📁 آخر الأخبار

ما القاعدة لو تأخر العدد عن المعدود؟ شرح شامل

 ما القاعدة لو تأخر العدد عن المعدود؟

شاع كثيرا لدى الباحثين والدارسين أن العدد إذا تأخر عن المعدود جاز تذكيره وتأنيثه ويعتبرونها قاعدة ثابتة من الثوابت الإعرابية مثل قاعدة الاسم المحلى بال بعد اسم الإشارة بدل

والحقيقة لا هذه ولا تلك قاعدة ولا ثابتة، وقد ناقشنا من قبل قاعدة الاسم المحلى بال بعد اسم الإشارة وأثبتنا أنه حسب موقعه وليس بالضرورة أن يكون بدلا..

ولست بصدد بيان هذا الآن بل بصدد قاعدة العدد عن المعدود

معلوم أن العدد من ثلاثة إلى عشرة يخالف معدوده تذكيرا وتأنيثا سواء تقدم أو تأخر وبهذا أتت الشواهد وهي كثيرة يكفي أن أذكر بعض آيات من القرآن على سبيل الإجمال قال تعالى (في ظلمات ثلاث) وقال (قل من رب السماوات السبع)

وقوله (وليال عشر).. في كل هذا جاء العدد مخالفا ولم يأت موافقا للمعدود رغم تأخره..

وبالبحث عن أصل هذه القاعدة وجدت أن كلام النحاة يفهم منه وجوب المخالفة سواء تقدم العدد أو تأخر بل نص ابن هشام على هذا والنحاة مفهوم كلامهم هذا في تأويل بيت الشعر الذي سيجيء ذكره..

ولم يذكر جواز الأمرين أحد من المتقدمين وإنما بعض المتأخرين منهم الصبان في حاشيته، وعزاه للنووي رحمه الله وهو وهم منه لأن النووي ما ذكر هذا بل النووي كان يتكلم عن حذف المعدود وهي مسألة أخرى مثل من صام رمضان وأتبعه بست من شوال،

ثم ذكرها محيي الدين عبد الحميد رحمه الله في حاشيته على الإنصاف ، ثم عباس حسن ومختار عمر وأقرها مجمع اللغة..

ولهم شاهد واحد هو قول الشاعر (وقائع من مضر تسعة) حيث أنث تسعة..

وبالرجوع للإنصاف تجد الأنباري قال إن العرب تطلق الوقائع وتريد بها أيام العرب يقولون أيام العرب يعنون وقائعه ولهذا أنث بهذا الاعتبار، وقال هذا ابن منظور في لسان العرب (عَن ابْن السّكيت: الْعَرَب تَقول: الْأَيَّام، فِي معنى (الوقائع) .

يُقال: هُوَ عَالم بأيّام الْعَرَب، يُرِيد: وقائعها؛ وأنْشد:

وقائع فِي مُضر تِسعةٌ

وَفِي وائِل كَانَت العاشِرَةْ

فَقَالَ: تِسْعَة، وَكَانَ يَنْبَغِي أَن يَقُول: تِسع، لأنّ الوقيعة أُنْثَى، ولكنّه ذَهب إِلَى (الْأَيَّام) .

وَقَالَ شَمر: جَاءَت (الْأَيَّام) بِمَعْنى: الوقائع والنِّعَم.

قَالَ: وَإِنَّمَا قصّوا الْأَيَّام دون ذِكر اللَّيَالِي فِي الوقائع، لِأَن حروبهم كَانَت نَهَارا، وَإِذا كَانَت لَيْلًا ذكروها) وذكر هذا الهروي في تهذيب اللغة..

إذن لم احتاجوا لتأويل الوقائع بالأيام لو كان يجوز تذكير العدد وتأنيثه؟

مع احتمال ورود الضرورة الشعرية ألجأته لهذا..

ونجد السمين الحلبي يقول (المعدود المذكر متى ذُكر وجب لحاق التاء في عدده، وإذا حُذِف لفظًا، جاز في العدد الوجهان: ذِكْرُ التاء وعدمها)

والفيومي المتوفى سنة 760 هـ في المصباح المنير ((فصل) تقول: رجل واحد وثان وثالث إلى عاشر، وامرأة واحدة وثانية وثالثة إلى عاشرة، فتأتي باسم الفاعل على قياس التذكير والتأنيث، فإن لم يكن اسم فاعل وقد ميزت العدد أو وصفت به أتيت بالهاء مع المذكر، وحذفتها مع المؤنث على العكس، فتقول ثلاثة رجال، ورجال ثلاثة، وثلاث نسوة، ونسوة ثلاث، إلى العشرة)

وقول محيي الدين عبد الحميد رحمه الله لم يقل إنه قاعدة بل قال (ولي في هذا الموضوع رأي يصير به كلام الشاعر صحيحًا من غير حاجة إلى تأويل، ولا حملٍ على المعنى) فقد ذكرها رحمه الله على أنه رأي خاص به واجتهاد منه قد يخطئ ويصيب..

وأما قياسه على قاعدة النعت هو ومن جرى بعده فغير مسلم به لأن العدد يخالف معدوده أحيانا في مثل النعت بالمصدر تقول مررت بامرأة عدل وبنساء عدل..

فقد خالف النعت منعوته ولم يقل أحد إن النعت يجب أن يوافق منعوته هنا..

ومما سبق يتبين الآتي

لم ينص أي أحد من المتأخرين أو النحاة على أن العدد إذا تأخر عن المعدود جاز تذكيره أو تأنيثه ولا هي قاعدة، وإنما حملوها على قاعدة النعت وقد تبين لكم أن النعت لا يلزم موافقته لمنعوته بل قد يخالفه في مثل النعت بالمصدر

ثانيا: ليس هناك أي شاهد من القرآن أو السنة أو من كلام العرب على تذكير العدد وتأنيثه لو تأخر، وليس سوى شاهد واحد وهو مؤول على مجيء الوقائع بمعنى الأيام، ولو كان هذا جائزا لما احتاجوا لتأويل الوقائع بالأيام

ثالثا كلام النحاة كلهم مجمع على مخالفة العدد للمعدود، وإن لم يذكروا صراحة أنه لو تأخر وجب المخالفة لكنه مفهوم ضمنا من كلامهم ولو كان هذا جائزا لذكروه

رابعا الشواهد القرآنية والشعرية كلها على مخالفة العدد للمعدود سواء تقدم أو تأخر وقد ذكرت بعضها

وبهذا يبطل كون تلك قاعدة ويبطل القول بها ويفقدنا الثقة حتما في مجمع اللغة العربية المصري، هذا إن كان هناك أحد يثق فيه فأنا لا آخذ منه أي قاعدة ولا أرتضي أي قول يخالف فيه الأقدمين.

تعليقات