَبِالظَّاءِ الْمُعْجَمَة مَنْسُوب إِلَى وُحَاظَة قَبِيلَة مِنْ حِمْيَر، هَكَذَا ضَبَطَهُ الْجُمْهُور، وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاض عَنْ شُيُوخهمْ.
قَالَ: وَقَالَ أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ: هُوَ بِفَتْحِ الْوَاو.
✯✯✯✯✯✯
3824- سبق شرحه بالباب.
✯✯✯✯✯✯
3825- وَأَمَّا قَوْل جَابِر: «فَمَا زِلْت أُحِبّ الْخَلّ مُنْذُ سَمِعْتهَا مِنْ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» فَهُوَ كَقَوْلِ أَنَس: «مَا زِلْت أُحِبّ الدُّبَّاء»، وَقَدْ سَبَقَ بَيَانه، وَهَذَا مِمَّا يُؤَيِّد مَا قُلْنَاهُ فِي مَعْنَى الْحَدِيث أَنَّهُ مَدْح لِلْخَلِّ نَفْسه، وَقَدْ ذَكَرْنَا مَرَّات أَنَّ تَأْوِيل الرَّاوِي إِذَا لَمْ يُخَالِف الظَّاهِر يَتَعَيَّن الْمَصِير إِلَيْهِ، وَالْعَمَل بِهِ عِنْد جَمَاهِير الْعُلَمَاء مِنْ الْفُقَهَاء وَالْأُصُولِيِّينَ، وَهَذَا كَذَلِكَ، بَلْ تَأْوِيل الرَّاوِي هُنَا هُوَ ظَاهِر اللَّفْظ، فَيَتَعَيَّن اِعْتِمَاده.
وَاللَّه أَعْلَم.
قَوْله: «أَخَذَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِي، فَأَخْرَجَ إِلَيْهِ فَلَقًا مِنْ خُبْز» هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُول: فَأَخْرَجَ إِلَيْهِ فَلَقًا، وَهُوَ صَحِيح، وَمَعْنَاهُ أَخْرَجَ الْخَادِم وَنَحْوه فَلَقًا وَهِيَ الْكَسْر.
✯✯✯✯✯✯
3826- قَوْله: «فَأَخَذَ بِيَدِي» فيه جَوَاز أَخْذ الْإِنْسَان بِيَدِ صَاحِبه فِي تَمَاشِيهِمَا.
قَوْله: «فَدَخَلْت الْحِجَاب عَلَيْهَا» مَعْنَاهُ دَخَلْت الْحِجَاب إِلَى الْمَوْضِع الَّذِي فيه الْمَرْأَة، وَلَيْسَ فيه أَنَّهُ رَأَى بَشَرَتهَا.
قَوْله: «فَأَتَى بِثَلَاثَةِ أَقْرِصَة فَوُضِعْنَ عَلَى نَبِيّ» هَكَذَا هُوَ فِي أَكْثَر الْأُصُول: (نَبِيّ) بِنُونِ مَفْتُوحَة ثُمَّ بَاء مُوَحَّدَة مَكْسُورَة ثُمَّ يَاء مُثَنَّاة تَحْت مُشَدَّدَة، وَفَسَّرُوهُ بِمَائِدَةٍ مِنْ خُوص، وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاض عَنْ كَثِير مِنْ الرُّوَاة أَوْ الْأَكْثَرِينَ أَنَّهُ (بَتِّيّ) بِبَاءٍ مُوَحَّدَة مَفْتُوحَة، ثُمَّ مُثَنَّاة فَوْق مَكْسُورَة مُشَدَّدَة، ثُمَّ يَاء مُثَنَّاة مِنْ تَحْت مُشَدَّدَة.
و(الْبَتّ) كِسَاء مِنْ وَبَر أَوْ صُوف.
فَلَعَلَّهُ مِنْدِيل وُضِعَ عَلَيْهِ هَذَا الطَّعَام.
قَالَ: وَرَوَاهُ بَعْضهمْ بِضَمِّ الْبَاء وَبَعْدهَا نُون مَكْسُورَة مُشَدَّدَة قَالَ الْقَاضِي الْكِنَانِيّ: هَذَا هُوَ الصَّوَاب، وَهُوَ طَبَق مِنْ خُوص.
قَوْله: «إِنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى بِثَلَاثَةِ أَقْرِصَة، فَجَعَلَ قُدَّامه قُرْصًا وَقُدَّامِي قُرْصًا، وَكَسَرَ الثَّالِث فَوَضَعَ نِصْفه بَيْن يَدَيْهِ وَنِصْفه بَيْن يَدَيَّ» فيه اِسْتِحْبَاب مُوَاسَاة الْحَاضِرِينَ عَلَى الطَّعَام، وَأَنَّهُ يُسْتَحَبّ جَعْل الْخُبْز وَنَحْوه بَيْن أَيْدِيهمْ بِالسَّوِيَّةِ، وَأَنَّهُ لَا بَأْس بِوَضْعِ الْأَرْغِفَة وَالْأَقْرَاص صِحَاحًا غَيْر مَكْسُورَة.
باب فضيلة الخل والتادم به
۞۞۞۞۞۞۞۞
كتاب الأشربة ﴿ 23 ﴾
۞۞۞۞۞۞۞۞