في أَحْوَالِ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ
المسند إليه: هو المبتدأ الّذي له خبر، والفاعل،ونائبه،وأسماؤه،وأحواله هي النَّواسخ: الذِّكر،والحذف،والتّعريف، والتّنكير،والتّقديم،والتّأخير،وغيرها.
وفي هذا الباب عِدَّةُ مَباحِث.
في ذِكْرِ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ
كلّ لفظ يدلّ على معنًى في الكلام خليق طبعًا بالذِّكر؛لتأدية المعنى المُراد به؛فلهذا يُذْكَرُ الْمُسْنَدُ إليه وُجوبًا؛حيث إنَّ ذِكْرَهُ هو الأَصل،
ولا مُقتضَى للحذف؛لعدم وجود
قرينة تدلّ عليه عند حذفه،وإلّا كان الكلام مُعمًّى مبهمًا،لا يستبين المُراد منه.
وقد يترجَّح الذِّكْرُ مع وجود قرينة تمكِّن من الحذف،حين لا يكون منه مانع.
فَمِن مُرَجّحاتِ الذِّكْرِ:
(١)زيادة التّقرير والإيضاح لِلسّامِع، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
((أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)).
وَكَقَوْلِ الشّاعِر:
هو الشّمس في العَليا هو الدّهر في السَّطا
هو البدر في النَّادي هو البحر في النَّدى
(٢).قِلّة الثِّقَة بِالقَرِينَة؛لَضعفِها أَو ضعف فهم السَّامع،نحو:(سَعد نِعْمَ الزّعيم !)،تقول ذلك إذا سبق لك ذِكر سعد،وطال عهد السّامع به،أو ذُكر معه كلام في شأَن غيره.
(٣).الرَّدّ على المُخاطَب،نحو:
(اللهُ واحِدٌ)؛ ردًّا على مَن قال: اللهُ ثالِثُ ثَلاثَة.
(٤).التَّلذُّذ،نحو:(اللهُ رَبِّي،اللهُ حَسبي).
(٥).التَّعرِيض بِغَباوَةِ السّامِع،نحو: «سَعيدٌ قالَ كَذا» في جواب: ماذا قال سَعيدٌ؟
(٦).التّسجيل على السّامِع حتّى لا يتأتَّى له الإنكار،كما إذا قال الحاكِم لِشاهِد:
(هَل أَقَرَّ زَيْدٌ هَذا بِأَنَّ عَلَيْهِ كَذا)؟ فَيقول الشّاهد: نَعَمْ زيد هذا أَقَرَّ بِأَن عليه كذا.
(٧).التَّعجُّب،إذا كان الحُكْمُ غَريبًا، نحو: «عَليٌّ يُقاومُ الأَسد» في جواب مَن قال: هَل عَليٌّ يُقاومُ الأَسد؟
(٨).التّعظيم،نحو: «حَضَرَ سَيْفُ الدَّولة» في جواب مَن قال: هَلْ حَضَرَ الأَمير؟
(٩).الإِهانَة،نحو: «السّارِقُ قادِمٌ» في جواب مَن قال: هَلْ حَضَرَ السَّارِقُ؟
المبحثُ الثّاني في حَذْفِ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ
الحذف خلاف الأصل،ويكون لِمجرّد الاختصار والاحتراز عن العَبَث،بناءً على وجود قرينة تدلَّ على المحذوف، وَهُوَ قِسْمانِ:
(أ).قِسْمٌ يظهر فيه المحذوف عند الإعراب: كقولهم: «أَهْلًا وَسْهْلًا»فإنَّ نصبهما يدل على ناصب محذوف يُقدَّر بنحو: جئتَ أَهلًا ونزلتَ مكانًا سهلًا،وليس هذا القِسم مِن البلاغة في شيء.
(ب).وَقِسْمٌ لا يظهر فيه المحذوف عند الإعراب،وإنَّما تعلم مكانه إذا أنت تصفّحت المعنى ووجدته لا يتمّ إلّا بمراعاته،نحو: يُعطي ويمنع،أي: يُعطي مَن يشاء ويمنع مَن يشاء،ولكن لا سبيل إلى إظهار ذلك المحذوف،ولو أنت أظهرته زالت البهجة،وضاع ذلك الرّونق.
وَمِن دَواعي الحذف إذا دلّت عليه قرينة،وتعلّق بتركه غرض من الأَغراض الآتية:
(١).ظُهورُهُ بِدلالَة القَرائِن عليه،نحو: ((فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ)).أَيْ: أَنا عجوز.
(٢).إِخفاء الأَمر عن غير المُخاطَب،نحو: «أقبلَ» تُريد عَلِيًّا مَثلًا.
(٣).تيسُّر الإنكار إن مسَّت إليه الحاجة،نحو «لئيم خسيس» بعد ذِكر شخص لا تذكر اسمه؛ ليتأتَّى لك عند الحاجة أن تقول ما أردته ولا قصدته.
(٤).الحَذَرُ مِن فَواتِ فُرْصَةٍ سانِحَةٍ،كَقول مُنَبِّه الصيَّاد: «غزال»،أَي: هذا غزال.
(٥).اختبار تنبُّه السّامع له عند القرينة،أَو مقدار تنبُّهه،نحو: نوره مستفاد من نور الشّمس،أَو هو واسطة عقد الكواكب،«أي: القمر» في كلّ من المثالين.
(٦).ضيق المقام عن إطالة الكلام بسبب تضجّر وتوجّع،كقوله:
قال لي: كيف أنت؟ قُلْتُ: عَلِيلُ
سَهَرٌ دائِمٌ وَحُزْنٌ طَوِيلُ
(٧).المُحافَظَةُ على السَّجع،نحو:
مَن طابت سَريرتُه، حُمِدَت سيرتُه.
(٨).المُحافَظَةُ على قافِيَة،كقوله:
وَما المال والأهلون إِلَّا وَدائِعٌ
وَلا بُدَّ يَوْمًا أَنْ تُرَدَّ الوَدائِعُ.
(٩).المُحافَظَةُ على وَزن،كقوله:
على أًنّني راضٍ بأن أحمل الهوى وأخلص منه لا عليَّ ولا ليا.
(١٠).كَوْنُ الْمُسْنَدِ إليه مُعَيَّنًا مَعْلُومًا «حقيقة»،نحو: «عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ»،أَي: الله،أَو معلومًا «ادِّعاءً» نحو: «وَهَّاب الأُلوف»،أَي: فُلان.
(١١).اتباع الاستعمال الوارد على تركه⚘(١٠)،نحو: «رُمْيَة مِن غَيْرِ رامٍ» أَي:هذه رُمْيَة،ونحو: «نِعْمَ الزَّعِيمُ سعد!» أي: هو سعد.
🏵(١٢).إِشعارٌ أَنّ في تَرْكِه تَطهيرًا له عَن لِسانِك،أَو تَطهيرًا لِلِسانِك عنه،مثال الأوّل: «مُقَرِّرٌ لِلشّرائع مُوضحٌ لِلدّلائِل» تريد صاحب الشّريعة،ومثال الثّاني: ((صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ)).
🏵(١٣).تَكثير الفائِدَة،نحو:
((فَصَبْرٌ جَمِيلٌ))،أَيْ:فأَمري صبر جميل.
🏵(١٤).تعيُّنه بالعهديّة،نحو:
((وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ)).⚘(١١).
أي السّفينة،ونحو:((حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ))،أَي:الشّمس.
ومرجع ذلك إلى الذّوق الأدبي،فهو الّذي يُوحي إليك بما في القول من بلاغة وحسن بيان.
فِي أَحْوَالِ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ
في تَعْرِيفِ المُسْنَد إِلَيْهِ
اعْلَمْ أَنَّ حَقَّ المُسْنَدِ إليه أَنْ يكونَ مَعْرِفَةً؛ لِأَنَّهُ المحكوم عليه الّذي يَنبغي أن يكونَ مَعلومًا؛ لِيَكُونَ الْحُكْمُ مُفِيدًا.
وَتَعريفه: إمّا بالإضمار،وَإمّا بالعَلَمِية،وَإمّا بالإشارة،وَإمّا بالموصوليّة،وَإمّا بِأَل،وَإمّا بالإضافة، وَإمّا بالنّداء.
تَعْرِيفِ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ بِالْإِضْمَارِ
يُؤتَى بِالْمُسْنَدِ إِلَيْهِ ضَمِيرًا لِأَغْرَاض:
(١).لِكَوْنِ الْحَدِيثِ في مَقامِ«التَّكَلُّمِ» كَقَوْلِهِ_عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ_:
«أَنا النَّبِيُّ لا كَذِب،أَنا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِب.»
(٢).أَوْ لِكَوْنِ الْحَدِيثِ في مَقَامِ «الخِطاب»،كَقَوْلِ الشَّاعِر:
وَأَنْتَ الَّذِي أَخْلَفْتَنِي ما وَعَدْتَنِي وَأَشْمَتَّ بِي مَن كَانَ فِيكَ يَلُومُ
(٣).أَوْ لِكَوْنِ الْحَدِيثِ في مَقَامِ «الغَيْبَة»،نَحْوُ: هُوَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى.
وَلَا بُدَّ مِن تَقَدُّمِ ذِكْرِهِ:
(أ).إِمَّا لَفْظًا،كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
((وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ)).يونس:(١٠).
(ب).وَإمَّا مَعْنًى،نَحْوُ:
((وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ)).النُّور:(٢٨).أي «الرُّجوع».
وَنَحْوُ:((اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى)).
المائِدَة:(٨).أَي: العدل.
(جـ).أَوْ دَلَّتْ عَلَيْهِ قَرينَةُ حال،كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ((فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ)).
النّساء:(١١)،أي: الميت.
👈تَنبيهات:
________
🟩الأوّل: الأَصْلُ في الْخِطَابِ أَنْ يَكُونَ لِمُشاهَدٍ مُعَيَّنٍ،نَحْوُ:
أَنْتَ اسْتَرَقْتَنِي بِإِحْسَانِك.
وَقَد يُخاطب:
(أ).غَيْرُ الْمُشاهَد إِذَا كَانَ مُسْتَحْضَرًا في القلب،نَحْوُ:((لَآ إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ)).الأنبياء:(٨٧)،وَنَحْوُ:
جودي بقربك أبلُغ كُلَّ أُمنيتي
أََنتِ الحياةُ وَأَنتِ الكونُ أَجمعه
(ب).وَغَير المُعَيَّن إذا قُصِدَ تَعميم الخطاب لِكلِّ مَن يُمكنُ خَطابه على سَبيل البَدَل،لا التَّناوُل دُفْعَةً واحِدَةً، كَقَوْلِ الْمُتَنَبِّي:
إِذا أَنْتَ أَكْرَمْتَ الْكَرِيمَ مَلَكْتَهُ
وَإِنْ أَنْتَ أَكْرَمْتَ اللَّئِيمَ تَمَرَّدَا
🟩الثّاني: الأَصْلُ في وَضْعِ الضَّمِيرِ عَدَمُ ذِكْرِهِ إِلّا بَعْدَ تَقَدُّمِ ما يُفَسِّرُهُ.
وَقَد يُعْدَلُ عَن هَذا الْأَصْلِ،فَيُقَدَّمُ الضَّمِيرُ عَلَى مَرْجِعِهِ لِأَغْرَاضٍ كَثِيرَةٍ:
👇👇👇
(أ).مِنها تَمْكِينُ مَا بَعْدَ الضَّميرِ في نَفْسِ السَّامِعِ لِتَشَوُّقِهِ إِلَيْهِ،كَقَوْلِهِ:
هِيَ النَّفْسُ ما حَمَّلْتَها تَتَحَمَّلُ
...وَنِعْم رَجُلًا عَلِيٌّ،فَالفاعِلُ ضَميرٌ يُفَسِّرُهُ التَّمْيِيزُ. وَيَطَّرِدُ ذَلِكَ في بابِ نِعْمَ وَبِئْسَ،وَفِي بابِ ضَمِيرِ الشَّأنِ،نَحْو قَوْلِهِ تَعَالَى:
((هُوَ اللهُ أَحَدٌ)).الإِخلاص:(٢).
(ب).وَمِنْهَا ادِّعاء أَنَّ مَرْجِعَ الضَّمِيرِ دائِمُ الْحُضُورِ في الذِّهْنِ،نَحْوُ:
أَقْبَلَ وَعَلَيْهِ الْهَيْبَةُ وَالْوِقَارُ...
وَنَحْوُ قَوْلِ الشَّاعِر:
أَبَتِ الْوِصَالَ مَخَافَةَ الرُّقَبَاءِ
وَأَتَتْكَ تَحْتَ مَدارِعِ الظَّلْمَاءِ
وَيُسَمّى هَذَا الْعُدُولُ بِالْإِضْمَارِ في مَقامِ الْإِظْهَارِ.
🟩الثّالِث: يُوضَعُ الظَّاهِرُ،سَواء أَكانَ عَلَمًا،أَو صِفَةً،أَو اسْمَ إِشارَة،مَوْضِعَ الضَّمير لِأَغْراضٍ كَثِيرَةٍ:
(١).مِنها إِلقاءُ الْمَهابَةِ في نَفْسِ السّامِعِ
،كَقَوْلِ الْخَلِيفَةِ: أَمِيرُ الْمُؤمِنِينَ يَأمُرُ بِكَذَا.
(٢).وَتَمْكِينُ الْمَعْنَى في نَفْسِ الْمُخَاطَبِ،نَحْوُ:((اللهُ رَبِّي وَلَآ أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا)).الكهف:(٣٨).
(٣).وَمِنْهَا التَّلَذُّذُ،كَقَوْلِ الشَّاعِر:
سَقَى اللهُ نَجْدًا وَالسَّلَامُ عَلَى نَجْدِ
وَيَا حَبَّذَا نَجْدٌ عَلَى الْقُرْبِ وَالْبُعْدِ
(٤).وَمِنْهَا الاسْتِعْطَافُ،نَحْوُ:
اللهمَّ عَبْدُكَ يَسْأَلُكَ الْمَغْفِرَةَ،(أَيْ:
أَنَا أَسْأَلُكَ)،وَيُسَمَّى هَذَا الْعُدُولُ بِالْإِظْهَارِ في مَقَامِ الْإِضْمَارِ.
(٥).المَبْحَثُ الخامِسُ:
🟣في تَعْرِيفِ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ بِالْعَلَمِيَّةِ:
____________________
يُؤتى بِالْمُسْنَدِ إِلَيْهِ عَلَمًا لِإِحْضَارِ مَعْنَاهُ في ذِهْنِ السَّامِعِ بِاسْمِهِ الخاصِّ؛ لِيَمْتازَ عَمَّا عَداهُ،كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
((وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ)).البقرة:(١٢٧).
وَقَد يُقْصَدُ بِهِ مَعَ هَذَا أَغْرَاضٌ أُخْرَى تُناسِبَ الْمَقَامَ:
(١).كَالْمَدْحِ في الْأَلْقَابِ الَّتِي تُشْعِرُ بِذَلِكَ،نَحْوُ: جاءَ نَصر،وَحَضَرَ صَلاحُ الدِّين.
(٢).وَالذّمّ وَالْإِهانَة،نَحْوُ: جاءَ صَخر، وَذَهَبَ تَأَبَّطَ شَرًّا.
(٣).وَالتّفاؤُل،نَحْوُ: جاءَ سُرور.
(٤).وَالتَّشاؤُم،نَحْوُ: حَرْبٌ في الْبَلَدِ.
(٥).وَالتَّبَرُّك،نَحْوُ: «اللهُ أَكْرَمَنِي» في جَوابِ: هَلْ أَكْرَمَكَ اللهُ؟
(٦).وَالتَّلَذُّذ،كَقَوْلِ الشّاعِر:
باللهِ يا ظَبْياتِ القاعِ قُلْنَ لَنا
لَيْلَايَ مِنْكُنَّ أَمْ لَيْلَى مِنَ البَشَرِ
(٧).وَالْكِنَايَة عَن مَعْنًى يَصْلحُ الْعَلمُ لِذَلِكَ الْمَعْنَى بِحَسب مَعناه الأَصْلِيّ قَبْلَ الْعَلَمِيَّة،نَحْوُ: أَبو لَهَب فَعَلَ كَذا... كِنايَة عَن كَوْنِهِ جَهَنَّمِيًّا؛ لِأَنَّ اللَّهَبَ الْحَقِيقِيّ هُوَ لَهَبُ جَهَنَّم،فَيَصِحّ أَنْ يُلاحَظَ فيهِ ذَلِكَ.
(٦).المَبْحَثُ السَّادِسُ:
🏵في تَعْرِيفِ الْمسْنَدِ إِلَيْهِ بِالْإِشَارَةِ:
____________________
يُؤتى بِالْمُسْنَدِ إِليْهِ اسْمُ إِشَارَةٍ إِذَا تَعَيَّنَ طَرِيقًا لِإِحْضَارِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ في ذِهْنِ السَّامِع،بِأَن يَكُونَ حاضِرًا مَحْسُوسًا،وَلَا يَعْرِفُ الْمُتَكَلِّمُ وَالسَّامِعُ اسْمَهُ الخاصّ،وَلَا مُعَيِّنًا آخَر،كَقَوْلِك: «أَتَبِيعُ لي هَذَا؟» مُشِيرًا إِلى شَيْءٍ
لا تَعْرِفُ لَهُ اسْمًا وَلَا وَصْفًا.
أَمَّا إِذا لَمْ يَتَعَيَّنْ طَرِيقًا لِذَلِكَ،فَيَكُونُ لِأَغْرَاضٍ أُخْرَى:
(أ).بَيان حالِهِ في الْقُرْبِ،نَحْوُ:
هَذِهِ بضاعَتُنا.
(ب).بَيان حالِهِ في التَّوَسُّط،نَحْوُ:
ذاكَ وَلَدِي.
(جـ).بَيان حالِهِ في الْبُعْدِ،نَحْوُ:
((ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ)).ق:(٢٠).
(١).تَعظيم دَرجَته بِالْقُرْبِ،نَحْوُ:
((إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ)).الإسراء:(٩).
أَو تَعظيم دَرَجته بِالْبُعْدِ،كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
((ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ)).
البقرة:(٢،١).
(٢).وَالتَّحقير بِالْقُرْبِ،نَحْوُ:
((هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ)).
الأنبياء:(٣).
أَو التَّحقِير بِالْبُعْدٍ،كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
((فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ)).
الماعون:(٣).
(٣).وَإِظهار الاسْتِغراب،كَقَوْلِ الشَّاعِر:
كَم عاقلٍ عاقلٍ أَعيَتْ مَذاهِبُهُ
وَجاهِلٍ جاهِلٍ تَلْقَاهُ مَرْزُوقا
هَذَا الَّذِي تَرَك الْأَوْهَامَ حَائِرَةً
وَصَيَّرَ الْعَالِمَ النِّحْرِيرَ زِنْدِيقا
(٤).وَكَمال العِنايَة وَتَمْيِيزه أَكْمَلَ تَمْيِيزٍ،كَقَوْلِ الْفَرَزْدَق:
هَذَا الَّذِي تَعْرِفُ الْبَطْحَاءُ وَطْأَتَهُ وَالْبَيْتُ يَعْرِفُهُ وَالْحِلُّ وَالْحَرَمُ
ونحو قوله: هذا أبو الصّقر فردًا في محاسنه.
(٥).وَالتَّعريض بِغَبَاوَةِ الْمُخَاطَبِ، حَتَّى كَأَنَّهُ لا يفهم غير المحسوس، نَحْوُ:
أُولئِكَ آبائِي فَجِئْنِي بِمِثْلِهِم
إِذا جَمَعَتنا يا جَريرُ المجامِعُ
(٦).وَالتَّنبيه عَلى أَنَّ الْمُشارَ إِلَيْهِ الْمُعَقبَ بِأَوصاف جَديرٌ لِأَجْلِ تِلْكَ الأَوصاف بِما يُذْكَرُ بَعْدَ اسْمِ الإِشارَة، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
((أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ))⚘[١].البقرة:(٥).
وَكَثِيرًا ما يُشارُ إِلى القَريبِ غَير المُشاهَد بِإشارَةِ البَعيد؛ تَنْزِيلًا لِلْبُعْدِ عَن العيان مَنْزِلَةَ الْبُعْدِ عَنِ الْمَكَانِ، نَحْوُ:((ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا)).الكهف:(٨٢).