سر ارتفاع الفاعل وانتصاب المفعول
السبب في كون الفاعل مرفوعًا والمفعول منصوبًا والمضاف إليه مجرورا وجوه:
الأول: أن الفاعل واحد، والمفعول أشياء كثيرة، لأن الفعل قد يتعدى إلى مفعول واحد، وإلى مفعولين، وإلى ثلاثة، ثم يتعدى أيضًا إلى المفعول له، وإلى الظرفين، وإلى المصدر والحال، فلما كثرت المفاعيل اختير لها أخف الحركات وهو النصب، ولما قل الفاعل اختير له أثقل الحركات وهو الرفع، حتى تقع الزيادة في العدد مقابلة للزيادة في المقدار فيحصل الاعتدال.
الثاني: أن مراتب الموجودات ثلاثة: مؤثر لا يتأثر وهو الأقوى، وهو درجة الفاعل ومتأثر لا يؤثر وهو الأضعف، وهو درجة المفعول، وثالث يؤثر باعتبار ويتأثر باعتبار وهو المتوسط، وهو درجة المضاف إليه، والحركات أيضًا ثلاثة: أقواها الضمة وأضعفها الفتحة وأوسطها الكسرة، فألحقوا كل نوع بشبيهه، فجعلوا الرفع الذي هو أقوى الحركات للفاعل الذي هو أقوى الأقسام، والفتح الذي هو أضعف الحركات للمفعول الذي هو أضعف الأقسام والجر الذي هو المتوسط للمضاف إليه الذي هو المتوسط من الأقسام.
الثالث: الفاعل مقدم على المفعول: لأن الفعل لا يستغني عن الفاعل، وقد يستغني عن المفعول، فالتلفظ بالفاعل يوجد والنفس قوية، فلا جرم أعطوه أثقل الحركات عند قوة النفس، وجعلوا أخف الحركات لما يتلفظ به بعد ذلك.