التَّقْيِيدُ بِضَمِيرِ الْفَصْلِ
ضَمِيرُ الْفَصْلِ هُوَ ضَمِيرٌ مُنْفَصِلٌ مِنْ ضَمَائِرِ الرَّفْعِ،يُؤتَى بِهِ لِغَرَضِ الْفَصْلِ بَيْنَ مَا هُوَ خَبَرٌ وَمَا هُوَ تَابِعٌ.
وَيَقَعُ فَصْلًا بَيْنَ الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَرِ،مِثْلُذح: المُتَنَبِّي هُوَ شاعِرُ الْعَرَبِيَّةِ الْمُبْدِعُ".
وَيَقَعُ فَصْلًا بَيْنَ مَا أَصْلُهُ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ مِمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ أَحَدُ النَّوَاسِخِ،مِثْلُ:
"إنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقُّ - وَكُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِم - وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثينَ - تَجِدُوهُ عِنْد اللهِ هُوَ خَيْرًا".
♦️الفَوَائِدُ الْبَلَاغِيَّةُ:
___________
لِضَمِيرِ الْفَصْلِ فَوَائِدُ بَلَاغِيَّةٌ مُتَعَدِّدَةٌ،
مِنْهَا مَا يَلِي:
(١).التَّخْصِيصُ،بِقَصْرِ الْمُسْنَدِ عَلَى الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ،مِثْلُ قَوْلِ اللهِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ فِي سُورَةِ(التَّوْبَة: ٩) :
((أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)).[الآية: ١٠٤] .
(٢).تَأكِيدُ التَّخْصِيص،إِذَا كَانَ فِي الْجُمْلَةِ مُخَصِّصٌ آخَر،كَمَا فِي الْمِثَالِ الثَّانِي مِنَ الْآيَةِ السَّابِقَةِ،وَكَمَا هُوَ قَوْلُ اللهِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ فِي سُورَةِ (الذَّارِيَات: ٥١):
((إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ)).[الآيَة: ٥٨] .
فَالتَّخْصِيصُ مُسْتَفَادٌ مِنْ تَعْرِيفِ طَرَفِي الْإِسْنَادِ،وَجَاءَ ضَمِيرُ الْفَصْلِ مُؤَكِّدًا لَهُ.
(٣).تَمْيِيزُ الْخَبَرِ عَنِ الصِّفَةِ،مِثْلُ قَوْلِنَا: "الْفَصِيحُ هو مُوضِحُ الْبَيَان طَلْقُ اللِّسَان".
إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَغْرَاضٍ بَلَاغِيَّةٍ يُمْكِنُ اسْتِنْبَاطُهَا أَوْ تَصَيُّدُها.
*** *** *** ***
(٧).🛑التَّقْيِيدُ بِالشَّرْطِ:
_____________
يَدْخُلُ الشَّرْطُ عَلَى الْجُمْلَةِ لِرَبْطِ الْحُكْمِ فِيهَا بِحُكْمٍ آخَرَ فِي جُمْلَةٍ أُخْرَى رَبْطًا شَرْطِيًّا،فَتَكُونُ الْجُمْلَتَانِ بِمَثَابَةِ جُمْلَةٍ وَاحِدَةٍ،وَتُسَمَّى عِنْدَئِذٍ جُمْلَة شَرْطِيَّة.
وَيُلَاحَظُ فِي الْجُمْلَةِ الشَّرْطِيَّةِ أَنَّ الشَّرْطَ فِيهَا قَيْدٌ لِلْحُكْمِ فِي الْجُمْلَةِ الَّتِي هِيَ جَوَابُ الشَّرْطِ،فَفِي قَوْلِنَا: "مَنْ آمَنَ وَعَمِل صَالِحًا دخَلَ الْجَنَّةَ" نُلَاحِظُ أَنَّ تَحَقُّقَ الْإِِيمَانِ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ الْمُبَيَّنُ فِي الْجُملَةِ الْأُولَى قَدْ جُعِلَ فِي الْكَلَامِ شَرْطًا لِتَحَقُّقِ دُخُولِ الْجَنَّةِ فِي الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ،وَالْأَدَاةُ الرَّابِطَةُ بَيْنَ الْجُمْلَتَيْنِ هُنَا كَلِمةُ"مَنْ" الشَّرْطِيَّة.
وَأَدَوَاتُ الشَّرْطِ قِسْمَانِ:
أَدَوَاتٌ عَامِلَةٌ فِيمَا بَعْدَهَا،وَأَدَوَاتٌ غَيْرُ عَامِلَةٍ.
💥أَمَّا الْأَدَوَاتُ الْعَامِلَةُ: فَهِيَ الَّتِي تَجْزِمُ فِعْلَيْنٍ: أَوَّلُهُمَا فِعْلُ الشَّرْطِ، وَالثَّانِي جَوَابُهُ وَجَزَاؤُهُ،وَهِيَ:
(١). "إِنْ - إِذْمَا":وَهُمَا حَرْفَانِ.
(٢). "مَنْ - مَا - مَتَى - أَيْنَ - أَيْنَمَا - أَيَّانَ - أَنَّى - حَيْثُما - كَيْفَمَا - مَهْمَا - أَيُّ" : وَهِيَ أَسْمَاء.
🏵وَأَمَّا الْأَدَوَاتُ غَيْرُ الْعَامِلَةِ،فَهِيَ:
"لَوْ - لَوْلاَ - لَوْمَا - أَمَّا - لَمَّا" :
وَهِيَ حُرُوفٌ، وَ"إِذا" : هِيَ اسْمُ ظَرْفٍ لِمَا يُسْتَقْبَلُ مِنَ الزَّمَنِ.
💢وَقَدْ فَصَّلَ اللُّغَوِيُّونَ وَالنُّحَاةُ مَعَانِيَ أَدَوَاتِ الشَّرْطِ الْعَامِلَةِ وَغَيْرَ الْعَامِلَةِ،وَالْفَصِيحُ الْبَلِيغُ يَتَحَرَّى اسْتِعْمَالَهَا فِيمَا وُضِعَتْ لَهُ،وَضِمْنَ الْمَعَانِي الَّتِي اسْتَعْمَلَهَا الْعَرَبُ الْفُصَحَاءُ فِيهَا.
🟩وَنَبَّهَ عُلَمَاءُ الْبَلَاغَةِ عَلَى مَوَاقِعِ اسْتِعْمَالِ بَعْضِ أَدَوَاتِ الشَّرْطِ السَّابِقِ ذِكْرُهُا،إِذْ لاحَظُوا أَنَّ بَعْضَ شارِحِي النُّصُوصِ الْبَلِيغَةِ ومُفَسِّرِيها لَمْ يكْشِفُوا فُرُوقَ دَلَالَاتِ هَذِهِ الْأَدَوَاتِ، مُكْتَفِينَ بِدَلَالَاتِها الشَّرْطِيَّةِ الْعَامَّةِ،كَمَا أَنَّ بَعْضَ الْكُتَّابِ وَالشُّعَرَاءِ يَغْلَطُونَ فَيَضَعُونَ بَعْضَ هَذِهِ الْأَدَوَاتِ فِي الْمَوَاقِعِ الَّتِي لَا يَحْسُنُ وَضْعُهَا فِيهَا.
🟪وَقَدْ أَبَانَ الْبَلَاغِيُّونَ الْفَرْقَ بَيْنَ أَدَاةٍ الشَّرْطِ "إِنْ" وَأَدَاةِ الشَّرْطِ "إِذَا"،فَرَأَوا مِنْ تَتَبُّعِ النُّصُوصِ الرَّفِيعَةِ أَنَّ حَرْفَ الشَّرْطِ 🔷️"إِنْ"🍁 يُسْتَعْمَلُ غَالِبًا فِيمَا يَرَى الْمُتَكَلِّمُ أَنَّ مَا جُعِلَ شَرْطًا وَهُوَ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ جُمْلَةُ الشَّرْطِ👈أًمْرٌ مَشْكُوكٌ فِي وُقُوعِهِ مُسْتَقْبَلًا،أَوْ هُوَ 👈نَادِرُ الْوُقُوعِ.
وَأَنَّ اسْمَ الشَّرْطِ🔶️"إِذَا" يُسْتَعْمَلُ غَالِبًا فِيمَا يَرَى الْمُتَكَلِّمُ أَنَّ مَا جُعِلَ شَرْطًا وَهُوَ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ جُمْلَةُ الشَّرْطِ 👈أَمْرٌ مُتَحَقِّقُ الْوُقُوعِ،أَوْ هُوَ
👈مَرْجُوُّ الْوُقُوعِ.
🛑فَالْبَلِيغُ مَطْلُوبٌ مِنْهُ أَنْ يَسْتَعْمِلَ كُلًّا مِنْ "إِنْ"،وَ"إِذَا" فِيمَا هُوَ الْغَالِبُ مِن اسْتِعْمَالِهِ،لِيُشِيرَ فِي كَلَامِهِ بِكَلِمَةٍ "إِنْ" الشَّرْطِيَّة إِلَى الشَّكِّ فِي وُقُوعِ الشَّرْطِ أَوْ نُدْرَتِه،وَلِيُشِيرَ فِي كَلَامِهِ بِكَلِمَةِ "إِذَا" إِلَى تَحَقُّقِ الشَّرْطِ مُسْتَقْبَلًا،أَوْ إِلَى رَجَاءِ تَحَقُّقِهِ.
عَلَى أَنَّ كَلِمَةَ الشَّرْطِ "إِنْ" بِاعْتِبَارِهَا أُمَّ أَدَوَاتِ الشَّرْطِ قَدْ يَقْتَضِي الْكَلَامُ
اسْتِعْمَالَهَا فِي غَيْرِ الْمَشْكُوكِ فِيهِ أَوِ النَّادِرِ،وَلَا سِيَّمَا حِينَمَا يَتَرَدَّدُ الشَّرْطُ بَيْنَ احْتِمَالَيْنِ أَوِ احْتِمَالَاتٍ مُتَعَدِّدَات، مِثْلُ أَنْ نَقُولَ: "إِن اسْتَوْفَى الْمُصَلِّي المَطْلُوبَ مِنْهُ وُجُوبًا صَحَّتْ صَلَاتُه، وَإِنْ لَمْ يَسْتَوْفِ الْمَطْلُوبَ مِنْهُ وُجُوبًا، لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُه"،فَلَفْظُ "إِنْ" فِي هَذَا الْمِثَالِ وَأَشْبَاهِهِ لَا يُشِيرُ إِلَى أَنَّ الشَّرْطَ مَشْكُوكٌ فِي تَحَقُّقِهِ أَوْ نَادِرٌ.
💢وَلِلْبُلَغَاءِ ذَوْقٌ دَرّاكٌ لٍلْمَوَاطِنِ الَّتِي يَحْسُنُ فِيهَا اسْتِعْمَالُ "إِنْ" الشَّرْطِيَّة، وَلِلْمَوَاطِنِ الَّتِي يَحْسُنُ فِيهَا اسْتِعْمَالُ "إِذَا".
🟣وَمِنَ الْأََمْثِلَةِ الَّتِي جَاءَ فِيهَا اسْتِعْمَالُ كُلٍّ مِنْ "إِذا"،وَ"إِنْ" الشَّرْطِيَّتَيْنِ فِي مَكَانِهِ الْمُناسِبِ تَمَامًا، قَوْلُ اللهِ_ عَزَّ وَجَلَّ _ في سُورَةِ (الأَعراف: ٧) : يَقُصُّ قِصَّةَ موسَى _عَلَيْهِ السَّلامُ _ وَآل فِرْعَون:
((وَلَقَدْ أَخَذْنَآ آلَ فِرْعَونَ بِالسِّنِين وَنَقْصٍ مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ * فَإِذَا جَآءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَذِهِ وَإِِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَلَا إِِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ)).
[الآيات: ١٣٠ - ١٣١] .
إِنَّ مَجْرَى إِمْدَادِ اللهِ النًّاسَ بِالْحَسَنَاتِ في الْحَيَاةِ الدُّنْيَا أَمْرٌ مُتَحَقِّقٌ وَهُوَ الْقَاعِدَةُ الأَغْلَبِيَّة،وَلَوْ كَانُوا كُفَّارًا مُجْرِمِين،لِذَلِكَ جَاءَ اسْتِعْمَالُ كَلِمَةِ "إِذَا" داخِلةً عَلَى شَرْطِ مَجِيءِ الْحَسَنَةِ لِآلِ فِرْعَون،أَمَّا الْإِِصَابَةُ بِالسَّيِّئَةِ فَأَمْرٌ نادِرٌ وَقَلِيلٌ بِالنِّسْبَةِ إِلى تَوَاتُرِ الْحَسَنَاتِ،
🌹وَتَأتي لِلتَّذْكِيرِ،وَالتَّنْبِيهِ
عَلَى عُقُوباتِ اللهِ الْكُبْرَى الَّتٍي جاءَ بِها الْوَعِيدُ الرَّبَّانِيّ،لِذَلِكَ جاءَ اسْتِعْمَالُ كَلِمَةِ "إِنْ" داخِلَةً عَلًى شَرْطِ الْإِِصابَةِ بِالسَّيِّئَةِ.
✴قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي الْكَشَّاف: "وَلِلْجَهْلِ بِمَوَاقِعِ(إِنْ)،وَ(إِذَا) يَزِيعُ كَثِيرٌ مِنَ الْخَاصَّةِ عَنِ الصَّوَابِ،فَيَغْلَطُونَ،أَلَا تَرَى إِلَى(عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَسَّان)كَيْفَ أَخْطًأَ بِهِما الموقع في قَوْلِهِ يُخاطِبُ بَعْضَ الْوُلَاةِ وَقَدْ سَأَلَهُ حاجَةً فَلَمْ يَقْضِهَا،ثُمَّ شُفِعَ لَهُ فِيها فَقَضَاهَا:
أَبَى لَكَ كَسْبَ الْحَمْدِ رَأَيٌ مُقَصِّرٌ ... وَنَفْسٌ أَضَاقَ اللهُ بالْخَيْرِ بَاعَهَا
إِذَا هِيَ حَثَّتْهُ عَلَى الخير مَرَّةً ... عَصَاهَا وَإِنْ هَمَّتْ بِشَرٍّ أَطَاعَها
💐وَلَوْ عَكَس فِي اسْتِعْمَالِ الْأَداتَيْنِ لَأَصَابَ الْغَرَض.
أَيْ: لَوْ قالَ: فَإِنْ هِيً حثته ... وَإِذًا همت بشرٍّ ...
✳وَذَكَرَ الْبَلَاغِيُّونَ أَنَّ كُلًّا مِنْ حَرْفِي "إِنْ"،وَ"إِذَا" الشَّرْطِيَّيْنِ قَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي مَوْضِعِ الْآخَر لِأَغْراضٍ بَلَاغِيَّةٍ، مِنْهَا:
(١).تَجاهُلُ العارِف،كَأَنْ يَقُولً الْمُعْتَذِرُ عَنْ أَمْرٍ لَا يَلِيقُ بِهِ: "إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ هَذَا الْأَمْرَ،فَأَرْجُو الْعَفْوَ وَالْمُسَامَحَةَ" وَهُوَ يَعْلَمٌ مِن نَفْسِهِ أَنَّه فَعَلَهُ،وَكَأَنْ يَقول المُغاضِبُ لِصاحِبِه: "إِنْ طَرَقْتُ بابَكَ بَعْدَ الْيَومِ،فَلَا تَفْتَحْ لِي"،وَهُوَ يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ لَا يَصْبِرُ عَلَى هَجْرِهِ،وَكَأَنْ يَقُول مُدَّعِي مَا لَيْسَ لَهُ: "إٍِذَا كَانَ هَذًا حَقِّي فَلا بُدَّ أنْ أَصِلَ إِلَيْهِ"،وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا حَقّ لَهُ بِه.
(٢).تَنْزِيلُ الْمُخَاطَبِ مَنْزِلَةَ مُنْكِرِ الْحَقيقَة،كَأَن يَقُول الْأَبُ لِابْنِهِ الْخَارِجِ عَنْ واجِبِ الْبِرِّ: "إِنْ كُنْتَ ابْنِي حَقًّا فَلَا تَعْصِنِي".
(٣).تَنْزِيلُ الشَّاكّ مَنْزِلَةَ غَيْرٍ الشًّاكّ، لِلْإِِشْعَارِ بِأَنَّ وُضُوحَ الْأَدِلَّةِ يَقْتَضِي عَدَمَ وُجُودِ الشَّكِّ أََصْلًا،كَأَن يَقُول المُؤمِنُ الَّذٍي يُناظِرُ غَيْرَ الْمُؤمِن حَوْلَ قَضايا الإِِيمانِ الْكُبْرَى: "إِِذَا كُنْتَ تُسَلِّم بِالْبَراهِين الْعَقْلِيَّةِ الدَّامِغَةِ فَلَا بُدَّ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْقُرْآنِ وَخَاتَِمِ الْمُرْسَلِينَ مُحَمَّد بن عبد الله وَما جاءً بِهِ عَن رَبِّه".
(٤).تَغْلِيبُ واقِع حالِ الْعَدًد الأَكْثَر مِنَ الْمُخاطَبِينَ عَلى الْعَدَدِ الْأَقَلِّ،وَقَدْ يُحْمَلُ عَلَى هَذَا قَوْلُ اللهِ_عَزَّ وَجَلَّ_ في سُورَةِ(البَقَرَة: ٢)خِطابًا لِلْجَاحِدِينَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ بِأَنَّ الْقُرْآنً مُنَزَّل مِنْ عِنْدِ اللهِ_ عَزَّ وَجَلَّ_ :
((وَإِن كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ ... } [الآية: ٢٣] .
أَفْهَمَ اسْتِعْمالُ "إِنْ" في هَذَا النَّصِّ أَنَّ الْعَدَدَ الْأَكْثَرَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ لَمْ يَكُونُوا شاكِّينَ في أًنََّ الْقُرْآنَ كَلامٌ مُنَزَّلٌ مِن عِنْدِ الله،إِنَّمَا كانُوا جاحِدِينَ مُعانِدِين، وَالْمَعْنَى أَنَّ احْتِمَالَ وُجُودِ الشَّكِّ في الْقٌرْآنِ عِنْدَكُم أَمْرٌ قَلِيلٌ وَنادِرٌ، فَأًكْثَرُكُمْ مُعًانِدُون.
♦️وَالْأَصْلُ أَنْ يَكُونَ فِعْلُ الشَّرْطٍ مَعَ أَدَائَيْ "إٍنْ"،وَ"إٍِذَا" فِعْلًا مُضارِعًا،وَقَدْ يَأتي فِعْلًا ماضِيًا لَفْظًا،إِلَّا أَنَّ مَعْنَاهُ بِأَداةٍ الشَّرْطِ انْقًلَبَ إِلى الاسْتِقْبَالِ، وَالْبَلِيغُ حِينَ يَسْتَعْمِلُ فِعْلَ الشَّرْطِ ماضِيًا مَعَ "إِنْ"،أَو "إِذَا" يُلاحِظُ غَرَضًا بَلاغِيًّا،
💥وَمِنْ هَذِهِ الْأَغْرَاضِ:
(١).الإِِشْعَارُ بِتَحَقُّقِ الْوُقُوعِ،فَكَأَنَّهُ أَمْرٌ تَمَّ وُقُوعُهُ،مِثْلُ:((إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ)). [الواقِعَة: ١]،((إِذَا السَّمآء انْشَقَّت)). [الإنشقاق: ١]،((إِِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا)(.[الزَّلْزَلَة: ١] .
(٢).التَّفاؤُلُ بِتَحَقُّقِ الْوٌقُوعِ،مِثْلُ قَوْلِ الْفَقِيرِ الْمُعْدَمِ : "إِذَا رَزَقَنِي اللهُ مَالًا وَفِيرًا اشْتَرَيْتُ دارًا واسِعَةً جَمِيلَةً وَأَدَّيْتُ فَرِيضَةَ الْحَجِّ".
(٣).إِظهارُ الرَّغْبَةِ فِي تَحَقُّقِ الْوُقُوعِ، مِثْلُ قَوْلِ التَّاجِرِ الطَّامِعِ بِشِرَاءِ صَفْقَةٍ تِجَارِيَّةِ رَابِحَةٍ: "إِذَا تَمَّتْ هَذِهِ الصَّفْقَةُ التِّجَاريَّةُ حَصَلَ لَنَا مِنْهَا رِبْحٌ وَفِيرٌ".
(٤).التَّعْرِيضُ،مِثْلُ أَنْ يَقُولَ الْبَاحِثُ عَنْ زَوْجَةٍ(زَوْجٍ)مُنَاسِبَةٍ أَمَامَ مَن يَرْغَبُ أَنْ يَتَزَوَّجَها:إِِذَا وَجَدْتُ الْجَمِيلَةَ الذَّكِيَّةَ الْعَاقِلَةَ صاحِبَةَ الْخُلُق وَالدِّينِ فَإِنِّي أُحِبُّ الزَّوَاجَ مِنْهَا إِِذَا وَافَقَتْ هِيَ وَأَهْلُها.
إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَغْرَاضٍ....
🌻عَلَى أَنَّ حَرْفَ الشَّرْطِ "إٍنْ" قَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِ الاسْتِقْبَالِ لَفْظًا وَمَعْنًى،قِيَاسًا مُطَّرِدًا فِي مَوْضِعَيْنِ:
المَوْضِعُ الْأَوَّلُ : أَنْ يَأتِيَ فِعْلُ الشَّرْطِ لفظ "كان".
المَوْضِعُ الثَّانِي: أَنْ يَأتِيَ حَرْفُ "إِنْ" في مقامِ التَّأكِيدِ بَعْدَ واوِ الْحَالِ لِمُجَرَّدِ
الرَّبْطِ دُونَ إِرادَةِ الشَّرْطِ مِنْهُ،مِثْلُ أَنْ يَقُولَ الْمُحِبُّ لِحَبِيبِهِ: "سَأَزُورُكَ وَإِِنْ هَجَرْتَنِي،وَأُكْرِمُكَ وَإِِنْ أَهَنْتَنِي، وَأًحْبَبْتُكَ وَإِِنْ جَفَوْتَنِي،وَذَكَرْتُكَ وَإِِنْ نَسِيتَنِي".
*** *** ***
🟦أَمَّا "لَوِ" الشَّرْطِيَّةُ،فَهِيَ عَلى قِسْمَيْنِ:
الأَوَّل: أَنْ تَكُونَ لِلتَّعْلِيقِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَعِنْدَئِذٍ تَكُونُ مُرِادَفَة "إِنْ" الشَّرْطِيَّة، وَإِذا وَلِيَها فِعْلٌ "ماضٍ" كانَ مَعْنَاهُ عَلى الاسْتِقْبَالِ،وَقَد يَدْعُو إِلى ذَلِكَ غَرَضٌ بَلاغِيٌّ،وَهُوَ جَعْلُ الْأَمْرِ الْمُسْتَقْبَلِ بِمَثابَةِ الْأَمْرِ الْمَاضِي،وَمِن فَوائِدِ ذَلِكَ التَّحْذِيرُ وَالتَّخْوِيفُ،كَمَا فِي قَوْلِ اللهِ _عَزَّ وَجَلَّ_ في سُورَة(النِّساء: ٤) :
((وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلًا سَدِيدًا)).[النِّساء: ٩] .
أَيْ: إِنَّ مِن الْمُتَوَقَّعِ أنْ يًتْرُكَ الَّذِينَ لَا يتَّقُونَ اللهَ فِي ذُرِّياتِ غَيْرِهِم ذُريّاتٍ لهم يخافون عليهم من ظُلْمِ مَن يَتَوَلَّى أُمورَهُم بَعْدَهُم.
الثَّاني: أنْ تَكَونَ "لو" لِلتّعليق في الماضي،وَهُوَ أكْثَرُ اسْتِعْمَالاتِها، وَتَقْتَضي عِنْدئِذٍ لزوم امتناع جوابها لامتناع شرطها إن لم يكن لجوابها سبَبٌ آخر غير الشّرط،مثل قول الله _عَزَّ وَجَلَّ_ في سورة(الفرقان: ٢٥) :
((وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَّذِيرًا)).[الآية: ٥١] .
أي: لم نشأ ذلك فلم نَبْعَثْ؛لأنَّ الحكمة اقتضت أن نبعث رسولًا واحدًا في آخر الزَّمان خاتمًا للمرسلين،ورسولًا لجميع العالمين.
وحين تكون "لو" لِلتّعليق في الماضي فَالأَصل أن يكون كلٌّ من فِعْلَي الشّرط وجوابِه فِعلًا مَاضيًا،وقد يَسْتَعْمِلُ البليغ الفعل المضارع لغرض بلاغي، 🍁وَمِن الأغراض البلاغيّة في هذا الاستعمال ما يلي:
الغرض الأوّل: قصد الاستمرار في الماضي حينًا فحينًا،مثل قول الله _عَزَّ وَجَلَّ_ في سورة (الحجرات:٤٩) خِطَابًا للمؤمنين في عصر الرّسول_ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ :
((وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ الله لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الأمر لَعَنِتُّمْ ...)).[الآية: ٧] .
الْعَنَت: المشقّة،والتّعب،وشدّة الضّرر، والفساد.
أي: لو تابع طاعتكم في كثير من الأمور الَّتي تقدّمون فيها آراءً خاصَّةً لوقعتم في العنت،وهذا المعنى يُفْهَمُ من الفعل المضارع الَّذِي يدلُّ على التجَّدُّد في المستقبل،فَقُلِبَ معنى زمانه إلى المضي بحرف "لَوْ" وبقي فيه معنى التّجدّد.
الغرض الثّاني: تصوير ما سيحدث بصورة الأمر الًّذِي وقَعَ وحدث،فيُؤْتَى بالفعل المضارع للإِشعار بأنَّه أمْرٌ من أُمُورِ المستقبل المتحقِّقَةِ الوقوع، ولمَّا كانت "لو" هذه لِلتّعليق في الماضي كان اجتماع الأمرين بمثابة الإِعلام بأنّ ما نقولهُ من أمْرِ المستقبل هو بقوّة ما وقع وتحقَّقَ فِعلًا،ولهذا أمثلة كثيرة في القرآن،منها قول الله _عَزَّ وَجَلَّ_ في سورة(السّجدة:٣٢) :
((وَلَوْ ترى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُواْ رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَآ أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ)). [الآية: ١٢] .
وُضِع الفعل المضارع "تَرَى"،والأصل - دُون ملاحظة الغرض البلاغي - أن يُقَال: ولَوْ رَأَيت.لكن الفعل المضارع أدّى معنًى دقيقًا لا يؤدّيه الفعل الماضي هنا.
...... لَهُ تَكْمِلَةٌ.....
ج:(١).ص:(٤٧٠_٤٧٧)
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
_____________________
[البَلَاغَةُ الْعَرَبِيَّةُ(أُسُسُهَا وَلُومُهَا وَفُنُونُهَا)،لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَيْدَانِيّ].