الفرقُ بَينَ التّشبيهِ التّمثيليّ والضّمنيّ
____________________________
٠١إن التّشبيهَ التمثيليّ يكونُ فيهِ
وجهُ الشّبهِ صورةً مُنتزَعَةً مِن مُتعَدِّدِ أمرَين،أو أمور،وهذا ما ذهبَ إليهِ مذهبُ جمهورِ البلاغيين...
قَالَ الله تعالى :
((مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلُةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ وَاللهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَآءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)).البقرة/٢٦١.
نجد _هنا_ أن :
المشبَّه هو حال من ينفق قليلًا في سبيل الله.
أمّا المشبَّه به فهو حال من زرع حبة فأنبتت هذه الحبة سبع سنابل.
أمّا وجه الشّبه فهو صورة توضح أن من يعمل قليلًا فيجني من ثمار عمله الكثير، وإن وجه الشّبه قد انتُزِع من أمور كثيرة منها الحبّة وإنباتها سبع سنابل بالإضافة إلى أن في كل سنبلة مائة حبة.
٠٢أمّا التشبيه الضّمني فلا نستطيع أن نضع فيه المشبَّه والمشبَّه به في صورة من صور التشبيه الشائعة، بل يظهر معناهما في السياق والمعنى،بالإضافة إلى التركيب، وإنّ هذا القسم من التشبيه يأتي ليوضح أنّ الحكم المضاف إلى المشبَّه ممكن.
مثال:
قَوْل أبي تمّام:
“لا تنكري عطَل الكريم من الغنى … السيل حرب للمكان العالي”،
فيريد الشّاعر ضمنيًّا أن يقول للفتاة التي يخاطبها أن لا تنكري خلوّ الرجل الكريم من الغني، فإنّ هذا ليس غريبًا، وإنّ قمم الجبال لا يستقر فيها ماء السيل، ونجد أن هنا تشبيه ضمني ولو أراد أن يوضح الصورة بأسلوب تشبيهي معروف لقال:
إن الرجل الكريم المحروم الغني يشبه قمة الجبل وقد خلت من ماء السيل، ولكن لم يذكر الشّاعر هذا التّشبيه صراحة،بل حاول إيصال الفكرة باستخدام التشبيه الضمني، وقد أتى بجملة مستقلة تتضمن هذا المعنى.
٠٣التّشبيه التمثيلي هو مِن أقسام التشبيه بالنظر إلى وجه الشبه.
أمّا التّشبيه الضمني فهو من أقسام التّشبيه من حيث ذِكر الأركان وحذفها.
وهنا نجدُ أنّ الفرقً بينمها واضح حيث أن الأوّل_وهو التشبيه التّمثيلي_تُذكَر فيه أركان التشبيه على طريقة واضحة،وبمعنى ظاهر دون الثّاني الذي لا يتم ذِكر التّشبيه فيه،مع العِلم أنّ وجه الشّبه في هذين النوعين من التّشبيه يُفهم من أمور وكلام وليس بلفظ خاص.
أمثلة على التّشبيه الضّمني والتّمثيلي:
__________________
أ٠ أمثلة على التشبيه الضّمني:
قَوْل أبي فراس الحمداني:
“سيذكرني قومي إذا جد جدهم .. وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر”،
وهنا يريد الشّاعر أن يقول:
إنَّ قومَهُ سيطلبونَهُ عندما تشتدُّ الأهوالُ عليهم،ولكنّهم لن يجدوه، ولا عجب في ذلك حيث أنّ البدرَ يُفتَقَدُ ويُطلَبُ عندما يشتدُّ الظلام.
ونستنتجُ مِن هذا الكلام بأنَّهُ يوحي قد تضمّن تشبيهًا غيرَ مُصرَّحٍ به، فقدْ قامَ الشّاعرُ بتشبيه حالهِ ضمنيًّا،وقدْ قامَ قومُهُ بذِكرِه،ولكنّهم لمْ يجدوه، فهوَ بحالِ البدرِ يُطلَبُ عندما يشتدُّ الظلام، فهوَ لمْ يُصرِّحْ بهذا التّشبيهِ بشكلٍ صريح،بل تمّ إيراده في جملة مستقلّة،وضمَّنهُ هذا المعنى في صورةِ برهان.
قَوْل البحتري:
“ضحوك إلى الأبطال وهو يروعهم .. وللسيف حد حين يسطو ورونق”، وهنا نجدُ أنّ البحتريّ لمْ يصرِّحْ بالتّشبيه،ولمْ يكنْ واضحًا،فيقول:
إنَّ حالَ الممدوحِ يضحكُ في غيرِ مبالاةٍ عندما يلتقي بالشجعان، ويفزعهم ببأسهِ وَسَطْوَتِهِ الّتي تشبهُ حالَ السّيفِ عندَ الضّرب،فلهُ رونقٌ وفتكٌ، ولكنّهُ عبّرَ عنْ ذلكَ بشكلٍ ضِمنيّ.
ب٠أمثلة على التّشبيه التّمثيليّ
قَوْل عبد الله بن المعتزّ:
“اصبر على مضض الحسود فإن صبرك قاتله .. فالنار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكل”،
فالمشبّه_هنا_ هو صورة الحسود إذا صبرت عليه وعلى حسده، أمّا المشبّه به فهو صورة النار عندما تحرق الحطب وتأكله،وعندما لا تجد شيئًا تحرقه فهي تحرقُ بعضها بعضًا.
وجه الشّبه:هو صورة شيء يترك فلا يلحق الأذى بغيره بل بنفسه.
قال الشّاعر بشار بن برد:
“كأن منار النقع فوق رؤوسنا .. وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه”
وهنا نجدُ أنَّ المشبّه:هو الغبارُ المُثارُ في معمعةِ القتالِ الّتي تثيرُها كثرة الحركة، والمشبّه به:هو الليل الدامس الظلام الذي تتهاوى فيه الأجرام السماويّة اللامعة التي تخطف الأبصار، أمّا وجه الوجه فهو صور متعددة تجمع(صورة الظلام والإشراق واللمعان) معًا.