شرح ظن وأخواتها
(ظن) وأخواتها هي القسم الثالث مِن نواسخ المبتدأ والخبر، وهي كلها أفعال كـ(كان) وأخواتها، وليست أحرفًا كـ(إن) وأخواتها.
و(ظن) وأخواتها من النواسخ التي تدخل على جملة المبتدأ والخبر، بعد استيفاء فاعلها، فتنصبهما على أنهما مفعولان لها، وعليه فإن الأفعال (ظن) وأخواتها مع ما تدخل عليه تشتمل على أمور ثلاثة؛ هي:
1 - الفاعل، فمرفوعها يسمى فاعلًا لها، لا اسمًا لها، كما قلنا في (كان) وأخواتها.
2 - والمبتدأ، وهي تنصبه، ويسمى مفعولَها الأول.
3 - والخبر، وهي تنصبه أيضًا، ويُسمَّى مفعولَها الثاني[3].
🌷ومثال ذلك قوله تعالى: ﴿ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ ﴾ [هود: 27]، فالفعل (نظنُّ) هنا قد رفع فاعلًا، هو الضمير المستتر فيه (نحن)، ونصب المبتدأ الذي هو كاف المخاطب على أنه مفعولٌ به أول له، ونصب الخبر الذي هو (كاذبين) على أنه مفعول به ثانٍ له.
وإنما قلنا: إن الكاف مبتدأٌ، و(كاذبين) خبر، قلنا ذلك باعتبار أصلهما؛ لأن أصل هذه الجملة قبل دخول الفعل (نظن) عليها هو: أنتم كاذبون؛ فـ(أنتم) مبتدأ، و(كاذبون) خبر؛ ولذلك يقولون: إن الأفعال (ظن) وأخواتها تنصب مفعولينِ أصلُهما المبتدأ والخبر.
وبالنظر إلى عمل (ظنَّ) وأخواتها في المبتدأ والخبر، وإلى ما مضى من عمل (كان) وأخواتها، و(إن) وأخواتها فيهما، وبالنظر كذلك إلى تجرُّد جملة المبتدأ والخبر عن النواسخ مطلقًا، نجد أن للمبتدأ والخبر من حيث إعرابهما أحوالًا إعرابية أربعة[4]؛ هي:
1 - أن يكون كلٌّ من المبتدأ والخبر مرفوعًا، وذلك إذا لم يدخل عليهما ناسخٌ من هذه النواسخ الثلاثة المذكورة؛ نحو قوله تعالى: ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ﴾ [الفتح: 29].
2 - أن يكون كل من المبتدأ والخبر منصوبًا، وذلك إذا دَخَلَ عليهما الناسخ (ظن) وأخواتها؛ نحو قوله تعالى: ﴿ وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً ﴾ [الكهف: 36].
3 - أن يكون المبتدأ مرفوعًا والخبر منصوبًا، وذلك إذا دخل عليهما (كان) وأخواتها؛ نحو قوله تعالى: ﴿ مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ ﴾ [الأحزاب: 40].
- أن يكون المبتدأ منصوبًا والخبر مرفوعًا، وذلك إذا دخل عليهما (إن) وأخواتها؛ نحو قوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [البقرة: 220].
اقسام ظن واخواتها
🌷🌷والأفعال (ظن) وأخواتها تنقسم من حيث معناها إلى:
1 - أفعال القلوب، وسميت بذلك؛ لأنها إما أفعال يقين، وإما أفعال ظن، كما سيأتي إن شاء الله تعالى، وكلٌّ من اليقين والظن إنما يُدركان بالحس الباطن، فمعاني هذه الأفعال قائمة بالقلب متصلة به؛ كالعلم، والظن، والزعم، ونحوها، وهذه الأفعال تنقسم إلى قسمين:
💢القسم الأول: أفعال الرجحان، وهي التي تفيد ترجيح وقوع الخبر (المفعول الثاني)، وقد ذكر ابن آجروم منها هنا أربعة أفعال؛ وهي: (ظن، حسِب، خال، زعم).
والقسم الثاني: أفعال اليقين، وهي التي تفيد اليقين وتحقيق وقوع الخبر (المفعول الثاني)، وقد ذكر ابن آجروم منها ثلاثة أفعال؛ هي: (رأَى، علِم، وجَد).
2 - أفعال التحويل والتصيير، وهي التي تدل على تحول الشيء وانتقاله من حالة إلى حالة أخرى، وقد ذكر ابن آجروم هنا منها فعلين؛ هما: (اتخذ، وجعل).
3 - ما يفيد حصول النسبة في السمع، وهو فعل واحد؛ هو: (سمع).
[1] لا يزال ابن آجروم رحمه الله يذكر العوامل والنواسخ الداخلة على المبتدأ والخبر، ويذكر عملها فيهما، فقد انتهى من (كان) وأخواتها، التي ترفع المبتدأ وتنصب الخبر، ومن (إن) وأخواتها التي تنصب المبتدأ وترفع الخبر، والآن في هذا الباب (باب ظن وأخواتها) سيبين إن شاء الله تعالى أن هذه الأفعال (ظن وأخواتها) تنصب المبتدأ والخبر جميعًا، ويصير المبتدأ مفعولًا به أول، والخبر مفعولًا به ثانيًا.
[2] فهي كلها أفعال، وليس بينها حروفٌ أبدًا، وهذا بالاتفاق، وهي تعمل مطلقًا؛ أي: سواء كانت مضارعة أم ماضية أم أمرًا، كما سيتضح ذلك بالأمثلة، إن شاء الله تعالى.
[3] ولَمَّا كانت (ظنَّ) وأخواتها تنصبُ المبتدأ والخبر على أنهما مفعولانِ لها، كان حقُّها أن تذكر في باب النواصب، ولكن ابن آجروم رحمه الله ذكرها هنا استطرادًا لتتميم بقية النواسخ.
[4] وليس هناك حالة خامسة، فهذه القسمة حاصرة.