📁 آخر الأخبار

الفصل والوصل في البلاغة

 من أهم دروس البلاغة 

                الفصل والوصل 

الوصل هو

"عطف جملة على أخرى بالواو"

والفصل هو "ترك هذا العطف"

وتمييز موضع أحدهما من الآخر على ما تقتضيه البلاغة وهو فن عظيم الخطر صعب المسلك دقيق المأخذ لا يعرفه على وجهه ولا يحيط علما بكنهه إلا من أوتي في فهم كلام العرب طبعا سليما ورزق في إدراك أسراره ذوقا صحيحا ولهذا قصر بعض 

العلماء البلاغة على معرفة الفصل من الوصل

اه بتصرف من الإيضاح للقزويني

فالمقصود بالوصل هو عطف جملة على جملة وليس عطف مفرد على مفرد

والعطف هنا لابد أن يكون بالواو لا بغيره من حروف العطف لأن الواو تفيد مطلق الجمع والاشتراك بخلاف الفاء الي تفيد الترتيب مع التعقيب أو ثم التي تفيد الترتيب مع التراخي

فيظهر معهما المراد بيسر بخلاف الواو

فهي الأداة التي تخفى الحاجة إليها ويتطلب فهم العطف بها دقة في الإدراك

مواطن الفصل" 

يجب الفصل بين الجملتين في ثلاثة مواضع

الموطن الأول من مواطن الفصل  

( ا ) أن يكون بينهما اتحاد تام 

وذلك بأن تكون الجملة الثانية توكيدا للأولى 

أو تكون الجملة الثانية بيانا للجملة الأولى


أو تكون الجملة الثانية بدلا من الجملة الأولى 


أما الجملة المؤكدة للأولى فذلك نحو قوله تعالى :

"كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقرا"

فقوله تعالى :

"كأن في أذنيه وقرا" 

تعتبر مؤكدة للمعنى 

في قوله تعالى :

 "كأن لم يسمعها"


وقال تعالى :

 "سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون"

فجملة "لا يؤمنون"

 مؤكدة للجملة التي قبلها 

 "سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم"


ومنه 

قول المتنبي :

وما الدهر إلا من رواة قصائدي 

       إذا قلت شعرا أصبح الدهر منشدا

فالجملة الثانية "إذا قلت شعرا أصبح الدهر منشدا"

هي توكيد للجملة الأولى "وما الدهر إلا من رواة قصائدي"

ومثله قول الشاعر :

يهوى الثناء مبرز ومقصر

       حب الثناء طبيعة الإنسان

فجملة "حب الثناء طبيعة الإنسان"

 هي مؤكدة للجملة الأولى

 "يهوى الثناء مبرز ومقصر"

فلهذا امتنع العطف في كل ما سبق


ومن تمام الاتصال 

أن تكون الجملة الثانية بيانا للجملة الأولى

فيكون هنالك إبهام ونوع خفاء في الجملة الأولى فتأتي الجملة الثانية بما يوضح الأولى 

قال تعالى :

"فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى "


فقوله" قال يا آدم "

 هي تبيين لما سبق أن أبهم في قوله "فوسوس "


ومن هذا قول الله تعالى :

 "وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى"

فجملة "إن هو إلا وحي يوحى" 

هي بيان وتوضيح للجملة السابقة

 "وما ينطق عن الهوى "


ومن هذا الباب قول الشاعر :

 الناس للناس من بدو وحاضرة 

        بعض لبعض وإن لم يشعروا خدم

فالجملة الثانية

 "بعض لبعض خدم" 

توضح الجملة الأولى

" الناس للناس من بدو وحاضرة "

فبينهما كمال الاتصال فلذا ترك العطف بينهما


ومن تمام الاتصال أن تكون الجملة الثانية بدلا من الجملة الأولى 

ويقال حينئذ إن بين الجملتين كمال الاتصال 

قال تعالى :

"أمدكم بما تعلمون أمدكم بأنعام وبنين"

فجملة "أمدكم بأنعام وبنين" بدل من الجملة السابقة

 "أمدكم بما تعلمون "

فهي بدل بعض من كل فالأنعام والبنين جزء مما يعلمون مما أمدهم الله به من النعم

ومنه قوله تعالى : "يسومونكم سوء العذاب يذبحون أبناءكم "


فجملة 

"يذبحون أبناءكم " 

جزء مما يسومهم به فرعون من العذاب فهو بدل بعض من كل


ومنه قوله تعالى : 

"يدبر الأمر يفصل الآيات " 

فتفصيل الآيات جزء من تدبير الأمر 

ولا سر للفصل بين الجملتين في كل ما سبق إلا تمام التآلف وكمال الاتحاد

وذلك لأن الجملة الثانية هنا إما أن تكون بمعنى الأولى وذلك في المؤكدة والمبينة أو بمنزلة الجزء منها وهذا في البدل


وكل هذا يقتضي ترك العطف لأن الشيء لا يعطف على نفسه والجزء لا يعطف على كله

الموطن الثاني من مواطن الفصل 

( ب )

أن يكون بينهما تباين تام وذلك بأن تختلفا خبرا وإنشاء

 أو بألا تكون بينهما مناسبة ما 

ويقال حينئذ إن بين الجملتين كمال الانقطاع

أما اختلاف الجملتين خبرا وإنشاء 

فذلك نحو قول الشاعر :

يا صاحب الدنيا المحب لها 

       أنت الذي لا ينقضي تعبه

فجملة "يا صاحب الدنيا المحب لها"

 جملة إنشائية طلبية دعائية كما مر في الدروس السابقة

وجملة

 "أنت الذي لا ينقضي تعبه" 

جملة خبرية 

ولهذا وجب الفصل وعدم عطف أحدهما على الأخرى

 

ومن هذا أيضا قول الشاعر :

لا تحسب المجد تمرا أنت آكله

      لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا

فجملة "لا تحسب المجد تمرا أنت آكله" 

جملة إنشائية طلبية والنهي هنا أريد به التوبيخ

والجملة التي بعدها جملة خبرية وهي 

"لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا"

فاختلفتا خبرا وإنشاء فوجب الفصل هنا


وأما الموضع الثاني من كمال الانقطاع 


بألا تكون بينهما مناسبة ما

مع اتفاقهما خبرا وإنشاء

وذلك

نحو قول الشاعر :

إنما المرء بأصغريه

      كل امرئ رهن بما لديه

ليس هناك من رابطة تجمع بين الجملة الأولى

"إنما المرء بأصغريه"

والجملة الثانية 

"كل امرئ رهن بما لديه"

لهذا فصل بينهما ولا سر في الفصل بين هذه الأمثلة إلا كمال التباين وشدة التباعد ولذلك يقال هنا :

بين الجملتين كمال الانقطاع


إنما وجب ترك العطف هنا لأن العطف يكون للجمع بين الشيئين والربط بينهما ولا يكون ذلك في المعنيين إذا كان بينهما غاية التباين

والتباعد

الموطن الثالث من مواطن الفصل

( ج )

أن تكون الجملة الثانية جوابا عن سؤال يفهم من الأولى 

و ذلك نحو قوله تعالى :

 "وأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف"

فصلت جملة 

"قالوا لا تخف"

 عن جملة 

"وأوجس منهم خيفة"

لأن بينهما شبه كمال الاتصال إذ الثانية جواب لسؤال يفهم من الأولى

 كأن سائلا سأل فماذا قالوا له حين رأوه قد أوجس منهم خيفة

 فأجيب "قالوا لا تخف"


ومن هذا الباب قول أبي تمام :

ليس الحجاب بمقص عنك لي أملا 

         إن السماء ترجى حين تحتجب


وهذا يسمى الاستئناف البياني وهو أن تكون الجملة الثانية ناتجة عن سؤال يفهم من الجملة الأولى فكأنه لما قال :

 "ليس الحجاب بمقص عنك لي أملا"

توهم أن سائلا يسأله 

"كيف لا يحول حجاب الأمير بينك وبين آمالك " 

فجاء بالشطر الثاني 

" إن السماء ترجى حين تحتجب "


ويقال هنا حينئذ :

 "إن بين الجملتين شبه كمال الاتصال"

ولأن الجواب شديد الاتصال بالسؤال ترك العطف هنا

مواضع الوصل

 ( ا ) إذا قصد إشراك الجملتين في الحكم الإعرابي 


( ب ) إذا اتفقتا خبرا أو إنشاء وكانت بينهما جهة جامعة أي مناسبة تامة ولم يكن هناك سبب يقتضي الفصل بينهما

( ج ) إذا اختلفتا خبرا وإنشاء وأوهم الفصل خلاف المقصود

إذا

يجب الوصل بين الجملتين في ثلاثة مواضع 

أما الموضع الأول وهو إذا قصد اشتراك الجملتين في الحكم الإعرابي ومعنى ذلك أن تأتي جملة بعد جملة لها محل من الإعراب وقصد تشريك الثانية لها في هذا الحكم فإنه يتعين في هذه الحالة عطف الثانية على الأولى بالواو تماما كما يعطف مفرد على مفرد بالواو لاشتراكهما في حكم إعرابي واحد

نحو قول المعري

وحب العيش أعبد كل حر

           وعلم ساغبا أكل المرار

حب العيش حب مبتدأ وهو مضاف 

والعيش مضاف إليه 

أعبد فعل ماض والفاعل ضمير مستتر يعود على حب العيش والجملة خبر للمبتدأ

وجملة "أعبد كل حر" هي خبر المبتدأ

وعطفت جملة "وعلم ساغبا أكل المرار" عطفت عليها لأنه أريد تشريكها في الحكم الإعرابي فهي معطوفة على الخبر وحب العيش أعبد كل حر وعلم ساغبا أكل المرار فعندنا هنا جملة لها محل من الإعراب جاء بعدها جملة أخرى أريد تشريكها في هذا الحكم الإعرابي

وكذا نحو قول المتنبي 

وللسر مني موضع لا يناله 

          نديم ولا يفضي إليه شراب

جملة لا يفضي إليه شراب عطفت بالواو لأنه أريد تشريكها في حكم الجملة السابقة الإعرابي 

فجملة "لا يناله نديم" صفة لموضع 

وجملة "لا يفضي إليه شراب" معطوفة عليها


  موضع نكرة والجمل بعد النكرات صفات فجملة لا يناله نديم صفة لموضع وهنا قصد إشراك الجملة الثانية لها في الحكم فعطفت عليها بالواو فهذا هو الموضع الأول من باب الوصل 

( ب )

الموضع الثاني من باب الوصل إذا اتفقتا خبرا وإنشاء وكانت بينهما جهة جامعة أي مناسبة تامة ولم يكن هناك سبب يقتضي الفصل بينهما

والمراد بالتناسب أن يكون بين الجملتين رابطة تجمع بينهما كأن يكون المسند إليه في الأولى له تعلق بالمسند في الثانية وكأن يكون المسند في الأولى مماثلا للمسند في الثانية أو مضادا له


نحو قوله

يشمر للج عن ساقه

     ويغمره الموج في الساحل

الجملتان 

"يشمر للج عن ساقه" 

و

 "يغمره الموج في الساحل"

متحدتان خبرا

وبينهما مناسبة في المعنى

وليس هناك من سبب يقتضي الفصل فلذلك عطفت الثانية على الأولى 

ومنه قول الله تعالى : "إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم " فجملة إن الأبرار لفي نعيم وجملة إن الفجار لفي جحيم جملتان خبريتان متحدتان في ذلك وبينهما مناسبة لأن الشيء بالشيء يذكر وبضدها تتبين الأشياء

 

ومن هذا قول بشار بن برد

وأدن إلى القربى المقرب نفسه

     ولا تشهد الشورى امرأ غير كاتم

جملة "وأدن إلى القربى المقرب نفسه"

وجملة "ولا تشهد الشورى امرأ غير كاتم"

جملتان إنشائيتان طلبيتان الأولى "أدن "أمر أريد به الإرشاد والثانية "لا تشهد" نهي أريد به كذلك الإرشاد وهاتان الجملتان متناسبتان في المعنى واتحدتا إنشاء ولم يكن هناك ما يقتضي الفصل بينهما فوجب الوصل

ومنه

فليتك تحلو والحياة مريرة 

       وليتك ترضى والأنام غضاب 

ليتك هنا تمني وهو إنشاء فاتفقت الجملتان

 ليتك تحلو

 وليتك ترضى في الإنشاء ولا تخفى المناسبة بينهما فلهذا عطفت عليها بالواو وأما والحياة مريرة فالواو هنا حالية وليست عاطفة 

وكذلك هي في 

والأنام غضاب وليست من باب الوصل

 فاتفقت الجملتان في الإنشاء وكان هناك بينهما تناسب فاقتضى ذلك وصل الجملة الثانية بالأولى فعطفت عليها هذا الموضع الثاني من باب الوصل


 ( ج ) الموضع الثالث من مواضع الوصل

إذا اختلفتا خبرا وإنشاء 

وأوهم الفصل خلاف المقصود

نحو

لا وبارك الله فيك ( في جواب من قال لك :ألك حاجة أقضيها لك)

لا وحفظك الله ( في جواب من قال لك هل أصابك شيء)

لا ولطف الله به (تجيب من سأل هل شفي أخوك )


في جميع الأمثلة السابقة اختلفت الجملتان خبرا وإنشاء ف "لا" هي قائمة مقام جملة خبرية فتقدر الجملة في كل موضع بحسبه

والجملة الثانية جملة إنشائية طلبية يراد بها الدعاء وإن كانت على لفظ الخبر لكنها يراد بها الإنشاء والعبرة بالمعنى#البلاغـــــة

#الوصل_الفصــل 


قال الفارسي عن البلاغة : 

هي معرفـــة الفصل من الــــوصل 


تعريفهما : 


اﻟﻮﺻﻞ : هو ﻋﻄﻒ ﺟﻤﻠﺔ ﻋﻠﻰ ﺍُﺧﺮﻯ ﺑﺎﻟﻮﺍﻭ 

ﺍﻟﻔﺼﻞ ‏ : ﺍﻹﺗﻴﺎﻥ ﺑﺎﻟﺠﻤﻠﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﺑﺪﻭﻥ ﺍﻟﻌﻄﻒ 


ﻣﻮاضع ﺍﻟﻮﺻﻞ : 

ﻭﻳﻘﻊ ﺍﻟﻮﺻﻞ ﻓﻲ ﺛﻼﺛﺔ ﻣﻮﺍﺿﻊ :

1ـ ﺇﺫﺍ ﺍﺗّﺤﺪﺕ ﺍﻟﺠﻤﻠﺘﺎﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﺨﺒﺮﻳﺔ ﻭﺍﻹﻧﺸﺎﺋﻴﺔ ﻟﻔﻈﺎً ﻭﻣﻌﻨﻰً ﺃﻭ ﻣﻌﻨﻰ ﻓﻘﻂ ﻣﻊ ﺍﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺔ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﻭﻋﺪﻡ ﻣﻘﺘﻀﻰ ﺍﻟﻔﺼﻞ 

ﻓﺎﻟﺨﺒﺮﻳﺘﺎﻥ ﻧﺤﻮ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ : ‏"ﺇﻥّ ﺍﻻﺑﺮﺍﺭ ﻟﻔﻲ ﻧﻌﻴﻢ ﻭﺇﻥَّ ﺍﻟﻔﺠّﺎﺭ ﻟﻔﻲ ﺟﺤﻴﻢ" 

ﻭﺍﻹﻧﺸﺎﺋﻴﺘﺎﻥ ﻧﺤﻮ ﻗﻮﻟﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ : "ﻭﺍﻋﺒﺪﻭﺍ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﻻ ﺗُﺸﺮﻛﻮﺍ ﺑﻪ ﺷﻴﺌﺎً" 

ﻭﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺘﺎﻥ ﻧﺤﻮ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ : ‏"ﺇﻧّﻲ ﺍُﺷﻬﺪ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺍﺷﻬﺪﻭﺍ ﺃﻧّﻲ ﺑﺮﻱﺀ ﻣﻤّﺎ ﺗُﺸﺮِﻛﻮﻥ" 

ﻓﺎﻟﺠﻤﻠﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻧﺸﺎﺋﻴﺔ ﻟﻔﻈﺎً، ﻟﻜﻨﻬﺎ ﺧﺒﺮﻳﺔ ﻣﻌﻨﻰ 

ومن أمثلته الشعرية قوب بشار بن برد : 

وأدن على القربى المقرب نفسه***ولا تشهد الشورى امرأ غير كاتم 


2ـ ﺩﻓﻊ ﺗﻮﻫّﻢ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﺮﺍﺩ ﻓﺈﻧﻪ ﺇﺫﺍ ﺍﺧﺘﻠﻔﺖ ﺍﻟﺠﻤﻠﺘﺎﻥ ﺧﺒﺮﺍً ﻭﺇﻧﺸﺎﺀﺍً ﻭﻟﻜﻦ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻔﺼﻞ ﻣﻮﻫﻢ ﺧﻼﻑ ﺍﻟﻤﺮﺍﺩ ﻭﺟﺐ ﺍﻟﻮﺻﻞ ﻛﻘﻮﻟﻚ ﻓﻲ ﺟﻮﺍﺏ ﻣﻦ ﻗﺎﻝ : 

-ﻫﻞ ﺟﺎﺀ زيد

-ﻻ، ﻭﺃﺻﻠﺤﻚ ﺍﻟﻠﻪ  

ﻓﺈﻧﻚ ﻟﻮ ﻗﻠﺖ : ‏( ﻻ ﺃﺻﻠﺤﻚ ﺍﻟﻠﻪ ‏) ﺗﻮﻫّﻢ ﺍﻟﺪﻋﺎﺀ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺍﻟﺤﺎﻝ ﺃﻧﻚ ﺗﺮﻳﺪ ﺍﻟﺪﻋﺎﺀ ﻟﻪ


3ـ ﺃﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﻟﻠﺠﻤﻠﺔ ﺍﻻﻭﻟﻰ ﻣﺤﻞ ﻣﻦ ﺍﻻﻋﺮﺍﺏ ﻭﻗﺼﺪ ﻣﺸﺎﺭﻛﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻟﻬﺎ مثل قول المولى:"ﺇﻥّ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻛﻔﺮﻭﺍ ﻭﻳﺼﺪّﻭﻥ ﻋﻦ ﺳﺒﻴﻞ ﺍﻟﻠﻪ" 

ﺣﻴﺚ ﻗُﺼﺪ ﺍﺷﺘﺮﺍﻙ ‏( ﻳﺼﺪّﻭﻥ ‏) ﻟـ ‏( ﻛﻔﺮﻭﺍ ‏) ﻓﻲ ﺟﻌﻠﻪ ﺻﻠﺔ 

وقول الشاعر: 

وحب العيش أعبد كل حر***وعلم ساغبا أكل المرار 


ﻣﻮاضع ﺍﻟﻔﺼﻞ : 

ﺍﻷﺻﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﻤﻞ ﺍﻟﻤﺘﻨﺎﺳﻘﺔ ﺍﻟﻤﺘﺘﺎﻟﻴﺔ ﺃﻥ ﺗﻌﻄﻒ ﺑﺎﻟﻮﺍﻭ ﺗﻨﻈﻴﻤﺎً ﻟﻠّﻔﻆ ﻟﻜﻦ ﻗﺪ ﻳﻌﺮﺽ ﻣﺎ ﻳﻮﺟﺐ ﺍﻟﻔﺼﻞ ﻭﻫﻲ ﺃﻣﻮﺭ منها :


ملاحظة : 

ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻮﺍﺭﺩ ﺍﻟﺜﻼﺛﺔ ﺗﺴﻤﻰ ﻟﻤﺎ ﻳﻜﻮﻥ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺠﻤﻠﺘﻴﻦ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻹﺗّﺤﺎﺩ ﺍﻟﺘﺎﻡ ﺑـ : ﻛﻤﺎ ﺍﻻﺗﺼﺎﻝ .


1ـ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺠﻤﻠﺘﻴﻦ ﺍﺗّﺤﺎﺩ ﺗﺎﻡّ ﺣﺘﻰ ﻛﺄﻧﻬﻤﺎ ﺷﻲﺀ ﻭﺍﺣﺪ ﻭﺍﻟﺸﻲﺀ ﻻ ﻳﻌﻄﻒ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻪ ﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ : ‏

" ﺃﻣﺪﻛﻢ ﺑﻤﺎ ﺗﻌﻠﻤﻮﻥ ﺃﻣﺪّﻛﻢ ﺑﺄﻣﻮﺍﻝ ﻭﺑﻨﻴﻦ ‏" 

ومثل قول المتنبي: 

وما الدهر إلا من رواة قصائدي***إذا قلت شعرا أصبح الدهر منشدا


2ـ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﺍﻟﺠﻤﻠﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻟﺮﻓﻊ ﺍﻹﺑﻬﺎﻡ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﻤﻠﺔ ﺍلأﻭﻟﻰ ﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ : 

"ﻓﻮﺳﻮﺱ ﺇﻟﻴﻪ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﻗﺎﻝ ﻳﺎ ﺁﺩﻡ ﻫﻞ ﺃﺩُﻟّﻚ ﻋﻠﻰ ﺷﺠﺮﺓ ﺍﻟﺨﻠﺪ" 


3ـ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﺍﻟﺠﻤﻠﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻣﺆﻛﺪﺓ ﻟﻸﻭﻟﻰ ﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ : ‏

"ﻭﻣﺎ ﻫﻢ ﺑﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﻳﺨﺎﺩﻋﻮﻥ ﺍﻟﻠﻪ" 

...

ملاحظة : 

ﻫﺬﺍﻥ ﺍﻟﻤﻮﺭﺩﺍﻥ (4-5) 

ﻳﺴﻤﻴﺎﻥ ﻟﻤﺎ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺠﻤﻠﺘﻴﻦ ﻣﻦ ﺍﻻﺧﺘﻼﻑ ﺍﻟﺘﺎﻡّ 

ﺑـ : ﻛﻤﺎﻝ ﺍﻻﻧﻘﻄﺎﻉ .

4ـ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺠﻤﻠﺘﻴﻦ ﺍﺧﺘﻼﻑ ﺗﺎﻡّ ﻓﻲ ﺍﻟﺨﺒﺮ ﻭﺍﻹﻧﺸﺎﺀ ﺃﻭ ﺍﻟﻠﻔﻆ ﻭﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﺃﻭ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﻓﻘﻂ ﻗﺎﻝ ﺍﻟﺸﺎﻋﺮ : 

يا صاحب الدنيا المحب لها***أنت الذي لا ينقضي تعبه 


5ـ ﺃﻥ ﻻ ﻳﻜﻮﻥ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺠﻤﻠﺘﻴﻦ ﻣﻨﺎﺳﺒﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﻭﻻ ﺍﺭﺗﺒﺎﻁ ﺑﻞ ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻣﺴﺘﻘﻞ ﻛﻘﻮﻟﻪ :

ﺍﻧّﻤﺎ ﺍﻟﻤﺮﺀ ﺑﺄﺻـﻐﺮﻳﻪ ﻛﻞّ ﺍﻣﺮﻯﺀ ﺭﻫﻦ ﺑﻤﺎ ﻟﺪﻳﻪ


وهذه مواضع أخرى: 


6ـ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﺷﺒﻪ ﻛﻤﺎﻝ ﺍﻹﻧﻘﻄﺎﻉ كقوله : 

ﻭﺗﻈﻦّ ﺳﻠﻤﻰ ﺃﻧّﻨﻲ ﺃﺑﻐﻲ ﺑﻬﺎ ﺑﺪﻻً ، ﺃﺭﺍﻫﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻀﻼﻝ ﺗﻬﻴﻢ

ﻓـ ‏( ﺃﺭﺍﻫﺎ ‏) ﻳﻔﺴﺪ ﻟﻮ ﻋﻄﻒ ﻋﻠﻰ ﻣﻈﻨﻮﻥ ﺳﻠﻤﻰ ﻭﻟﺬﺍ ﻳﺘﺮﻙ ﺍﻟﻌﻄﻒ 


7ـ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﺷﺒﻪ ﻛﻤﺎﻝ ﺍﻹﺗﺼﺎﻝ ﺑﺄﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﺍﻟﺠﻤﻠﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻭﺍﻗﻌﺔ ﻓﻲ ﺟﻮﺍﺏ ﺳﺆﺍﻝ ﻳﻔﻬﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﺠﻤﻠﺔ ﺍﻻﻭﻟﻰ ﻓﺘﻔﺼﻞ ﻋﻦ ﺍلأﻭﻟﻰ ﻛﻤﺎ ﻳﻔﺼﻞ ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ ﻋﻦ ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ : "ﻭﻣﺎ ﺍُﺑﺮّﻯﺀُ ﻧﻔﺴﻲ ﺇﻥَّ ﺍﻟﻨﻔﺲَ ﻷﻣّﺎﺭﺓ ﺑﺎﻟﺴﻮﺀ" 

وقول أبي تمام : 

ليس الحجاب بمقص عنك لي أملا***إن السماء ترجى حين تحتجب 


8ـ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﺍﻟﺠﻤﻠﺘﺎﻥ ﻣﺘﻮﺳﻄﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻜﻤﺎﻟﻴﻦ ﻣﻊ ﻗﻴﺎﻡ ﺍﻟﻤﺎﻧﻊ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻄﻒ ﺑﺄﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﺭﺍﺑﻄﺔ ﻗﻮﻳﺔ ﻭﻟﻜﻦ ﻣﻨﻊ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻄﻒ ﻣﺎﻧﻊ : ﻭﻫﻮ ﻋﺪﻡ ﻗﺼﺪ ﺍﻟﺘﺸﺮﻳﻚ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻜﻢ مثل قوله تعالى : 

"ﻭﺇﺫﺍ ﺧﻠﻮﺍ ﺍﻟﻰ ﺷﻴﺎﻃﻴﻨﻬﻢ ﻗﺎﻟﻮﺍ ﺇﻧّﺎ ﻣﻌﻜﻢ ﺇﻧَّﻤﺎ ﻧﺤﻦ ﻣﺴﺘﻬﺰِﺀﻭﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﻳﺴﺘﻬﺰﻯﺀ ﺑﻬﻢ" حيث جملة "ﺍﻟﻠﻪ ﻳﺴﺘﻬﺰﻯﺀ ﺑﻬﻢ" 

ﻻ ﻳﺼﺢ ﻋﻄﻔﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺟﻤﻠﺔ ‏"ﺇﻧّﺎ ﻣﻌﻜﻢ" ﻻﻗﺘﻀﺎﺀ ﺍﻟﻌﻄﻒ ﺃﻧﻪ ﻣﻦ ﻣﻘﻮﻝ ﺍﻟﻤﻨﺎﻓﻘﻴﻦ ﻭﺍﻟﺤﺎﻝ ﺃﻧﻪ ﺩﻋﺎﺀ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﻠﻪ .

ﻛﻤﺎ ﺃﻧﻪ ﻻ ﻳﺼﺢ ﻋﻄﻔﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺟﻤﻠﺔ ‏"ﻗﺎﻟﻮﺍ" ﻻﻗﺘﻀﺎﺀ ﺍﻟﻌﻄﻒ ﻣﺸﺎﺭﻛﺘﻬﺎ ﻟﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻘﻴﻴﺪ ﺑﺎﻟﻈﺮﻑ ﻭﺍﻥ ﺍﺳﺘﻬﺰﺍﺀ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﻬﻢ ﻣﻘﻴّﺪ ﺑﺤﺎﻝ ﺧﻠﻮّﻫﻢ ﺇﻟﻰ ﺷﻴﺎﻃﻴﻨﻬﻢ ﻭﺍﻟﺤﺎﻝ ﺃﻥ ﺍﺳﺘﻬﺰﺍﺀ ﺍﻟﻠﻪ ﻏﻴﺮ ﻣﻘﻴّﺪ ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﺤﺎﻝ ﻭﻟﺬﺍ ﻳﻠﺰﻡ ﺍﻟﻔﺼﻞ ﺩﻭﻥ ﺍﻟﻮﺻﻞ


1.الفصل والوصل في بلاغة الجرجاني:

يقول الجرجاني واعلم أن سبيلنا أن ننظر إلى فائدة العطف في المفرد ثم نعود إلى الجملة، فننظر فيها ونتعرف حالها، ومعلوم أن فائدة العطف في المفرد ،أن يشترك الثاني في إعراب الأول وأنه إذا أشركه في إعرابه فقد أشركه في حكم ذلك الإعراب نحو: أن المعطوف على المرفوع بأنه فاعل مثله، والمعطوف على المنصوب بأنه مفعول به أو فيه أو له شريك له في ذلك. 

والجرجاني انطلاقا من هذا الكلام أراد أن يحدد المواضع التي يجب فيها الوصل؛ أي وضع حرف العطف للوصل بين جملتين وهي: 

 إذا قصد اشتراكهما في الحكم الإعرابي:

إذا اتفقت جملتان في الإعراب، فواجب فيهما الوصل، ويمكن أن نستخرج المثالين الذين أعطاهما الجرجاني:

مررت برجل خلُقه حسن وخِلقه قبيح.

 فالجملتان (خلقه حسن وخِلقه قبيح) مشتركتان في الحكم الإعرابي، لكون الأولى جاءت جملة إسمية مكونة من مبتدأ وخبر، وهي صفة للرجل، وكذلك جاءت الجملة الثانية معطوفة على الصفة، أما من حيث تركيبُها فقد وافقت الأولى لأنها اشتملت على مبتدأ وخبر. وهذه هي العلة من وضع حرف العطف. 

 إذا اتفقت الجملتان خبرا أو إنشاء وكانت بينهما مناسبة تامة:

ويورد الجرجاني مثالا على هذا (هو يقول ويفعل وينفع ويحسن ويأمر وينهي ويعقد ويأخذ).

ف "هو": ضمير منفصل مبني على السكون في محل رفع مبتدأ، والأفعال التي جاءت بعده تحمل غرض الإخبار لأنها جمل فعلية، فكل فعل يحمل ضميرا مستترا هو الفاعل محلا. 

 إذا اتفقت الجملتان من حيث المعنى.

يقول الجرجاني: "ولا يتصور إشراك بين شيئين حتى يكون هناك معنى يقع ذلك الاشتراك فيه" ، وورد مثال على هذا داخل دلائل الإعجاز هو: العلم حسن والجهل قبيح، ولا يجوز أن تقول العلم حسن أحسن الذي يقول (فتورد أبياتا شعرية)، فلا بد أن يحضر المعنى للحفاظ على سلامة الجمل دلالة وتركيبا. وهذا هو مفهوم النظم داخل علم المعاني فهو يعمل على إخراج الجمل سليمة نحوا ومعنا، ولذلك سبق وأن قلنا بأن نظرية النظم أطرت الكتاب كله.

2.مواضع الفصل في بلاغة الجرجاني:

لا يمكن عزل الفصل أو استحضاره إلا إذا تمت مراعاة الأساس النحوي عند الجرجاني ، فعندما أراد أن يحدد مواطن الفصل في الكلام وضع بين نصب عينه نظرية النظم.

- الأسماء المؤكد الواصفة لا تحتاج إلى رابط.

واستشهد الجرجاني بمجموعة من الأمثلة يمكن ذكرها على الشكل التالي:

جاءني زيد الظريف / جاءني القوم كلهم / قال تعالى: "ألم ذلك الكتاب لا ريب فيه".

ففي الجملة الأولى لم نجد حرف العطف لأنها جاءت موصوفة، وبالتالي لا يجب عزل الموصوف على الصفة، وفي الجملة الثانية لم يوضع حرف العطف لأنها جاءت مؤكدة بتوكيد ، وبالتالي لا يمكن الوصل بين المؤكد والتوكيد.

أما الآية الكريمة فجاءت خالية من العطف، لأن الجملة "لا ريب فيه" جاءت حالية، فـ"لا" نافية للجنس و"ريب" اسمها مبني على الفتح في محل نصب و"فيه" شبه جملة من الجار والمجرور في محل رفع خبر، وجملة لا النافية للجنس في محل نصب حال.

نستنتج إذن أن الفصل بين الجملتين يظهر عندما تكون الجملة الثانية توكيدا للأولى، أو بيانا لها، أو بدلا منها، أو حالا؛ أي أن يكون بينهما اتصال تام لا يحتاج إلى عطف.

(مباحث باب الفصل والوصل)

____________________

1-تصنيفه: من أبواب علم المعاني،

2- أهميته ودوره: بما أن الفصل والوصل هو عبارة عن العلم بمواضع العطف أو الاستئناف والتهدي إلى كيفية إيقاع حروف العطف في مواقعها، أو تركها عند عدم الحاجة إليها،فهو بهذا الإعتبار باب صعب المسلك لطيف المغزى كثير الفائدة غامض السر لا يُوَفَّق للصواب فيه إلا من أوتي حظا من حسن الذوق وطبع على البلاغة ورزق بصيرة نقادة في إدراك محاسنها, ولصعوبة ذلك جعل حدا للبلاغة, ألا ترى إلى بعض البلغاء وقد سئل عن البلاغة فقال: (هي معرفة الفصل والوصل)، فجعل ما سواه تبعا ومفتقرا إليه, وليس بالخفي أنه لم يرد بذلك إلا التنبيه على غموضه وجليل خطره وأن أحدًا لا يكمل في معرفته إلا كمل في سائر فنونها، فإن سبك الكلام وقوة أسره وشدة تلاحم أجزائه تحتاج إلى صانع صنع وحاذق ماهر يبين بين أقسام الجمل التي تفصل والتي توصل, فيرى الفرق واضحا بين جملتين تمتزجان حد الامتزاج, حتى كأن إحداهما الأخرى وجملتين لا تناسب بينهما[1] فإحداهما مُشْئِمَة[2] والأخرى مُعْرِقَة، وجملتين هما وسط بين الأمرين فيحكم بوجوب الفصل في النوعين الأولين والوصل في النوع الثالث، واعتبر ذلك بما تراهم قد أجمعوا عليه من النعْي على أبي تمام(حبيب بن أوس الطائي) وهو من هو، في قرض الشعر، ورفعة المنزلة، في صياغة الكلام، في قوله يمدح أبا الحسين محمد الهيثم:

زعمت هواك عفا الغداة كما ... عفت منها طلول باللوى ورسوم، 

لا والذي هو عالم أن النوى ... صبِر وأن أبا الحسين كريم[3]

إذْ قد وصل "وأن أبا الحسين كريم" بما قبله ولا مناسبة بين كرم أبي الحسين ومرارة النوى، ولا تعلق لأحدهما بالآخر، إذ لا يقتضي الحديث بهذا الحديث بذلك.

__________

1 المراد بذلك شدة التباين بينهما.

2 أي: ذاهبة نحوَ الشام.و معرقة: ذاهبة ناحية العراق، والمراد أن بين الجملتين تفاوتا كبيرا،

[3] زعمت: أي: محبوبته، عفا: درس وزالت معالمه، والطلول جمع طلل آثار الديار التي هجرها أهلها، والصبر ثم شجر مر, والخطاب في هواك للنفس، وجواب القسم ما ذكره في البيت بعده:

ما زلت عن سَنَن الوداد ولا غدت ... نفسي على إلف سواك تحوم.[سنن: طريق].

كاتب
كاتب
مصطفى خميس خريج كلية اللغة العربية جامعة الإسكندرية، لعيب كرة قدم سابق لدي نادي أهلي دمنهور، مدون ومحرر اخبار ومالك عدة مواقع إلكترونية.
تعليقات