اقتران الخبر بالفاء
الخبر مرتبط بالمبتدأ ارتباطاً معنويًّا قويًّا. ويزيده قوة بعض الروابط اللفظية؛ كالضمير العائد عليه من الخبرالجملة ، ولهذا كان الغالب عليه أن يخلو من الفاء التى تستخدَم للربط فى بعض الأساليب الأخرى. فمن أمثلة الخبر الخالية من الفاء: العلمُ وسيلةُ الغنى - النظافةُ وقايةٌ من المرض - التجارةُ بابٌ للثروة.
- ومن الألفاظ التى ليست خبراً ولكنها تحتاج - أحيانا - إلى الفاء الرابطة بينها وبين ما سبقها: جواب اسم الشرط المبهم الدال على العموم؛ (لكونه لا يختص بفرد معين؛ وإنما هو شائع)؛ مثل: منْ يعمل خيراً فجزاؤُه خيرٌ. فكلمة "مَنْ" اسم شرط، يدل على العموم، وبعده فعل الشرط مستقبل الزمن؛ وهو: (يعمل)، ثم يليه جملة اسمية هى جواب الشرط، أى: نتيجته المترتبة عليه، التى يتوقف حصولها فى المستقبل أو عدم حصولها على وقوعه أو عدم وقوعه، وهى: "جزاؤه خير". وقد اقترنت هذه الجملة الاسمية بالفاء؛ فربطت بينها وبين جملة الشرط. ودل هذا الارتباط على اتصال بين الجملتين، وأن الثانية منهما نتيجة للأولى. ولولا الفاء الرابطة لكان الكلام جُمَلا مفككة، لا يظهر بينها اتصال. ومثل هذا كل أسماء الشرط الأخرى الدالة على الإبهام والعموم، والتى لها جملة شرطية، تليها جملة جواب مقرون بالفاء...
__________________________________
- والخبر - مفرداً أو غير مفرد - قد يقترن بالفاء وجوباً فى صورة واحدة، وجوازاً فى غيرها، إذا كان شبيها بهذا الجواب الشرطى، بأن يكون نتيجة لكلام قبله، مستقبل الزمن، وفى صدر هذا الكلام مبتدأ يدل على العموم والإبهام؛ نحو: الذى يصادقنى فمحترم: "فالذى" اسم موصول مبتدأ، وهو يدل على الإبهام والعموم، وبعده "يصادقنى" كلام مستقبل المعنى، له نتيجة مترتبة على حصوله وتحققه، هى الخبر: (محترم) وقد دخلت الفاء على هذا الخبر؛ لشبهه بجواب الشرط فى الأمور الثلاثة السالفة التى هى: (وجود مبتدأ دال على الإبهام والعموم، كما يدل اسم الشرط المبتدأ على الإبهام والعموم) و (وجود كلام بعد المبتدأ مستقبل المعنى؛ كوجود جملة الشرط بعد أداة الشرط) و (ترتّب الخبر على الكلام السابق عليه؛ كترتب جواب الشرط على جملة الشرط - وهذا مهم).
ومن الأمثلة: رجلٌ يكرمنى فمحبوب - من يزورنى فمسرور... وهكذا كل خبر تحققت فيه الأمور الثلاثة؛ سواء أكان خبراً مفرداً، أم جملة، أم شبه جملة. فالقاعدة العامة فى اقتران الخبر بالفاء هى: مشابهته لجواب الشرط فى فى تلك الأمور الثلاثة، مع خلو الكلام من أداة شرط بعد المبتدأ، لكيلا يلتبس الخبر بجواب الشرط.
وقد تتبع النحاة مواضع المشابهة فوجدوها تتركز فى موضعين لا تكاد تخرج عنهما، مع خلو كل موضع من أداة شرط بعد المبتدأ.
1 - الأول: كل اسم موصول عامّ وقعت صلته جملة فعلية مستقبلة المعنى، أو وقعت ظرفاً، أو جارًّا مع مجروره بشرط أن يكون شبه الجلمة بنوعيه متعلقاً بمضارع مستقبل الزمن.
2 - الثانى؛ كل نكرة عامة، وصفت بجملة فعلية، مستقبلة المعنى، أو بظرف، أو بجار مع مجروره على الوجه السالف الذى يقضى بتعليق شبه الجملة بمضارع مستقبل الزمن.
وإذا اقترن الخبر بالفاء وجب تأخيره عن المبتدأ؛ كالأمثلة التى أوضحناها، فإن تقدم وجب حذف الفاء.
وقد عدّد النحاة المواضع المختلفة التى تقع فيها المشابهة - بشرط استيفاء كل منها الشروط الثلاثة السالفة، مبالغة منهم فى الإبانة والإيضاح. وإليك بيانها بعد التنبيه إلى أن كثيراً منها مع صحته لا تستسيغه أساليبنا الحديثة العالية. فخير لنا ألا نستعمله قدر الاستطاعة، وأن نعرف هذه المواضع لنفهم بها كلام السابقين.
1- خبر المبتدأ الواقع بعد "أمَّا" الشرطية. نحو: أما الوالد فرحيم. وهذا الموضع يجب فيه اقتران الخبر بالفاء دون باقى المواضع؛ فيجوز فيها الاقتران وعدمه، والاقتران أكثر.
2- أن يكون المبتدأ اسم موصول صلته جملة فعلية زمنها مستقبل، تصلح أن تكون جملة للشرط: نحو: الذى يستريض فنشيط.
3- أن يكون المبتدأ اسم موصول صلته ظرف؛ نحو: الذى عندك فأديب. ولا بد أن يكون شبه الجلمة فى هذه الصورة وفما يليها متعلقاً بمضارع مستقبل الزمن كما سلف.
4- أن يكون المبتدأ اسم موصول صلته جار مع مجروره، نحو الذى فى الجامعة فرجل.
5- أن يكون المبتدأ نكرة عامة بعدها جملة فعلية زمنها مستقبل، صفة لها؛ نحو: رجل يقول الحق فشجاع.
6- أن يكون المبتدأ نكرة عامة، بعدها ظرف، صفة لها؛ نحو: طالب مع الأستاذ فمستفيد.
7- أن يكون المبتدأ نكرة عامة، بعدها جار ومجرور، صفة لها؛ نحو: طالبٌ فى المعمل فمنتفع.
8- أن يكون المبتدأ مضافاً إلى موصول صلته جملة فعلية مستقبلة الزمن، تصلح أن تكون جملة للشرط؛ نحو: كتاب الذى يتعلم فمصون.
9- أن يكون المبتدأ مضافاً إلى موصول صلته ظرف؛ نحو قلم الذى أمامك فجيد.
10- أن يكون المبتدأ مضافاً إلى موصول صلته جار مع مجروره؛ نحو: مرشدة التى فى البيت فخبيرة.
11- أن يكون المبتدأ لفظ "كل" (أو ما بمعناها؛ مثل جميع) مضافاً إلى نكرة موصوفة بجملة فعلية بعدها، نحو: كل رجل يهمل فصغير.
12- أن يكون المبتدأ لفظ "كل" (أو ما بمعناها)، مضافاً إلى نكرة موصوفة بظرف، نحو: كل وطنى أمام الوطن فمخلص. وقول الشاعر:
*كُلُّ سَعْى سوى الذى يورث الفوْ * زَ فعقباه حسْرةٌ وخَسَارُ*
13- أن يكون المبتدأ لفظ "كل" (أو ما بمعناها) مضافاً إلى نكرة موصوفة بجار ومجرور؛ نحو: كل فتاة فى العمل فنافعة.
14- أن يكون المبتدأ موصوفاً باسم موصول صلته جملة فعلية مستقبلة الزمن تصلح للشرط، نحو: الزميل الذى يعاونك فرياضى.
15- أن يكون المبتدأ موصوفاً باسم موصول صلته ظرف: نحو: الزائرة التى معك فمثاليّة.
16- أن يكون المبتدأ موصوفاً باسم موصول صلته جار مع مجروره؛ نحو: الرائد الذى فى الرحلة فأمين.
17- أن يكون المبتدأ مضافاً إلى اسم موصوف صلته جملة فعلية؛ نحو: خادم الرجل الذى يزرع فنافع.
18- أن يكون المبتدأ مضافاً إلى اسم موصوف بموصول صلته ظرف؛ نحو: كاتب الرسالة التى معك فقدير.
19- أن يكون المبتدأ مضافاً إلى اسم موصوف بموصول صلته جار مع مجروره؛ نحو: مؤلف الكتب التى فى الحقيبة فعظيم.
وفى جميع الأمثلة السابقة يجوز أن يكون الخبر مفرداً، أو جملة، أو شبه جملة. ولا بد من خلو الجملة بعد المبتدأ من أداة شرط - كما سبق.
____________________________
تلك هى أشهر الصور التى يقترن فيها الخبر بالفاء - وجوباً فى واحدة، وجوازاً فى الباقى - لغرض هام، هو: النص على مراد المتكلم من ترتب الخبر على الكلام الذى قبله، وإبانة أن الخبر نتيجة مترتبة على ما سبقه.
- ولو فقد شرط من الثلاثة التى بيناها لامتنع دخول الفاء على الخبر؛ فمثال فقد العموم: سعيك الذى تبذله فى الخير محمود. ومثال فَقْد الاستقبال: الذى زارنى أمس مشكور. ومثال الجملة الفعلية الواقعة صلة أو صفة وهى غير صالحة لأن تقع شرطية لاشتمالها على ما، أو: لن، أو: قد، أو... أو: إلخ. الذى لن يزورنى مسئ... ومثل هذا يقال فى الصفة أو الصلة التى لم تستوف الشروط.
_____________________________________________________
دخول الفاء على الخبر جوازا : في الحالات التالية
1 - قد تدخل الفاء جوازاً - ولكن بقلة - فى الخبر الذى مبتدؤه كلمة "كل" إما مضافة لغير موصوف أصلا؛ نحو: كل نعمة فمن الله، وقول الشاعر:
*وكلُّ الحادثات وإن تناهتْ * فمقرون بها الفرج القريبُ*
وإمّا مضافة لموصوف لكن غير ما سبق نحو: كل أمر مفرح أو مؤلم فنتيجة لعلم صاحبه.
2 - وإذا كان المبتدأ "أل" الموصولة وصلتها صفة صريحة مستقبلة الزمن - جاز الإتيان بالفاء فى الخبر نحو: الصانع والصانعة فنافعان. المخترع والمخترعة فمفيدان. ومنه قوله تعالى: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما}... وفريق من النحاة منع دخول الفاء فيما سبق، وأوّلَ الآية. وهذا رأى لا يصح الأخذ به مع وجود آية كريمة تعارضه، كما لا يصح تأويل الآية لتوافقه. فالصحيح دخولها على الخبر ولو كان أمراً أو نهيًّا.
____________________________
بقى أن نعرف أن المبتدأ الذى يشبه اسم الشرط فيما سبق إذا دخل عليه ناسخ - غير إنّ، وأنّ، ولكنّ - فإن الناسخ يمنع دخول الفاء على خبره. أما إنّ، وأنّ، ولكنّ، فلا تمنع؛ فيجوز معها دخول الفاء: مثل قوله تعالى: {إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم} وقوله تعالى: {واعلموا أنّ ما غنمتم من شىء فإنّ لله خُمسُه} وقول الشاعر:
*فوالله ما فارقتكم قالياً لكم * ولكنّ ما يُقْضَى فَسَوْف يكونُ*
- وإذا عطفت على المبتدأ الذى خبره من الأنواع السابقة المقرونة بالفاء، أو على ما يتصل به من صلة، أو صفة، ونحوها - وجب تأخير المعطوف عن الخبر؛ إذ لا يجوز الفصل بينه وبين مبتدئه بالمعطوف، ففى مثل: الذى عندك فمؤدب، لا يصح أن يقال: الذى عندك والخادم فمؤدب، أو فمؤدبان، وهكذا..