المسألة الزنبورية
شهد علم النحو انطلاقته الأولى في العراق منذ القرن الأول الهجري
وذلك بفضل المدرستين البصرية والكوفية ، اللتين سجّلتا تباين الآراء فيهما وحدوث المناظرات ، بل وحتى نشوب الخلافات
وكان الخلفاء العباسيون في بغداد يشجّعون قيام مثل هذه المناظرات ؛ لتنشيط القرائح ، وإثارة الطاقات العلمية ، وإغناء علم النحو العربي
ومن أشهر المناظرات التي وقعت بين المدرستين "البصرية والكوفية" تلك المناظرة التي بسببها مات سيبويه غمًا
وقد وقعت هذه المناظرة في القرن الثاني الهجري بين سيبويه رائد المدرسة البصرية
والكسائي رائد المدرسة الكوفية ؛ وذلك في عهد أمير المؤمنين هارون_الرشيد رحمه الله تعالى
ومن المعروف أن المدرسة الكوفية وزعيمها الكسائي كان لهما من الحظوة والمكانة عند الخليفة العباسي ما ليست للبصرية
و عُرِفت هذه المناظرة في تاريخ النحو بإسم "المسألة الزُّنْبُوريَّة"
ومن خبرها أن سيبويه قدِم إلى بغداد ، ونزل ضيفًا عند الوزير يحيى البرمكي
فعزم أن يجمع بينه وبين الكِسائي ، وأعلم الخليفة بذلك
فجعل لذلك يومًا مشهودًا حضره سيبويه والكسائي وجماعة من الأعراب
فقال الكسائي لنظيره سيبويه :
كيف تقول : "قد كنت أظن أن العقرب أشد لسعة من الزنبور (فإذا هو هي ، أو فإذا هو إياها) ؟" فقال سيبويه : فإذا هو هي ، ولا يجوز النصب
فقال له الكسائي : لحّنْت -أي أخطأت في النحو-
ثم سأله عن مسائل من هذا النحو وأجابه سيبويه بما يخالف رأيه
واحتدم الخلاف بينهما
فقال يحيى بن خالد : فقد اختلفتما ، وأنتما رئيسا بلديكما فمن ذا يحكم بينكما ؟
فأشار عليه الكسائي أن يحكّم بينهم الأعراب الذين اجتمعوا عند الباب ؛ فهم أهل الفصاحة
ورضي الوزير يحيى وأخوه جعفر بهذا الرأي ، وأمر بإحضارهم
فدخلوا وسُئِلوا عن المسائل التي جرت بين الكسائي وسيبويه
فتابعوا الكسائي وقالوا بقوله
فاغتمّ سيبويه لذلك ، وسكت
فقال الكسائي ليحيى : أصلح الله الوزير إنه قد وفد عليك من بلده مؤمّلاً ، فإن رأيت ألا ترده خائبًا - وذلك نكاية بسيبويه -
فخرج سيبويه ، ورحل إلى فارس ، وأقام هناك حزينًا مكتئبًا ، ولم يعد إلى البصرة أبدًا
وهناك أصيب بمرض بالذَّرَب ، وهو داء يَعرِضُ للمعدة، فلا تهضم الطعام ، ويَفسُدُ فيها ولا تُمْسِكه
ومات وهو في ريعان شبابه
ومن المحزن أن نعرف أن الحق كان مع سيبويه ، وأنّ الأعراب الذين أيدوا الكسائي على قوله ، قد رُشُوا على ذلك
وأما جواب الكسائي فهو ماقاله سيبويه ، وهو : فإذا هو هي بدليل قوله تعالى (فإذا هي بيضاء)
وهذا إن دل فإنما يدل على شدة إخلاص سيبويه لعلم النحو الذي أحبّه و وهب له حياته
ومات بسببه !
ويُقال أيضاً أن الأعراب إنما قالوا ذلك ووافقوا الكسائي مجاملة له ؛ لما له من مكانة في البلاط العبّاسي
(( دمتم سالمين )).
💝(( أخوكم/وائل ضياء الدين ))💝