📁 آخر الأخبار

باب فضيلة الامام العادل وعقوبة الجاير والحث على الرفق بالرعية والنهي عن ادخال المشقة عليهم

 

 باب فضيلة الامام العادل وعقوبة الجاير والحث على الرفق بالرعية والنهي عن ادخال المشقة عليهم

 باب فضيلة الامام العادل وعقوبة الجاير والحث على الرفق بالرعية والنهي عن ادخال المشقة عليهم


3406- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الْمُقْسِطِينَ عِنْد اللَّه عَلَى مَنَابِر مِنْ نُور عَنْ يَمِين الرَّحْمَن، وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِين، الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمهمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وَلُوا» أَمَّا قَوْله: (وَلُوا) فَبِفَتْحِ الْوَاو وَضَمّ اللَّام الْمُخَفَّفَة، أَيْ كَانَتْ لَهُمْ عَلَيْهِ وِلَايَة، وَالْمُقْسِطُونَ هُمْ الْعَادِلُونَ، وَقَدْ فَسَّرَهُ فِي آخِر الْحَدِيث، وَالْإِقْسَاط وَالْقِسْط بِكَسْرِ الْقَاف الْعَدْل، يُقَال: أَقْسَطَ إِقْسَاطًا فَهُوَ مُقْسِط إِذَا عَدَلَ، قَالَ اللَّه تَعَالَى: {وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّه يُحِبّ الْمُقْسِطِينَ} وَيُقَال: يَقْسِط- بِفَتْحِ الْيَاء وَكَسْر السِّين- قُسُوطًا وَقَسْطًا- بِفَتْحِ الْقَاف- فَهُوَ قَاسِط، وَهُمْ قَاسِطُونَ: إِذَا جَارُوا، قَالَ اللَّه تَعَالَى: {وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا} وَأَمَّا الْمَنَابِر فَجَمْع مِنْبَر سُمِّيَ بِهِ لِارْتِفَاعِهِ، قَالَ الْقَاضِي: يَحْتَمِل أَنْ يَكُونُوا عَلَى مَنَابِر حَقِيقِيَّة، عَلَى ظَاهِر الْحَدِيث، وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون كِنَايَة عَنْ الْمَنَازِل الرَّفِيعَة، قُلْت: الظَّاهِر الْأَوَّل، وَيَكُون مُتَضَمِّنًا لِلْمَنَازِلِ الرَّفِيعَة فَهُمْ عَلَى مَنَابِر حَقِيقِيَّة وَمَنَازِلهمْ رَفِيعَة، أَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَنْ يَمِين الرَّحْمَن» فَهُوَ مِنْ أَحَادِيث الصِّفَات، وَقَدْ سَبَقَ فِي أَوَّل هَذَا الشَّرْح بَيَان اِخْتِلَاف الْعُلَمَاء فيها، وَأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ نُؤْمِن بِهَا وَلَا نَتَكَلَّم فِي تَأْوِيله، وَلَا نَعْرِف مَعْنَاهُ، لَكِنْ نَعْتَقِد أَنَّ ظَاهِرهَا غَيْر مُرَاد، وَأَنَّ لَهَا مَعْنًى يَلِيق بِاَللَّهِ تَعَالَى، وَهَذَا مَذْهَب جَمَاهِير السَّلَف وَطَوَائِف مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ.

 وَالثَّانِي أَنَّهَا تُؤَوَّل عَلَى مَا يَلِيق بِهَا، وَهَذَا قَوْل أَكْثَر الْمُتَكَلِّمِينَ، وَعَلَى هَذَا قَالَ الْقَاضِي عِيَاض رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: الْمُرَاد بِكَوْنِهِمْ عَنْ الْيَمِين الْحَالَة الْحَسَنَة وَالْمَنْزِلَة الرَّفِيعَة، قَالَ: قَالَ اِبْن عَرَفَة: يُقَال: أَتَاهُ عَنْ يَمِينه إِذَا جَاءَهُ مِنْ الْجِهَة الْمَحْمُودَة، وَالْعَرَب تَنْسِب الْفِعْل الْمَحْمُود وَالْإِحْسَان إِلَى الْيَمِين، وَضِدّه إِلَى الْيَسَار.

 قَالُوا: وَالْيَمِين مَأْخُوذ مِنْ الْيُمْن.

وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِين» فَتَنْبِيه عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَاد بِالْيَمِينِ جَارِحَة- تَعَالَى اللَّه عَنْ ذَلِكَ- فَإِنَّهَا مُسْتَحِيلَة فِي حَقّه سُبْحَانه وَتَعَالَى، وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمه وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وَلُوا» فَمَعْنَاهُ: أَنَّ هَذَا الْفَضْل إِنَّمَا هُوَ لِمَنْ عَدَلَ فِيمَا تَقَلَّدَهُ مِنْ خِلَافَة أَوْ إِمَارَة أَوْ قَضَاء أَوْ حِسْبَة أَوْ نَظَر عَلَى يَتِيم أَوْ صَدَقَة أَوْ وَقْف، وَفِيمَا يَلْزَمهُ مِنْ حُقُوق أَهْله وَعِيَاله وَنَحْو ذَلِكَ.

 وَاَللَّه أَعْلَم.

✯✯✯✯✯✯

‏3407- قَوْله: (عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن شَمَاسَة) هُوَ بِفَتْحِ الشِّين وَضَمّهَا وَسَبَقَ بَيَانه فِي كِتَاب الْإِيمَان.

قَوْله: (مَا نَقَمْنَا مِنْهُ شَيْئًا) أَيْ: مَا كَرِهْنَا، وَهُوَ بِفَتْحِ الْقَاف وَكَسْرهَا.

قَوْلهَا: (أَمَا إِنَّهُ لَا يَمْنَعنِي الَّذِي فَعَلَ فِي مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر أَخِي أَنْ أُخْبِرك) فيه: أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَذْكُر فَضْل أَهْل الْفَضْل، وَلَا يَمْتَنِع مِنْهُ لِسَبَبِ عَدَاوَة وَنَحْوهَا، وَاخْتَلَفُوا فِي صِفَة قَتْل مُحَمَّد هَذَا، قِيلَ: فِي الْمَعْرَكَة، وَقِيلَ: بَلْ قُتِلَ أَسِيرًا بَعْدهَا، وَقِيلَ: وُجِدَ بَعْدهَا فِي خَرِبَة فِي جَوْف حِمَار مَيِّت فَأَحْرَقُوهُ.

قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ أَمْر أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ، وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْر أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ» هَذَا مِنْ أَبْلَغ الزَّوَاجِر عَنْ الْمَشَقَّة عَلَى النَّاس، وَأَعْظَم الْحَثّ عَلَى الرِّفْق بِهِمْ، وَقَدْ تَظَاهَرَتْ الْأَحَادِيث بِهَذَا الْمَعْنَى.

✯✯✯✯✯✯

‏3408- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلّكُمْ رَاعٍ وَكُلّكُمْ مَسْئُول عَنْ رَعِيَّته» قَالَ الْعُلَمَاء: الرَّاعِي هُوَ الْحَافِظ الْمُؤْتَمَن الْمُلْتَزِم صَلَاح مَا قَامَ عَلَيْهِ، وَمَا هُوَ تَحْت نَظَره، فَفيه أَنَّ كُلّ مَنْ كَانَ تَحْت نَظَره شَيْء فَهُوَ مُطَالَب بِالْعَدْلِ فيه، وَالْقِيَام بِمَصَالِحِهِ فِي دِينه وَدُنْيَاهُ وَمُتَعَلِّقَاته.

✯✯✯✯✯✯

‏3409- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ عَبْد يَسْتَرْعِيه اللَّه رَعِيَّة يَمُوت يَوْم يَمُوت وَهُوَ غَاشّ لِرَعِيَّتِهِ إِلَّا حَرَّمَ اللَّه عَلَيْهِ الْجَنَّة» هَذَا الْحَدِيث وَاَلَّذِي بَعْده سَبَقَ شَرْحهمَا فِي كِتَاب الْإِيمَان، وَحَاصِله: أَنَّهُ يَحْتَمِل وَجْهَيْنِ أَحَدهمَا: أَنْ يَكُون مُسْتَحِلًّا لِغِشِّهِمْ فَتَحْرُم عَلَيْهِ الْجَنَّة، وَيَخْلُد فِي النَّار.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَسْتَحِلّهُ فَيَمْتَنِع مِنْ دُخُولهَا أَوَّل وَهْلَة مَعَ الْفَائِزِينَ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة: «لَمْ يَدْخُل مَعَهُمْ الْجَنَّة»، أَيْ: وَقْت دُخُولهمْ، بَلْ يُؤَخَّر عَنْهُمْ عُقُوبَة لَهُ إِمَّا فِي النَّار وَإِمَّا فِي الْحِسَاب، وَإِمَّا فِي غَيْر ذَلِكَ.

 وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيث: وُجُوب النَّصِيحَة عَلَى الْوَالِي لِرَعِيَّتِهِ، وَالِاجْتِهَاد فِي مَصَالِحهمْ، وَالنَّصِيحَة لَهُمْ فِي دِينهمْ وَدُنْيَاهُمْ، وَفِي قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَمُوت يَوْم يَمُوت وَهُوَ غَاشّ» دَلِيل عَلَى أَنَّ التَّوْبَة قَبْل حَالَة الْمَوْت نَافِعَة.

قَوْله: «لَوْ عَلِمْت أَنَّ بِي حَيَاة مَا حَدَّثْتُك» وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: «لَوْلَا أَنِّي فِي الْمَوْت لَمْ أُحَدِّثك بِهِ» يَحْتَمِل أَنَّهُ كَانَ يَخَافهُ عَلَى نَفْسه قَبْل هَذَا الْحَال، وَرَأَى وُجُوب تَبْلِيغ الْعِلْم الَّذِي عِنْده قَبْل مَوْته، لِئَلَّا يَكُون مُضَيِّعًا لَهُ، وَقَدْ أُمِرْنَا كُلّنا بِالتَّبْلِيغِ.

✯✯✯✯✯✯

‏3411- قَوْله: «إِنَّمَا أَنْتَ مِنْ نُخَالَتهمْ» يَعْنِي: لَسْت مِنْ فُضَلَائِهِمْ وَعُلَمَائِهِمْ وَأَهْل الْمَرَاتِب مِنْهُمْ، بَلْ مِنْ سَقْطهمْ، وَالنُّخَالَة هُنَا اِسْتِعَارَة مِنْ نُخَالَة الدَّقِيق، وَهِيَ قُشُوره، وَالنُّخَالَة وَالْحُقَالَة وَالْحُثَالَة بِمَعْنًى وَاحِد.

قَوْله: «وَهَلْ كَانَتْ لَهُمْ نُخَالَة؟ إِنَّمَا كَانَتْ النُّخَالَة بَعْدَهُمْ وَفِي غَيْرهمْ» هَذَا مِنْ جَزْل الْكَلَام وَفَصِيحه وَصِدْقه الَّذِي يَنْقَاد لَهُ كُلّ مُسْلِم، فَإِنَّ الصَّحَابَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ كُلّهمْ هُمْ صَفْوَة النَّاس وِسَادَات الْأُمَّة، وَأَفْضَل مِمَّنْ بَعْدهمْ، وَكُلّهمْ عُدُول، قُدْوَة لَا نُخَالَة فيهمْ، وَإِنَّمَا جَاءَ التَّخْلِيط مِمَّنْ بَعْدهمْ، وَفِيمَنْ بَعْدهمْ كَانَتْ النُّخَالَة.

قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ شَرّ الرِّعَاء الْحُطَمَة» قَالُوا: هُوَ الْعَنِيف فِي رَعِيَّته لَا يَرْفُق بِهَا فِي سُوقهَا وَمَرْعَاهَا، بَلْ يَحْطِمهَا فِي ذَلِكَ وَفِي سَقْيهَا وَغَيْره، وَيَزْحَم بَعْضهَا بِبَعْضٍ بِحَيْثُ يُؤْذِيهَا وَيَحْطِمهَا.


 باب فضيلة الامام العادل وعقوبة الجاير والحث على الرفق بالرعية والنهي عن ادخال المشقة عليهم


۞۞۞۞۞۞۞۞

كتاب الإمارة ﴿ 5 ﴾ 

۞۞۞۞۞۞۞۞



تعليقات