شرح ألفية ابن مالك الْمُعْرَبُ وَالْمَبْنِيُّ
هذا عُنوان لهذا الباب، وبدأ بالمُعرب لشَرَفه، وبالمبني لأن مرتبته دون المُعرب، ولأن المبني أقل من المعرب، والمعرب أكثر.
بيَّن المؤلف / في هذا الباب ما هو المعرب والمبني من الأسماء والأفعال والحروف أيضًا.
أما الأسماء فقسمها إلى قسمين:
قال:
وَالِاسْمُ مِنْهُ مُعْرَبٌ وَمَبْنِي
مِنْهُ مُعْرَبٌ!: مبتدأ وخبر، المبتدأ: مُعْرَبٌ!، والخبر: مِنْهُ!.
ومَبْنِي!: الواو حرف عطف، ومَبْنِي!: مبتدأ خبره محذوف، والتقدير: ومنه مبني؛ لأنك لو قلت: منه معرب ومبني جمعتَ بين الضِّدَّيْنِ، ولكن الواقع: أن منه مُعربًا ومنه مبنيًّا.
ونظير هذا التعبير، قوله تعالى: ?فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ?[هود: من الآية 105]، ما يَصِح أن تقول: (سَعِيد) معطوفة على (شَقِيٌّ)...
ولكنَّ الواقع: أن منه مُعربًا ومنه مبنيًّا، ونَظِير هذا التعبير قوله تعالى: ?فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ?.
ما يَصِحُّ أن تقول: (سَعِيدٌ) معطوفة على (شَقِيٌّ)، بل تقول (سَعِيدٌ): مبتدأ خبره محذوف، أي: ومنهم سَعِيدٌ؛ هنا منه معرب ومنه مبني.
ما هو المُعرب؟
المُعرب: ما يتغير آخره بحسب العوامل.
مثل: {زَيْد}، أَدْخِل عليه {قامَ} تقول: {قامَ زيدٌ}.
أَدْخِل عليه {ضَرَبْتُ}، تقول: {ضَرَبْتُ زيدًا}؛ تَغيَّر!
أَدْخِل عليه حرف الجرَّ، تقول: {سَلَّمْتُ على زَيْدٍ}، أو {مَرَرْتُ بِزيدٍ}، فتَجِدَ أن آخِرَه تَغيَّر بحسب العوامل؛ هذا المُعْرَب.
وسُمِّي مُعربًا لأنه يُفصِح عن المعنى، لأنه إذا تَغَيَّر في الحركات فُهِم المعنى؛ فلهذا سُمِّي معربًا.
المبني: هو ما لَزِم حالًا واحدةً، وإن شئتَ فقُلْ: ما لا يَتغيَّر آخرُه باختلاف العوامل، يعني: قد يَتغير لكن ما هو باختلاف العوامل.
__________
(1) !والاسم الواو للاستئناف، الاسم: مبتدأ أول، !منه جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم، !معرب مبتدأ مؤخر، والجملة منه ومن خبره خبر المبتدأ الأول، !ومبني مبتدأ، وخبره محذوف، والتقدير !ومنه مبني ولا يجوز أن تعطف قوله مبني على معرب؛ لأنه يستلزم أن يكون المعنى أن بعض الاسم معرب ومبني في آن واحد، أو يستلزم أن بعض الاسم معرب ومبني وبعضه الآخر ليس بمعرب ولا مبني، وهو قول ضعيف أباه جمهور المحققين من النحاة.
فمثلًا: {حَيْثُ}، فيها: {حَيْثُ، وحَيْثَ، وحَيْثِ، وحُوثَ، أو حَوْثَ}، لكن هذا الاختلاف هل هو من أجل اختلاف العامل؟
لا، اختلاف لغة.
فالمبني إذًا تعريفه: ما لا يتغير آخرُه باختلاف العوامل، بل هو باقٍ على ما هو عليه.
لكن ما سبب البناء؟
أنا أقول؛ ولستُ بنحوي: سبب البناء وُرُودُه عن العرب، أي: أن العرب جعلوا هذه الكلمة مبنيةً، لم يُغيِّروها باختلاف العوامل، والكلمات الأخرى معربة يُغيِّرونها باختلاف العوامل، فالحاكم في الألفاظ - إعرابًا وبناءً - هو ما سُمع عن العرب.
لكن مع ذلك أهلُ الفنِّ - أعني: النحويين - التَمسُوا عِللًا للبناء، واختلفوا في هذه العلل، وأكثرهم على ما قال ابن مالك:
لِشَبَهٍ مِنَ الْحُرُوفِ مُدْنِي
أي: سبب بناء الأسماء قُربُها من الحروف في الشَّبه.
و الحروف مبنية أم معربة؟
مبنية؛ كل الحروف مبنية، فما قارَبَها شَبَهًا من الأسماء أُعطي حُكمَها، هكذا ذهب المؤلف / وأكثر النحويين.
أما أنا؛ ولست بنحوي، فأقول: منه مبني؛ لسماع ذلك عن العرب، وانتهى.
الشَّبَهُ أنواع، يقول:
لِشَبَهٍ مِنَ الْحُرُوفِ مُدْنِي!.
أي: مُقَرِّب، أما الشَّبه البعيد فلا عِبرة به، لكن الشَّبه المُقَرِّب يجعل الكلمة مبنيةً.
__________
(1) !لشبه جار ومجرور متعلق بمبني، أو متعلق بخبر محذوف مع مبتدئه والتقدير: !وبناؤه ثابت لشبه، !من الحروف جار ومجرور متعلق بشبه أو بمدني، !مدني نعت لشبه، وتقدير البيت: والاسم بعضه معرب وبعضه الآخر مبني: وبناء ذلك المبني ثابت لشبه مدن له من الحرف، ومدني: اسم فاعل فعله أدنى؛ تقول : أدنيت الشيء من الشيء ، إذا قربته منه ، والياء فيه هنا ياء زائدة للإشباع، وليست لام الكلمة؛ لأن ياء المنقوص المنكر غير المنصوب تحذف وجوبًا.
…وتضمن هذا البيت على هذا الإعراب والتفسير قضيتين: الأولى أن الاسم منحصر في قسمين المعرب والمبني، والثانية أن سبب بناء المبني منه منحصر في شبهه للحرف لا يتجاوزه.