📁 آخر الأخبار

الهزل الذي يرادُ به الجدّ

 الهزل الذي يرادُ به الجدّ

يتلطّف الأذكياء فيعبّرون عمّا هُمْ جادّون فيه بعبارات مُزاحٍ وهزلٍ خشية إثارة من يقصدونه بالخطاب، وليتأَتَّى لهم التنصُّل ممّا قالوا، بأنّهم يمزحون أو يَهْزِلُون، وأنّهم غير جادّين.

وتقولُ العامّة في عباراتها الدارجة: بالضّحِكِ والْمُزَاح تشتفي الأرْواح.

وهو فنُّ واسِعٌ جدّاً يعْتَمِدُ علْيْهِ التمثيلُ الهزليُّ، الّذي يتضمَّن ألواناً كثيرة من النّقدِ التوجيهيّ البنّاء لأفرادٍ أو مجتمعات، والنَّقْدِ اللاّذع الجارحِ أحياناً.

وقد يُقْصَدُ به التذكير بواجب، أو التّنبيه على أمْرٍ، أو تَعْلِيمُ مُتَرَفّعٍ عن أن يجلس مجلس المتعلّم. أو حثٌّ وحضٌّ على فعل خير.

وقد يُقْصد به المدح أو الذّمّ، إلى غير ذلك من مقاصد.

ومن أمثلة هذا الفنّ في الأدب قول "أبي نُوَاس":

*إِذَا مَا تَمِيمِيٌّ أَتَاكَ مُفَاخِراً * فَقُلْ: عَدِّ عَنْ. ذا. كَيْفَ أَكْلُكَ للضَّبّ؟*

إنّه يَعْرف كيف يأكُل التميميّون الضّبّ، لكنّه تساءل هازلاً، وغرضه تقريع بني تميم بأنّهم يأكلون الضبّ، وأشراف الناس لا يأكلونه، فليس من حق التميمي أن يفاخر.

وقول "ابن نُباتة":

*سَلَبَتْ مَحَاسِنُكَ الْغَزَالَ صِفَاتِهِ * حتَّى تَحَيَّرَ كُلُّ ظَبْي فِيكَا*

*لَكَ جِيدُهُ ولِحَاظُهُ وَنِفَارُهُ * وَكَذَا نَظِيرُ قُرُونِهِ لأَبيكَا*

فأورد الشطرة الأخيرة مورد الهزل وهو جادٌّ ضِمْناً. إذْ يَذُمُّ أبَاهُ بعدم مراقبة ابنه وحمايته من الْفُسَّاق.


ومن شواهد الهزل الّذي يراد به الجد من الشّعر العربي قول الشاعر من الطّويل :


    إذا ما تميميٌ أتاك مفاخراً

       فقل عد عن ذا كيف أكلك للضّبِّ


وقد أنشد ابن المعتز في هذا الباب قول أبي العتاهية من البسيط :


    أرقيك أرقيك باسم الله أرقيكا

            من بخل نفسك علّ الله يشفيكا


    ما سلمُ كفّكَ إلّا من يتاركُها

                      ولا عدوُّك إلّا من يرجّيكا


والفاتح لهذا الباب امرؤ القيس حيث يقول من الطّويل :


    وقد علمَت سلمى وإن كان بعلَها 

               بأنّ الفتى يهذي وليس بفاعلِ


وما رأيت أحسن من قوله ملتفتاً: وإن كان بعلها.

كاتب
كاتب
مصطفى خميس خريج كلية اللغة العربية جامعة الإسكندرية، لعيب كرة قدم سابق لدي نادي أهلي دمنهور، مدون ومحرر اخبار ومالك عدة مواقع إلكترونية.
تعليقات