مسوغات تجيز أن يكون المبتدأ نكرة، وصلت عند بعضهم إلى ثلاثين حالاً، نذكر أشهر هذه الأحوال.
أشهر مسوغات المبتدأ النكرة
يكون المبتدأ نكرةً إذا كانت النَّكرة موصوفةً وصفاً مخصَّصاً بصفة صريحة أو مقدَّرة، كقولنا: عدوٌّ عاقلٌ خيرٌ من صديقٍ جاهلٍ.
أن تكون النَّكرة مضافة، كقولنا: عزيزُ قومٍ ذلَّ. فعزيز مبتدأ نكرة مضاف مرفوع بالضَّمَّة، والجملة الفعلية في محل رفع خبر، ويجب الانتباه إلى السِّياق فإنْ كانَ عزيزٌ اسمَ علمٍ أصبح مبتدأ معرفة.
أن تكون النَّكرة مصغَّرةً، كقولنا: كتيبٌ قرأتُه. فالأصل فيها: كتابٌ صغيرٌ قرأتُه.
يكون المبتدأ نكرة إذا تقدَّم الخبر عليه وكان شبه جملة ظرفاً أو جاراً ومجروراً، كقولنا: عند زيدٍ مالٌ. مالٌ مبتدأ نكرة مؤخر مرفوع بالضمة. أو قولنا: في البيت شجرةٌ.
من ذلك أيضاً أن يكون المبتدأ جواباً للسؤال، كقولنا: من عندك؟/ صديقٌ، وهو مبتدأ مؤخر وجوباً خبره محذوف.
يكون المبتدأ نكرة إذا سُبِق باستفهام، كقولنا هل غريبٌ بينكم الآن؟. غريبٌ مبتدأ نكرة.
يمكن للنَّكرة أن تكون مبتدأ إذا كانت محصورة، كقولنا: ما ناجحٌ إلَّا أنا.
إن وقعت النَّكرة بعد لولا جاز أن تكون مبتدأ، كقولنا: لولا إيمانٌ لهلك النَّاسُ.
إذا جاءت النَّكرة مسبوقةً بنفي، نحو قولنا: ما نعيمٌ دائمٌ.
أن تدلَّ النَّكرة على العموم، كقولنا: كلٌّ يموتُ.
أن تكون النَّكرة دعاءً، كقولنا: سلامٌ على دمشقَ وفلسطين.
أن تدلَّ النكرة على تقسيم أو تنويع، فنقول: المبتدأ نوعان: مبتدأٌ مع خبر، مبتدأٌ بغير خبر.
أن تقع النكرة بعد فاء الجزاء، كقولنا: إنْ فرَّ عصفورٌ فعصفورٌ في القفص.
أن تقع النَّكرة بعد إذا الفجائية، كقولنا: دخلتُ فإذا قاعةٌ ضيقةٌ.
أن تدخل على النكرة لام الابتداء، كقولنا: لَطالبٌ ناجحٌ.
الخلاصة أنَّ التَّمرس في اللُّغة والتفكير فيها يُغني عن حِفظِ مواضع تنكير المبتدأ، وذلك وفق القاعدة التي تقول: كل موقع أفادت فيه النَّكرة جاز الابتداء بها، أي شرطُ المبتدأ النَّكرة أن يكون مفيداً.
أحكام حذف المبتدأ جوازاً ووجوباً
يُحذف المبتدأ جوازاً إذا عُلِمَ أو دلَّ عليه دليل، وكَثُر حذفه جوازاً في ثلاثة مواضع:
أن يكون المبتدأ جواباً لسؤال، كقولنا: كيف حال زيدٍ؟/ مريضٌ. والأصل فيها (زيدٌ مريضٌ).
أن يكون المبتدأ بعد القول، على غرار: قالوا: كذبٌ. والأصل فيها (قالوا: هذا كذبٌ).
يكثُر حذف المبتدأ في العناوين، كقولنا: دارٌ الإذاعة (هذه دار الإذاعة).
حذف المبتدأ وجوباً
فيما يجب حذف المبتدأ في عدَّة أحوال أشهرها:
يُحذف المبتدأ وجوباً إذا أخبر عنه بمخصوص (نعمَ وبئسَ) كقولنا: بئس الصَّديق الحقودُ (تقديرها هو الحقود).
يُحذف المبتدأ وجوباً إذا أُخبر عنه بلفظٍ مشعرٍ بالقسم، كقولنا: في ذمتي لأصدقنَّ (في ذمتي عهدٌ).
إذا أُخبر عن المبتدأ بمصدر نائب عن فعله يحذف وجوباً، كقولك: صبرٌ جميلٌ (صبري صبرٌ جميلٌ)، سمعٌ وطاعة (حالي سمعٌ وطاعة).
يُحذف المبتدأ وجوباً إذا جاء الخبر بعد (لاسيما)، كقولنا: المجرمُ ذليلٌ لاسيما اللِّصُّ (التقدير ولا مثل الذي هو اللِّصُّ).
تقديم المبتدأ على الخبر
الأصل في المبتدأ أن يتقدم الخبر لأنَّه المحكوم عليه، فيكون المحكوم عليه متقدماً على المحكوم به، فهناك حالات يُعتبر تقديم المبتدأ على الخبر فيها واجباً، فيما يكون تقديم الخبر على المبتدأ جائزاً ما لم يقع في ذلك لبس.
أشهر مواضع تقديم المبتدأ على الخبر وجوباً
يتقدم المبتدأ الخبر وجوباً في مواضع عدَّة، الأصل فيها جميعاً تقدمُه إذا وقع في تأخيره لبس، ومن هذه المواضع:
يتقدم المبتدأ على الخبر وجوباً إذا كان من أسماء الصَّدارة، على غرار أسماء الشرط (من يدرس بجد ينجحْ)، أسماء الاستفهام (مَن لي مساعداً؟)، ما التعجبية (ما أسرعَ هذا الحصان)، كم الخبرية، (كم قصيدةٍ أعجبتني)، ضمير لام الابتداء (لخالدٌ زعيمٌ).
يتقدم المبتدأ على الخبر وجوباً إذا وقع في تأخيره التباسٌ مع الفاعل، ويكون الخبر جملة فعلية، كقولنا: المهاجرُ عادَ، فإذا قلنا (عاد المهاجرُ) التبس علينا إن كان (المهاجر) فاعلاً أم مبتدأ لذلك وجب تقديم المبتدأ في هذه الحال.
يتقدم المبتدأ على الخبر وجوباً إذا تساويا بالتَّعريف أو كانا نكرتين متساويتين في التخصيص، ولم تأتِ قرينةٌ تبيِّن المعنى المراد، كقولنا: نضالي طريقي (النضال هو المبتدأ وجوباً)، طريقي نضالي (الطريق هو المبتدأ وجوباً)، وفي هذه الحال يجب أن نبدأ الكلام بما نريد الحكم عليه.
يتقدم المبتدأ على الخبر وجوباً إن كان الخبر محصوراً، كقولنا (ما نبيلٌ إلَّا طبيبٌ) فانظر الاختلاف في المعنى إذا قلنا (ما طبيبٌ إلَّا نبيلٌ)، وكي لا يقع اللبس وجب تقديم المبتدأ في هذه الحالة.
يتقدم المبتدأ على الخبر وجوباً إذا تعدَّد الخبر، كقولنا: البطيخةُ حمراءُ بيضاءُ.
أشهر مواضع تأخير المبتدأ عن خبره وجوباً
الهدف من تأخير المبتدأ عن خبره وجوباً هو نفس الهدف من تقديمه، أي منع وقوع اللبس في أذن السامع، وهناك عدَّة أحوال وجب فيها تأخير المبتدأ عن خبره، نذكر منها:
يتأخر المبتدأ عن الخبر وجوباً إذا كان المبتدأ نكرةً لا مسوغ للابتداء بها، كقولنا: عندي صديقٌ. فلم يجز أن نقول (صديقٌ عندي)، لأن تقديم الخبر على النكرة هو مسوغ كونها مبتدأ.
يتأخر المبتدأ وجوباً إذا اشتمل على ضميرٍ يعود على جزءٍ من المبتدأ، فنحن نقول: في السَّيارة صاحبها. انظر اللَّبس إن قلتَ (صاحبها في السَّيارة) وقد عاد الضَّمير على متأخر لفظاً ومعنىً.
إذا كان المبتدأ محصوراً وجب تأخيره، كقولنا: ما في الوحدة إلَّا القوَّةُ.
كما يتأخر المبتدأ وجوباً إذا دلَّ الخبر على ما لا يفهم إلَّا بتقديمه، كقولنا: لله درّك. فإن تقدم المبتدأ لم يفهم التعجب.
هناك مواضع أخرى وجب معها تقديم الخبر وتأخير المبتدأ كأن يكون القول مثلاً شعبياً، فالأمثال تقاس على السماع ولا يحدث فيها التغيير.
جواز تأخير المبتدأ عن الخبر
يجوز تأخير المبتدأ إن كان المبتدأ معرفة وخبره شبه جملة، فنقول: إلى الله المصيرُ/ المصيرُ إلى الله.
كما يجوز تأخير المبتدأ إذا كانت الصدارة في معنى الخبر، كالشاخصات التحذيرية (ممنوعٌ التدخينُ) والأصل فيها التدخينُ ممنوعٌ.
