باب قوله «كنت ارى الرويا اعرى منها غير اني لا ازمل»
باب قوله «كنت ارى الرويا اعرى منها غير اني لا ازمل»
:4195- قَوْله: «كُنْت أَرَى الرُّؤْيَا أُعْرَى مِنْهَا غَيْر أَنِّي لَا أُزَمَّل» أَمَّا قَوْله: (أُزَمَّل) فَمَعْنَاهُ أُغَطَّى وَأُلَفّ كَالْمَحْمُومِ.
وَأَمَّا (أُعْرَى) فَبِضَمِّ الْهَمْزَة، وَإِسْكَان الْعَيْن، وَفَتْح الرَّاء، أَيْ أُحَمّ لِخَوْفِي مِنْ ظَاهِرهَا فِي مَعْرِفَتِي.
قَالَ أَهْل اللُّغَة: يُقَال: (عُرِيَ الرَّجُل) بِضَمِّ الْعَيْن وَتَخْفِيف الرَّاء يُعْرَى إِذَا أَصَابَهُ عُرَاء بِضَمِّ الْعَيْن وَبِالْمَدِّ، وَهُوَ نَفْض الْحُمَّى، وَقِيلَ: رَعْدَة.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الرُّؤْيَا مِنْ اللَّه، وَالْحُلْم مِنْ الشَّيْطَان» أَمَّا (الْحُلْم) فَبِضَمِّ الْحَاء وَإِسْكَان اللَّام، وَالْفِعْل مِنْهُ (حَلَمَ) بِفَتْحِ اللَّام.
وَأَمَّا (الرُّؤْيَا) فَمَقْصُورَة مَهْمُوزَة، وَيَجُوز تَرْك هَمْزهَا كَنَظَائِرِهَا.
قَالَ الْإِمَام الْمَازِرِيّ: مَذْهَب أَهْل السُّنَّة فِي حَقِيقَة الرُّؤْيَا أَنَّ اللَّه تَعَالَى يَخْلُق فِي قَلْب النَّائِم اِعْتِقَادَات كَمَا يَخْلُقهَا فِي قَلْب الْيَقْظَان، وَهُوَ سُبْحَانه وَتَعَالَى يَفْعَل مَا يَشَاء، لَا يَمْنَعهُ نَوْم وَلَا يَقِظَة، فَإِذَا خَلَقَ هَذِهِ الِاعْتِقَادَات فَكَأَنَّهُ جَعَلَهَا عِلْمًا عَلَى أُمُور أُخَر يَخْلُقهَا فِي ثَانِي الْحَال، أَوْ كَانَ قَدْ خَلَقَهَا.
فَإِذَا خَلَقَ فِي قَلْب النَّائِم الطَّيَرَان، وَلَيْسَ بِطَائِرٍ، فَأَكْثَر مَا فيه أَنَّهُ اِعْتَقَدَ أَمْرًا عَلَى خِلَاف مَا هُوَ، فَيَكُون ذَلِكَ الِاعْتِقَاد عِلْمًا عَلَى غَيْره، كَمَا يَكُون خَلْق اللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى الْغَيْم عِلْمًا عَلَى الْمَطَر، وَالْجَمِيع خَلْق اللَّه تَعَالَى، وَلَكِنْ يَخْلُق الرُّؤْيَا وَالِاعْتِقَادَات الَّتِي جَعَلَهَا عِلْمًا عَلَى مَا يَسَّرَ بِغَيْرِ حَضْرَة الشَّيْطَان، وَيَخْلُق مَا هُوَ عِلْم عَلَى مَا يَضُرّ بِحَضْرَةِ الشَّيْطَان، فَيُنْسَب إِلَى الشَّيْطَان مَجَازًا لِحُضُورِهِ عِنْدهَا، وَإِنْ كَانَ لَا فِعْل لَهُ حَقِيقَة، وَهَذَا مَعْنَى قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الرُّؤْيَا مِنْ اللَّه وَالْحُلْم مِنْ الشَّيْطَان» لَا عَلَى أَنَّ الشَّيْطَان يَفْعَل شَيْئًا؛ فَالرُّؤْيَا اِسْم لِلْمَحْبُوبِ، وَالْحُلْم اِسْم لِلْمَكْرُوهِ.
وَهَذَا كَلَام الْمَازِرِيّ.
وَقَالَ غَيْره: أَضَافَ الرُّؤْيَا الْمَحْبُوبَة إِلَى اللَّه إِضَافَة تَشْرِيف بِخِلَافِ الْمَكْرُوهَة، وَإِنْ كَانَتَا جَمِيعًا مِنْ خَلْق اللَّه تَعَالَى وَتَدْبِيره، وَبِإِرَادَتِهِ، وَلَا فِعْل لِلشَّيْطَانِ فيهمَا، لَكِنَّهُ يَحْضُر الْمَكْرُوهَة، وَيَرْتَضِيهَا، وَيُسَرّ بِهَا.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِذَا حَلَمَ أَحَدكُمْ حُلْمًا يَكْرَههُ فَلْيَنْفُثْ عَنْ يَسَاره ثَلَاثًا، وَلْيَتَعَوَّذْ بِاَللَّهِ مِنْ شَرّهَا فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرّهُ» أَمَّا (حَلَمَ) فَبِفَتْحِ اللَّام كَمَا سَبَقَ بَيَانه.
و: (الْحُلْم) بِضَمِّ الْحَاء وَإِسْكَان اللَّام.
و(يَنْفُث) بِضَمِّ الْفَاء وَكَسْرهَا.
و(الْيَسَار) بِفَتْحِ الْيَاء وَكَسْرهَا.
وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَلْيَنْفُثْ عَنْ يَسَاره ثَلَاثًا» وَفِي رِوَايَة: «فَلْيَبْصُقْ عَلَى يَسَاره حِين يَهُبّ مِنْ نَوْمه ثَلَاث مَرَّات» وَفِي رِوَايَة: «فَلْيَتْفُلْ عَنْ يَسَاره ثَلَاثًا، وَلْيَتَعَوَّذْ بِاَللَّهِ مِنْ شَرّ الشَّيْطَان وَشَرّهَا.
وَلَا يُحَدِّث بِهَا أَحَدًا فَإِنَّهَا لَا تَضُرّهُ» وَفِي رِوَايَة: «فَلْيَبْصُقْ عَلَى يَسَاره ثَلَاثًا، وَلْيَسْتَعِذْ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَان ثَلَاثًا، وَلْيَتَحَوَّلْ عَنْ جَنْبه الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ» فَحَاصِله ثَلَاثَة أَنَّهُ جَاءَ: فَلْيَنْفُثْ، وَفَلْيَبْصُق، وَفَلْيَتْفُل.
وَأَكْثَر الرِّوَايَات (فَلْيَنْفُثْ) وَقَدْ سَبَقَ فِي كِتَاب الطِّبّ بَيَان الْفَرْق بَيْن هَذِهِ الْأَلْفَاظ، وَمَنْ قَالَ إِنَّهَا بِمَعْنًى، وَلَعَلَّ الْمُرَاد بِالْجَمِيعِ النَّفْث، وَهُوَ نَفْخ لَطِيف بِلَا رِيق، وَيَكُون التَّفْل وَالْبَصْق مَحْمُولَيْنِ عَلَيْهِ مَجَازًا.
وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرّهُ» مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّه تَعَالَى جَعَلَ هَذَا سَبَبًا لِسَلَامَتِهِ مِنْ مَكْرُوه يَتَرَتَّب عَلَيْهَا، كَمَا جَعَلَ الصَّدَقَة وِقَايَة لِلْمَالِ وَسَبَبًا لِدَفْعِ الْبَلَاء، فَيَنْبَغِي أَنْ يُجْمَع بَيْن هَذِهِ الرِّوَايَات، وَيُعْمَل بِهَا كُلّهَا.
فَإِذَا رَأَى مَا يَكْرَههُ نَفَثَ عَنْ يَسَاره ثَلَاثًا قَائِلًا: أَعُوذ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَان وَمِنْ شَرّهَا، وَلْيَتَحَوَّلْ إِلَى جَنْبه الْآخَر، وَلْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ، فَيَكُون قَدْ عَمِلَ بِجَمِيعِ الرِّوَايَات.
وَإِنْ اِقْتَصَرَ عَلَى بَعْضهَا أَجْزَأَهُ فِيَّ دَفْع ضَرَرهَا بِإِذْنِ اللَّه تَعَالَى كَمَا صَرَّحَتْ بِهِ الْأَحَادِيث.
قَالَ الْقَاضِي: وَأَمَرَ بِالنَّفْثِ ثَلَاثًا طَرْدًا لِلشَّيْطَانِ الَّذِي حَضَرَ رُؤْيَاهُ الْمَكْرُوهَة تَحْقِيرًا لَهُ، وَاسْتِقْذَارًا، وَخَصَّتْ بِهِ الْيَسَار لِأَنَّهَا مَحَلّ الْأَقْذَار وَالْمَكْرُوهَات.
وَنَحْوهَا.
وَالْيَمِين ضِدّهَا.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «حِين يَهُبّ مِنْ نَوْمه» أَيْ يَسْتَيْقِظ.
✯✯✯✯✯✯
4196- سبق شرحه بالباب.
✯✯✯✯✯✯
4197- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الرُّؤْيَا الصَّالِحَة وَرُؤْيَا السُّوء» قَالَ الْقَاضِي: يُحْتَمَل أَنْ يَكُون مَعْنَى الصَّالِحَة وَالْحَسَنَة حُسْن ظَاهِرهَا، وَيُحْتَمَل أَنَّ الْمُرَاد صِحَّتهَا.
قَالَ: وَرُؤْيَا السُّوء يُحْتَمَل الْوَجْهَيْنِ أَيْضًا: سُوء الظَّاهِر، وَسُوء التَّأْوِيل.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِنْ رَأَى رُؤْيَا حَسَنَة فَلْيُبَشِّرْهُ، وَلَا يُخْبِر بِهَا إِلَّا مَنْ يُحِبّ» هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَم الْأُصُول (فَلْيُبَشِّرْ) بِضَمِّ الْيَاء وَبَعْدهَا بَاءَ سَاكِنَة مِنْ الْإِبْشَار وَالْبُشْرَى.
وَفِي بَعْضهَا بِفَتْحِ الْيَاء وَبِالنُّونِ مِنْ النَّشْر، وَهُوَ الْإِشَاعَة.
قَالَ الْقَاضِي فِي الْمَشَارِق وَفِي الشَّرْح: هُوَ تَصْحِيف.
وَفِي بَعْضهَا: (فَلْيَسْتُرْ) بِسِينٍ مُهْمَلَة مِنْ السَّتْر وَاللَّهُ أَعْلَم.
✯✯✯✯✯✯
4198- وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرُّؤْيَا الْمَكْرُوهَة: «وَلَا يُحَدِّث بِهَا أَحَدًا» فَسَبَبه أَنَّهُ رُبَّمَا فَسَّرَهَا تَفْسِيرًا مَكْرُوهًا عَلَى ظَاهِر صُورَتهَا، وَكَانَ ذَلِكَ مُحْتَمَلًا، فَوَقَعَتْ كَذَلِكَ بِتَقْدِيرِ اللَّه تَعَالَى، فَإِنَّ الرُّؤْيَا عَلَى رِجْل طَائِر، وَمَعْنَاهُ أَنَّهَا كَانَتْ مُحْتَمِلَة وَجْهَيْنِ فَفُسِّرَتْ بِأَحَدِهِمَا وَقَعَتْ عَلَى قُرْب تِلْكَ الصِّفَة.
قَالُوا: وَقَدْ يَكُون ظَاهِر الرُّؤْيَا مَكْرُوهًا، وَيُفَسَّر بِمَحْبُوب، وَعَكْسه، وَهَذَا مَعْرُوف لِأَهْلِهِ.
وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرُّؤْيَا الْمَحْبُوبَة الْحَسَنَة: «لَا تُخْبِر بِهَا إِلَّا مَنْ تُحِبّ» فَسَبَبه أَنَّهُ إِذَا أَخْبَرَ بِهَا مَنْ لَا يُحِبّ رُبَّمَا حَمَلَهُ الْبُغْض أَوْ الْحَسَد عَلَى تَفْسِيرهَا بِمَكْرُوهٍ، فَقَدْ يَقَع عَلَى تِلْكَ الصِّفَة، وَإِلَّا فَيَحْصُل لَهُ فِي الْحَال حُزْن وَنَكَد مِنْ سُوء تَفْسِيرهَا.
وَاللَّهُ أَعْلَم.
✯✯✯✯✯✯
4200- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا اِقْتَرَبَ الزَّمَان لَمْ تَكَدْ رُؤْيَا الْمُسْلِم تَكْذِب» قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْره: قِيلَ: الْمُرَاد إِذَا قَارَبَ الزَّمَان أَنْ يَعْتَدِل لَيْله وَنَهَاره، وَقِيلَ: الْمُرَاد إِذَا قَارَبَ الْقِيَامَة، وَالْأَوَّل أَشْهَر عِنْد أَهْل غَيْر الرُّؤْيَا، وَجَاءَ فِي حَدِيث مَا يُؤَيِّد الثَّانِي.
وَاللَّهُ أَعْلَم.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَأَصْدَقكُمْ رُؤْيَا أَصْدَقكُمْ حَدِيثًا» ظَاهِره أَنَّهُ عَلَى إِطْلَاقه، وَحَكَى الْقَاضِي عَنْ بَعْض الْعُلَمَاء أَنَّ هَذَا يَكُون فِي آخِر الزَّمَان عِنْد اِنْقِطَاع الْعِلْم وَمَوْت الْعُلَمَاء وَالصَّالِحِينَ وَمَنْ يُسْتَضَاء بِقَوْلِهِ وَعَمَله، فَجَعَلَهُ اللَّه تَعَالَى جَابِرًا وَعِوَضًا وَمُنَبِّهًا لَهُمْ، وَالْأَوَّل أَظْهَر؛ لِأَنَّ غَيْر الصَّادِق فِي حَدِيثه يَتَطَرَّق الْخَلَل إِلَى رُؤْيَاهُ وَحِكَايَته إِيَّاهَا.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَرُؤْيَا الْمُسْلِم جُزْء مِنْ خَمْسَة وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّة» وَفِي رِوَايَة: «رُؤْيَا الْمُؤْمِن جُزْء مِنْ سِتَّة وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّة» وَفِي رِوَايَة: «الرُّؤْيَا الصَّالِحَة جُزْء مِنْ سِتَّة وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّة» وَفِي رِوَايَة: «رُؤْيَا الرَّجُل الصَّالِح جُزْء مِنْ خَمْسَة وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّة» وَفِي رِوَايَة: «الرُّؤْيَا الصَّالِحَة جُزْء مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّة» فَحَصَلَ ثَلَاث رِوَايَات، الْمَشْهُور سِتَّة وَأَرْبَعُونَ، وَالثَّانِيَة خَمْسَة وَأَرْبَعُونَ، وَالثَّالِثَة سَبْعُونَ جُزْءًا.
وَفِي غَيْر مُسْلِم مِنْ رِوَايَة اِبْن عَبَّاس: «مِنْ أَرْبَعِينَ جُزْءًا» وَفِي رِوَايَة: «مِنْ تِسْعَة وَأَرْبَعِينَ» وَفِي رِوَايَة الْعَبَّاس: «مِنْ خَمْسِينَ» وَمَنْ رِوَايَة اِبْن عُمَر: «مِنْ سِتَّة وَعِشْرِينَ» وَمِنْ رِوَايَة عُبَادَةَ: «مِنْ أَرْبَعَة وَأَرْبَعِينَ» قَالَ الْقَاضِي: أَشَارَ الطَّبَرِيُّ إِلَى أَنَّ هَذَا الِاخْتِلَاف رَاجِع إِلَى اِخْتِلَاف حَال الرَّائِي، فَالْمُؤْمِن الصَّالِح تَكُون رُؤْيَاهُ جُزْءًا مِنْ سِتَّة وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا، وَالْفَاسِق جُزْءًا مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا، وَقِيلَ: الْمُرَاد أَنَّ الْخَفِيّ مِنْهَا جُزْء مِنْ سَبْعِينَ، وَالْجَلِيّ جُزْء مِنْ سِتَّة وَأَرْبَعِينَ.
قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْره: قَالَ بَعْض الْعُلَمَاء: أَقَامَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوحَى إِلَيْهِ ثَلَاثًا وَعِشْرِينَ سَنَة، مِنْهَا عَشْر سِنِينَ بِالْمَدِينَةِ، وَثَلَاث عَشْرَة بِمَكَّة، وَكَانَ قَبْل ذَلِكَ سِتَّة أَشْهُر يَرَى فِي الْمَنَام الْوَحْي، وَهِيَ جُزْء مِنْ سِتَّة وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا.
قَالَ الْمَازِرِيّ: وَقِيلَ: الْمُرَاد أَنَّ لِلْمَنَامَاتِ شَبَهًا مِمَّا حَصَلَ لَهُ وَمَيَّزَ بِهِ النُّبُوَّة بِجُزْءٍ مِنْ سِتَّة وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا.
قَالَ: وَقَدْ قَدَح بَعْضهمْ فِي الْأَوَّل بِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُت أَنَّ أَمَد رُؤْيَاهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْل النُّبُوَّة سِتَّة أَشْهُر، وَبِأَنَّهُ رَأَى بَعْد النُّبُوَّة مَنَامَات كَثِيرَة، فَلْتُضَمَّ إِلَى الْأَشْهُر السِّتَّة، حِينَئِذٍ تَتَغَيَّر النِّسْبَة.
قَالَ الْمَازِرِيّ: هَذَا الِاعْتِرَاض الثَّانِي بَاطِل؛ لِأَنَّ الْمَنَامَات الْمَوْجُودَة بَعْد الْوَحْي بِأَرْسَالِ الْمَلَك مُنْغَمِرَة فِي الْوَحْي، فَلَمْ تُحْسَب.
قَالَ: وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون الْمُرَاد أَنَّ الْمَنَام فيه إِخْبَار الْغَيْب، وَهُوَ إِحْدَى ثَمَرَات النُّبُوَّة، وَهُوَ لَيْسَ فِي حَدّ النُّبُوَّة؛ لِأَنَّهُ يَجُوز أَنْ يَبْعَث اللَّه تَعَالَى نَبِيًّا لِيُشَرِّع الشَّرَائِع، وَيُبَيِّن الْأَحْكَام، وَلَا يُخْبِر بِغَيْبٍ أَبَدًا، وَلَا يَقْدَح ذَلِكَ فِي نُبُوَّته، وَلَا يُؤَثِّر فِي مَقْصُودهَا، هَذَا الْجُزْء مِنْ النُّبُوَّة وَهُوَ الْإِخْبَار بِالْغَيْبِ إِذَا وَقَعَ لَا يَكُون إِلَّا صِدْقًا.
وَاللَّهُ أَعْلَم.
قَالَ الْخَطَّابِيُّ: هَذَا الْحَدِيث تَوْكِيد لِأَمْرِ الرُّؤْيَا وَتَحْقِيق مَنْزِلَتهَا، وَقَالَ: وَإِنَّمَا كَانَتْ جُزْءًا مِنْ أَجْزَاء النُّبُوَّة فِي حَقّ الْأَنْبِيَاء دُون غَيْرهمْ، وَكَانَ الْأَنْبِيَاء صَلَوَات اللَّه وَسَلَامه عَلَيْهِمْ يُوحَى إِلَيْهِمْ فِي مَنَامهمْ كَمَا يُوحَى إِلَيْهِمْ فِي الْيَقِظَة قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَقَالَ بَعْض الْعُلَمَاء: مَعْنَى الْحَدِيث أَنَّ الرُّؤْيَا تَأْتِي عَلَى مُوَافَقَة النُّبُوَّة، لِأَنَّهَا جُزْء بَاقٍ مِنْ النُّبُوَّة.
وَاللَّه أَعْلَم.
قَوْله: «وَأُحِبّ الْقَيْد، وَأَكْرَه الْغُلّ، وَالْقَيْد ثَبَات فِي الدِّين» قَالَ الْعُلَمَاء: إِنَّمَا أُحِبّ الْقَيْد لِأَنَّهُ فِي الرِّجْلَيْنِ، وَهُوَ كَفّ عَنْ الْمَعَاصِي وَالشُّرُور وَأَنْوَاع الْبَاطِل.
وَأَمَّا الْغُلّ فَمَوْضِعه الْعُنُق، وَهُوَ صِفَة أَهْل النَّار.
قَالَ اللَّه تَعَالَى: {إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا} وَقَالَ اللَّه تَعَالَى: {إِذْ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ}.
وَأَمَّا أَهْل الْعِبَارَة فَنَزَّلُوا هَاتَيْنِ اللَّفْظَتَيْنِ مَنَازِل، فَقَالُوا: إِذَا رَأَى الْقَيْد فِي رِجْلَيْهِ وَهُوَ فِي مَسْجِد أَوْ مَشْهَد خَيْر أَوْ عَلَى حَالَة حَسَنَة فَهُوَ دَلِيل لِثَبَاتِهِ فِي ذَلِكَ، وَكَذَا لَوْ رَآهُ صَاحِب وِلَايَة كَانَ دَلِيلًا لِثَبَاتِهِ فيها، وَلَوْ رَآهُ مَرِيض أَوْ مَسْجُون أَوْ مُسَافِر أَوْ مَكْرُوب كَانَ دَلِيلًا لِثَبَاتِهِ فيه.
قَالُوا: وَلَوْ قَارَنَهُ مَكْرُوه بِأَنْ يَكُون مَعَ الْقَيْد غُلّ غَلَّبَ الْمَكْرُوه لِأَنَّهَا صِفَة الْمُعَذَّبِينَ.
وَأَمَّا الْغُلّ فَهُوَ مَذْمُوم إِذَا كَانَ فِي الْعُنُق، وَقَدْ يَدُلّ لِلْوَلَايَاتِ إِذَا كَانَ مَعَهُ قَرَائِن، كَمَا كُلّ وَالٍ يُحْشَر مَغْلُولًا حَتَّى يُطْلِقهُ عَدْله.
فَأَمَّا إِنْ كَانَ مَغْلُول الْيَدَيْنِ دُون الْعُنُق فَهُوَ حَسَن، وَدَلِيل لِكَفِّهِمَا عَنْ الشَّرّ، وَقَدْ يَدُلّ عَلَى مَنْع مَا نَوَاهُ مِنْ الْأَفْعَال.
✯✯✯✯✯✯
4201- سبق شرحه بالباب.
✯✯✯✯✯✯
4202- سبق شرحه بالباب.
✯✯✯✯✯✯
4203- سبق شرحه بالباب.
✯✯✯✯✯✯
4204- سبق شرحه بالباب.
✯✯✯✯✯✯
4205- سبق شرحه بالباب.
۞۞۞۞۞۞۞۞
كتاب الرؤيا ﴿ 1 ﴾
۞۞۞۞۞۞۞۞